قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الثالث

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الثالث

رواية سجينة هوسه للكاتبة سارة علي الفصل الثالث

في صباح اليوم التالي
وقفت تتطلع الى الصرح العالي الذي أمامها بملامح مندهشة وفاه مفتوح، كانت الشركة أضخم بكثير مما تخيلت، فخمة للغايه، ومظهرها راقي وأنيق لابعد حد...

تمنت لو انها لم تأت الى هنا فهي لم تتخيل ان يكون المكان على هذا النحو، شعور بالرهبة تملك منها وسيطر عليها مع رغبة قوية في البكاء اعترتها فجأة، كان منظرها أشبه بطفلة صغيرة في اول يوم دراسي لها، وفِي الحقيقة هي كانت طفلة فعلا بملابسها المتمثّلة بفستان زهري يصل الى ما بعد ركبتها بقليل وحذاء رياضي اسود اللون، اضافة الى ضفيرتها الطويلة التي تغطي ظهرها من الخلف وملامح وجهها النقية البريئة الخالية من لمسات أدوات التجميل...

أخذت نفسا عميقا وهي تحاول ان تمنح روحها الصبر والسكينة حتى تتعدى هذه الخطوة على خير، سارت متقدمة ناحية الشركة بخطوات واهية متردده، فُتح الباب بشكل اوتوماتيكي ما ان وصلت اليه، دلفت الى داخل الشركة بملامح شاحبة وقد أخذ صدرها يعلو ويهبط تدريجيا، أصبحت داخل الصالة الرئيسيّة للشركة فاخذت تتطلع الى المكان حولها بحيرة شديدة وهي لا تعرف ماذا يجب عليها ان تفعل الان وما الخطوة التالية التي ستقوم بها، ذهبت ببصرها ناحية الموظفة التي تجلس على مكتبها على بعد مسافة صغيرة منها وأمامها قطعة صغيرة مكتوب عليها الإستعلامات فذهبت بسرعة ناحيتها، سألتها بصوت مرتبك وأنفاس متقطعة:.

لقد جئت من اجل الوظيفة التي أعلنتم عنها، ماذا يجب علي ان افعل...؟
اشارت الموظفة بيدها ناحية المصعد الموجود على يمينها وهي تجيبها على سؤالها:
اذهبي الى الطابق الخامس، هناك يجب ان تلتقي بالسيد لبيد التميمي فهو المسؤول عن تعيين الموظفين الجدد...

هزت رأسها بتفهم ثم ذهبت ناحية المصعد وهي تردد اسم المدعو لبيد حتى لا تنساه، ضغطت على زر المصعد ففتحت لها الباب، دلفت الى داخله وأخذت تتطلع الى الأزرار الموضوعه أمامها بحيرة شديدة، كانت تلك مرتها الاولى التي تركب بها المصعد فهي لم تره من قبل سوى في الأفلام والمسلسلات، بعد تفكير طويل ضغطت على زر رقم خمسة لتغلق الباب أمامها ويرتفع المصعد بها، شهقت بقوة وتراجعت الى الخلف وهي تضع كف يدها على صدرها الذي ارتفعت نبضاته خوفا، احساس الرعب سيطر عليها من وجودها داخل هذا المكان المغلق الذي يرتفع بها نحو الأعلى، أخذت تتلو ما تحفظه من آيات القرأن وهي تدعو ربها ان تخرج سالمه منه، وأخيرا توقف المصعد بعد لحظات مرت عليها دهرا كاملا، ما ان فتح الباب حتى خرجت بسرعة وخطوات راكضة لتصطدم بجسد رجولي ضخم للغاية، ارتعدت أوصالها بشده وعادت الى الخلف لا إراديا ثم رفعت رأسها لتتفاجئ بوجه رجولي وسيم للغايه يتأملها بانبهار شديد...

ماشاء الله، اللهم صلي على النبي، قمر والله قمر...
قالها بلا وعي وهو يتمعن بتفاصيل وجهها المليح، عيناها بلونيهما البني المائل الى الأخضر، انفها الصغير وشفتيها الكرزيتين، بشرتها البيضاء الناصعة وشعرها البني الطويل...
ارتبكت مما سمعته فاخفضت أنظارها أرضا وقد احتل وجهها الأبيض حمرة خفيفة، استعاد هو الاخر وعيه اخيرا من سكرة جمالها التي سيطرت عليه، تنحنح حرجا مما قاله ثم سألها بفضول:.

من أنتِ وماذا تفعلين هنا...؟:
اجابته وهي ما زالت مخفضة رأسها نحو الأسفل:
لقد جئت من اجل الوظيفة الجديدة...
رفعت بصرها ناحيته وسألته على أمل ان يكون احد موظفي الشركة وقد يساعدها فيما جائت اليه:
هل انت موظف هنا في الشركة...؟
اجابها بملامح جادة ونبرة واثقه وهو يمد يده ناحيتها معرفا إياها عن نفسه:
غسان التميمي، المدير العام لهذه الشركة التي ستعملين بها...
ابتلعت ريقها بتوتر ثم قالت بنبرة خجلة وهي تصافحه:.

ازل العاني، عاملة النظافة الجديدة في الشركة...
ظل ممسكا بيدها وهو يتطلع اليها بصدمة وانبهار في ان واحد، تسائل داخل نفسه فيما اذا كن، جميع عاملات النظافة بهذا الجمال...؟! كيف لها ان تكون عاملة نظافة وهي تملك كل هذا الجمال والرقة...؟! كيف لفراشة رقيقة مثلها ان تعمل في خدمة الاخرين...؟! كان يحدث نفسه بعدم استيعاب حينما شعر اخيرا بانه يضغط على كفها بلا وعي منه، حرر كف يدها من يده ثم تسائل بجدية:.

الى اين كنتِ تنوين الذهاب يا آنسة ازل...؟!
اجابته بارتباك:
اخبروني ان اذهب الى السيد لبيد التميمي ل...
قاطعها بسرعة:
لبيد لا...
تطلعت اليه بعدم فهم لينتبه الى ما قاله، تنحنح قائلا بحرج:
اقصد انه لا داعي ان تذهبي الى لبيد، بامكانك مباشرة عملك في الحال...
وجد سكرتيرته والتي تدعى جميلة تسير على مقربة منه فناداها بسرعة:
سيدة جميلة، دقيقة من فضلك...
تقدمت جميلة ناحيتهم متسائلة:
تفضل سيد غسان، ماذا هناك...؟!

هذه الانسة ازل، عاملة النظافة الجديدة في الشركة، خذيها ودليها على مكان وطبيعة وظيفتها...
حاضر سيد غسان، تفضلي آنسة ازل معي...
ذهبت ازل معها تحت انظار غسان التي لم تحيد عنها للحظة
واحدة، ما ان اختفت من امامه حتى تنهد بصمت وهو يعود ادراجه الى ناحية مكتبه وصورة عاملة النظافة الجديدة لا تفارقه...

في المساء
فتحت باب منزلها ودلفت الى الداخل لتتفاجئ به أمامها، تراجعت الى الخلف بضعة خطوات لا إراديا، شعرت برجفة غريبة تسري داخل جسدها، كيف لا وهو يقف أمامها بهيئته المرعبة هذه...
جاءها صوته الساخر قائلا:
هل رأيت عفريت يا هذه...؟
ابتلعت ريقها بتوتر وحاولت تقليص مخاوفها وهي تسأله بهدوء يعاكس اضطرابها الداخلي:
متى عدت...؟
صباح اليوم...
أردف بعدها متسائلا بنبرة حادة بثت الرعب داخل نفسها:
اين كنت...؟

اجابته بخوف:
كنت في العمل...
اي عمل...؟ الم تغلق السيدة سولاف صالونها التجميلي...؟
نعم لكنني وجدت عملا اخر، عاملة نظافة في احدى الشركات...
بهذه السرعة، ماشاءالله كم انت محظوظة يا فتاة، هل تعلمين...؟ لو كنت عدت الى المنزل ووجدتك بلا عمل لكنت حينها قد ضربتك وخنقتك بيدي هاتين...
ازداد الخوف بداخلها وهي تتخيله يضربها ويسحق عظامها بيديه الغليظتين كما اعتاد ان يفعل عدة مرات من قبل...
عن إذنك...

قالتها وهي تهم في الذهاب الى غرفتها الا انه قبض على ذراعها بقوة جعلتها تأن بالم، امتدت يده ناحية حقيبتها وفتح سحابها قائلا:
اعطيني بعضا من أموالك...
لا يوجد لدي أموال...
قالتها بنبرة أشبه الى البكاء بينما بدأت يده تعبث في باطن الحقيبة لكنه بالفعل لم يجد شيئا...
قبض على شعرها بعنف قائلا بصراخ:
ماذا يعني لا يوجد أموال...؟ اريد اموالا في الحال...
لا يوجد لدي، ماذا افعل يعني...؟

بدأت دموعها تهطل من مقلتيها بالم حينما شعرت بيده تنزل على خدها وتصفعها، سوف يتكرر ما يفعله في كل مرة مشابهة لهذا الموقف اللعين، عندما لا يجد اموالا لديها يفرغ شحنة غضبه بها حيث يضربها ويعنفها بقوة...
بعد دقاق معدودة ارتمت بجسدها النحيل على ارضية الغرفة والدماء تنزف من شفتيها والاحمرار يغزو خديها اما جسدها فكان حكاية اخرى من الوجع والالم...

احتضنت جسدها بيديها وأخذت تبكي بشدة، اقتربت اختها منها والتي كانت قد استيقظت على صوت صراخها، جلست بجانبها بوضعية القرفصاء واحتضنت جسدها تبكي هي الاخرى، شددت من احتضانها اكثر وأخذت شهقاتها تعلو حزنا على حال اختها...

وقف في شرفة غرفته التي تطل على حديقة قصره يتنفس هواءها النقي الذي ينعش قلبه ويبث الراحة في نفسه، اخذ يتأمل السماء بنجومها المضيئة، كم تشبهها، نجمة وحيدة بعيدة منفردة في أفق السماء، بعيدة عن باقي النجوم الموجودة في السماء، هي مثلها تماما، وحيدة مثلها وبعيدة كل البعد عنه، بعيدة لدرجة لا يستوعبها قلبه الذي نبض بقوة ما ان رأها ولا عقله الذي لم يتوقف عن التفكير بها...

تنهد بصوت مسموع وأخذ يفكر بها، لقد التقى بالعديد من الفتيات الجميلات اللواتي يضاهينها جمالا، بل يفوقنها ايضا، لكن ولا واحدة منهن شغلت باله وسيطرت على أفكاره كما تفعل هي، هو لا يفهم ما سبب هذا، فأي شيء موجود في تلك البنت يجعله ينجذب اليها على هذا النحو، يجعل قلبه يتشبث بها كالغريق الذي وجد قارب نجاته بعد انتظار مر عليه كالدهر...

اخرج هاتفه من جيبه ثم اتصل بأحد معارفه والذي يعمل معه في الشركة ايضا...
بدون مقدمات او توضيح:
ازل العاني، عاملة النظافة الجديدة في الشركة، اريد معلومات كاملة عنها وعن حياتها، اريد معرفة كل شيء يخصها بأقرب وقت ممكن...
أغلق الهاتف بعدها ووضعه داخل جيبه مرة اخرى ثم عاد ببصره ناحية نجمته البعيدة يتأملها بتمعن وتركيز...

في صباح اليوم التالي
دلفت الى داخل الشركة وهي تحاول قدر الإمكان تخبئة وجهها من عيون الموظفين، ارتقت درجات السلم متجهة الى الطابق الذي تعمل فيه بدلا من استخدام المصعد الكهربائي الذي تخشاه بشده...

دلفت الى داخل الغرفة المخصصة لها ولفتاتين اخريتين معها، كانت غرفة متوسطة الحجم تحوي عدة كراسي كما انها تحوي مختلف أدوات الغسل و التنظيف، ألفت تحية الصباح عليهن ثم توجهت الى عملها تحت أنظار الفتاتين المستغربتين من منظر وجهها المتورم...

كانت تعمل بنشاط شديد لا يلائم حالتها النفسيه ابدا، وما تشعر به من الم داخلي، كانت تحاول ان تشغل نفسها في عملها علها تنسى ما حدث وما يحدث معها، كانت تنظف ارضية الطابق الخامس تحديدا حينما سمعت صوت صفير لشخص ما، رفعت وجهها لتتفاجئ بشاب أشقر طويل يتأملها من رأسها الى اخمص قدميها بإعجاب واضح، تحدث اخيرا قائلا:
لا اصدق انه يوجد عاملات نظافة بهذا الجمال...

ارتبكت بشدة من كلامه وغزله الصريح بها ونظراته التي تشع مكرا...
ما اسمك يا حلوة...؟
ازل، اسمي ازل...
اجابته دون ان تنظر في وجهه...
اسمك جميل مثلك تماما...
ومن بعيد كان واقفا يتابعهم بعيون غاضبة، اعتصر قبضتي يده بقوة وهو يتوعد له في داخله، تقدم ناحيته وهو على استعداد تام للكمه على وجهه بقوة...
اما لبيد فمد يده ينوي تحسس كدمات وجهها وهو يتسائل باستغراب:
مالذي فعل بك هذا...؟

الا ان يد غسان كانت أسرع منه وهي تقبض على كف يده قبل ان يصل الى وجنتها...
ماذا تفعل هنا يا لبيد...؟
همس بجانب أذنه بصوت بالكاد يسمع بينما اخذت عينيه تتأمل تلك الصغيرة التي تقف أمامها برأس منخفض نحو ارضية الممر بحيث لا يظهر اي شيء من ملامحها...
ابدا، لا افعل شيء، كنت ارحب بها فقط، أ ليست موظفة جديدة على ما أظن...؟
قالها ببساطة جعلت الأخير يكز على اسنانه قائلا بغيظ:.

حتى عاملات النظافة لم يسلمن منك، ماذا افعل بك...؟
لا تفعل اي شيء، انا ذاهب من الاساس...
قالها وهو يتجه الى مكتبه ليسمع رد غسان الساخر:
ذهاب بلا عودة ان شاء الله...
التفت بعدها ناحيتها ليجدها ما زالت واقفة في مكانها بنفس وضعيتها السابقة...
تنحنح بارتباك جديد عليه فهو لا يعرف ماذا يجب ان يقول او كيف يبدأ حديثه معها...

شتم في داخله فمنذ متى وهو مرتبك ومتردد على هذا النحو، طوال سنوات عمره الخمسة والثلاثون لم يشعر يوما بالتوتر او الارتباك كالذي يشعر به الان، رباه انها تثير به اشياء جديدة عليه لم يدركها من قبل...
كيف حالك يا ازل...؟ طمنيني، هل أعجبك العمل لدينا...؟
كان سؤاله تقليديا وغير ملائم...

رفعت بصرها نحوه لتضمحل عيناه بشده مما يراه امامه، وجهها الجميل مليء بالكدمات وأثر النزيف واضح على شفتيها، لم يستمع الى اجابتها وهو يتحسس كدمات وجهها بانامله متسائلا بغضب واضح في عينيه وملامح وجهه:
من الذي فعل بك هذا...؟
ارتبكت بشدة من لمساته على وجهها ثم سؤاله المحرج...
انه حادث بسيط...
كاذبة، من الذي فعل بك هذا...؟ اخبريني في الحال...

تجمعت الدموع داخل عينيها وبدأت شفتيها بالارتعاش بسبب نظراته المخيفة التي ارعبتها ولسبب اخر، فهي لا تريده ان يعرف ان والدها وراء هذه الكدمات، لا تريد ان ترى الشفقة في عيونه، ولا البغض والاشمئزاز ناحية والدها...
همت بان تجيبه على سؤاله فيبدو انه لا يوجد مفر لديها الا ان صوت احدى الفتيات التي نطقت باسمه عاليا جعلها تتراجع عن هذا...

رفع غسان بصره نحو الأعلى بنفاذ صبر ما ان سمع صوت الفتاة القادم من خلفه، ضغط على نفسه بقوة وهو يلتفت ناحيتها ليجدها تقترب منه وعلى شفتيها ابتسامة واسعة...
استغلت ازل الوضع فهربت في الحال من خلفه دون ان يشعر بها اما الفتاة الاخرى فاقتربت منه مادة يدها نحوه قائلة بسعادة:
كيف حالك يا غسان...؟
اجابها بترحيب زائف:
اهلًا بك يا نيفين، انا بخير وماذا عنكِ...؟
أصبحت بخير حينما رأيتك...

هز رأسه مبتسما بتصنع ثم اتجه بها بعدها ناحية غرفة مكتبه وهو يدعو ربه ان لا تطيل زيارتها له...

مر خلال مكتبها متجها الى مكتبه ليجدها وصلت قبله وجالسه على مكتبها تعمل على احد الملفات القابعة أمامها، ما ان شعرت بوجوده حتى رفعت بصرها ناحيته واخفضتها بالحال...
ألقى تحية الصباح عليها ثم امرها:
هاتي ملف الصفقة الجديدة واتبعيني...
ثم تركها بعدها لوحدها جالسة على كرسيها ترتجف بسبب شيء لا تعرفه والخوف الغريب يسيطر عليها...

كوني قوية يا ميار، سيطري على نفسك وتوترك هذا، ما رأيتيه البارحة انسيه تماما، تصرفي وكأنه لم يحدث...
حدثت نفسها بتلك الكلمات محاولة اضافة الشجاعة والثقة الى نفسها...
اخذت نفسا عميقا ثم حملت الملف واتجهت اليه...
دلفت الى داخل مكتبه بعد ان طرقت الباب...

وجدته جالسا على مكتبه ويعمل على حاسوبه بجدية واضحة لا تره بها الا خلال العمل، أشار لها لتجلس امامه ففعلت هذا وجلست على الكرسي المقابل له بعد ان اعطته الملف والذي اخذه فورا منها وبدأ يقلب فيه بتمعن شديد...
بدئا يتحدثان سويا عن ويتناقشان بخصوص الصفقة الاخيرة حينما هتفت ميار اثناء حديثها:
انا متأكدة ان السيد غسان لن يوافق على شروطهم هذه...
ليقاطعها قائلا:
كلا سيوافق...

انا اعرف السيد غسان جيدا واعرف طريقة تفكيره، هو لن يوافق على شروط تعجيزية كهذه...
دب العناد بينهما وكلاهما مصر على رأيه وعناده...
اذا لنعتبره تحدي بيننا...
قالها بخبث لتسأله ببلاهة:
كيف يعني...؟!
ما اعنيه يا ميار، اننا سندخل في شيء ما يشبه الرهان، والذي سيخسر هذا الرهااان...
اومأت رأسها تطلب منه اكمال حديثه:
يقبل الاخر...

شهقت بقوة وعدم تصديق واضعة كفها على فمها، انتفضت من مكانها وهي تتطلع اليه بملامح مصدومة وفم مفتوح ببلاهة، بينما هو يراقبها بعينين مبتسمين ماكرتين منتظر رد فعلها الذي بالتأكيد سيكون قاسي...
انت، انت ماذا تقول...؟
تمتمت بصوت وصل اليه لينهض من مكانه متجها ناحيتها واقفا قبالتها قائلا ببساطة:
أقول انك اذا خسرت في هذا الرهان سوف تقبلينني، وإذا انا خسرت سوف اقبلك...
هش، اصمت...

قاطعته بسرعة وهي تتمنى لو تنشق الارض وتبلعها من شدة الخجل الذي تشعر به...
لما الصمت عزيزتي ميار...؟ لا يوجد احد يسمعنا...
انت حقا رجل مجنون...
كانت تهم بالابتعاد عنه الا انه قبض على ذراعها بقسوة قائلا بتحذير:
إياك ان تتجاوزي حدودك معي...
أردف قائلا بعدها:
ثانيا مالذي فعلته لكل هذا...؟ كل هذه العصبية من اجل قبلة، ماذا لو كنت طلبت منك اشياء اخرى...؟ماذا كان سيحدث حينها...؟
اشياء اخرى...!

رددتها بعدم فهم ليومئ رأسه قائلا بسخرية:
اشياء اخرى كأن تخلعي ملابسك امامي او تمارسي الجنس معي...
اتسعت عيناها مما تسمعه، لم تشعر بنفسها الا وهي تصفعه على وجنته بقوة، وضع كف يده على وجنته بصدمة شديدة، لا يصدق انها تجرأت و فعلتها، رماها بنظرات نارية أنبئتها بجحيم ما ينتظرها منه...
أنتِ كيف تتجرأين على شيء كهذا...؟

الا انها لم تبالي بنظراته ونبرته المتوعده حيث اجابته برأس مرفوع نحو الأعلى بثقة غريبه عليها:
هذا بسبب قلة أدبك معي، ماذا كنت تتوقع مني وانا اسمع طلباتك القذرة تلك...؟
أنتِ تتجاوزين حدودك بشكل كبير يا ميار...
كان يحدثها مشددا على حروف كلماته مقربا وجهه من وجهها وعيناه ترسلان شرارات غضبيهما نحو عينيها، ابتلعت ريقها بتوتر شديد ثم ما لبثت ان قالت بتحدي زائف:.

من الذي يتجاوزه حدوده يا سيد لبيد...؟ انظر الى تصرفاتك وكلامك معي، انا لست مضطرة لقبوله ابدا، الا يكفي انني متحملة جميع علاقاتك الحقيرة وعشيقاتك اللواتي يأتين الى هنا كل يوم، الا يكفي ما رأيته البارحة وبعد هذا كله تقول لي لا تتجاوزي حدودك...
كانت تتحدث بعصبية شديدة غير واعية للكلام الذي يخرج من شفتيها...
ابتسم ساخرا مرددا بتهكم:
هذا كله من اجل قبلة، انت بالفعل معقدة يا ميار...

معقدة افضل مما ان أكون سافلة...
ماذا تعنين...؟
لا اعني شيئا...
انت ماذا تظنين نفسك، الفتاة المثالية التي لا تخطئ ابدا، يكفي تمثيلا وكذبا يا هذه...
ماذا تعني بتمثيلا وكذبا...؟
ما اعنيه ان غيظك الشديد مني ومن تصرفي وعشيقاتي لا يدل الا على شيء واحد، وهو انك تتمنين ان تكوني مكانهن، لكنك تعرفين جيدا انك لم ولن تصبحي يوما مكان اي واحدة منهن...
انت حقا منحط...
وانتِ متخلفة...

انا لا اتمنى رجل مثلك نهائيا، انت اصلا تثير تثير اشمئزازي ولا تعجبني...
لم يتركها تكمل حديثها حينما انقض على شفتيها يقبلها بقسوة...
انهمرت دموعها على وجنتيها بغزارة وهي تشعر بشفتيه تقبل شفتيها بقوة وعنف عنوة عنها، كانت الدموع هي ردها الوحيد على تصرفه الدنيء معها، فهي لم تتجاوب معه نهائيا ولم تستطع ان تدفعه عنها في نفس الوقت وكأن يديها تجدمتا وفقدتا قدرتهما على الحركة...

شعر بطعم دموعها على شفتيه فابتعد عنها فورا ليراها تبكي بصمت، وضعت كف يدها على فمها وبدأت شهقاتها تعلو تدريجيا وهي تتذكر ما فعله معها وكيف اخذ قبلتها الاولى عنوة عنها بهذا الشكل، زفر انفاسه بضيق ثم تحدث بلهجة باردة عديمة الاحساس و قد شعر بالسأم من بكائها:
لماذا تبكين الان...؟ مالذي حدث لكل هذا...؟

رفعت بصرها ناحيته دون ان تنطق بحرف واحد، فقط اكتفت بنظراتها المؤنبه الموجهة نحوه والتي زادته غيظا وحنقا، اعتصر قبضتي يده بقوة وهو يقول بنبرة حادة غليظة:
كفكفي دموعك اللعينة هذه وكفي عن البكاء...
مسحت دموعها باناملها بسرعة وهي تحاول كتم شهقاتها المتتالية، رماها بنظرات مبهمة ثم قال بجمود:.

ما فعلته هذا عقاب بسيط لك حتى لا تتجاوزي حدودك معي مرة اخرى، لا داعي لتكبير الموضوع ولا تعطي الأمور حجما أكبر منها...
تشدق شفتيها بابتسامة سخرية مريرة رغم الالم الذي يكسو ملامحها لتقول بلهجة متهكمة:
معك حق، لا داعي لتضخيم الأمور، فالموضوع لا يستحق كل هذا، مجرد قبلة لن تقدم او تؤخر شيء بالنسبة لك...
كأني المح نبرة استهزاء في صوتك...!؟

اقتربت منه فجأة حتى باتت على بعد مسافة قصيرة عنه، بدأت تتحدث بصوت غاضب وأنفاس متسارعة وهي تشير باصبعها ناحيته:
انت بأي حق تفعل شيء كهذا...؟!كيف تسمح لنفسك ان تقبلني إجبارا عني...؟! من تظن نفسك لتتصرف معي بهذا الشكل...؟!
ميار عزيزتي انت تضخمين الأمور كثيرا، هي مجرد قبلة...
أردف بعدها قائلا بخبث ونبرة ذات مغزى:
كما انك تتمنينها وتريدينها منذ وقت طويل، اليس صحيح...؟!

شهقت بصدمة وهي تتراجع الى الخلف لا إراديا، صمتت للحظات وهي تحاول استيعاب ما قاله، انه جريء ووقح للغاية، تحدثت اخيرا بصوت كاره وأنفاس مضطربة:
انت حقا رجل وقح عديم الأخلاق...
رفع احد حاجبيه وهو يقول بنبرة جادة:
أليست هذه الحقيقة يا حلوتي...؟ كلانا يعرف انك ترغبين بي منذ وقت طويل...
رشقته بنظرات كارهة مشمئزة وهي تقول بنفور واضح:
انت بالفعل عديم الضمير والإنسانية، لا اصدق انني وقعت في...

ابتعلت كلماتها الاخيرة داخل حنجرتها وهي تستوعب ما كانت تنوي قوله واي مصيبة كانت ستضع نفسها بها...
حبي، اليس كذلك...؟
قاطعها بسخرية...
انت بالفعل مجنون...
همست بهذا الكلمات وهي تتحرك مندفعة عنه الا انها شهقت بقوة وهي تشعر به يقبض على خصرها ويدفعها لترتطم على الحائط خلفها، حاصر جسدها النحيل بجسده الضخم ومال بجانب اذنها هامسا لها:.

لا تحاول الإنكار يا عزيزتي، انت تحبينني، والجميع يعلم بهذا، نظراتك وتصرفاتك فضحتك منذ وقت طويل...
كان جسدها يرتجف بالكامل من رأسها حتى اخمص قدميها بسبب محاصرته لها واقترابه منها على هذا النحو، تلألأت الدموع داخل عينيها لتقول بنبرة شبه باكية بعد ان وجدت نفسها عاجزة عن ردعه او الرد على ما قاله:
ابتعد...
لم يستمع الى كلامها بل اقترب منها اكثر وحدثها بنبرة حازمة:.

اسمعيني يا عزيزتي، الزمي حدودك جيدا في تصرفاتك معي، فانا لا اضمن نفسي ابدا، هذه المرة اكتفيت بقبلة، الله وحده في المرة الاخرى بماذا سأكتفي...؟!
دفعته اخيرا بعيد عنها وهي تقول بنبرة مزدرءه:
لا توجد مرة اخرى يا سيد لبيد، فانا مستقيلة من وظيفتي هذه...
مط شفتيه باستهزاء واضح قائلا:
ومن سيسمح لك بهذا...؟
اخر ما يهمني سماحك من عدمه، لقد اتخذت قراري، فانا لن اعمل مع شخص حقير عنيف مثلك...

اشتعلت عيناه غضبا ثم هدر بها عاليا:
اياكِ يا ميار، اياك ان تكرريها مرة اخرى، لا تختبري صبري معك، لا تختبريه ابدا...
أردف قائلا بنبرة أمرة قاطعة لا تقبل جدالا:
والان اخرجي و عودي الى مكتبك، قبل ان أتصرف معك بطريقة لن تعجبك بتاتا...
هبت راكضه بسرعة خارجة من مكتبه وهو يتبعها بانظاره الساخره، ابتسم بخبث وهو يقول بتوعد:.

حسنا يا ميار، انا حقير اذا، لا بأس يا عزيزتي، سوف اريك عن قريب ماذا بمكان لبيد التميمي ان يفعل، خصوصا مع صبية بلهاء و بليدة مثلك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة