قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل السابع والعشرون

رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل السابع والعشرون

رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل السابع والعشرون

خرجت زهرة بهدوء دون أن يشعر بها دكتور خالد، دارت الدنيا بها، لم تصدق ما سمعته، أيعقل أن يكون ما سمعته صحيحا، أيعقل أن يخونها دكتور خالد، لا لا، لابد أنها واهمة، لقد كانت تشعر بدوار وعدم اتزان، إذن ما سمعته ليس صحيحا، إنها ضلالات، هكذا أقنعت نفسها، فكرت أن تعود للشقة للتأكد مما سمعت، لكنها تراجعت، حتى لا تقتل الأمل في كون ما سمعته غير صحيحا، الله وحده يعلم كيف وصلت إلى سيارتها، ألقت بنفسها على كرسى القيادة، استرجعت ما مر بها خلال اليوم، تذكرت كل أحداث اليوم حتى وصولها لشقتها، نظرت حولها للتأكد من أن ما مر ليس كابوسا، أمسكت بولاعة دكتور خالد الملقاة في تابلوه السيارة، اشعلتها، قربتها من أصبعها، شعرت بالألم، إذن هي مستيقظة وما سمعته ليس حلما، هي في الواقع وليست واهمة، تساقطت دموعها بغزارة رغما عنها، انتفض جسمها بشدة، شعرت ببرودة شديدة رغم عدم برودة الجو، فكرت أن تعود وتفضحه بل وتقتله لكنها تراجعت، أشفقت عليه من هول الموقف، بصعوبة قادت سيارتها وذهبت إلى شقيقتها نرمين، وفور فتح الباب ألقت بنفسها على صدر شقيقتها وظلت تبكى، بكاء وصل إلى حد الصراخ.

نرمين: عمو جراله حاجة؟
أشارت زهرة بالنفى.
أدركت نرمين أن حادث جلل أصاب شقيقتها، طيلة حياتها لم ترها بهذه الحالة، احتضنتها بشدة وبكت لبكائها، ظلت تطبطب عليها وكأنها ابنتها، لم تتكلم حتى لا تزيد بكائها، تركتها تفرغ شحنة الغضب لديها حتى هدأت قليلا.
نرمين: إيه اللى حصل يا قلب أختك؟ متخانقة مع خالد؟
زهرة: خالد بيخونى يا نرمين.

لم تتفاجئ نرمين، لكنها تظاهرت بالصدمة، لقد سبق وحذرت شقيقتها لكنها دافعت عن زوجها، الظرف ليس مناسبا للوم، يكفى ما بها.
نرمين: بيخونك؟ معقول؟
زهرة: أيوه، هأموت يا نرمين من ساعة ما عرفت، نار قايدة في جسمى، سكاكين بتقطع فيا، حاسة إنى بانزف من كل ذرة في جسمى.
نرمين: أنتى عرفتى إزاى؟ مش يمكن أنتى ظالماه؟ اتأكدتى يعنى؟
زهرة: أتأكدت يا نرمين وسمعته بنفسى.
نرمين: ليه هو كان جايبها البيت؟

زهرة: أيوا، وعلى سريرى.
نرمين: ابن ال، ، مش يحمد ربنا، ناقصه إيه عشان يعمل كدة؟ سيبي له البيت وما ترجعيش إلا لما يعرف قيمتك.
زهرة: أسيب له البيت وأروح فين؟
نرمين: عند عمك.
زهرة: وأقوله إيه؟ ده أنا تحديته عشانه، وبعدين كفاية اللى عمو فيه، ده ممكن يروح فيها.
نرمين: عمك قال لك يا زهرة وحذرك منه.
زهرة: المصيبة إنه قاللى ده لعبى وعينه زايغة ومشيه بطال، قاوحت وقولت له لما يتجوز هيتوب.

نرمين: اللى كدة عمره ما بيتعدل.
زهرة: اللوم عليا أنا، أنا اللي هملت فيه وانشغلت عنه في الشغل.
نرمين: ده على أساس إنه قاعد طول النهار وأنتى مشغولة عنه، ما هو بيسيبك طول اليوم.
زهرة: خالد معذور يا نرمين، ضعف غصب عنه، أكتر الأيام بيجى يلاقينى نايمة.
نرمين: ما فيش مبرر للخيانة، مش ده كلامك؟
زهرة: أنا برضو هأعمل بالكلام اللى بأنصح بيه الناس وأديه فرصة تانية.
نرمين: يعني ناوية ترجعي؟

زهرة: أيوه، أنا كمان مش هأجيب له سيرة.
نرمين: معقول يا زهرة؟
لازم يعرف إنك عرفتي عشان ما يكررهاش.
لازم تواجهيه، هو مطمن إنك ما تعرفيش لكن لما تعرفيه إنك عرفتى هينكسف على دمه ومش هيعمل كدة تانى.
زهرة: لا، هيبقى حريص أكتر، وبعدين المواجهة مش في صالحى دلوقتى، ما هو ممكن يهد المعبد على اللى فيه.
نرمين: قصدك يطلقك؟

زهرة: إيه اللى يمنعه لو لقانى هأقيد حريته؟ وأنا بصراحة بأحبه وما أقدرش أبعد عنه، أنا عشان بأحبه هأسامحه، دى أكيد أول مرة، أنا هاخليه يتوب ويرجع ندمان وينكسف من نفسه كمان، هأهتم بيه ومش هأخليه يحتاج يعمل كدة تاني.
نرمين: أنا خايفة تكونى موهومة، وما تقدريش تغيرى طبعه وتضطرى تقبلى بيه كدة.
زهرة: خالد بيحبنى، وزي ما قولت لك ممكن يكون ضعف، أما أتصل بيه أقول له إنى راجعة.

نرمين: ما أعرفش إزاى قادرة تستحملى كدة؟
ده أنا عمر كان كلام بس وما أستحملتش، وما عملتش بنصيحتك، على فكرة أنا واجهته وهددته بالطلاق ومن يومها وهو ماشى على الصراط.

الغريب أن ثورة زهرة خمدت، ونسيت كل أوجاعها عند زكر سيرة الطلاق، هي تعشق دكتور خالد ولا تتخيل فكرة الابتعاد عنه، حتى لو خانها كل يوم مع ألف امرأة، حتى لو مزق قلبها ألف قطعة، لا تتخيل حياتها بدونه، لا تتخيل أن يمر يوم دون أن تراه، أن تمر ليلة دون أن يحتضنها، حتى لو غطت في النوم قبل حضوره، يظل نومها إرقا حتى يعود ويضمها إليه فتذهب في نوم عميق. مسحت زهرة دموعها، تماسكت، حاولت أن تكون طبيعية، واتصلت بدكتور خالد.

زهرة: آلو، خالد أنا تعبت فجأة وراجعة على البيت.
كان خالد حتى هذه اللحظة في فراشه مع رفيقته، رد عليها وهو بين أحضان الأخرى، حاول هو أيضا أن يكون طبيعيا.
د. خالد: أنا جاى لك حالا يا حبيبتى على البيت، وإلا تحبى أجى لك على الجريدة؟
زهرة: لالا الموضوع مش مستاهل، ربع ساعة وأكون عندك.
اعتدل دكتور خالد جالسا وقال لرفيقته: مستنية إيه؟ قومى يا بنت، يا، غورى في ستين داهيه، ستك جاية.

المرأة: لما أنت بتحبها قوى كدة بتخونها ليه؟
د. خالد: وأنتى مال أهلك يا، يا زبالة؟
حضرت زهرة، هب دكتور خالد واقفا، احتضنها وقال بقلق: مالك يا حبيبتي؟
زهرة باستغراب: أنت جيت قبلى؟ معقولة لحقت؟
د. خالد: لما اتصلتى بيا جريت على هنا زى المجنون، مالك يا زهرة؟
زهرة: ما فيش تعبانة شوية.
د. خالد: ألف مليون سلامة عليكى يا حبيبتي، إيه اللى تاعبك؟
زهرة: مصدعة شوية من دوشة الشغل طول النهار.

د. خالد: مش قلت لك بلاش شغل، أنتى اللى اصريتى.
زهرة: خلاص يا خالد أنا هأبقى كويسة، دول شوية صداع.
د. خالد: ادخلى يا حبيبتى ريحى وأنا هأجيب لك الأكل على ما صباح ترجع من عند أولادها.

ظلت نرمين تتصل بزهرة كل نصف ساعة للاطمئنان عليها، وزهرة تطمئنها أنها بخير، والحق أنها لم تكن بخير أبدا، الطعنة عندما تأتيك من مأمنك تكون قاتلة، لقد صدقته وآمنت له ووثقت فيه رغم تاريخه المذرى، صدقت وعده، والأهم صدقت نفسها أنها قادرة على تغييره، والآن هو بكل بساطة أنهى كل شئ، لتودع السعادة حتى إشعار آخر، الثقة هي الشئ الوحيد الذي إذا كسر لا يعود أبدا كما كان.

حاولت زهرة أن تنام لكنها فشلت، وكلما تذكّرت أن مكانها هذا كان به غيرها تألمت بشدة، ورغم حرصها على تغيير كل أغطية الفراش شعرت بالقرف الشديد من المكان كله ؛ بل ومن دكتور خالد نفسه، ولأول مرة تحتضنه حضنا فاترا، تحتضنه وتظل أرقة، ظلت تفكر هل كانت هذه المرة الأولى، أم سبقتها مرات أخرى، هل المرأة الأخرى تفوقها جمالا أم عادية، هل قبلت بما رفضته هي في علاقتهما، ولهذا خانها معها، هل خيانته لها جسدية فقط، أم مصحوبة بخيانة عاطفية، أيعقل أن يكون خالد أحب غيرها، ظلت تسأل نفسها ولا تملك الإجابة، الإجابة عنده وحده.

أما هو فقد غط في النوم وكأنه لم يفعل شيئا، في حين ظلت هي طوال الليل تتقلب على جمر، حتى أصيبت بحمى شديدة، فزع دكتور خالد من أجلها، ظل بجوارها طوال مدة مرضها وملازمتها الفراش.

حضرت عايدة ومن النظرة الأولى لزهرة علمت ما بها، أشفقت لحالها، لكنها سرعان ما تذكّرت أنها غريمتها، وأنها من أخذته منها، سبق وذاقت هي مما ذاقته زهرة الآن، مهما أحبته زهرة فلن يكون حبها له نقطة في بحر حبها هي له، مهما تعذبت زهرة لن يكون عذابها ذرة من عذابها معه، لقد تعذبت وهو مع زهرة كل ليلة، وتعذبت وهو يتنقل بين عشيقاته، تعذبت حتى ماتت حواسها من شدة الألم، تعذبت حتى تمنت لو ذاق الجميع عذابها، تعذبت ولم تستطع حتى أن تبكى وتبوح بما عذبها، زهرة رغم أنها لم تبح بما فيها، لكنها تمتلك حق الشكوى، والجميع سيتعاطف معها، أما هي فلا تمتلك هذا الحق، فلتحترق زهرة كما احترقت، هكذا حدثت نفسها.

انشغل عادل في عمله الأساسى بشركة عبد الرحمن وعمله الإضافي فكان لا يعود قبل منتصف الليل، يتناول طعامه ويجلس مع هند دقائق معدودة وينام، شعرت هند بفراغ كبير، كانت تقضى معظم اليوم مع أسرته وتعود لشقتها، تظل بها حتى يعود عادل، فعلت كل شئ لقضاء أوقات فراغها الطويلة، شاهدت الأفلام والمسلسات، لعبت كل الألعاب المتاحة على الموبايل، ورغم هذا شعرت بالملل، الشئ الوحيد الذي لم يشعرها بالملل برامج التواصل الاجتماعى، أصبحت تقضى بها معظم وقتها.

فكرت زهرة في ترك العمل، لكن نرمين عارضتها بشدة، ربما لشعورها أن حياة شقيقتها مع زوجها لم تعد مضمونة.
نرمين: اوعي تعملي كدة، الرجل لو عايز يعمل حاجة بيعملها، هو أنا كنت شغالة لما عمر لعب بديله؟ اشتغلى ووازنى بين شغلك وبين بيتك، جوزك طول اليوم برة، لو قعدتى هتتعبى.
زهرة: عندك حق، عمر الشغل ما هيمنعنى إنى أهتم بيه.

نرمين: الثقة بتاعة زمان راحت، وصلى له إن شغلك ما بقاش له مواعيد وإنك ممكن ترجعى بيتك في أى وقت وممكن تروحى له العيادة في أى وقت.
زهرة: لا يا نرمين أنا عايزة أرجع خالد ليا بالحب، مش بالخوف.

ظلت زهرة الصغيرة مسيطرة على تفكير حسام بشكل كبير، لم يستطع نسيان حالتها يوم تركها في دار إيواء الأطفال اللقطاء ومجهولى النسب، يومها تشبست به، ولكى يتخلص منها وعدها بالحضور قريبا لأخذها، كذب عليها وأدعى أنه ذاهب لرحلة عمل رفقة أمها وسيعودان لأخذها، مسكينة زهرة لم تحرم منه فقط، بل حرمت من أمها وشقيقها أيضا، حرمت من الحياة الطبيعية وسط جو أسرى، حرمت من الحب، من الأمان، من التدليل، من الخصوصية، استنكر حسام ما يشعر به، أليست زهرة هذه ثمرة خيانة أمها له، إنها جزء من رجل غيره، رجل أخذ ما لا يحق لأحد سواه أن يأخذه، ستظل زهرة الشاهد على فعلة أمها التي كسرت ظهره وطعنت رجولته.

تعافت زهرة قليلا وعادت لعملها، لكنها ظلت مكسورة النفس منطفئة الروح، حتى عندما كانت تجلس مع دكتور خالد كانت زهرة أخرى، تتفانى في إسعاده وهي غير سعيدة، مشهد خيانته لها وإن لم تره يتمثل أمامها في كل لحظة، وخصوصا في علاقتهما معا، لم يغب عن بالها لحظة.

عادت زهرة للجريدة ولأول مرة تشعر بقسوة الحل الذي كانت تقدمه لضحايا الخيانة، كلمات قليلة كانت تقولها حتى لا يخرب البيت و تهد دعائمه، لكنها صعبة التطبيق، قد يستمر البيت لكن على حساب روح وكيان إنسانة كل ذنبها أنها أحبت وأخلصت.
وأثناء استعداد زهرة للانصراف اتصلت نرمين بها.

نرمين: لو سمحتى يا زهرة لو فاضية تعالى لى مركز العلاج الطبيعي اللى بأعمل فيه الجلسات لابنى، هابعت لك اللوكيشن بتاعه على الواتس، عشان عمر مشغول ومش هيقدر يجى لى.
زهرة: حاضر يا حبيبتي من عيني، ولو مش فاضية أفضى لك نفسي، هو إحنا عندنا مية يوسف.
كانت ساق يوسف ابن نرمين بها بعض التقوس البسيط، مما استلزم إجراء جلسات علاج طبيعي لعلاج هذا التقوس.
جلست زهرة في استراحة المركز تنتظر خروج نرمين، وبعد قليل رأته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة