قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن والعشرون

صعد المسعفون حاملين السرير النقال به للطابق العلوي كي لا يتحرك حركة تضر بساقه المكسورة وجميعهم يصعدون من خلفه..
حتى تركوه على فراشه ومنعوا عنه الحركة تمامًا، حيث شدد أحدهم: - على الأقل 21 يوم لحد ما يقوم من السرير
تركت وتين حقيبتها جانبًا وهي تردد: - حاضر
ثم نظرت باتجاه حسن: - وصلهم من فضلك ياحسن
وصحبهم نحو الخارج..

كان رحيم متجهم الوجه حابس لآلامه رافضًا إظهارها، ولكن لو تنظر لوجهه تحس بغضب الدنيا كله قد تجمع في ملامحه الممتعضة، حتى هي خشيته وخافت أن تتحمل عواقب ما حدث كونها المتسببة في هذه الأحداث التي تتلاحق عليه.
ظلت واقفة بالقرب من الفراش منتظرة أن يتفوه بكلمة، أو يصدر أي رد فعل وإن كان غاضبًا، ولكن لم يفعل، مما ضاعف من مخاوفها أكثر..

دنت منه وجلست على بُعد مسافة معينة ثم نظرت لذراعه الملفوفة وسألت: - حاسس بوجع؟
فأفاض أخيرًا بما يشعر الآن: - حاسس بنار، نار بتاكل فيا ومش هتهدى غير لما اجيبه الأرض
أنقبض قلبها بتخوف من هذه المعركة التي ينتويها بلا هوادة وحاولت أن تغير مجرى الأحداث المتوقعة: - انت دلوقتي عصبي و...
فقطع عليها هذا الطريق على الفور: - مش عصبي
- طب اللي حصل حصل ازاي؟

أهتز صدغيه وهو يضغط بإنفعال على أسنانه: - ضربوني في ضهري، عشان عارفين إنهم مش هيقدروا على مواجهتي
ولج صفوت مستوفضًا وهو يحمل ملابس نظيفة و: - جبتلك هدوم خفيفة عشان تعرف تنام يارحيم
ثم نظر باتجاهها بازدراء متابعًا: - مش عارف كل ده كان مستخبي فين!
- صفوت!
تحرجت وتين من وضعها هذا وانسحبت بهدوء: - طب انا هخرج لحد ما تغير هدومك
- خلي حسن يوصلها ياصفوت ويطمن انها دخلت البيت.

ولكنها فجرت المفاجأة وأعلنت عن قرارها: - لأ انا مش هروح، هقعد معاك هنا
- هنا فين؟!
قالها مذهولًا، بينما أكدت هي بإصرار: - هنا معاك
نظر رحيم لحال ذراعه وساقه ثم أطبق جفونه: - لو حاسة بالذنب ف أنا بوفر عليكي وبقولك انتي ملكيش دعوة و...
- رحيم
قاطعته هي الأخرى بنفس طريقته، ثم تابعت: - أنا هقعد هنا حتى لو انت رافض.

ثم استدارت ملتفتة لطريقها نحو الخروج حينما كان صفوت يراقب ما يحدث بصمت، وما أن خرجت حتى قال: - شايف المصايب اللي بدأت تمطر علينا يارحيم؟
- أنا شايف إن الوجع هيموتني ورغم كدا لسه بعافر، بلاش تبقى انت كمان عليا
واستُدرج للتفكير في أمر آخر، فيها هي، هل سيأتي يومًا تطلب فيه قربه برضاها حقًا أم إنها أضغاثهِ التي يحلم بها في الصحو قبل النوم؟.

لو يدفع عمره مقابل نظرة حُب منها سيدفعه برضا، بل ل يموت بعدها أيضًا فهذا اكتفاءهُ من الدنيا، لو تعلم هي كمّ يعشق حتى طيفها إن مرّ، لو تشعر فقط ب ذلك، ل ندمت أشد الندم على أيام مضت في البُعد عنه.

كان الوقت مبكرًا للغاية، هي غير معتادة على الاستيقاظ مبكرًا ولكنها لم تنام جيدًا بالأمس وقد قضت ليلها في الذهاب إليه تخطف نظرة تطمئن بها عليه ثم تذهب، كان يشعر بها في كل مرة، صوت خطواتها التي يحفظها تسبقها أينما كانت، كان يتركها تمر من جواره تاركة أثر رائحتها خلفها ثم يعاود فتح عيناه بعد ذهابها.

وقفت وتين تضع الأطباق على الحامل الكبير عقب أن ملئتهم بأصناف مختلفة من الأجبان والأطعمة المناسبة لطعام الفطور، كان الأرهاق باديًا على وجهها وهي ترفعه منتقلة للخارج، ولكن استوقفها دخول صفوت الذي شمل الطعام وهو يردد ب امتعاض: - جبنة ومربى وفلامنك وقشطة وعسل!، مين هياكل كل ده؟
رمقته بنظرات مستنكرة و: - أكيد مش انا
- رحيم مش بيحب المربى ولا العسل ولا أي حاجه فيها سكريات، وكمان مش بيشرب البرتقال!

تنغض جبينها ب استغراب و: - لأ بيشربه
ف ابتسم بسخافة و: - أنتي هتعرفيه أكتر مني مثلًا!، ده انا اللي مربيه
تنهدت وتين و: - هبقى اشربه أنا
- ومش بياكل العيش التوست، في عيش شامي تقدري تاخدي منه
- شكرًا على النصيحة، عن أذنك
تجاهلت نصائحه معتقدة إنها على حق، فإنه شرب مشروب البرتقال خاصتها وأكل من خبز التوست حينما كان ضيفًا عندها منذ زمن، ف كيف يتغير مزاجه الآن!

صعدت وتين لغرفته ووضعت الطعام على الطاولة، ثم فتحت الستائر القاتمة لتخترق آشعة الشمس الغرفة فيضخ النور فيها، شهقت بصدمة عندما لم تجده في الفراش، وقبل أن تخرج من الغرفة لتبحث عنه كان يخرج من المرحاض الملحق بالغرفة مستندًا على عكازه الطبي، ف رمقته ب ازدراء و: - أنت قومت لوحدك ليه؟
- أنا مش مشلول، هو حتة كسر بسيط وهيلم بسرعة
ذمّت شفتيها وهي تقبل عليه و: - حتى التعب فيه عند!

وراحت تمسك بذراعه تضعها على كتفها و: - أنا جيبتلك فطار عشان لازم تاخد الدوا بعديه
كانت عينه تلتقط رأسها وخصلات شعرها العلوية، فهي بالكاد قصيرة بالنسبة لطوله الفارع، متلذذًا بوضعية ذراعه على كتفها كأنه يحتضنها، منع تسريب بسمة طفيفة على ثغره، وأدعى التألم متآوهًا: - آآآه
ف توقفت عن جذبه نحو الفراش ورفعت رأسها تسأله بتلهف: - في إيه!
- براحة شوية انتي بتسحبيني بسرعة.

فأبطأت من خطواتها غير شاعرة بشئ من المؤامرة: - أنا آسفه، حاضر
ترك جسمه يتحرك معها تبعًا لحركتها البطيئة، متناسيًا آلامه والوجع العظيم الذي كان يضرب عظامه منذ قليل، كل شئ ذهب عنه وبقى فقط شعوره بالطمأنينة، وإن كان شعورًا مؤقتًا ولكنه شعور لا يوصف..
أجلسته على المقعد العريض المبطن ونظرت لساقه: - مرتاح ولا اجيبلك كرسي تحط رجلك عليه
- لأ مش عايز.

أول ما فعلته أن ناولته كأس العصير مختبرة بذلك صحة ما قاله صفوت: - طب اشرب العصير الأول وبعدين تاكل
نظر للكأس بعدم رضا و: - مش بحب البرتقال، عايز فنجان قهوة
تركزت نظراتها المشدوهه عليه وهي تتسائل بفضول: - لما انت مش بتحبه شربت بتاعي واحنا في الحفلة ليه؟

تعلقت نظراته هو الآخر عليها بصمت غريب، ولكن نظراته لا تحمل سوى معنى واحد لم تستطع هي ترجمته، طالت نظرته الصامتة حتى دفعها للخجل، ف أخفضت بصرها وهي تترك المشروب، ثم أشارت للخبز وهي تسأل: - هتاكل بالتوست ولا أجيبلك عيش شامي!
- ياريت شامي، مش بحب التوست
فخرجت منتوية تنفيذ مطلبه، حينما تعقبها هو بنظرات تتوق لها هامسًا: - شربته بس لأن طعم شفايفك كان فيه
ثم حرك ساقه وهو يتأوه متألمًا: - آه!

منذ وقت وهي بداخل دورة المياه ولم تخرج منها، حتى أثارت قلق شريفة عليها..
طرقت شريفة الباب وهي تتسائل: - ماريا، انتي كويسة!
لم تستمع حتى لصوتها، ف زاد قلقها وهي تنادي بصوت أعلى: - أنتي سمعاني ياماريا!، ردي عليا!

أضطرت شريفة لفتح الباب عليها، لتجدها ملقاه على الأرضية فاقدة لوعيها، ف صرخت وهي تنحني عليها محاولة رفعها عن الأرض ولكنها كانت ثقيلة للغاية، فخرج صوتها المتألم الممزوج بآنين البكاء: - ردي عليا ياحببتي، جرالك إيه بس!
وشعرت بالعجز يتملكها، هي بمفردها في المنزل وحتى زوجها غير موجود منذ الصباح، لم تجد سوى الإستنجاد بالجيران المحيطين بها لنقلها إلى المشفى في أقرب وقت خاصة بعد أن فشل الجميع في إفاقتها..

في هذه الآونة..
كانت وتين تترجل من سيارة الأجرة أمام الصرح الكبير الذي يخص نائل حليم، عقب أن تلقت هذا الصباح إخطار في غاية الخطورة، وكأنه وضع يده على جرحها ف فتقه من جديد بعد أن بدأ يرتتق، هكذا يقول لا أتنازل.
في الوقت الذي عبرت فيه وتين الباب الرئيسي بسهولة بأمر من نائل نفسه كان هو ينتظر مواجهتها عقب هذه الضربة الموجعة التي ضربها إياها في مساء البارحة.

عيناه لم تتحرك عن ساعة يده وهو يعد الثواني واللحظات متشوقًا متلهفًا، تنقلت نظراته نحو الباب منتظرًا أن تهبّ عليه گالعاصفة وتصرخ وتصيح رافضة ما فعله، ولكنه تفاجئ بموظفة الأسقبال تدخل: - مدام وتين برا بتستأذن للدخول
- دخليها.

وظل جالسًا بعجرفة هكذا، حتى ظهرت بإطلالتها الساحرة مرة أخرى، ثوب أسود جديد وكأن اللون الأسود خلق فقط لأجلها، دنت من مكتبه، ثم قذفت بهذا الإخطار في وجهه وتسائلت بهدوء أزعج فتوره: - إيه ده!
فنظر للورقة بتهكم وهو يقول: - اللغات نستك تقري بالعربي!، عمومًا هسهل عليكي أنا برضو يهمني راحتك، ده إخطار من الشؤون القانونية هنا في الشركة، بتدعوكي للألتزام بشغلك هنا معانا وإلا هنضطر ناخد ضدك إجراء مش هيعجبك.

ف ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تتسائل بعدم تصديق: - أنا أشتغل عندك أنت؟
أنت أكيد بتحلم، والحلم ده هيتقلب كابوس يانائل
وقف عن جلسته والتفت حول مكتبه وهو يردد ببرود: - تؤ، مش بحلم، والكابوس اللي بجد انتي اللي هتعيشيه لو رفضتي أو مرجعتيش تاني معانا، السيزون بيبدأ وانتي أهم واحدة في الفريق يافنانة.

بدأ صدرها يطبق على أنفاسها ولكنها تواري هذا مدعية صلابتها الزائفة: - عشان كدا خلتني أوقّع على العقد!، عشان تضمن وجودي حتى لما اجبرك تسيبني؟!
- بالظبط، أنتي كدا ابتديتي تفهميني، أنا ببص لقدام، عمري ما ابص تحت رجلي، ولما عملت معاكي ال deal ده كان عشان كدا.

اقترب منها أكثر وأخفض صوته قائلًا: - عشان تفضلي معايا وتحت عيني
تراجعت للخلف خطوة وهي ترمقه ب احتقار، ف عقّب على نظراتها التي أثارت حنقه: - بلاش البصه دي، أنا عارف إني لسه جواكي، أوعي تفتكري إني صدقت الشويتين بتوعك انتي ورحيم دول! بكرة هترجعيلي وبأرادتك.

ثقته المبالغ فيها أزعجتها، أحست إنه يراها لا شئ، كائن ضعيف لا يملك أدنى حيلة، أخفضت نظراتها عنه وتسائلت: - للدرجة دي شايفني ضعيفة!
- خالص
تجرأ وبيده لمس وجهها وهو يقول: - أنا شايف حبي اللي لسه مالي عنيكي
دفعت كفه عنها و: - متلمسنيش
ثم رفعت رأسها بشموخ و: - هفكر في العرض بتاعك وبعدين أبلغك ردي
أولته ظهرها مستعدة للرحيل، ولكنه تابع بعبارة أوقفتها: - ده مش عرض وطلب، ده إجباري ياوتين
- برضو هفكر.

واستمرت في طريقها ماضية لا تعرف أين المفر هذه المرة، وكيف ستتخلص من هذه المُعضلة التي تركت نفسها بداخلها، حشرها بالمنتصف مرة أخرى ولم يكتفي حتى الآن بما أوصلها له..
ذهبت لمنزل رحيم مرة أخرى عقب أن تركته بمفردهُ بالأمس وهي تفكر كيف ستروي له ما حدث!، سيكون رد فعله مصيبة أخرى وهذا ما شغلها أكثر من أي شئ آخر، عادت متأملة أن تجده، فهو ممنوع من الخروج بتاتًا ولم يمر سوى يومان على الحادث..

ولكن المفاجأة إنه لم يكن موجودًا بغرفته، بحثت في الأرجاء ولم تجده، ف اضطرت اللجوء ل صفوت متسائلة إياه: - هو رحيم خرج؟
- آه خرج بقاله 3 ساعات برا، حاولت امنعه معرفتش
نفخت بتذمر وهي تلتفت حولها بعقل منشغل و: - إزاي بس الكلام دا، الدكتور قايل 21 يوم ميتحركش من السرير!، إيه الإستعباط ده!

لم تجد جوابًا من صفوت الذي ظل ناظرًا إليها بتفحص دون أن ينطق، حينها كان هاتفها يرن ب استمرار ولكنها متجاهلة إياه، وعندما سئمت صوته أخرجته ب انزعاج لتجد رقم شريفة، نفخت بتذمر وهي تردد بصوت خافت: - مش وقته خالص
ثم ألقته بالحقيبة غير مهتمة وأمسكت بها لترفعها على كتفها و: - أنا هروح مشوار وارجع تاني يكون وصل
صوت أبواق سيارته أصدر ضجيجًا مرتفعًا، ف انتبه له صفوت و: - أهو حسن السواق جابه وجه.

- خليك انت أنا هشوفه
أسرعت للخارج لتجد حسن يفتح الباب الخلفي ويسحبه بهدوء لخارج السيارة، ثم تركه يشق طريقه بنفسه، كاد رحيم يتعثر عندما انزلقت العصا الطبية من يده لولا إنها حالت بينه وبين السقوط وهي تجتذبه لأحضانها: - حاسب
كان رد فعله أن ضمها إليه مستندًا على كتفها بصدره وابتسامته تُزين محياه، استشعر سخونة جسمها الذي أنبئه بوجود شئ ما أثار توترها، زفر وهو يعود للخلف خطوة: - مالك؟

حاولت أن تتستر على الأمر قليلًا ريثما يرتاح على الأقل: - مفيش، أنت كنت فين؟
فكان جوابه غامضًا كتعابير وجهه التي تجهمت وهو يرد: - موضوع كنت بخلصه، وشك متغير، قولي في إيه؟!
تعمقت في النظر لملامحه متابعة التغيير الذي سيعتريها على الفور و: - في حاجه حصلت
- أمممم وبعدين
أمسكت برسغه و: - طب تعالى نكمل جوا متقفش كدا
- وتين!
تلجلجت خشية من إخباره و: - إيه!
فقال بحزم عاقدًا لحاجباه: - في إيه انطقي!

فقالت العبارة دفعة واحدة لتتخلص: - كنت موقعة عقد مع شركة نائل عشان هصمم شغل ليهم ودلوقتي نائل بيلزمني أنفذ العقد ده.

تملكت الشكوك من رأسه وصارحها بهذا مباشرة: - عقد إيه وشغل إيه اللي هتعمليه! انتي مجيبتيش سيرة بالكلام ده قبل كدا خالص!
وقطب جبينه باحتقان: - انتي بتلعبي عليا! هتعملي نفس اللي عملتيه قبل كدا صح!
شعورها بالظلم هذه المرة جعلها تندفع لتبرئة نفسها أمامه: - والله لأ محصلش، أنا بعد ما روحت من عندك امبارح جالي الإخطار وعرفت
- يعني من امبارح وانتي جاية تقوليلي دلوقتي!
- ماانا كان لازم افهم منه و، أواجهه.

ضخت الدماء في عروق رقبته وتحول لون وجهه للحمرة القاتمة حينما قبض على مرفقها متسائلًا بنبرة محتدمة: - أنتي روحتي قابلتيه!
- آآه، كان لازم افهم منه و...
فصاح فيها وأصابعه تنغرز أكثر في ساعدها: - تفهمي إيه!، هو عامل كل دا عشان تروحي وانتي بكل غباء تحققي رغبته!

ترك ذراعها وهو يدفعه والتفت وهو يستند على السيارة: - أركب ياحسن
لحقت به تمنعه مما ينوي عليه و: - انت رايح فين وانت بالحالة دي!
دفعها بظهر يده و: - أبعدي عني بدل ما كل غضبي يطلع فيكي انتي، أبعدي
بالفعل خشيت مواجهته أو الوقوف أمامه حاليًا وهو في ذروة غضبه، وقبعت بمكانها ترى السيارة وهي تخرج مرة أخرى مبتعدة وهو بداخلها يتآكل داخله تآكلًا..
دفنت وتين أصابعها بين خصلاتها وهي تتمتم: - أنا غبية، غبية.

مازال هاتف فضل مغلق منذ صبيحة اليوم وعلى غير العادة، لم تسأم شريفة من معاودة الإتصال به رغم ذلك متمنية أن يجيب على الهاتف ولكن لا جدوى مما تفعله، ظلت واقفة هكذا بالخارج منتظرة أن يخرج الطبيب بعد أكثر من نصف ساعة انتظار طويل وممل ولا تعلم ما هو مصاب ابنتها الوحيدة، نظرت ب اتجاه الباب وهي تردد بصوت خفيض: - يارب استرها يارب، بقالها فترة مش عجباني!

وامتعض وجهها وهي تتابع: - والتانية عاملة فيها هانم ومش بترد عليا! على أساس إني هطلب منها إيه يعني؟!
خرجت الممرضة بيدها حامل معدني كبير يحتوي على مخلفات متعددة، فأمسكت شريفة برسغها بسرعة و: - بنتي مالها؟
- الدكتور عملها غسيل معدة بعد كمية البرشام اللي هي بلعتها، تقريبًا كانت عايزة تنتحر.

شهقت شريفة وهي تضع كفها لتكتم فمها المنفرج بعدم تصديق وسرعان ما تسائلت: - طب ودلوقتي عاملة إيه؟
ف وجهتها للدخول و: - تقدري تدخلي تطمني عليها
لم تنتظر حتى نهاية الجملة وهرعت للداخل حيث مرقت الرواق ومنه للغرفة، كان الطبيب يضخ محلول بداخل إبرة طبية في المحاليل المعلقة جوارها، رؤيتها في حالتها الضعيفة تلك كان كافيًا لمضاعفة القلق بداخلها، استندت بوهن على الفراش وهي تتسائل: - هي عاملة إيه دلوقتي!

- بقت أحسن، وهنتأكد من ده لما تصحى، أحمدي ربنا بنتك حظها حلو
ثم التفت إليها وهو يتابع: - إحنا أنقذنا الجنين في اللحظة الأخيرة
للحظة لم تستوعب ما قيل لها، واستغرق الأمر منها وقتًا حتى أدركت معنى ما قيل، ضاقت عيناها وتشوشت الرؤية متأثرة بإضطراب في ضغط الدم و: - جنين!، جنين إيه؟
فتسائل الطبيب بريبة: - متعرفيش إن بنتك حامل في الأسبوع السادس يعني تقريبًا نص الشهر التاني.

جف حلقها وبدأ جسمها يتعرق بغزارة، مع بسمة ساخرة طفت على وجهها وهي تهمس: - حامل!
أحس الطبيب بشئ ما غير طبيعي، ولكنه لم يوضح شعوره ذلك كون حساسية هذه المسائل حساسية مفرطة..
لم تتحمل شريفة تبعات هذا الخبر على عقلها، حيث هوت ساقطة على الأرضية فاقدة وعيها ليسرع الطبيب لاحقًا بها وهو يصيح: - يا Miss رضوى..!

الأجواء المحيطة مظلمة للغاية، لا يوجد سوى خطين من الأضاءة المنبعثة عن طريق كشافات السيارة..

تعرج رحيم وهو يسير على ساقه المكسورة مستندًا على حواف السيارة بكل جرأة متجاهلًا نصائح الطبيب الذي أوصى بضرورة الراحة التامة، ثم جلس على حرف السيارة الأمامي ونظر من هذا المرتفع الجبلي الذي ترى عبره العاصمة كلها، نظر في ساعة يده وهو يتأفف، ثم عاد ينظر أمامه من جديد، رنّ هاتفه فجأة، فأجاب متحفزًا لسماع الخبر: - ها، عملتوا إيه؟
- خلاص الست إياها بقت تحت إيدنا.

فقال ب اقتضاب: - عظيم، خليها معاك لحد مااخلص واكلمك
نزع الهاتف عن هاتفه وهو يردد بصوت خافت: - غبية ياسوسن، فكراني مكنتش هعرف اوصلك ولا هسيبك تمشي كدا بعد عملتك السودا!
تحرك أمام ناظريه أضاءة سيارة أخرى تقترب منه، ف علم إنه هو المنتظر، لم يحرك ساكنًا وظل في ثبات هكذا، حتى ترجل نائل عن سيارته وأقترب منه وهو يردد بسخرية ناظرًا حوله بتفحص: - حلو المكان دا، بس يارب يكون سبب دعوتك مقنع لأن وقتي ضيق.

وقف قبالته ليرى ساقه المحاطة بالجبيرة، ف قوس شفتيه بأسف و: - ألف سلامة ياعريس، أوعى تفتكر إني وراها!، أنا بضرب في الوش على طول مش بستنى عدوي يديني ضهره.

وقف رحيم متصلبًا وكأنه لم يُخدش خدشًا واحدًا، ثم ابتسم بسخافة وهو يقول: - متقلقش، عارف إنك بعيد عن الحركة النجسة دي، واللي عملها أخد جزاءه خلاص
(عودة بالوقت للسابق)
كان فضل ملقى على الأرض وقد تم تقييده بسلاسل حديدية قوية، حينما وصل رحيم ليجده على هذه الحالة، رمقه بتشفي وشماتة وهو يقول: - فاكرني إيه يافضل! لو شفت سكوتي عليك ضعف تبقى غبي، أنا لو عديتلك عديت عشان وتين بس.

نظر رحيم لساقه المكسورة وبدا صوته حادًا صارمًا وهو يتابع: - لما جيتلي المعرض وعملت النمرة بتاعتك وقولتلي ابعد عن وتين وانا مش موافق والحوارات دي حسيت إن وراك مغرز، بس الشهادة لله انت مبتعرفش ترسمها وتلعبها صح.

رمقه فضل باستهجان و: - أنت فاكرني هخاف منك! ولا عشرة زيك يهزوا شعرة مني
- تؤ، مش جاي أخوفك، أنا جايبك عشان تبقى العين بالعين والسن بالسن
أشار لساقه و: - أنت كسرتلي رجل
مدّ يده برجله الواقف بالقرب منه ليناوله عصا حديد، ثم تابع بنبرة مخيفة عالية: - أنا هكسرلك الأتنين.

وبلمح البصر كان قد رفع العصا وهوى بها على منتصف ساقه، ضربة واحدة كانت كافية لكسر عظمة الساق الأمامية ليصرخ بعدها فضل صرخة مدوية نتيجة ألم مبرح لا يمكن وصفه و...

(عودة للوقت الحالي)
مط نائل شفتيه ب استنكار و: - رغم إنه اتعامل معايا فترة مش قليلة بس طلع تلميذ خايب، معرفش ينشن صح
كتف نائل كفيه خلف ظهره وسأل: - أكيد مش جايين هنا عشان تحكيلي إنجازاتك!
كانت نظرة رحيم ثاقبة وهو يلقي بجملته: - قول عايز إيه مقابل إنك تبعد عن وتين وللأبد
- مفيش حاجه تكفيني.

ضاقت عينا رحيم وهو يستهجن إجابته: - بس ده مكانش اتفاقنا!، أنا قولتلك مجرد ما هتاخد اللي انت عايزه هتختفي من حياتها.

^عودة بالوقت عام وتسعة أشهر^
استند رحيم على سطح المكتب وهو يردد بنبرة متوعدة: - لعبتك اتكشفت، أنت مين وإبن مين وعايز منها إيه، كل ده عرفته، بكل سهولة ممكن اروح وأوريها البني آدم اللي اختارته عليا يبقى مين وبيرسم على إيه.

انتصب واقفًا وتابع: - بس انا مش هعمل كدا، عارف ليه؟
أنا هسيبها تتكوي بالنار اللي كوتني بيها، هسيبها تدفع تمن اختيارها ليك وتفضليك عني، عشان بعدها هترجعلي مكسورة ومش هيبقى ليها غيري.

ضحك نائل ملء شدقيه حتى اغرورقت عيناه، ثم توقف وهو يقول بسخرية: - يعني هتسيبني أنا أنتقملك بالمرة!، مش خايف تكتشف إنك كنت عارف الحقيقة وسيبتها!
- مش هتعرف، وزي ماانا بلعت سرك وشربت عليه ميا، أنت كمان هتسكت، وهتنسحب فورًا مجرد ما توصل لمرادك.

^عودة للوقت الحالي^
ذكرّه رحيم بهذا الإتفاق الذي عقده معه عندما اكتشف حقيقته، ولكن لم يجد نتيجة لتذكيره هذا: - متهيألي فكرتك، أبعد وكفاية اللي خدته، أنت عارف إني مش هسيبها تشتغل معاك لو السما اطربقت على الأرض.

هز نائل رأسه بالسلب و: - الصراحة اللعبة عجبتني أوي يارحيم ياخويا، ولسه بدري على ما الجيم يخلص
فكان جواب رحيم جاهزًا على الفور: - يبقى حد فينا لازم يخلص على التاني، حد فينا لازم يموت
حينما يكون الإنسان مبعوث للشيطان، يكون في خطره أعتى وأكثر جبروتًا، أحيانًا تعميك نيران الأنانية والحقد عن الرؤية الصحيحة، رغبتك في الأنتقام لنفسك تصنع منك إنسان ترعرع في قلبه شيطان.

بنفس اللحظة كان السلاحين بفوهتهما أمام بعضهما، كل منهم أخرج سلاحه في وجه الآخر معلنًا النية الحاضرة في قتل الآخر، كل منهما نظراته تشعّ بالنية الصادقة في القتل، وإنه لن يترك الأمر هكذا، بات الأمر شخصيًا أكثر، وكلاهما لن يتركا وتين إلا في حال الموت، أي لابد من موت واحد فيهم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة