قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية سجينة قلبه للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية سجينة قلبه للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية سجينة قلبه للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

فتح آوس عينيه ببطء يشعر بجفاف كبير فى حلقه، نظر حوله فوجد حور تجلس نائمة على كرسى بجوار سريره، زفر بغيظ وتعب، ألا تكفيه أحلامه ليصحو ويراها أمامه بكل تلك الرقة، نظر الى السماء قائلا بنبرة ضعيفة:
ارحمنى يارب.

ورغم ضعف نبراته الا ان أذنا حور التقطتها فغتحت عينيها ببطء لتواجه تلك العينان العسليتان الغاضبتان، ياالله كم اشتاقت لهما، خيل اليها للحظة ان تلك العينين قد لانتا قليلا ولكنها ايقنت انها فقط اوهامها حين عادت عينيه حادة مجددا، ابتلعت ريقها فى توتر قائلة:
حمد الله على سلامتك
لم يرد عليها وانما قال فى برود جمد أوصالها وجعلها ترتجف:
عايز أشرب.

اومأت برأسها وناولته كوب الماء بسرعة، حاولت ان تساعده على الاعتدال كى يستطيع ان يشرب باريحية، ولكن نظرة عينيه جمدتها فى مكانها، رأته يتحامل على نفسه كى يعتدل وقد ظهر الألم على ملامحه، أمسك بالكوب وارتشف منه رشفة واحدة ثم أعطاها اياه، أخذت منه الكوب وهى تتجنب ملامسة يده حتى لا يشعر بارتجافها، كان غافلا عن قلقها عندما قال فى برود:
مين اللى جابنى هنا؟
نظرت اليه قائلة فى توتر:.

طارق والدكتور على، وطارق جه من شوية اطمن عليك ومشى
جز آوس على أسنانه وهو يراها تنطق اسم طارق دون ألقاب، هل أصبحا صديقين وهو تحت تأثير اصابته، لا يدرى لما أغضبه تصور ذلك، وانعكس ذلك على صوته الذى قال فى حدة:
عايز تليفونى
انتفضت من حدة صوته وقالت بارتباك:
طارق أخده ولما بيعوز يطمن عليك بيكلمنى فى التليفون الأرضى.

طارق، طارق، طارق، هل ستظل تردد هذا الاسم طوال النهار، زفر بقوة، بالطبع سيأخذ طارق الهاتف حتى لا تتصل حور بأحد، ماالذى أصابه؟لم لا يستطيع التركيز؟هل بسبب الحادث ام بسبب وجودها بجواره تحدق به بتلك النظرة البريئة والتى تزيد من شعوره بالحقارة
قالت بارتباك:
اكيد انت دلوقتى جعان، أنا عاملالك شوربة هجيبلك شوية
قال فى عصبية:
مش عايز حاجة.

طالعته بهدوء رغم قلبها ثائر الدقات، تخشى عصبيته ولكنها تأبى أن يظهر عليها خوفها، حدقها بغضب قائلا:
الهانم مش حاسة انها مخطوفة وانى أنا اللى خاطفها، عاملة فيها ملاك الرحمة وقاعدة جنبى تمرضينى لأ وكمان بتعمليلى شوربة، انتى ايه ياحور؟مبتحسيش؟
نظرت اليه وقد ترقرقت الدموع فى عينيها قائلة:.

لأ، أنا بس انسانة مقدرتش تشوف انسان زيها ادامها بيموت ومتعملش كل حاجة تقدر عليها عشان يعيش، حتى لو كان الانسان ده هو سجانى، أنا هروح اجيبلك الشوربة وهتشربها ياآوس ومتقلقش انا مش مستنية منك كلمة شكر او معاملة مختلفة عن معاملة السجان لسجينته، انا بعتبر نفسى بعمل حاجة لله، عمل خيرى يعنى، ومش مستنية منه مقابل، عن اذنك.

تابعها بعينيه وهى تغادر، زفر بقوة وغضب، غضب موجه الى نفسه، هو فقط، لقد اكتشف انه يتأثر بدموعها التى أراد ان يمحيها، يتأثر بكلماتها التى تصيبه فى مقتل وتجعله يشعر بدناءته، يتأثر ببرائتها وطيبتها التى دفعتها لمساعدته، انها تشبه حنان كثيرا، ليس فى الشكل وانما فى الصفات وربما حور هى أكثر طيبة من حنان، نفض افكاره بعنف، هل بدأ حقا بالمقارنة بين حور وحنان؟هل سينسى حنان ويتخلى عن انتقامه من أجل أوهام بدأ قلبه فى تخيلها. قست نظراته واقسم ان يمحى تلك الاوهام قبل ان تسيطر عليه، دلفت حور بتلك اللحظة وليدها صينية عليها طبق الشوربة، وضعتها بجوار آوس قائلة:.

تحب أساعدك؟
قال بصوت حاد منخفض:
اطلعى برة
نظرت اليه فى دهشة فردد كلماته ولكن بصوت أكثر حدة وقوة:
اطلعى برررررة
تدفقت دموعها لتسقط على وجنتها فى ثوان واندفعت خارجة من الغرفة وسط شهقاتها، أحس آوس بالألم، ليس فقط فى كتفه بل فى قلبه، أحس بغضبه يزداد من نفسه فقذف طبق الشوربة بيده فى عنف ليقع منكسرا الى فتات، مرر يده فى شعره بعصبية وهو ينظر الى الباب التى غادرت منه حور منذ قليل قائلا فى حزن:.

ياريتنى ما شوفتك ولا قابلتك ياحور، ياريتنى.

تعالى بسرعة ياطارق
نطقت حور بتلك العبارة بصوت مختنق بالدموع، مما أثار قلق طارق الذى يتصل بها كى يطمأن على آوس، لقد غادرهم منذ قليل، هل من المعقول ان يكون آوس قد أصابه مكروه فى تلك السويعات الصغيرة؟
ابتلع ريقه قائلا فى وجل:
خير ياحور، آوس جراله حاجة؟
قالت فى حزن:
لأ هو كويس، متقلقش، بس فاق ومتعصب على الآخر وسأل عنك وعن تليفونه
زفر طارق بارتياح ثم قال:
خلاص انا كدة فهمت، نص ساعة بالكتير وهكون عندكم.

قالت حور:
هستناك، متتأخرش
تردد طارق للحظة ثم مالبث أن قال:
حور
قالت حور بصوت ضعيف من كثرة الدموع:
معاك ياطارق
قال طارق:
معلش ياحور، استحملى آوس، آوس طيب اوى بس اللى مر بيه مكنش قليل أبدا، ومش اى حد يقدر يستحمله
قالت حور:
هحاول ياطارق، هحاول.

ثم اغلقت الهاتف وهى تشعر بغصة فى قلبها المنقسم الى جزئين، جزء يتعاطف معه، يشعر أن آوس ضحية مثلها، يميل هذا الجزء تجاهه وبقوة، والجزء الثانى يثور لكرامتها التى يحاول آوس جرحها فأيهما ينتصر؟

كانت اميرة تجلس فى الحديقة تفكر فى حياتها الغريبة مع قصى، وكم هو بارع فى التمثيل، حيث يظهر امام الجميع كزوج عاشق متيم، بينما تظهر مشاعره الباردة وهما منفردين حيث يتجنبها تماما ويلجأ الى الصمت لينام فى اخر اليوم على الاريكة، افاقت من شرودها على صوت امجد يقول:
حبيبة بابى بتفكر فى ايه؟
ابتسمت اميرة قائلة:
بتفكر فى حبيبها ابو عيون سودة وغمازة فى خده اليمين
ضحك امجد قائلا:.

يابت يابكاشة، انا بردو اللى حبيبك، وقاعدة بتفكرى فيه
ابتسمت اميرة فى خجل قائلة:
يوووه بقى يابابى متكسفنيش
جلس امجد بجوارها قائلا فى حنان:
سعيدة معاه يااميرة؟
نظرت اليه اميرة وكادت ان تبوح بما فى قلبها، ولكن نظرة امجد الذى يملؤها الأمل والتى تطلب الاطمئنان عليها جعلتها تقول:
اوى يابابى، انا لو لفيت الدنيا كلها مكنتش هلاقى زى قصى
ابتسم امجد فى ارتياح وقبل رأسها قائلا:
ربنا يسعدكم يابنتى.

سمعا صوت قصى يقول فى مرح:
الله الله يابابا، بقى انا قاعد ادور على مراتى، وهى قاعدة هنا معاك وبتبوسها كمان، انا بغير اوى ياسى بابا
التفتا اليه سويا ليبتسم امجد فى حنان قائلا:
اهمد ياواد انت، احسن ما اخليك انهاردة تبات برة اوضتك
قال قصى فى لهفة:
وعلى ايه يابابا؟انا بقول المسامح كريم
تورد وجه اميرة خجلا ولاحظ قصى تورد وجنتيها فابتسم بحنان فى حين ابتسم امجد فى سعادة قائلا:.

انا بقول كدة بردوو، اما اروح انا اشوف حبيبة قلبى واسيبكم بقى، اصلى محبش اكون عزول
وما ان ذهب امجد حتى التفت قصى الى اميرة قائلا لها وهو يهز حاجبيه طلوعا ونزولا:
لو لفيتى الدنيا مش هتلاقى زيى، صح؟
نظرت اليه اميرة قائلة فى غضب تخفى به احراجها:.

وكنت عايزنى اقوله ايه؟مش طايقاك مثلا؟ومش حابة اكون معاك، انت مشفتش وشه كان فرحان ازاى؟لمجرد انه حس ان احنا بنحب بعض، بابا امجد عزيز على قلبى اوى زى ما مامتى سعاد عزيزة عليك، ومستحيل اكسر بخاطرهم عشان اى حاجة فى الدنيا، حتى لو بكرهك ياقصى
اقترب منها حد الخطر وهو ينظر الى عينيها مباشرة وانفاسه الساخنة تلفح وجهها وهو يقول بهدوء ما قبل العاصفة:
بتكرهينى يااميرة؟مش كدة؟

ازدردت ريقها بصعوبة وهى تنظر الى عينيه بتوتر وهو يقول مستطردا:
طب ليه كل ما اقرب منك أحس كل حاجة فيكى بتنادينى؟ليه كل اما بلمسك بتترعشى يااميرة؟فهمينى ليه لسانك بيقول كلام وعنيكى وكل اشارة منك بتقول العكس، ليه؟
ابتعدت عنه وهى تقول فى توتر:
انت اللى مش عارف تقرانى صح، انا لو بترعش فبترعش من رفضى للمستك
ابتسم قائلا فى سخرية:
كدابة، انتى لسة بتحبينى، ولا حبك لية زمان كان وهم؟

نظرت الى عينيه مباشرة وترقرقت الدموع بعينيها وهى تتذكر كلماته القاسية قائلة:
ايوة كان وهم، وهم فوقتنى منه وبطريقة بشعة ياقصى، كنت زمان لية سند وامان، كنت مثل اعلى، دلوقتى انت بالنسبة لى ولا حاجة، ولا حاجة ياقصى
وتركته مبتعدة وهو يتابعها بنظرات حزينة يتساءل فى الم، هل حقا هى مؤمنة بكلماتها؟ام انها قالتها فقط لتؤلمه؟لم يعد يدرى ماذا يصدق، اقوالها ام احساسه؟حقا لا يدرى.

ابتسم قصى وهو يستقبل غادة التى اسرعت اليه تحتضنه وهى تقول:
وحشتنى، وحشتنى اوى ياقصى
ربت قصى على ظهرها قائلا فى حنان:
وانتى اكتر ياحبيبتى حمد الله على سلامتك
قالت فى لهفة:
عرفت عنوان آوس و رقية ياقصى
ابتسم قائلا:
لسة، بس هانت يادودو، قربت والله
قالت بخيبة أمل:
نفسى أشوفهم أوى، انا مصدقت يبقالى اخوات
قال فى استنكار:
وانا ابقى ايه مثلا؟
ابتسمت قائلة فى مرح:
انت اللى فى القلب ياقصى.

ثم ابتعدت عنه تنظر الى ملامحه قائلة فى لوم:
يعنى كان لازم تعمل فرحك وانا مسافرة؟مكنتش قادر تأجله لغاية ما ارجع
ابتسم قصى قائلا:
لا مكنش ينفع أأجله يوم واحد، ده انا مصدقت يابنتى
ابتسمت غادة قائلة فى مرح:
انا مش مصدقة ودانى، ياناس ياهوووو، قصى اللى البنات فى امريكا هتموت عليه وهو مش معبرهم، ييجى مصر يخش عش الزوجية علطول كدة، لأ ومش قادر يصبر كمان؟
ابتسم قصى قائلا:.

ما انتى عارفة اللى فيها ياغادة، انا محبتهاش دلوقتى، انا بحبها من سنين
قالت غادة:
طب مقولتليش ازاى وافقت؟
تنهد قصى قائلا:
حكاية طويلة، تعالى ياستى معايا وفى الطريق هحكيلك كل حاجة، ولا انتى عجبتك وقفة المطار دى؟
ابتسمت غادة قائلة:
لا طبعا، يلا بينا، عايزة تفاصيل ياقصى، تفاصيييل، ركز كدة ياعمنا ومتنساش حاجة
رفع حاجبه مستنكرا وهو يقول:
عمنا، جاية من امريكا وتقولى ياعمنا، عليه العوض، يلا بينا يابيئة.

قهقهت غادة وهى تشبك يدها فى ذراع قصى وتمشى الى جواره وهى تستمع الى حكاية زواجه العجيبة من حبيبته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة