قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث

فرغ عامل الفندق من حمل حقائبها وحقائب زوجها الغائب لخارج الغرفة في هذا الصباح الباكر، لم تتعدى الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وهي لم تتذوق للنوم طعمًا منذ الأمس.
ماذا يعني ذلك!، ولماذا قام بحجز خمسة أيام فقط رغم إتفاقهم على قضاء عطلة طويلة سويًا؟ وكيف لم يخبرها بهذا من قبل!؟، كل هذا جعلها ستجن بحق.
هذه المرة الثالثة التي يسأل فيها العامل وهي مازالت شاردة بعالم آخر: - يا مدام!، حضرتك مش سمعاني!

انتبهت وتين له أخيرًا، ورمشت عدة مرات وهي تردد: - أيوة
- بقول لحضرتك العربية تحت مستنياكي وانا نزلت كل الشنط
- أنا نازله وراك.

وخرج العامل، شملت وتين الغرفة التي قضت بها أسعد يومين في حياتها أجمع، ثم مكثت فيها وحيدة ثلاثة أيام أُخرّ، هناك خطبًا ما خطأ بالموضوع ولكنها لم تدركه بعد، تنهدت وتين وهي تتحسس موضع قلبها الذي يؤلمها بشدة، ثم وضعت النظارة الشمسية القاتمة على عيناها لتحجب عنها عيون المتطفلين، فقد تجلى على ملامحها الأرهاق وأرق الليل الذي هجدتهُ والتفكير المفرط الذي عانت منه الأيام الماضية..

وضعت الهاتف على أذنيها تتحدث فيه وهي تغادر أرض الفندق، وتحدثت بصوت أشبه للطبيعي: - أيوة ياماما، طمنيني عليكي انتي كويسة، تمام، انتي مش في ال?يلا؟، ماشي
ثم سألتها بسؤال يحمل مغزى معين: - هي طنط ثريا كلمتك من ساعة الفرح!، لأ مفيش، بسأل عادي
ثم استقلت السيارة التي ستقلها للقاهرة و: - هقفل معاكي وارجع اكلمك تاني ياماما، سلام ياحببتي.

ثم أغلقت الهاتف وهي تتمتم: - يعني طنط ثريا تعرف حاجه من اللي حصل ولا لأ؟!، يمكن تكون عارفه هو فين على الأقل!، ده ابنها.

ثم نفخت وهي تنظر عبر النافذة و: - برضو مقدرش اكلمها اسألها، هتقولي كان معاكي ازاي متعرفيش وتطول لسانها أكتر ما هو طويل أساسًا؟!

رفعت النظارة عن عيناها، ثم فركتهما بتألم و: - أوف.

كانت نداء تجلس على الأريكة بأريحية، عقلها منشغلًا بأولى الخطوات التي ستتخذها في حياتها القادمة عقب أن تحقق طلاقها وحريتها، ارتشفت جرعة من مشروب قهوتها السريعة، ثم نظرت للتلفاز بعدم اهتمام وقامت بتغيير القنوات عبر جهاز التحكم، حتى إنها لم تشعر بوجود والدتها تراقبها منذ وقت، حتى أضطرت شريفة ل لفت انتباهها: - نداء، انتي هتفضلي حابسة نفسك كدا؟!، مش هتخرجي ولا تشوفي حياتك!

أطرقت رأسها بضيق شديد و: - هعمل كدا، بس كنت محتاجة ارتاح شوية، أنا هروح اجيب حاجتي من الشقة لأني سايبة كل حاجه هناك ومش عارفه أقعد هنا، وبعدين هبقى أشوف موضوع الشغل اللي عايزة انزله.

نهضت شريفة وجلست بجوارها وهي تقول: - شغل إيه!، انتي تروحي لبنت عمك بعد ما ترجع من السفر، وهي هتعينك في المصنع على طول.

وتابعت حديثها بحقد شديد: - ولا هي هتصرف كل اللي على قلبها ده ليها لوحدها!
فكرت نداء قليلًا، فوجدت رأي والدتها حكيم للغاية وإن كان من خلفه نوايا أخرى، لذلك لم تتردد في التصديق على فكرتها و: - عندك حق، لما وتين ترجع هكلمها وهي مش هتتأخر عني انا عارفه
رفعت شريفة ناظريها للأعلى وهي تردد بأقتضاب: - آه صح، مش هتتأخر.

وقعت عينا شريفة على إضاءة هاتفها، فنظرت لتجد أسم هشام، عبس وجهها وتجهم وهي تردد: - شكلنا مش هنخلص، أوعي تردي عليه
ف أشاحت نداء بوجهها للجهة الأخرى و: - أمال انا عاملة الموبايل صامت ليه؟ عشان مشوفش رقمه حتى، ربنا يخلصني منه ومن أمه على خير.

وقفت شريفة عن جلستها وهي تتمتم: - مش باين
ثم دلفت لغرفة ابنتها ماريا، لتجدها مازالت ترتدي ثيابها منذ أكثر من ساعة وربع الساعة، راقبتها بنظرات متفحصة وهي تراها تضع مساحيق الزينة على وجهها قبيل أن تذهب لما يسمى ب درس خصوصي، ضيقت شريفة عيناها وهي تقترب منها، لتجد هذا اللون الغريب على شفتيها، حدقت فيها وقد اشمئزت من شكل وجهها الذي تغير، وفجأة صاحت فيها: - ماريا!

انتفضت ماريا وهي تضبط طلاء شفاها لتتلطخ ذقنها بلون الأرجواني القاتم التي كانت تضع منه، ثم تنفست بتسارع وهي ترمق والدتها باستهجان: - في إيه ياماما!، بتزعقي كدا ليه؟
قبضت شريفة على ذراعها وجذبتها بإنفعال وهي تهدر بها: - إيه اللي انتي عملاه في وشك دا! انتي رايحة درس ولا رايحة فرح؟
اجتذبت ماريا ذراعها من بين أصابع والدتها العنيفة و: - سيبي دراعي طيب ياماما في إيه، ده روچ جديد وبجربه.

ضربت شريفة على ذراعها و: - والله ما هتفحلي، والسنة دي لو عدتيها زي السنة اللي فاتت وحياة الغاليين كلهم ما هخليكي تكملي تعليم، كفاية عليكي ثانوية عامة، انتي أصلًا مش نافعة في حاجه.

وهمّت بالخروج من الغرفة وهي تتحدث بصرامة: - لو مشلتيش القرف ده قبل ما تنزلي مفيش دروس يابنت فضل
قذفت ماريا طلاء الشفاه بعصبية وهي تنظر لانعكاسها في المرآه و: - أنا هخلص من البيت دا أمتى بقى!، دي مبقتش عيشة دي.

ثم بدأت تمسح شفتيها بالمنديل وهي تشعر بالحزن الشديد كونها لن تستمتع بطلاء شفاها الجديد وسط زميلاتها من الفتيات المتغنجات، وكأنها ليست ساحة للتعليم، إنما مكان كل منهما تعرض فيه أفضل ما لديها من ثياب وأدوات تجميل، ألخ.

هو الآخر يشعر بالريبه، منذ أن تحدثت إليه وتين بالأمس وأخبرته ب اختفاء زوجها وهو يبحث وينقب عنه گالأبرة في كومة من القش، لم يجد له أثرًا، حتى إنه استنبط بطريقتهِ عدم ذهابه لمنزله ولا علم لوالدته عن مكانهِ.

كان بدر ينظر لشاشة الحاسوب وعقله منشغلًا بهذا الأمر، حتى إنه قام بتسجيل بعض البيانات بشكل خاطئ، ف نفخ بانزعاج شديد وصفق الجهاز وهو ينهض عن جلستهِ، وحاول الإتصال به مجددًا لعل هاتفه يكون مفتوحًا، ولكن بدون فائدة..
فكر قليلًا وهو يفرك أصابعه بتوتر، حتى باغته فكرة: - طب ما نبلغ!، ما هو يعتبر كدا مختفي بقاله 3 أيام!
استمع لصوت طرقات على الباب، ف سمح بالدخول و: - أتفضل.

ولج عمر وهو يمسك بعدة ملفات، ملامحه متذمرة بعض الشئ وهو يردد: - الورق دا محتاج توقيع مستر نائل بسرعة
ف صاح به بدر صياحًا عصبيًا: - يعني إيه يعني ياعمر؟!، ماانت عارف بقالك شهر إن نائل هيتجوز ويسافر، أوصله انا ازاي دلوقتي وهو مع مراته في آخر الدنيا!

اضطرب عمر وهو يجيبه: - طب حضرتك معاك سلطة التوقيع أساسًا، ليه مش عايز تمضي عليه؟!
فأجاب وقد تحولت ملامحه لأخرى غاضبة: - عشان انا معرفش مكان نائل دلوقتي ومش عارف اوصله ومقدرش اتصرف قبل ما ارجعله
ثم أشاح بوجهه وهو يستطرد: - أمشي من قدامي ياعمر دلوقتي.

ف انسحب عمر من أمامه بهدوء، بينما جلس بدر على طرف المقعد المقابل للمكتب، ليجد رنين هاتفه المميز والذي عرف من خلالها المُتصل، ف أطبق جفونه وتنفس بعمق، ثم ألتقط الهاتف وأجاب محاولًا السيطرة على نفسه قليلًا: - ألو، صباح الورد ياكوكي.

استمع إليها بدون إنصات وتركيز، ثم قطع حديثها وهو يقول: - معلش ياحببتي أنا بس عندي شغل دلوقتي بحاول أنجزه بسرعة، هقفل معاكي وهكلمك لما اخرج من هنا، تمام؟، تمام ياحببتي، يلا سلام.

ثم أغلق، وقرر الإتصال ب وتين، لعلها توصلت لجديد ما: - أيوة ياوتين، وصلتي لحاجه؟
كانت قد أوشكت على الوصول لمقر ال?يلا خاصتها عندما تحدث إليها، فأجابته بقلق: - معرفش يابدر، معرفش أي حاجه
ثم تحدثت للسائق: - ال?يلا على اليمين اهي لو سمحت
عقد بدر حاجبيه بإستغراب وهو يسألها بتوتر: - أ، أنتي!، جيتي مصر!
فأجابت ببعض الحدة الناتجة عن ضغوطها العصبية: - عايزني أقعد هناك لوحدي ومعرفش هو فين يابدر!

- أفرضي ظهر وكان عنده عذر فعلًا
ف ذمّت شفتيها بضيق جلي وتابعت: - حتى لو ظهر، مفيش حجة تغفرله اللي حصل، إزاي يسيبني لوحدي كدا وكمان الفندق يطلع حجزه 5 أيام بس واحنا متفقين على أسبوعين!

توقفت السيارة أمام مدخل ال?يلا، ف ترجلت عنها وهي تستطرد: - في حاجه أنا مش فهماها يابدر، ولازم هو يفسرهالي
شعر بدر ب انقباضة في صدره وهو يفترض فرضًا: - مش يمكن جراله حاجه ياوتين؟
وخزة ضربت بقلبها وهي تجيب بعجلة: - بس يابدر من فضلك، أكيد محصلش حاجه هو كويس.

انتبهت وتين لعدم وجود حراسة ال?يلا خاصتها، ف اعتقدت بأن والدتها قد أرسلتهم لحين عودتها، فشعرت بالامتعاض وهي تتأمل واجهة ال?يلا المغلقة، حتى تحدث إليها السائق: - أنا نزلت الشنط بتاعت سيادتك يافندم
- بدر انا هقفل معاك واكلمك تاني
ثم دست الهاتف في جيبها و: - ممكن تساعدني أنقل الشنط جوا لأن الأمن مش موجودين
- آه طبعًا ياهانم.

أخرجت وتين مفاتيحها الخاصة وبدأت بفتح البوابة، ثم أفسحت له الطريق للعبور بالحقائب للداخل، ثم أخرجت المال المتفق عليه وانتظرت أن فرغ من كل شئ ثم ناولته إياهم لينصرف على الفور، ومن ثم قامت هي بمهمة إدخالهم للداخل.

صعدت بضع درجات داخلية تقلها نحو الغرف والدرج الكبير نحو غرف النوم، دخلت غرفة المعيشة، ثم استلقت على الأريكة تريح ظهرها من آلام جلستها بالسيارة لعدة ساعات متتالية، وعقلها منشغل بشئ واحد، هو.

أين هو وماذا يفعل؟، وماذا لو أصابه مكروه مثلما فرض بدر، تنهدت وهي تطبق جفونها بإنفعال طاردة هذه الفكرة الكئيبة من رأسها، فلن تتحمل ألمًا يُصيبه أو مكروه يلحق به، وإذ بها تتذكر بضع مشاهد بينهما لم تنعم بها كثيرًا، ف لاحت بسمة على ثغرها وهي تسترجع ما حدث...

((عودة بالوقت للسابق))
كانت تتنعم بجلسة استحمامية باردة عقب عودتها من الخارج بصحبته، بينما كان هو أفضل من ينتهز تلك الفرص.

دلف لدورة المياه خلسة، وتسلل بحذر وهو يرى ظلها يتراقص ويتمايل من خلف الستارة الشبه شفافة، داعبت بتلقائيتها حواسه الذكورية، وأيقظت فيه رغبته الغير منتهية بها، ف خطى ببطء نحو المسبح الصغير المستتر خلف المرآه، وفتحه بحذر شديد، كانت مغمضة عينها وسائل الصابون يغطي بشرتها، غسلت وجهها بالمياه المتساقطة فوق رأسها جيدًا، وفتحت عيناها لتتفاجأ به أمامها، شهقت وهي تضم ذراعيها لصدرها تلقائيًا و: - حرام عليك يانائل خضتني!

ثم ازدردت ريقها و: - آ، انت عايز حاجه؟
وبدون مقدمات كانت ساقيه تسقطان في المسبح بملابسه وهو يردد بصوته العذب: - انتي.

تحرجت وتلون وجهها بحمرة الحياء، وهي تشعر بيداه تزحفان على جسدها المبتل ويجذبها لصدره متشوقًا لقضاء وقت معها، كانت المياه تنسال على كلاهما وهو مطوقًا إياها بداخل المسبح، فلم تبدي اعتراضًا أو احتجاجًا، بل إنها كانت متلهفة للقاءهِ عقب أن عاشت أول ليلة زوجية معه واستشعرت كم هي غارقة في بحر عشقهِ، جعلها تنتظر لمساتهِ على أحر من الجمر، وبمهارة كان على وعي بمناطق ضعفها وقوتها، فيتلاعب على أوتارها كما يشاء متأكدًا من إيجابية النتائج.

((عودة للوقت الحالي))
لا تدري من أين فرت تلك الدمعة ومتى تسربت من بين جفونها، استقامت في جلستها وهي تتأوه بخفوت، ثم تحسست ظهرها المتألم وهي تشعر بألمًا أكبر في صدرها، كأنها إنقباضة ما قبل النائبة، آخر مرة شعرت فيها بذلك كان قبيل وفاة والدها الراحل بيوم واحد، ولا تدري لماذا يخالجها هذا الشعور السئ الآن!.
هي تؤمن بحاستها السادسة، الأحساس،.

على يقين بصدق إحساسها دومًا، فلم يخيب مرة واحدة، انتبهت لصوت هاتفها المنخفض، ف أخرجته من جيبها و: - ألو، أيوة ياماما
مسحت على وجهها باختناق وهي تفصح لها: - ماما أنا رجعت مصر، لأ لوحدي.

- يعني إيه اختفى!
قالتها داليدا بإنفعال عقب أن سردت عليها وتين ما حدث معها أثناء السفر..
فوجدت الإجابة فاترة من ابنتها: - يعني اختفى، لا تليفون عارفه اوصله ولا اعرف مكانه!، مش فاهمة إيه اللي حصل ولا هو فين دلوقتي.

صمتت هنيهه وعادت تتسائل بتحير: - أنا بفكر أروح لطنط ثريا، أكيد تعرف حاجه
ثم تنهدت و: - أنا مرضيتش أكلمها قبل ما اوصل هنا
ف عنفتها داليدا على صمتها الطويل: - كمان متصلتيش بأمه تسأليها!، انتي بتفكري ازاي يابنتي، المفروض من أول يوم كنتي عرفتيني وكلمتي ثريا تعرفي منها ابنها كلمها ولا لأ.

وقفت وتين عن جلستها و: - أنا هغير هدومي واروحلها، مينفعش في التليفون كدا
وقبل أن تغادر غرفة المعيشة التفتت لتسأل والدتها: - ليه مشيتي الأمن من برا ياماما؟
تنغص جبين داليدا باستغراب و: - أمن!، أنا مجيتش ال?يلا من ساعة ماانتي سافرتي انتي وجوزك
علامة استفهام أخرى تضئ عقلها، واستفسارات أخرى لا أجابة لها، لحظات وتمتمت: - أمال راحوا فين، مش معقول مشيوا قبل ما ياخدوا باقي حسابهم!

زفرت بحنق وهي تصيح: - مش هيشوفو مني مليم واحد لو فعلًا كانوا سابوا مكانهم بالشكل دا
وهمّت لتخرج من الغرفة، قاصدة الدرج ثم إلى غرفتها، ومن خلفها والدتها التي انشغل عقلها بما يحدث ولا تفسير منطقي لحدوثه، جابت المكان ذهابًا وأيابًا وهي تفكر بعمق، حتى استمعت لرنين الجرس المدوي، ف تقدمت نحو الباب وهي تردد بخفوت: - مش كنت جيبت سوسن معايا!

فتحت الباب لتجد وجيه أمامها، أحد أخلص الرجال الذين عملوا في عهد سامي الصباغ، وبقى مخلصًا وفيًا لابنته الوحيدة حتى بعد وفاته..
تنحت جانبًا و: - أهلًا ياأستاذ وجيه اتفضل
كان الوجوم يكسو وجهه وهو يدلف شابكًا أصابع يديه، ويبدو أن الأمر جمّ خطير، مما جعل داليدا تسأله بتخوف: - في إيه ياأستاذ وجيه؟! حصل حاجه؟

أطرق رأسه لأسفل وهو يهزها بأسف، ثم ردد بلهجة حزينة: - أنا زعلان، زعلان أوي يامدام داليدا، وجاي اشتكيلك من وتين، يرضيكي اللي هي عملته دا يامدام داليدا!

گالتائهة بدت أمامه، لا تفهم مقصده ومغزى كلامه، فماذا قد تكون افتعلت وتين وهي لم تمكث بالقاهرة أكثر من ساعة ونصف منذ عودتها!، ماذا حدث ليكون عليها هذا الإنقلاب من رجل مثل وجيه.
فركت داليدا أصابع يديها معًا وهي تسأله بثبات مزيف: - عملت إيه؟!

كان التوتر والقلق قد وصل لذروته لدى بدر الذي ظل على حالته العصبية طيلة اليوم وسابقه أيضًا..
فقد داهمه شعور مؤكد بوجود شئ ما قد أصاب نائل، هذا الغياب والأختفاء الغير مبرر ليس من منطلق الطبيعية، خاصة وأنه لا يخفي عنه شيئًا مهما كان صغيرًا.

صوته مرتفعًا وأطرافه باردة، . لم يستطع السيطرة حتى على أعصابه وهي يُحدث كاميليا: - بقولك هبلغ الشرطة مفيش حل تاني، المفروض كنت أبلغ بعدها بيوم واحد، دلوقتي بقا له 3 أيام غايب هستنى إيه تاني.

نهض عن مقعده وسحب مفتاحه وهو يتابع حديثه معها عبر الهاتف: - هخلص واكلمك أقولك وصلت لأيه
وقبل أن يتحرك للخروج، كان عمر قد سبقه ودخل وهو يردد: - مستر نائل وصل برا و...
وقبل أن يتابع حديثه كان بدر يصيح: - وصل! موجود هنا يعني؟
لم يجيب عمر، فقد رأى بدر الجواب بنفسه لحظة دخول نائل وهو يقول: - مساء الخير يابدر.

ابتلع بدر ريقه وهو يضرب على ذراعه بعتاب: - أخس عليك ياأخي، دمي نشف وانا بدور عليك من امبارح ووتين قالبة الدنيا عليك
تأمل ملابسه المنسقة والمهندمة، والتي دلتّ على حضوره من المنزل مباشرة إلى هنا وليس من طريق سفر طويل أو ما شابه، ثم سأله بفضول وهو ينظر لحدقتي عيناه جيدًا: - أنت كنت فين يانائل، وجاي منين دلوقتي؟!

استقبلته وتين بنفسها عقب أن بدلت ثيابها، كانت متعجلة لتخرج باحثة عنه، ولكن تواجد وجيه حاليًا كان سببًا في تأجيل خروجها..
جلست معه وهي على غير طبيعتها التي عهدها منها، وتسائلت بعدم فهم: - أستاذ وجيه صدقني مش فاهمة أي حاجه من اللي قولتها!، حصل إيه عشان حضرتك زعلان بالشكل دا!

زفر وجيه بقنوط و: - أسمعي يابنتي، انتي متوعيش على اللي هقوله بس لازم اقوله، أنا بشتغل مع والدك المرحوم من أكتر من 30 سنة، لما مات وانتي صممتي أفضل موجود في المصنع والمعارض أنا فضلت جمبك، عشان عارف ان مالكيش في شغلنا ودماغك في مكان تاني، حتى عمك المحترم مش فاضي غير يقبض مرتبه آخر كل شهر.

كان الإرهاق جليًا عليها وهي تسأله بعدم فهم: - كلام جميل، بس ليه بتقوله!
ف انفعل وجيه قليلًا وهو يجيب بعد معارك داخلية كافحها كي يبدو أكثر هدوءًا: - عشان كان ليا حق أعرف إنك هتبيعي المعارض قبل أي حد، كان لازم تبلغيني بدل ما المشتري الجديد يدخل عليا المعرض ويقولي أطلع برا!، ليه كدا يابنتي؟، في حد يبيع رزقه؟!

وقفت وتين عن جلستها فجأة وصاحت بصوت مرتفع: - أنت بتقول إيه ياأستاذ وجيه، بيع إيه اللي بتكلم عنه!، أنا لسه راجعة حالًا من السفر، بيع إيه أنا مش فاهمة حاجه!

هبّ وجيه من جلسته، عيناه تلمعان بوميض حزين وهي يردد: - كنتي قوليلي، كنت هحترم رغبتك واجيبلك سعر مناسب للمعرضين، بدل ما...
- أستاذ وجيه، انت بتقول إيه؟!
فحدجها بنظرة ممتعضة و: - عايزة تفهميني إنك متعرفيش حاجه عن المعرضين بتوعك اللي اتباعوا امبارح والنهاردة جه المشتري يستلم!.
وإزاي متعرفيش وكل حاجه ملكك وبأسمك؟!، إزاي؟

جمدت بحق، گالذي خطف منها بصرها وعقلها معًا في لحظة واحدة، كيف يحدث هذا؟!، لم تفهم أي شئ مما قيل، لو أن الدنيا توقفت الآن كان عليها أهون من حالة التوهان التي تعيشها الآن، بينما استطرد وجيه وهو ينظر إليها بغضب: - انتي أدلعتي لدرجة إن شقى أبوكي حتى مكنش ليه عندك تمن، بس العيب مش عندك، أنا اللي غلطان لما وافقت أكمل في الشغل بعد المرحوم ما توفى و...

صرخت في وجهه صرخة مدوية لربما يصدق إنها بريئة من فعله گتلك: - مبعتش حاجه، أنا مبعتش حاجه والله ماانا، أنا مش ممكن أبيع شقة بابا مهما حصل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة