رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثامن والعشرون
وجدت زهرة شهاب المسؤول عن تصميم الرسومات بالجريدة، كان يسند سيدة تقاربه في العمر، كانت تعانى من تعثر شديد في المشى، وتستند عليه بشكل كبير، وهو يحاول قدر استطاعته أن يساعدها حتى لا تبذل مجهودا كبيرا، انتبهت له زهرة بشدة، لكنه كان منعزل عن العالم، لا يفكر إلا فيما يفعله، وبصعوبة استطاع إخراجها، أجلسها على كرسي متحرك واتجه بها نحو الخروج، كل هذا وعينا زهرة لم تنزل من نفسك عليه، شعرت زهرة بالحزن الشديد، تذكرت تحاملها عليه واتهامها له بالتقصير في عمله.
وعندما حضر إلى الجريدة ذهبت إليه بمكتبه، اعتذرت له.
زهرة: أنا آسفة.
شهاب: على إيه؟
زهرة: لإنى أتكلمت عليك بسبب غيابك، ما كنتش أعرف ظروفك، أرجوك سامحنى.
شهاب: لو إنى ما أعرفش أنتى قولتى إيه، بس كفاية إنك جيتي لحد هنا.
زهرة: لما غيبت أكتر من مرة في مدة قليلة، أتهمتك إنك استغليت غياب أستاذ محسن وروحت بتشتغل في أماكن تانية.
شهاب: وإيه اللى خلاكى تعتذرى؟
زهرة: شوفتك إمبارح، وحسيت قد إيه أنا كنت وحشة.
شهاب: شوفتينى فين؟ في مركز العلاج الطبيعي؟
زهرة: مين اللي كانت معاك؟
شهاب بحزن شديد: زوجتى.
زهرة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
شهاب: حادثة من تلات سنين، كانت شايلة بنتى ضيا وراجعة البيت بعد ماطعمتها تطعيم التسع شهور، واد صغير كان سايق العربية بسرعة دخل فيها، ولما شافت العربية من بعيد حدفت البنت بعيد عنها والحمد لله ربنا نجاها، وأتصابت هي أصابات خطيرة في العمود الفقرى، سببت لها شلل وعجز تام عن الحركة.
زهرة: ألف مليون سلامة عليها.
شهاب: كنا ما كملناش سنتين جواز، اتحكم عليها تقعد على كرسى متحرك، أهلها اهتموا بيها شوية في الأول، وأخواتها كل واحدة كانت بتيجي تخدمها شوية وبعدين زهقوا وكل واحدة انشغلت في بيتها.
زهرة: وطبعا أنت اللي بتخدمها؟
شهاب: أيوه أنا اللى بأهتم بيها وبأكلها وألبسها وأروح بيها جلسات العلاج الطبيعي، وأرجع جرى على شغلى، حتى الحمام ونضافتها الشخصية ورعاية بنتى أنا اللي بأعملهم، ولو أطول أعمل أكتر من كدة كنت عملت، لو أطول أشيله عنها كنت شيلته.
زهرة: ابن أصول.
شهاب: هي كمان لو كانت مكانى كانت هتعمل كدة، أنا معاها لآخر يوم في عمرى ولآخر جنيه في جيبى.
زهرة: محتاج فلوس يا شهاب؟ إحنا إخوات.
شهاب: مستورة الحمد لله ربنا بيبعت رزقها.
زهرة: أنت طبعا مش معاك عربية، شوفتك جايت عربية من أوبر، ممكن تسمح لى أوصلك لما يكون عندها جلسة؟
شهاب: مش عايز أتعب حضرتك.
زهرة: لو سامحتنى وافق.
شهاب: موافق.
شهاب وأمثاله من يعيدون شحن بطارية الأمل والطاقة الإيجابية لدى زهرة، بعد أن استفدت طاقتها في النماذج السيئة التي تراها، نماذج الغدر والخيانة، إنه شاب لم يتجاوز الثلاثين، لم يكمل عامين مع زوجته، حرم منها ومن الحياة الطبيعية كأى رجل ورغم هذا لم يتذمر، لم يتخل عن مسؤليته كما يفعل بعض الرجال الأندال، قد يقضى باقى عمره هكذا لكنه راض، شهاب رجل في زمن كثر فيه الذكور وشح الرجال.
نفذت زهرة خطتها لاستعادة دكتور خالد، بالغت في الاهتمام به، رغم جرحها الكبير منه، وكأنها من ارتكبت خطئا في حقه وليس العكس.
د. خالد: لو تعبانة قومى نامى يا حبيبتي.
زهرة: لا مش تعبانة.
د. خالد: على كيفك.
زهرة: خالد أنت راضى عنى ومبسوط معايا؟
د. خالد: ليه بتقولى كدة؟
زهرة: حاسة إنى مقصرة معاك.
د. خالد: لا يا حبيبتي، أنتى مش مقصرة.
زهرة: طب ممكن أى حاجة تحتاجها تطلبها منى، حتى الحاجات اللى رفضتها أول الجواز، أهم حاجة ما تغضبش ربنا.
د. خالد: يا زهرة أنتى وجودك بس في حياتى كفاية.
زهرة: لسة بتحبنى يا خالد زى زمان؟
د. خالد: وأكتر من زمان مليون مرة.
زهرة: يعنى أنا مالية عينك؟
د. خالد: في إيه يا زهرة؟
زهرة: خالد أنا بحبك قوى، ومش عايزة حاجة تبعدنى عنك.
د. خالد: وإيه اللى هيبعدك عنى.
زهرة: إنك تكون مش سعيد معايا أو تخونى.
ارتبك دكتور خالد قليلا وقال: أخونك إيه يا زهرة؟! مستحيل أحب غيرك.
زهرة: مش لازم تحب، قصدى خيانة جسدية، في ستات كتير بتبعت لى شكاوى إنها اتعرضت للخيانة بعد قصص حب أسطورية، والغريب إن الستات دى بتقول إنها متأكدة من حب جوزها ليها، لكن الحب ده ما منعهوش إنه يخونها.
د. خالد: هو أنتى هتطلعى عليا اللى بتشوفيه من الناس وإلا إيه يا حبيبتي؟! دى رجالة خاينة، وأكيد ما فيش فيهم واحدة زى زهرة.
زهرة: لما بأتخيل إن ده ممكن يحصل بأموت.
د. خالد: اطمنى يا حبيبتي مش هيحصل، هو أنا مجنون عشان أضيعك من إيدى؟
نامت زهرة مطمئنة، وهي لا تعلم أن بعض البشر مثل الخنازير، مهما أقنعتهم بجمال الورد سيذهبون إلى القمامة.
صارح حسام صديقه رياض برغبته في تبنى زهرة.
رياض: أنت مجنون؟ عايز تجيب بنت مراتك من الزنا وتتبناها؟
حسام: وهي ذنبها إيه؟
رياض: وأنت ذنبك إيه تفضل طول عمرك متعذب بيها، هيلانا خرجت من حياتك وأنت بتحاول تنسى التجربة المريرة دى، عمرك ما هتنساها لو فضلت زهرة قدامك.
حسام: الثواب اللى هاخده من كفالة زهرة هيخلينى أتجاوز أى تعب أو مشاكل هتحصل.
رياض: زهرة مش يتيمة، ولو عايز تكفل طفل يتيم في ألف غيرها من أطفال غزة اللى أتيتموا أو اطفال مصر.
حسام: دول ما فيش حد أرتبطت بيه أو ارتبط بيا، أنت عارف البنت دى لو فضلت في المكان ده هيحصل لها إيه؟ هتضيع.
رياض: ما تضيع، هو أنت أرحم من ربنا بيها؟ ما دار الإيواء مليانة أطفال، هيصعبوا عليك كلهم؟ أهاليهم رموهم إحنا مالنا، أولاد بلدك أولى بالتعاطف ده.
حضرت ملك شقيقة حسام الصغرى إلى الجريدة حسب الموعد المحدد لها ما زهرة، ملك لم تلتق بزهرة منذ أن كان عمرها عشر سنوات، عندما سافرت مع أسرتها بعد حادث قتل والد زهرة لوالدتها، كانت تماثل زهرة في العمر وصديقتها تذهبان للمدرسة معا وتلهوان معا، قبل أن تقطع والدتها صلة الرحم وتفرق شمل ابناء العم، وتجهض قصة حب حسام وزهرة.
وما أن دخلت مريم حتى عرفت زهرة، لم تتغير ملامحها كثيرا، مازالت تحمل بعض من ملامحها الطفولية وخصوصا شعرها الطويل.
ملك: لما لقيت اسم زهرة سليمان قولت جايز تشابه أسماء، ولما دخلت أبعت المشكلة على الإيميل ولقيت آخر الإيميل كلمة زعبوط قولت مش ممكن يكون كل ده تشابه أسماء، بيتهيألى ما فيش زعابيط في مصر غيرنا.
زهرة: مش ممكن! مين؟ ملك؟ بالحضن يا ندلة.
احتضنت زهرة مريم بشدة، وكأنها تشم الماضى فيها.
ملك: وحشتيني.
زهرة: يعني سألتى! إيه كل الغيبة دى؟ أنتوا لسة في الكويت وإلا رجعتوا؟ وإلا فين؟ من يوم ما عمو مات وانقطعت أخباركوا.
ملك: بالراحة عليا، أقعد أريح وبعدين أحكي لك كل حاجة.
زهرة: آسفة يا حبيبتي، معلش من المفاجأة، تحبى تشربى إيه؟
ملك: شاى بلبن.
زهرة: لسة بتحبى الشاي بلبن؟
ملك: طنط ماجدة الله يرحمها هي اللى عودتنى عليه أيام ما كنت بأجى لك نلعب سوى.
زهرة: الله يرحمها، كانت أيام، إيه المشكلة اللى خلتك دخلتى على الايميل بتاعى؟
تنهدت ملك وقالت: أنا تعبانة قوى يا زهرة، أنا بأتعذب.
زهرة: ليه يا حبيبتي مالك؟
ملك: هأموت من تأنيب الضمير.
زهرة: ليه؟ عملتى إيه؟
ملك: أنا بأخون جوزي.
صدمت زهرة مما سمعت فتداركت ملك نفسها وقالت: مش خيانة خيانة.
زهرة: هو في خيانة مش خيانة.
ملك: مش عارفة أقول لك إيه.
زهرة: من غير لف ودوران ادخلى في الموضوع على طول.
ملك: أنا كنت بأحب واحد أيام الكلية اسمه فادى، ماما رفضت جوازه منى عشان إمكانياته، بعدها على طول اتقدم لى منير جوزى وأتجوزته، ونسيت فادى وعشت حياتى مع منير بما يرضي الله، لكن بصراحة ما حبتهوش.
زهرة: أنتي ما أديتيش نفسك فرصة تحبيه.
ملك: لا والله حاولت وما قدرتش.
زهرة: طبعا من غير ما تقصدى، حرمانك من حبيبك فضل مسيطر عليكى وإحساسك إن جوزك السبب في كدة خلوكى ما تحبيهوش.
ملك: المهم بعد تلات سنين الصدفة جمعتنى بفادى تاني، جه اشتغل معايا في نفس المكان، وغصب عنى لقيتنى بأفكر فيه، بأفرح لما أشوفه، وأبقى بأموت لو اتأخر أو غاب يوم، وبأحس بنفس الإحساس عنده، لكن عمرى ما أتكلمت معاه كلمة برة الشغل، ولا هو أتكلم أو اتصرف تصرف غلط، ما فيش بينا حتى السلام بالإيد، أنا حتى مش معايا رقم تليفونه.
زهرة: لسة بتحبيه؟
ملك: بصراحة آه.
زهرة: دى فعلا خيانة، حبك ليه وأنتي على ذمة رجل تاني خيانة.
ملك: إحنا ما بنعملش أى حاجة غلط.
زهرة: لو ما كنتيش حاسة إن ده غلط ما كنتيش قولتى أنا بأتعذب، لازم تبعدى.
ملك: مش هأقدر.
زهرة: هتقدرى تتطلقى وتتجوزيه؟
ملك: لأ طبعا، هو عنده حياته وبيته وأولاده، وأنا ما أقدرش أحرم أولادى من أبوهم أو منى عشان نفسى.
زهرة: يبقى لازم تبعدى، مش هتموتى، أنتى كنتى عايشة قبل منه.
ملك: يا زهرة بأقول لك لو يوم غاب بأبقى هأموت.
زهرة: إحساس وهمى، أنتى اللى بتضخميه، جربى ومش هتموتى ولا حاجة، جربى تغيبى أسبوع عن الشغل وشوفي هيحصل إيه؟
ملك: أسبوع؟!
زهرة: يومين، واتحداكى إنك هتقدرى، هتتعبى شوية أنا عارفة، لكن تتعودى.
ملك: أجرب.
زهرة: طمنيني على مريم وماما وحسام.
ظلت زهرة وملك تتحدثان معا أكثر من ساعة، همت ملك أن تخبرها بحب حسام لها لكنها تراجعت خصوصا بعد أن رأت حب زهرة لزوجها وكلامها عنه.
انصرفت ملك ودخل مدحت مكتب زهرة وهي تجمع متعلقاتها استعدادا للانصراف.
مدحت: أنتى ماشية؟
زهرة: أيوه، أنا أتأخرت كدة قوى.
مدحت: عايزك خمس دقايق.
زهرة: الموضوع ما يتأجلش؟
مدحت: بصراحة مش عايز أجله أكتر من كدة.
زهرة: طب قول بسرعة.
مدحت: أنا عايز أرجع شرين قبل ما عدتنا تخلص، عايزك تتوسطى لى عندها، أنا عارف إنك أقرب حد ليها وإنها بتحبك وأكيد تسمع كلامك.
زهرة: أنت عارف إن شرين حكت لى سبب الانفصال؟
مدحت بخجل: أنا عايزك تعذرينى، كان غصب عنى، ده اللى كان متاح ليا، مش كدة أفضل من إنى أقع في الزنا؟
زهرة: كله زنا، كل الحواس بتزنى، العين بتزنى، والودن بتزنى، واللسان بيزنى، مش لازم تحصل علاقة مباشرة عشان يحصل الزنا، أى حاجة تثير الغرائز...
قاطعها مدحت: أنا عرفت ده متأخر للأسف، وعرفت أضراره، مش الجسدية بس، النفسية كمان، يكفى إنى ما قدرتش أعيش طبيعي مع الإنسانة اللى بأحبها.
زهرة: وأنت جاى ترجع شرين عشان تلحقها قبل العدة ما تخلص والإ محتاجها في حياتك فعلا؟
مدحت: أنا بأفكر أرجع شرين من بعد الطلاق بأسبوعين، أنا في الأول قولت مع السلامة، وما كانتش فارقة معايا رغم إنى بأحبها، لكن مع الوقت حسيت بالفرق، شرين كانت عاملة للبيت روح، حياتى فارغة من غيرها وفرشتى باردة، أنا إنسان محتاج حد يشاركنى حياتى واهتماماتى، حد أستأنس بيه، يهتم بيا، يخاف عليا، مش حد كل همه الفلوس.
زهرة: خلاص سيبنى أكلمها.
مدحت: ياريت يكون النهاردة، أنا مش عايش من غيرها.
زهرة: حاضر، هأتصل بيها لما أروح.
وبالفعل عاد مدحت لشرين بعد توسط زهرة له عندها وتعهده بعدم تكرار ما حدث.
ساءت حالة عبد الرحمن بشدة واحتاج إلى تدخل جراحى عاجل لاستئصال ورم جديد من الكبد، وكالعادة التفت حوله زهرة ونرمين، كل هذا وعايدة منغمسة في الخطيئة مع دكتور خالد.
شعرت زهرة أثناء نومها بعدم وجود دكتور خالد بجوارها، لم تهتم، ظنت أنه في الحمام وسيعود، لكن طال غيابه فهبت مذعورة، خرجت من حجرتها بهدوء، بحثت عنه في الحمام فلم تجده، دخلت كل حجرات الشقة ولم تجده، سمعت صوته آت من حجرة سميرة الخادمة، اتجهت بسرعة نحو الحجرة، وقفت أمام الباب، سمعت صوت...