رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الحادي والعشرون
وقفت زهرة بسيارتها تنتظر فتح الإشارة، وأثناء انتظارها لمحت عايدة زوجة عمها تجلس في سيارة أخرى وبجوارها شاب في الثلاثين من العمر يمسك يدها، انحنت زهرة إلى أسفل وكأنها تبحث عن شئ حتى لا تلمحها عايدة، فتحت الإشارة، سارت السيارة التي بها عايدة تتبعها زهرة، حرصت على وجود مسافة بين السيارتين، ظلت ورائها، حتى أ غلقت الإشارة التالية بعد مرور سيارة الشاب وعايدة، لم تستطع زهرة اللحاق بهما وغابا عن نظرها، لم تصدق زهرة ما رأته، قادت سيارتها بسرعة وتهور حتى كادت أن تصدم أحد المارة، لم تذهب إلى الجريدة، ذهبت إلى شقيقتها نرمين.
جلست زهرة تحمل ابن نرمين وبجوارها ابنتها والتي لم تهتم بها لأول مرة، فحاولت الصغيرة لفت انتباهها بعمل حركات طفولية بريئة، في حين ظل الطفل يبكى، كاد صبر زهرة أن ينفد.
زهرة: يا نرمين بتعملى إيه؟ بأقولك عايزاكى، تعالى بقى ما تضيعيش الوقت، ابنك مش عايز يسكت.
ردت نرمين من داخل المطبخ: أنا جاية أهو.
زهرة: بسرعة عايزة ألحق الجريدة.
خرجت نرمين من المطبخ وفي يدها صنينة عليها عصير، وضعت الصنية أمام زهرة.
نرمين: اتفضلى اشربى العصير الأول، واحكى وأنتى بتشربى.
زهرة: هو أنا جاية عشان أشرب؟ أمتى هتفوقى لى؟ بأقولك عايز أكلمك.
نرمين: اتكلمى يا زهرة قلقتينى.
زهرة: تصورى شوفت طنط عايدة مرات عمك راكبة مع واحد في عربيته.
نرمين: وإيه يعنى مش يمكن قريبها.
زهرة: لأ مش قريبها، ده عصام، مندوب مبيعات كان بيجى المكتب يعرض علينا أجهزة طبية زمان.
نرمين: طب وإيه المشكلة؟ مش يمكن قابلها في الشارع وعرض عليها يوصلها، وبعدين عمك تعبان دلوقتي وهي بتخلص الشغل بداله، ما تظلميهاش يمكن رايحة معاه مشوار شغل.
زهرة: بس ده كان ماسك إيدها، أنا شوفته بنفسى.
نرمين: يا شيخة حرام عليكي، يمكن بيتهيألك، ويمكن مش هى، أنتى بتقولي كنتى في عربيتك وهي في عربية، يعنى في إزاز عربيتين بينكوا.
زهرة: لأ هى، أنا عارفة اللبس اللى كانت لابساه.
نرمين: أنا لو صدقت في كل الدنيا مش ممكن أصدق في طنط عايدة،
دى بتحب عمك بجنون وهو كمان بيحبها جدا، ما شوفتيش كانت عاملة إزاى لما عرفت إنه تعبان؟
زهرة: والله عمالة أقنع نفسي إن طنط عايدة مش ممكن تعمل كدة، وبأكدب عينى، بس دى كانت راكبة جنبه وصوت ضحكتهم جايب آخر الدنيا.
نرمين: مش عارفة أقول لك إيه يا زهرة، معقولة طنط عايدة تعمل كدة في السن ده؟ وأمتى؟ بعد ما عمو تعب.
زهرة: طفاسة ووساخة بعيد عنك، فاكرة يا نرمين لما كانت تجى سيرة الخيانة في فيلم أو مسلسل كانت بتقول إيه؟
نرمين: كانت بتهاجم الست الخاينة بشدة، كانت بتقول الست ما لهاش أى عذر للخيانة، والأهون عليها أنها تقتل روحها قبل ما تخون جوزها.
زهرة: أنا مرة من هبلى قولت لها يمكن لها عذر، كنت صغيرة، ردت عليا وقالت لو مضطرة تطلب الطلاق، لكن ما تخونش جوزها، كله يهون إلا الخيانة، يظهر إن في ستات بترفع شعارات وما بتعملش بيها، فاكرة يوم ما عمى جابنا نعيش معاها قال لها إيه؟
نرمين: قال لها عايزهم يبقوا صورة منك في الأخلاق، طبعيهم بطباعك، مش عايزهم يكونوا زى أمهم.
زهرة: لأ وإيه كانت بتستغفر ربنا كل ما تجى سيرة أمنا، قال يعنى الست طاهرة، وأمنا هي اللى منحرفة، تفتكرى كانت بتستغفر ربنا ليه؟
نرمين: الله أعلم، أنا برضو مش قادرة أصدق.
زهرة: لا صدقى، ده انتقام ربنا، ذنب أمنا بيخلص من عمك، كان أكتر واحد متحامل عليها.
نرمين: عمرك ما كنتى قاسية كدة على عمك.
زهرة: أنا بأحب عمو جدا، وعمرى ما اتمنيت يكون عقابه كدة، بس هو ظلم ماما كتير.
نرمين: يارب تكوني موهومة يا زهرة، اوعى تقولى لعمك.
زهرة: لأ طبعا، عمك تعبان ومش ناقص.
نرمين: أحسن حاجة تنسى الموضوع ده، وتفوضى أمرك لله، لو خاينة هو اللى هيعاقبها، ولو بريئة يظهر برائتها.
زهرة: أحاول.
انشغل دكتور خالد عن زهرة كثيرا، حتى المكالمات الهاتفية اصبحت هي من تقوم بها، كان يرد مرة ويتجاهلها مرات، وحين يحدثها يكون حديثا مختصرا باردا باهتا لا يتعدى كلمات، كانت لا تراه إلا في الصباح، ورغم حرصها على الحضور مبكرا وعدم قضاء وقت طويل في النادى كان هو لا يأتى إلا بعد منتصف الليل، وفي الغالب بعد نومها، حتى يوم الجمعة يوم راحتهما كان أكثر الأيام لا يقضيه معها ويتعلل بعمليات مفاحئة.
استيقظت زهرة يوم الجمعة، أعدت الإفطار بنفسها ودخلت إليه لتوقظه، أمسكت زهرة بوردة حمراء داعبت بها وجهه، استيقظ دكتور خالد، لكنه لم يتحرك من مكانه، تكلم وهو مازال مستلقيا بفراشه.
د. خالد: إيه يا زهرة الغلاسة دى؟! سيبينى أنام شوية أنا تعبان طول الأسبوع.
جلست زهرة بجواره، ألقت بالوردة جانبا واحتضنت رأسه، قبلته وظلت تعبث في شعره برومانسية.
زهرة: فاكر يا خالد لما كنت بتصحينى من النوم وتقول لى قومى بقى وحشتيني عايز أقعد معاكى؟
د. خالد بفتور: آه.
زهرة: طب فاكر لما كنت كل يوم تجيب لى ورد؟
د. خالد: كبرنا بقى يا زهرة على الكلام ده.
زهرة: أنت اللى كبرت بس، أنا لسة صغيرة.
د. خالد: طبعا يا حبيبتى أنتى صغيرة، ممكن بقى تبطلى حركات الأطفال الصغرين دى وتسيبينى أنام شوية؟!
زهرة: طب فاكر لما قولت لى عمرى ما هأخليكى تندمى.
د. خالد وقد اعتدل جالسا: وأنتي ندمتى؟
زهرة: لأ طبعا، عمرى ما هأندم، أنا بأحبك يا خالد، وخايفة تكون ما بقيتش تحبنى.
احتضنها برومانسية وقال: ليه بتقولى كدة؟
زهرة: حاسة إنك بعيد عنى، وبقى عندك حاجات كتير أهم منى.
د. خالد: لأ طبعا، أنتى أهم حاجة عندى، بس في التزامات لازم أعملها، يرضيكى يقولوا دكتور خالد كفائته قلت بعد الجواز وبقى مقصر في شغله؟
زهرة: لا طبعا يا حبيبي، بس أنا ليا حق عليك.
عاود ضمها إليه وقال: حقك على راسى.
زهرة: خلاص يا حبيبى ولا يهمك، حقك أنت على راسي، قوم بقى نفطر، أنا عاملة لك الفطار بإيدي.
د. خالد وهو يقبل يدها: تسلم إيدك يا حياتي.
زهرة: خارج النهاردة وإلا قاعد معايا؟
تذكر دكتور خالد أنه قد واعد صفية على اللقاء، ولكى تبدو الأمور طبيعية قال بمكر: أنا وظروفى، أنا معاكي أهو ويارب ما يحتاجونى، لو حصل بقى هيكون غصب عنى.
زهرة: ولا يهمك، ربنا يعينك يا حبيبي.
خرج دكتور خالد مع زهرة وهو محتضنا لها، بدت كقزم بجواره، نظرا لقصر قامتها ونحافتها الملحوظة، الغريب أن دكتور خالد داس على وردتها مرة أخرى، وكأنه كتب على كل زهور هذا البيت أن تهان و تداس.
نادى هليوبوليس.
اعتادت زهرة أن تلتقتى بصديقاتها مرتين أسبوعيا.
ذهبت حسب الموعد المحدد للقائهن، لكنها لم تجد سوى صافى (صفية).
زهرة: فين فتنة ونانا؟
صافى: فتنة على طول مشغولة، ما بتجيش إلا كل مدة، ونانا راحت مشوار.
زهرة: مشوار إيه وسايبة شنطتها هنا؟
صافى: مشوار بقى وخلاص مش لازم تعرفي.
زهرة: سر يعني؟!
رن هاتف صافى.
صافى: يا حبيبتي أنتى لسة مكلمانى إمبارح، ما لحقتش أتصرف، أنا قولت لبابا وأكيد هيشوف لك شغل.
المتصلة: بسرعة يا صافى الله يخليكي، أنا هأضيع.
صافى بضيق: حاضر حاضر، ما تفضليش تتصلى بيا كل يوم وأنا لما ألاقى شغل هأتصل بيكى.
زهرة: مين دى؟
صافى: دى هند، فاكراها؟
زهرة: آه طبعا فاكراها، كانت عايزة إيه؟
صافى: عايزة شغل، جوز أمها مضايقها، بيفتح عليها الأوضة وهي نايمة، وعايزة تسيب البيت، بس بتدور على شغل عشان تقدر تأجر مكان تعيش فيه.
زهرة: طب اتصلي بيها بسرعة، أو هاتى رقمها.
صافى: عندك شغل لها؟
زهرة: اتصلي بيها بس.
اتصلت صافى بهند وأعطت الهاتف لزهرة.
زهرة: اسمعى يا هند أنا زهرة، تعالي لى بكرة الصبح على شركة عمى، طبعا عارفاها، وما تقلقيش إن شاء الله أحل لك مشكلة الشغل والسكن.
صافى: هتشغليها عند عمك؟
زهرة: أيوه، عمى تعبان وكان قايل لى إنه محتاج واحد يشتغل مع عادل.
صافى: طب كويس، أنتى شيلتى من عليا حمل تقيل قوى.
زهرة: احكى لى بقى عن جوازاتك.
صافى: أول جوازة زى ما أنتى عارفة كانت ابن رجل أعمال زميل بابا ما كملناش شهرين وأتطلقت، بعدها حبيت واحد هنا في النادى وأتجوزته، وأتطلقت بعد ست شهور.
زهرة: يخرب عقلك.
صافى: بعدها حبيت حاتم عمار وأتجوزته.
زهرة: حاتم عمار بتاع الكنغوفو؟
صافى: لما عرفته ما كانش حاتم عمار المشهور، كان لسة لاعب مبتدئ وساكن في منطقة شعبية وأهله فقرا قوى.
زهرة: يعنى بنت الباشا حبت البطل الفقير؟
صافى: المهم أتجوزته بعد معارضة شديدة من أهلى، وبرضو أتطلقنا ورجعنى لذمته بعد أسبوع، وأتطلقنا ورجعنى بعد أقل من شهر، ومن يومها محترم نفسه وعايش.
زهرة: طالما بتحبوا بعض كدة ليه ما بتحافظوش على بعض؟
صافى: أنا أن كان عليا مش عايزاه وزهقت منه، بس هو اللى متمسك بيا.
زهرة: ولما هو بيحبك كدة ليه بيطلقك؟
صافى: طباعنا مختلفة، أنا بأسهر للفجر في البارات والديسكوهات، وهو متعود ينام بدرى عشان صحته، أنا ليا أصحاب كتير رجالة وستات وهو ما بيحبش كدة، أنا بأدخن وهو طبعا لأ، على طول في مشاكل بينا، بس مش ده سبب الطلاق.
زهرة: أمال إيه؟
صافى: شافنى مع واحد غيره في وضع...
زهرة: يا نهارك أسود! خونتيه؟
صافى: أنا صارحته بكل حاجة قبل الجواز، قولت له إنى بأمل بسرعة من أى حاجة، ومن الأفضل إننا نفضل أصدقاء، لكنه راهنى إنه بعد الجواز مش هيخلينى أمل منه أبدا، قال إنه هيخلينى إنسانة جديدة، وأهو خسر الرهان.
زهرة: قصدك إنك أنتى اللى خسرتى نفسك.
صافى: أنا بأعشق التغير زى ما انتى عارفة، دى طبيعتى، بأغير العربية كل شهرين، وأحيانا كل شهر، بأغير لون شعرى، لون عيونى، عفش بيتى، حتى الشغالة، ما بأطيقش أشوف نفس الأشكال والحاجات لمدة طويلة.
زهرة: إنتى على ذمته دلوقتى؟
صافى: آه.
زهرة: حتى بعد ما عرف إنك خونتيه.
صافى: أصله بيحبنى قوى.
زهرة: إزاى قابل على نفسه كدة؟
صافى: أنا بأحاول على قد ما أقدر أحافظ على مشاعره، وهو حتى لما بيعرف بيعمل إنه ما عرفش حاجة.
زهرة: طب ليه؟ هو مش ده راجل وده راجل؟
صافى: لا طبعا يا زهرة، مافيش رجل زى رجل، كل راجل له أسلوبه وطريقته الخاصة في معاملة الست اللى معاه، ليه أحصر نفسى في في راجل واحد؟ أنا كدة بأحرم نفسى من ألف فكرة وألف طريقة، في راجل حنين تنسى الدنيا في حضنه ورجل قاسى عنيف، في رجل بيحسسك إنك ملكة متوجة، وراجل يحسسك إنك حشرة تنداس بالرجلين، ساعات بأحتاج الإحساس ده، ومش معقولة كل راجل يعجبنى هاتجوزه.
زهرة: ما فيش ست تحب إنها تكون لأكتر من رجل إلا لو كانت مريضة، أنتى الأحسن ليكى تعيشى في غابة زى الحيوانات، وحتى الحيوانات ما بتعملش كدة، أنا لازم أمشى، أنا حاسة بالقرف من كلامك.
صافى: استنى بس يا زهرة.
زهرة: اوعى من سكتى أنا مش متخيلة إنك ممكن تكونى بالقذارة دى.
تركت زهرة صديقتها واتجهت إلى الشقة الخاصة بوالديها، كانت تذهب إليها كل فترة ومعها الخادمة، تفتحها وتقوم بتنظيفها وتهويتها، ذهبت هذه المرة وحدها، ألقت عليها نظرة، عرفت ما ينقصها وقامت بكتابته في ورقة ثم انصرفت.
اتصلت بعمها تزف إليه خبر عثورها على العامل المطلوب، فرح عمها رغم أنه كان يريد رجلا، لأنه لم يعد يذهب إلى الشركة كثيرا، وربما يتحرج عادل من وجود فتاة معه وحدها طول الوقت.
وفى اليوم التالي أرسلت الخادمة الخاصة بها لشقة والديها لتنظفها، ثم ذهبت إلى الجريدة، وفي الموعد المحدد حضرت هند، استقبلتها زهرة استقبالا حارا، كانت ملابسها مهلهلة، ووجهها شاحب، أضاف الهم على عمرها سنوات، من يراها يظن أن عمرها ضعف عمر زهرة.
زهرة: مالك يا هند عاملة كدة ليه؟
هند: أنا تعبانة قوى يا زهرة، أستحملت كتير وقولت لما أخد البكالريوس وأشتغل كل مشاكلى هتنحل، بقالى خمس سنين مش لاقية شغل محترم، اللى لقيته لإما شغل في مصانع أو محلات، أطفح الدم طول النهار عشان ملاليم، ما بتكفيش مصاريف لبسى وفطارى.
زهرة: معلش ما أنتى عارفة كل الشغل الخاص كدة.
هند: نفسي أشتغل، نفسي أخد ولو أوضة بعيد عن جوز أمى، مش متخيلة قذارته وصلت لإيه، ده بقى يتحرش بيا عينى عينك، بيدخل عليا الأوضة وأنا نايمة، وما تقوليش ليه ما بتقفليهاش، ما ينفعش، اخواتى الصغيرين بيناموا معايا وبيقوموا يروحوا الحمام بالليل كذا مرة، وطبعا هو أما بيدخل الأوضة بيحجج بيهم.
زهرة: انسى كل ده واسمعينى، هاتى كل حاجتك وتعالى عندى هأفتح لك شقة بابا وماما.
هند: بجد يا زهرة؟ ودى مش محتاجاها؟
زهرة: لا مش محتاجاه، هي فيها العفش والفرش وكل حاجة، وكمان هتشتغلى مع عمو في الشركة.
هند: ألف شكر يا زهرة ربنا يسترك.
زهرة: روحي جهزى حاجتك، وأنا هاخلص شغلى وأجى أخدك.
قامت زهرة بشراء كل ما يلزم صديقتها من خزين المنزل، كما أحضرت طعاما جاهزا وذهبت لها به.
هند: كدة كتير يا زهرة، أنا مش عارفة أرد جميلك إزاى.
زهرة: تدعى لبابا وماما.
هند: الله يرحمهم ويجعل قبرهم روضة من رياض الجنة.
ظلت زهرة تنتظر خالد حتى عاد، تناول طعامه بسرعة وذهب لفراشه، لم ينتظر حتى بعض الوقت كما كان يفعل، وفي دقائق ذهب في نوم عميق، جلست زهرة بجواره تحدث نفسها: يا ترى إيه اللى باعدك عنى يا خالد؟ كبرت زى ما عمى قال؟ وإلا رجعت تعط زى زمان؟ يا ترى بتخونى؟ أيوه أنا حاسة بكدة، أنا ست وعارفة، نفسى أمسك عليك دليل.