قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية زوجتي الشرقية الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والعشرون

رواية زوجتي الشرقية الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والعشرون

رواية زوجتي الشرقية الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والعشرون

توقف لحظة واسترجع قليلاً للأحداث الماضية
ماذا فعلت؟
كيف أمضيت عمرك؟
ماذا استفدت؟
هل تشعر بالفخر بأفعالك المجونة؟
هل انجزت نجاحا تفتخر به؟
زفر بحرارة وهو يستند بظهره علي جدار غرفته، يفكر قليلا لأجابه اسئلة والده، والده محق ما فعله كان عبثاً لا يليق ابدا بمركزه المرموق، لم يتأثر بالنساء بل هن من اردن ان يصبحن عشيقاته وهو ليس بقديس حتى يمتنع، في النهاية هو رجل واشياء داخلية تدفعه.

توجه نحو الفراش بيأس، لا يريد أن يقضي اجازته في حالة بائسة وكئيبه لقد جاء لكي يجدد نشاطه وأن يحتفظ بأكبر قدر من طاقة الايجابية، كل ما يريده هو هدوء، سكون، راحة تغلغل قلبه، كالقارب الذي يبحر لمسافات طويلة أيام وليالي يقضيها بعيدا عن موطنه حتى يعثر على مرسي تكون خط نهايته.

خانه جفنيه من النوم، يتقلب في يمينا ويسارا ولا يعلم لماذا يشعر بالأختناق، شىء يجثم قلبه، لم يكن هو منذ ثلاثة أشهر شىء غيره ولا يعلم سببه!

يوم هادىء، كان كل شيء يسير بسرعة حتى حل الظلام، الجده تتبع قواعد صارمة لوقت الطعام بل أيضا تخصص ساعة كل يوم إجتماع عائلي، وبقدوم الغائب كانت الأجواء مشحونة، قررت الخروج إلى حديقة منزل الجدة، لفحات هواء باردة قشعرت جسدها ضمت الشال جيداً وجلست علي احدي المقاعد وعيناها محدقتان نحو النجوم المتلألئة،.

شردت في حياتها التي سارت باستقامة، شىء لم تتوقع حدوثه ابدا، أن تصبح زوجته توقعت بعد ما حدث ان كل شخص سيسلك بطريقه، لكن زين مختلف، لمعت عيناها بخجل وهي تتذكر الأسبوع الذي مضى، كان مختلف معها شخصية زين جديدة اكتشفتها وهي بين ذراعيه، ويكفي انه جلب شقيقتها اليوم، مفاجأه لم تتوقعها ابداً، إحتضنته وقبلت وجنتيه امام اعين الجميع لم تخجل من احتضانه ربما هو السبب الذي ساعدها على كسر خجلها!

جلست سارة بجوارها و حمحمت بجدية ل تنتشلها من شرودها
- مكنتش متوقعه المفاجأة ديه
قالتها ليان وهي ما زالت محدقة نحو النجوم، لم ترمش بعيناها، النجوم كانت في وضع غريب الليلة ام هي التي تتخيل؟
ابتسمت سارة بإتساع وهي تتأقلم على وضعها الجديد، المكان و الاشخاص وجو لم تألفه من قبل.

- ولا انا اطلاقا فجأه لقيت جوز اختى حجزلي تذكرة اقعد اسبوعين هنا اقول لأ، بس بجد المكان هنا تحفة ونينا طلعت حلوة خالص حتي رجالة العيلة وستاتها
استدارت بوجهها نحو الهائمة، قطبت حاجبها بتعجب
- بتلمحي لأيه يا سوسه
عقدت ذراعيها على صدرها ورفعت ساقيها ووضعتهم على الطاولة المستديرة، تريثت قليلاً قبل ان تجيب.

- ولا حاجه كون اني اعجبت بواحد بشكله ده معناه اني حبيته مثلا؟!، لا اطلاقا انا مش بمشي بالمبدأ ده، اللي يهمني الجوهر
سألتها بشك، نظراتها المتهكمة نحو صاحب الأعين الزمردية لم تغب عنها، وعلياء التي كانت تبتسم بين الثانية والاخرى حينما تلقي سارة بعبارات مقتضبة موجه نحو الغير مكترث
- بتدوري علي جوهر زي مين؟
- جوهر زمردي.

انتفضت ليان من مجلسها وصاحت بحدة، يوجد شيء فاتها نظرات ابن عم زوجها لم تريحها، كانت تدور حرب العيون قبل موعد الغذاء، وما أدراك بحرب العيون؟!
- نعم
- يا بنت بهزر والله
زجرتها بعنف نحو الجالسة علي مقعدها وبدأت تدندن باغاني رائجة
- سارة فوقي شغل عالم الوردي ده مش بيحصل
زفرت سارة بيأس وهتفت بجدية
- مفيش حاجه.

ونبرة ليان كان سؤال للاطمئنان، رغم أنها مست نبرة الصدق والجدية في كلامها لكن تشعر أن وضعها ليس على ما يرام، وإن حاولت سارة ان تصنع قناع السعادة واللامبالاة تظل أختها
- مفيش اي حاجه؟!
هزت سارة برأسها إيجابا وهي ترسم إبتسامة واسعة ترغمها علي ان تصدقها، تنهدت ليان بقلة حيلة وسألت بتوجس
- واللي بيغلس عليكي؟
قطبت سارة بحاجبيها، إستغرقت ثوانٍ حتي تعلم عم من تتحدث، ردت بنبرة هادئة.

- تقصدي كريم، فكك منه عيل لزج ورزل بس عيونه يخربيته
غمزتها الوقحة جعلتها تهز رأسها يائسة ووجهت بخطواتها صوب المنزل
- انا طالعه انام
ضحكت سارة وهي تراقب خطوات ليان المتعجلة والغاضبة
- خدي هنا يا بنت استني
ولكن الأخري لم تعتري بها وتابعت بطريقها حتى اختفت عن مرمى بصر سارة، هزت كتفها بلا مبالاة وعيناها محدقتان نحو الفراغ
- وانتي بقي يا ست سارة اخرتك ايه؟!

عبارة كريم ما زالت تتردد في أذنها، لطالما قرأت تلك الكلمات في سطور الروايات، لكن في الحقيقة لم تكن تتخيلها، كيف يعني ستكون له؟ من اي جهة يريدها؟!، قشعريرة سرت كامل جسدها، توتر ارق أصابها بعد كلماته المسمومة، الواقع والخيال مختلف، عندما كانت قارئة تلك الكلمات تسعدها ولكن عندما أصبحت في موضع البطلة بدأت تتصرف مثلها، تبتعد عن الجميع، لا تخبر احد بما يؤرقها، تمثل السعادة امام اعين الجميع، وداخلها يصرخ يستنجد أحد ينتشلها من دوامة هواجسها اللعينة.

تعلم معلومات قليلة عنه، طالب في الفرقة الرابعة دائما ما سمعت عن أفعاله المجونة، كانت بشتي الطرق تبتعد عن طريقه، لكن يبدو حظها سيء ام قدرها الذي جعلها تقع في طريقه.

لقطات من الماضي أصبحت كابوسه، ماضي ظن انه دفن أو احترق لكنه اخطأ، طفل وحيد منزوي عن الجميع ظن ان البعد هو الحل الوحيد الذي أمامه لكنه كان مخطأ، يد قويه سحبته نحو الظلام ظل يتملص ويلتوي بجسده للتحرر من صاحب القبضة الحديدية، لكنه أخطأ صرخ مستغيثاً للنجاة شخص ينجيه من الذي يوجهه نحو ظلام يعبث الرعب والرهبة في القلوب، رأي ظل شخص يتقدم نحو، تهللت أساريره وهو يعلو بصوته اكثر حتى يجعل صاحب الظل يلاحقه، إستمر في صراخه لكن ما من منقذ،.

انتفض فجأة من مضجعه و جسده يتصبب عرقاً، لهث بقوة وهو يمسح حبات العرق الملتصق بجبهته، عرق غزيز جعله يشعر كأنه منذ قليل في سباق للماراثون،
يخشى أن لا يكون صراخه شق اذان سكون المنزل أو يجعل النائمة بجواره تستيقظ لكن خاب رجاؤه عندما انتفضت فجأة على صوت صريخ شخص، اتسعت اعينها ذعراً عندما قامت بإضاءة المصباح بجوارها وتنصدم بهيئته المزرية!
لمست ذراعيه بأنامل مرتجفة خشية أن يمنعها او يصدها تمتمت بصوت قلق.

- زين هل انت بخير؟
أغمض جفنيه وهو يهدأ وتيرة أنفاسه الحادة، اناملها وهي تربت على ظهره جعل جسده المتشنج يرتخي، أصابعها يوجد به سحر خاص القت تعوذيتها عليه، طال رده عليها ليتمتم بصوت جاهد أن يخرج
- نعم بخير.

إحتضنته بين ذراعيها ليدفن بوجهه عند تجويف عنقها، لف بذراعيه على خصرها اعتصرها بقوة وهو يردد ببعض العبارات المطمئنة لا يعلم هل هي له ام لها؟! يطمئنها ام يطمئن القلقة عليه، ابتسم بألم عندما داعبت على خصلات شعره بهدوء، شرد نحو الماضي كانت والدته تفعل ذلك عندما يستيقظ من كابوس كانت تطبع بقبلات دافئة علي رأسه مثلما تفعل هي، كل شيء عفوي تفعله يذكره بوالدته الراحلة
- ماذا حدث؟

تريد الاطمئنان، حاستها السادسة الأنثوية تخبرها ان هناك شيء خاطئ، شيء يتعلق بماضيه رغم انه اخبرها بكل شيء لكن هناك شيء ناقص، قطعة ناقصة لم تكتمل بعد والدليل صراخه، صراخ مؤلم مس قلبها
- كابوس
كانت تهدهده كالطفل الصغير، طبعت قبلات حانية على رأسه
- اهدأ حبيبي كل شيء سيكون علي ما يرام
- ارجو ذلك.

تمتم بها بصوت خفيض إلتقطتها أذنيها لتسحق شفتيها بألم، ابتلعت غصه في حلقها ظنت ان الحياة بدأت تعطيها ألوانها المبهجة ولكن هل يجب للسعادة ان تظل دائما معها؟!

- صباحو علي الحلوين
هتفت بها سارة بلهجتها المصرية وهي ترحب بالجميع وتلقي ابتسامتها الهادئة، لا تحب الهدوء الذي يجلب الرعب ولا تحب الوجوه الجامدة
جلست على المقعد المجاور ل علياء لتي كانت تضحك علي مزاح سارة
شرع الجميع في تناول الطعام بصمت وهدوء يغلفهم ولكن كيف يوجد سكون في صحبة سارة؟!

كانت تلقي دعابات سخيفة تحدث لها في حياتها ومواقف مضحكة لم تنساها، لتبتسم بظفر وهي تري وجوه مبتسمة، عبست ملامحها عندما سمعت صوت صاحب اللكنة البريطانية وهو يتوجه نحو مقعده يتمتم بأسف
- معذرة على التأخير.

تكهرب الجو بمجيئه نظرات الجدة المعاتبة ونظرات والده الحارقة اما هو كان يستقبل كل ذلك ببرود بل يتناول طعامه بتلذذ، رفعت حاجبها باستنكار على تصرفه الغير لائق نفضت افكارها الخبيثة التي إقتحمت عقلها لتوجه بحديثها ل ليان قائلة
- ليان حبيبة قلبى ممكن استلف نينا شوية
ابتسمت ليان نحو اداء سارة وكأنها تمثل على خشبة المسرح أمام الجماهير، عادت سارة بسياقها للإنجليزية لأعين علياء الفضولية والجدة المتسائلة.

ضربت الجدة بكفوفها ضاحكة وهي تمتم بعدم تصديق
- لا تصدق تلك الفتاه
تساءلت علياء وهي تعبث بشوكتها على طبقها النصف فارغ
- ماذا ستفعلي في اجازتك؟
هزت كتفيها بلا مبالاة وردت
- لا شيء سأسير في القرية والتقط الصور واذهب الى الحقول
لمعت عيناها ببريق جعل عسليتها تبرقان وهي تفكر في رحلتها وكيف سيكون المرح، تبدو شخصية سارة الاجتماعية والمرحة سيجعل الاجازة اكثر اثارة.

- سنذهب انا وخالد في الاسبوع القادم لندن ما رأيك ان تنضمي الينا
همت بالرفض ليقطاعها صاحب الأعين الزمردية وهو يوجه ببصره نحوها لعدة لحظات جعلها ترفع حاجبها بتحدي، إبتسم بسخرية لينتقل ببصره إلي علياء
- ماذا هل ستذهب الطفلة معنا؟
طفلة؟ ذلك الغبي هل تقتله الآن؟! ما زال مصراً علي انها طفلة، تريثت قليلا قبل ان تقوم بقذف صحنها في وجه الوسيم الذي يعبث في قلبها الاشمئزاز من وسامته المفرطة.

- ماذا يا سيد خالد انني لا اتذمر كثيرا كالأطفال، ولكن شكرا لك عزيزتي عاليا سأقضي الاجازة مع الجدة وليان
إرتفع وتيرة الحدة والاجواء صارت مضطربة وكأنها في حلبة مصارعة تنتظر فقط إشارة الحكم لتنقض عليه و اول شيء ستفعله ستخدش ذلك الوجه وتلكمه بكل ما اوتيت من قوه لتقلع ذلك الغرور والعنجهية الملتصقة به
هتفت الجدة وهي تتناول قطعة الخبز
- جيد اذهبي الي محمد في اسطبل الجياد.

اتسع بؤبؤ عينيها وهبت من مقعدها وهي تصفق بيديها كالاطفال
- جياد! حقا هل يوجد جياد سأطير إلي هناك وداعا
إنطلقت سارة كالصاروخ غير عابئه بالأساسيات الصارمة التي وضعتها الجدة وهي ان لا يقوم شخص من مجلسه عليه انتظار الجميع كي يقوم من مجلسه، نظرت نحو الجدة لتجدها غير مبالية بما حدث سوى فقط انها قطبت حاجبها، تمتمت ببساطة
- اختي
وما تعنيه إنها هكذا يجب عليكم ان تعلموا تصرفاتها ..

كانت تبلع ما في جوفها بصعوبة، نظرت نحوه لتجده صامت لم يتفوه بشيء حينما إستيقظ، مجرد عبارات مقتضبة، حينما كانت تريد ان تعلم ما الذي حدث له ليلة امس يخبرها كابوس مزعج، لا تقلقي كل شيء سيصبح بخير كيف سيصبح كل شيء بخير ووجه جامد خالي من التعابير،.

لاحظ نظراتها المصوبة نحوه، اغلق جفنيه وهو يتنهد بحرارة ماذا سيخبرها؟ انه ايضا لا يعلم سبب ذلك الكابوس المزعج؟ ربما لن تصدقه وتخبره ان شيء يخفيه؟، كابوس مزعج يستعرض شريط حياة طفولته المأساوية ظن ان الباب الماضي أغلق ولكن يبدو انه عاد من جديد يفتح بابه المظلم ويدعوك بالمجىء.

شعر بأناملها الدافئة وهي تعتصر ذراعه لا يعلم هذا حافز للدعم ام لا؟! امسك كفها وطبع قبلة دافئة على راحة يديها ليعود النظر إلي طعامه ويعبث به هو الآخر،
كل ذلك حدث تحت أنظار الجدة، لم يغب عنها اي شيء، شيء خاطئ يحدث! منذ يوم كان كل شيء يسير بطبيعية وسلاسة ما الذي حدث الآن؟
- زين عزيزي هل انت بخير
هتفت الجدة بتساؤل ولم تخفي القلق في نبرتها، جعل الجميع يلتفون نحوه، قام من مجلسه وهو يغمغم بحنق.

- نعم جدتي، سأذهب إلي المكتب سأنتظرك عمي
ذهب وتركها، لم يكن يود فعلها لكن هناك شيء داخلي يمنعه، يجب ان يكون قوياً صلبا لمواجهتها لا يريدها ان تراه وهو متحير متذبذب في افكاره،
- هل يصح ما فعلته
هتفت بها علياء بحدة وهي تعترض طريقه للخروج.

لا يتحمل عتاب او نظرة حانقة أو أي شيء يكفي ما به عواصف وبراكين واشياء يقسم انها لو صممت للتحدث معه سينفجر في وجهها وسيتحدث بأشياء ستجعله يندم عليها لاحقاً، ضم قبضته وهو يصيح بحدة وأشاح بجسدها عن طريقه
- آليا توقفي مزاجي متعكر
ضربت بحذائها علي الارضية وصاحت بحنق
- بغيض.

نظرت إلى الخاتم بانبهار، دمعت عيناها بفرح بسرور اشياء داخلية متضاربة تجمع ما بين السعادة والحزن، سعادة لأنها اكتشفت أنها هائمة في زوجها المستقبلي لم تكن تتوقع مقدار كل ذلك الحب الذي تكنه له هو فقط صدق الذي قال ما حب إلا ما بعد عداوة ، كانت معجبه به عندما رأته للمرة الأولى لكن كان هو ملتصق بالاخري أو هكذا ظنت لتبدأ بالتدريج يتحول ذلك الإعجاب إلى شيء آخر كره غضب كانت تود ان تقتله،.

عبست ملامحها بحزن ظاهر جعل شهاب يتسائل بتوجس وترقب
- الخاتم لو معجبكيش ممكن اغيره وتختاري واحد علي ذوقك
هزت رأسها نافية وهي تلتقط الخاتم وتضعه في بنصرها الأيمن، مدت يديها قليلا ليتلاقي اشعه الشمس علي الخاتم إنعكس بريق خلاب اسرها وهي تغمغم بابتسامة واسعة
- لا حلو جدا كفاية انها من ذوقك
- طب ليه مش حاسك مبسوطة
تنهدت بحرارة وهي تمتم بحزن ظاهر في نبرتها.

- لأول مرة احس ان ماما ماتت، بابا حسسني ان ماما مماتتش عوضني بحنان الأم والاب تعب معايا جدا ليه افضل عليا بس دلوقتى بتمنى انها تكون جنبي في وقت زي ده
امسك كفها وقبل راحة يديها بعشق جعل جسدها يتخدر وقال بمشاكسة
- انا معاكي وبعدين سيادة اللواء بيبصلي كتير شكله كده قلقان من المرة اللي فاتت، طب ما تيجي نعمل كده زي المرة اللي فاتت
ضمت قبضه يدها وضربته علي صدره وصاحت بنبرة مهددة
- شهاب اتلم.

غمز بوقاحة وهو يقترب منها بخطورة
- عيونه
ابتسمت بخجل سرعان ما تحول إلي غضب زائف عندما وجدته لم يعبأ بتهديدها، لما هو متعمد ان يفعل تلك الأشياء الوقحة في منزلها وبحضور والدها
أشارت بسبابتها محذرة
- المرة الجاية هتلاقيني طردتك من البيت
زفر بحرارة متنهداً وهو يحيط بكلتا كفيه يديها
- انا قلتله ننزل كافيه قالي لأ عايزكم تحت عيني بس ده برده ميمنعش اني اخد تصبيرة.

قطبت حاجبها وهزت رأسها يائسه من افعاله، صاحت بصوت مرتفع لتجذب انتباه والدها
- بابا سيادة المقدم عايزك
سمعت صوت والدها وهو يخبرها أنه سيأتي، قامت من مجلسها وهي تراقص بحاجبيها للعابس، وبنبرة حانقة متوعدة قال
- ماشي يا ندي
أرسلت بقبلة في الهواء قبل خروجها من غرفة الصالون وردت بمشاكسة
- تعيش وتاكل غيرها يا قلبي.

لم تكن تعلم انه يوجد مسافة ليست بهينة للذهاب إلى إسطبل الجياد، لكن روحها الشغوفة جعلها لم تشعر بالوقت وهي في صحبة الكاميرا المفضلة لديها، خلال اليوم الذي قضته في القرية جعلها تعلم مكان الحقل الذي ذهبت إليه الجدة في صباح اليوم، تنهدت براحة عندما وصلت للمكان المنشود لتتفاجأ بوجود جياد تعدو بشكل لم يصدقه عقلها هل الجياد أصبحت جميلة لذلك الحد أم أنها لم تكن تنظر بوضوح ك عدسة المصور؟!، اتسعت عيناها بانبهار وهي تراقب حركاتهم الرشيقة، انطلقت الجياد في حرية وقد تخلصت من السجن والعزلة لتسبح نحو البقع الخضراء التي ليست لها نهاية، طريق اتخذته للاعودة.

أفاقت من تأملها للمنظر البديع وهي تلتقط الصور بحرفية شديدة لا يجب ان تفوت شيء كهذا وخصوصا عدستها، لا تعلم كم عدد الصور التي التقطتها لكن يكفي وجود الشمس اليوم وهي توزع بأشعتها الذهبية على كل بقع الخضراء،
- خلي بالك
صوت مصري في البلدة الأجنبية جعلها تنتبه لوضعها، كانت علي وشك أن تغرق في المياه وهي تنتبه لأول مرة إلي بركة من الماء، تنحنحت بحرج وهي تعتدل في وقفتها
- اه اسفه.

صمت الرجل والتي تبدو من هيئته أنه طبيب ليغمغم بتساؤل
- انتي سارة صح
- ايوه وانت دكتور محمد
- ايوه
قالها وهو يصافح يديها برسمية، إلتفت وهي تنظر إلي الخيول بشرود تام وهو الآخر صمت عندما علم بهويتها، اقتحمت خلوة السكون وهي تحاول جذبه للحديث
- عمو حمزة كان بيحكي عنكم كتير
هز رأسه بعلامه لم تفهمها هل هو ايضا قليل الكلام!، هل يوجد عيب للجميع ام بها؟! ربما هي التي تتحدث كثيرا،
بادرته بسؤال آخر.

- علي كده في سور للمزرعة ديه؟!
اجاب بنبرة عملية
- اه اكيد طبعا في سور بس علي بعد مسافة كبيرة، استاذ زيدان مهتم جدا بموضوع الخيول وكبر المزرعة وحاول انه يخلي الخيول عايشه في بيئتها اكتر ما هي تكون محبوسه في اسطبل وجزء صغير من الخضرة تحيط بالمزرعة
يبدو ان الطبيب من النوع الممل كانت ستأخذ بكاميرتها وتعود أدراجها نحو المنزل لتجده يهتف بحماس بشخصية مختلفة عن التي كانت منذ ثوانٍ قليلة
- طب تعالي.

دافعها لرؤية الاسطبل وفضولها جعلها تسير خلفه، نظرت إلي من يقوم بتنظيف الجياد ومن يعتني بغذائهم كل شخص يعمل ولم يتلفت إليها أحد بسبب عملهم، تفحصت جميع الجياد بترقب وهي تنظر إلي أعينهم الواسعة الجذابة، توقفت فجأه وارتدت للخلف عندما نظر إليها فرس جامح بنظرة دبت في اوصالها الرعب، إلتفت الطبيب وتحدث بخفه
- ده فرس عربي اصيل.

انحني الطبيب وهو يلتقط فرشاة خشنة ومسد بها ببطء وبرقة علي الفرس، أصدر الفرس صوت يعبر به عن إستمتاعه لما يفعله الطبيب له، تساءلت بغباء
- ايه ده اللي في ايدك
إلتفت إليها وهو يرفع حاجبه باستنكار كأنه يخبرها الا تعلمين ماذا افعل؟، لكنه جاوب ببساطة وعاد يفرك جسد الفرس
إقتربت بحرص نحو الفرس المرعب وهمست
- طب ممكن اجرب
- اكيد.

اعطاها الفرشاة التي بيده، ابتلعت ريقها بتوتر وهي لا تأمن لنظرات الفرس المبهمة، ثار الفرس بغضب عندما حاولت أن تمد بيدها على ظهره، ارتجفت اوصالها من نظرته الحادة لتنظر إلي الطبيب الذي طمأنها ويخبرها ان تعيد الكرة مرة اخرى،.

استعادت رباطة جأشها ونظرت إلي الفرس بنظرات ثابتة مطمئنة له، مسحت على ظهره بحنان وهي تنقل برسالة انها ليست عدوته بل مجرد صديقه لطيفة ربما ستكون مزعجة معه قليلا ضحكت على حالتها الميؤسة...
كان الطبيب يراقب ما يحدث باطمئنان لوضعها ووضع الفرس، صوت احد يناديه لأمر طارىء جعله يستأذن منها
- دقايق وهرجع مش هطول.

هزت برأسها وهي تعود تنظر للفرس، لونه اسود، سواد فحمي يعبث بالرعب لكن نظراته الحادة تكسرت، كان يصدر صهيلا يعبر عن سعادته كلما تلمس ظهره بحنان، ضحكت علي حالة ذلك الفرس العجيب منذ قليل يرفض ان يلمسها والآن يصدر أصواتاً مرتفعة تعبر عن حالته المزاجية الرائعة،.

وفجأه بدأت تتحدث معه تعبر عن قلقها وخوفها من المستقبل تعلم انها لن تجد الرد منه لكنه كائن لديه مشاعر سيفهمها بالتأكيد، شريط حياتها مر أمام عينيها ومزاجها يتغير في كل دقيقتين او ثلاثة، تارة تضحك وتارة تبكي وتارة تبتسم وتارة تعبس
- لم اكذب حينما قلت طفلة
صوت أيقظها من دفاترها القديمة، نظرت نحو صاحب اللكنة البريطانية وهو يستند على الحائط عاقداً ذراعيه على صدره، يبدو من هيئته انه كان هنا منذ فترة طويلة.

كشرت انيابها وشتمته في سرها، ردت ببرود ظاهري
- معذرة سيدي هل توجه الحديث معي؟!
تقدم نحوها بخطوات بطيئة وما إن رآه الفرس حتى صهل مرحباً بعودة الغائب نقلت أنظارها نحوهما و صاحب اللكنة البريطانية يمسد علي ظهره بترحيب حار، رفع حاجبه باستهزاء وغمغم بنبرة ذات مغزى
- أظن ذلك لأنه لا يوجد احد غيرنا.

كان يريد ان يعلم أثر كلماته عليها، لم يحيد ببصره عن عيناها يختبر قوتها، سرت بجسدها رعشة خفيفة جعلتها ترطف بعيناها وجعلها تشيح بوجهها عنه، ذلك الرجل يجب عليها أن تبتعد عنه،
لاحت إبتسامه ظفر علي شفتيه ليدنو نحوها بقرب تحت نظرات الفرس المبهمة
- في اي صف انتي العاشر ام التاسع؟
ظلت تعد من واحد لعشرة حتى لا تفتك به، سحقت شفتيها بغيظ مدفون قبل أن تمتم بحنق
- اللهم طولك يا روح.

نظر إليها بتسلية لم يكذب حينما قال إنها طفلة، كل شيء يصدر منها قرر اللعب على اعصابها ليعلم كيف ستتصرف هل ستفقد بأعصابها ام تكون باردة؟!
فضولي ليعلم ردة فعلها، والسبب الذي دفعه لذلك مجهول!
- اما زلتي تحملين معلب للطعام ام زجاجة للماء ام كلاهما للمدرسة
صمت لعدة لحظات وهو يلاحظ اتساع حدقتي عينيها ل يسترسل بتساؤل
- أخبريني هل اا
قاطعته صائحة بغضب وعيناها تنطلقان منهما الشرر.

- اسمع صدقني كلمة أخرى ستجد ما لا يسرك
دنا نحوها وهو ينظر إليها بتحدي
- وماذا ستفعلين بي أيتها المتوحشة الصغيرة ستقومين بعضي مثلا
للحظة تلعثمت وهي تري عيناه الزمردية اللامعة كالأحجار النفيسة، حبست أنفاسها داخلها حتى لا تمر رائحة عطره الممزوجة بعبقه الرجولي الي انفها، تنهدت بحسرة
-يخريبت حلاوتك ياخي
رفع عيناه بدهشة علي حديثها بلغة مختلفة، عبست ملامحه يكره ان يتحدث معه شخص بلغه مختلفة، هتف بحنق.

- معذرة يا طفلة لكن يجب عليك ان...
- سيد خالد
بدلت حرف الخاء بالكاف مثلما تقول الجدة، نظرت إليه بتسلية وهي تقول في سرها سارة ١ - خالد ١ اكفهرت ملامحه من اسمه ليصيح غاضباً
- واللعنة انتِ عربية لما تقوليها مثل الغرب
عقدت ذراعيها على صدرها و هزت كتفها بلا اكتراث،
وقد نست اين هي والفرس الذي كان يتابع الحديث الدائر بينهم بصمت وترقب وكأنه يود أن يعلم من الفائز في تلك الجولة!

- انها مشكلتك كان يجب ان تغير اسمك بدلا من ان تقضي بقية عمرك تكره اسمك وتسمع شخص يقول اسمك بالهاء او وربما الكاف
- سارة
صاح بها الطبيب وهو يراقب الوضع المشحون، جسد خالد المتحفز على انقضاضها ونظرات سارة اللامبالية
- دكتور محمد
لم تكن تقصد ان تنطقها بتلك الرقة والنعومة ابداً، سارت بإتجاهه وسأل باهتمام
- في حاجه حصلت؟
هزت رأسها نافية وهي تبتسم بإتساع
- لا انا همشي.

ودعته وسارت بأقصي سرعة تهرب من نظرات محمد الغير مطمئنة، يبدو غريب بعض الشيء وتصرفاته لا تتوقعها ابداً،
نظر إليه خالد بلا مبالاة واستدار هو الآخر يخرج من الأسطبل تحت نظرات محمد المتعجبة.

- اخبريني كيف تبدو الحظيرة
سألتها الجدة بأهتمام لترد ليان بإنبهار
- رائعة يا جدتي لم اتخيل انها كبيرة لذلك الحد
يبدو ان منزل الجدة يوجد اشياء كثيرة لم تراها من قبل بسبب ما حدث في الماضي، ويبدو أنه سيتكرر مرة أخرى!
نفضت راسها من تلك الأفكار السوداوية، لن تصبح متشائمة ولن تكون سلبية مرة آخري
- هيا سنجمع البيض لنرحل سريعاً
ضغط الجدة علي كفها وهي تنتشلها من شرودها لترد ليان بابتسامة هادئة.

- انتظريني هنا سأذهب وآتي
هزت الجدة كتفيها وهتفت ببساطة
- كما تريدين سأعود للمنزل وسأنتظرك في المطبخ لا تتأخري
- حسناً
جمعت البيض بعد معركة بينها وبين الدجاج انتهت بفوزها في النهاية، عادت بأدراجها متوجه صوب المطبخ لتضع السلة التي جمعت بها البيض على الطاولة وصاحت بصوت مرتفع نوعاً ما
- جدتي اين انتي؟
لم تكن تنتظر تلك الاجابة منه او تجده يقف خلفها بل ملاصق لجسدها وانفاسه تلفح عنقها.

- هل يوجد مانع لو انا هنا؟
إزدر ريقها بتوتر وهي تبتعد عنه عدة خطوات واسعة جعل الاخر ينظر إليها بشك مقطبا حاجبيه
- لا لا
رفع حاجبه بإندهاش وهي تمتنع اي تواصل جسدي بينهما، تمتم بتساؤل
- ما بك؟ لما تعامليني كالغريب
للحظة زجرت نفسها بعنف عن تلك الأشياء الغبية التي تفعلها، ردت ببساطة وهي تشيح بعينيها عن نظرات اعينه الثاقبة
- لا شيء.

شهقت عندما وجدته يسحب خصرها نحوه بعنف، امسك بذقنها ليثبت رأسها التي تتهرب كلما حاول ان ينظر إلي عيناها، نظرات عينيه معاتبه ومكسورة جعلها تبتلع غصة في حلقها بصعوبة
- كاذبة عيناك تفضحانك
نبرته يوجد بها شرخ، شعور بالذنب يقتله وهو يري ملامحها الذابلة والأرق الذي يبدو جلياً على صفحات وجهها،.

كانت مستيقظة منذ الأمس وهي تضمه إلي ذراعيها لم يغلق لها جفن حتى وجدته ساكناً بين ذراعيها، كانت الساعة تجاوزت السادسة لتهز رأسها يائسة وهي تتوجه نحو المرحاض تستعد بيوم جديد،
كان يعلم انها لم تنم شعر بجسدها وهي تبتعد عنه ببطء خشية استيقاظه، إبتسم بامتنان ليطبع قبلة دافئة عميقة على وجنتيها، تذبذبت من قبلته وهي تجد اعينه التي اشتعلت بوميض تعلمه جيداً.
- زين ابتعد نحن في المطبخ.

همست بها بصوت خافت لتجده يطبع قبله اخري علي خدها الأيسر بنعومة وعمق أكبر، صاح بحدة وجدية زائفة
- ولو انتي زوجتي
تهدمت حصونها العنيدة وهي تجد أنامله تتحرك من عنقها إلى اسفل خصرها بهدوء
- زين لا يصح ما تفعله ماذا سيحدث ان رآنا أحد بهذا المنظر المخزي
ملس على وجنتيها التي أصبحت ك ثمرة طماطم طازجة وغمغم ببساطة
- سيقولون رجل وإمرأته
تريث قليلا قبل أن يلقي بشيء جعلها تتسع أعينها بذعر
- اريد قُبلة.

رمشت بأهدابها الكثيفة وهي تريد ان تعلم ان ما سمعته صحيح؟ حقيقة وليس خيال او هاجس!
حدقت به بدهشة وهي ترفع حاجبها الأيسر
- ماذا؟ وهنا!
هز رأسه ببساطة لتقطب حواجبها باستياء
- تمزح صحيح
رغم محاولاتها البائسة لمنعه لكنه ما زال مصراً وبعناد صاح
- ماذا لا اطلب شيئا صعباً
استسلمت يائسة لتطبع قبلة على وجنتيه، نظرت إلي ملامحه المنصعقة لتبتسم بتشفي، كتمت ابتسامتها عندما مرر بإبهامه على ملامح وجهها الناعم.

زفر بحرارة و باستياء واضح
- هل تُقبلين ابن خالتك، اريد قبلة الازواج
حاولت أن تشيح بعيناها عن أعينه الاسيره، لكن عيناه مثل المغناطيس الذي يجذبها وهي مسلوبة الارادة، همست بخجل ووجنتيها اصطبغ بلون احمر قاني محبب له
- لا استطيع فعلها هنا
همس بصوت مماثل لها وهو يغمز عيناه بمكر
- الأمر لن يستغرق سوى ثوانٍ قليلة
- زي.

إلتقط شفتيها بين خاصته وهو يسحبها إلي عالم آخر تجعلها لا تشعر بوجود احد سوي نبضات قلبهم الثائرة،
يُقبلها وكأنها القبلة الأولى لهم، وما الذي جعله يعمق قبلته انها احاطت بعنقه لتبادله شغفه بشغف أكبر، لم يفيق من دوامة المشاعر سوي صياح الجدة التي ضربت بعصاها علي ارضية المطبخ مزمجرة بعنف
- زياد!

أخرج لفظ بذيء بين شفتيه وهو يلصق بجبهته على جبهتها وكلاهما يحاولان التقاط انفاسهم المسروقة، صاح بخشونة من وضعه الميؤوس منه، في كل مرة يخرجه شخص وقد بلغت عواصفه للذروة
- اللعنة لا يصح ذلك في كل مرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة