قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس والثلاثون

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس والثلاثون

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس والثلاثون

شهقت في صدمة، وانتفضت تتطلع لما يفعله، لتجده يلثم موضع ما بقدمها، همست متسائلة في تعجب: بتعمل إيه يا رائف!
هتف رائف في مجون: إيه! ببوس جرصة التعبان، ربنا يخليه.
هتفت نوارة في صدمة: ربنا يخليه! ده اللي هو إزاي!
هتف يغمز بعينه في مشاكسة: ايوه طبعا ربنا يخليه، هو لولا جرصته، كنت شفت الرچلين اللي زي الچمار دي، وأنا بعالچك.

شهقت نوارة في تعجب: بتبص على رجلين المرضى بتوعك يا دكتور! ده أنت دكتور نسا! وده منافي ل..
هتف رائف مقاطعا، وهو يعتدل متطلعا لعينيها: مفيش نسا فعيوني غيرك، الستات اللي بعالچهم دول مرضى وبس، لكن أنتِ غير يا نوارة.

خفضت عيونها خجلا، ليقترب منها في عشق، لترفع عيونها نحوه وقد قررت مشاكسته: كل العرايس بتجوم ليلة صباحيتها على بوسة ع الخد أو حتى ع اليد، إلا أنتِ يا نوارة، تصحي على بوسة على جرصة تعبان فرچلك، إيه نظام بوس الواو ده يا دكتور!
قهقه رائف حتى دمعت عيناه، هاتفا في نبرة مشاغبة: إيه التجطيم ده يا دكتورة، واحنا فالصباحية! لا كده أنا لازم لي رد اعتبار فوري.

قهقهت بدورها، هامسة في دلال، وهي تقترب منه مقبلة كتفه التي خلعت عندما كان يفادي سقوطها بين ذراعيه، أثناء حريق الدار: كده نبجوا خالصين، جرصة تعبان، وخلع كتف، وإن شالله ما حد حوش.
قهقه يضمها إليه هامسا: بصي، هو أنتِ بتضحكي على عجلي، وده رد اعتبار ميأكلش عيش، بس منك أنتِ يا نوارة، على جلبي زي العسل.
اقترب حتى أصبح أقرب لها من انفاس صدرها، يضمها لأضلعه في شوق جارف، لتهمس باسمه في وله: رائف.

همس بالقرب من مسامعها، في نبرة تقطر عشقا: رائف راح واللي كان كان يا دكتورة، سيبي رائف يرد اعتباره بطريجته.
تشبثت به في شوق مماثل، تود لو كان بمقدورها الاحتماء بين حنايا اضلعه للأبد، وألا يكون لها موضع أخر، إلا ذاك الموضع المقدس، حيث عاد الضلع إلى أرض منبته.

تسلل كما أصبحت عادته، وألقى برأسه على فخذها، لم تأخذها المفاجأة هذه المرة لظهوره المباغت، بل إنها ابتسمت وقد اعتادت الأمر، وهمت بترك الرواية من يدها، لكنه همس أمرا في محبة: اجري لي كده، أخر سطر وصلتيله..
عادت تتطلع للرواية من جديد، وهمست بصوت رقيق يأسر حواسه كلها:.

ليس بمقدور انسان، أن يخلق قدرا أفضل من قدر الله الذي كتبه عليه، ولو خُير الإنسان في صنع قدره، ما كان أنفع من قدر اختاره الخالق لمخلوقه، فما أعظم اقدار الله، وما أروع رضا المخلوق بعطية خالقه.
تنهد عاصم في رضا متطلعا لها: فعلا والله، رضينا يا رب.
تركت الرواية جانبا، وظلت تتطلع نحوه في عشق، متفرسة في ملامحه بتمعن، ما دفعه ليمزح هاتفا: عاوز الصورة ستة في تسعة الله يخليكي.

قهقهت لمزحته، مستمرة في التحديق لوجهه وبدأت في تحريك اطراف أصابعها في رقة على قسماته، هامسة في عشق: عايزاه ياخد جبينك الواسع اللي عمره ما انحنى إلا للي خلقك، وحواجبك اللي شبه هلال أسمر، وعيونك اللي كلها شجن عشان البنات كلها تبقى هتجنن عليه، أما مناخيره بقى فدايما مرفوعة زيك لفوق بعزة نفس عمر ما خالطها الكبر، وياخد شفايفك اه بقى، حدوتة متتحكيش من أساسه، وطابع حسن مزين دقنه زي طابع الحسن اللي أخر مرة شفته فيها كان قبل ما تطلق اللحية يا شيخ العاشقين.

ابتعد عاصم عن فخذها، واستند على مرفقه متطلعا لها في تشوش، هاتفا يستفسر في اضطراب: هو مين ده! وإيه اللي عيوني وحواچبي، ، اللي هو يعني..
ابتسمت في رقة هامسة: كل ده ولسه مفهمتش يا عاصم.
لم يحرك ساكنا، وهو يتطلع إليها في تيه، ما دفعها لتهمس بحياء: ولي العهد جاي فالسكة.

تطلع إليها ولم ينبس بحرف، وهي تمد كفها جاذبة كفه في رفق، تضعها على بطنها، هامسة في محبة، وبأعين دامعة: هنا ثمرة عشقنا اللي اتخلق جوانا من يوم ما وعينا ع الدنيا، هنا رابط جديد بيتخلق عشان يربط بينا أكتر وأكتر يا عاصم.
بدأ يستوعب الأمر، وملس بكفه على بطنها في رقة، وانحنى يمرغ وجهه باحضانها في وله تام، وأخيرا نهض مندفعا لخارج الحجرة، همست تستوقفه: رايح فين يا عاصم!
همس بصوت متحشرج: چاي، ثواني وراچع.

اندفع يهبط الدرج ومنه حتى غرفة جده، التي دخلها بحرص، مقتربا من موضع رقاده، جانب جدته في مثل هذه الساعة، وانحنى جالسا على الأرض، مادا كفه محتضنا كف جده، وبدأ في البكاء الذي كتمه هناته أمامها، ما دفع عاصم لينهض متطلعا لحفيده في قلق، هامسا في تساؤل: إيه في يا عاصم! حصل حاچة يا ولدي.
تطلع إليه عاصم الحفيد، بأعين دامعة: زهرة حامل يا چدي، استحيت ابكي جصادها، ملجتش غيرك أبكي جصاده من الفرحة وافرحه معاي.

ابتسم عاصم الجد في مزاح: طب تمام، ما دام بكى من الفرح، يبجى أبكي كيف ما أنت عايز، بس أني مليش مزاچ أبكي، نصحوا ستك تزغرد لنا.
هتفت زهرة التي كانت تعطيهما ظهرها، بلهجة مرحة: سته صاحية من بدري، بس سيباكم على راحتكم.
واعتدلت في موضعها جالسة، متطلعة نحو عاصم الحفيد الذي بدأ في تجفيف دمعه في خجل من رؤية جدته له بهذا الشكل، لكنها استطردت مازحة: متتكسفش كده، طب أقولك، جدك ده..

هتف عاصم الجد معترضا: ماله جده، سيد السباع، ده أني الغول.
تجاهلت زهرة كلامه، مستطردة في نبرة مرحة: يوم ما ولدت أبوك مهران، وعمتك سندس، كان ماسك السما بيده زي ما قالت لي خالتي فضيلة الله يرحمها، وسمعته بيبكي فحضني وأنا بفوق من البنج، لما الدكتور قاله دي ربنا نجاها بأعجوبة، لأن ولادتهم كانت صعبة قوي.
هتف عاصم الجد ممتعضا: أهي ستك الفتانة جالت لك على كل حاچة، أرتاح يا سيدي منتش لحالك.

قهقهت زهرة هاتفة: مرة من نفسي، ما هو أنت كنت قاعد تخبص له على حاجات ياما، جت عليا أنا وتتكلم.
قهقه عاصم الجد مؤكدا: ايوه صح، ده أنا فضحتك جدام الواد ده، عارف بلاوينا كلها، بس هو چدع مش بيجول.
قهقه عاصم الحفيد لمزاح جده، الذي استطرد هاتفا: لو چه واد سميه ناچي، ولو ربنا رزج ببت، سميها فاطمة.
تعلقت زهرة بذراع عاصم زوجها في محبة، هامسة له في امتنان: والله فيك الخير يا عاصم، اسم بابا وماما الله يرحمهم.

هتف عاصم الجد رابتا على يدها التي تحتضن عضده: ايوه امال إيه، دول هم الخير والبركة، دول أصل حكاية العمر كله يا زهرة.
تطلع عاصم الجد لحفيده مستطردا: سميه ناچي لجل ما ربنا ينچي جلبه من الوجيعة، وفاطمة، لچل ما تكون طاهرة الجلب والروح.

هز عاصم الحفيد رأسه في طاعة، ولثم جبين جده وجدته مغادرا نحو المسجد ليصلي ركعتين شكر لله، ومنه عاد من جديد لحجرته ليجدها في انتظاره وقد عادت لقراءة روايتها، لتهمس في عتب: رحت فين وسبتني يا عاصم!
همس وهو يقترب منها مقبلا جبينها في مودة: رحت أصلي ركعتين شكر لله.

ابتسمت وهي ترى أثر الدمع المتألق بمآقيه، كانت تعرف أن قلبه الغض لن يحتمل مفاجأة حملها، لذا تركته يفرغ أحمال عاطفته الفياضة بلا حصار منها، أشارت نحو فخذها موضع رأسه المفضل، ليلبي الدعوة مرحبا، هامسا في مرح: نلحجوا ناخد شوجنا من المكان جبل ما ياچي اللي يشغله وتروح علينا.
همست وهي تخلل أصابعها بخصلات شعره السبط: لا يمكن يا عاصم، مكانك محفوظ وهيفضل ميملاهوش حد غيرك حتى ولو كان حتة منك.

تنهد في راحة، متطلعا نحوها في عشق موصول بنظرات تحكي قصة عشق لا نهائية، وأخيرا، استدار مغرقا رأسه ببطنها، بالقرب من موضع طفله القادم، هامسا في محبة: لو واد هنسميه ناچي، ولو بت هنسميها فاطمة، موافجة!
انحنت تلثم هامته، مؤكدة في مودة: كل اللي تختاره بيعجبني وأنت عارف، بس يا رب تفضل تحبني أنت بعد ما يشرف الاستاذ أو الأستاذة وياخد حبة من حبك ليا.

ما كان منه بعد كلماتها إلا الالتصاق بها حد الوله، محاصرا خصرها بذراعيه في عشق، مهمهما ببعض أبيات من شعر كان يعلم أنها تحبها:.

يا سيِّدتي: لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ، يا سيدتي سوف يظلُّ حنيني أقوى مما كانَ، وأعنفَ مما كانْ، أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرُ، في تاريخ الوَردِ، وفي تاريخِ الشعْرِ، وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ، يا سيِّدةَ العالَمِ لا يُشغِلُني إلا حُبُّكِ في آتي الأيامْ أنتِ امرأتي الأولى. أمي الأولى رحمي الأولُ شَغَفي الأولُ شَبَقي الأوَّلُ طوق نجاتي في زَمَن الطوفانْ، يا سيِّدتي: يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها، هاتي يَدَكِ اليُسْرَى، كي أستوطنَ فيها، قولي أيَّ عبارة حُبٍّ حتى تبتدئَ الأعيادْ.

همهم عدة مرات بالبيت الأخير، لتهمس هي في عشق، وقد ألقى عليها تعويذة المحبة، لتهمس بعبارة الحب الأروع على مسامع القلب: بحبك يا عاصم.
جذبها برفق لتكون بين ذراعيه، لتبدأ مواسم العشق فصولها.

تعطر واختار افضل جلابيبه، وهو يخرج من حجرته، لتطالعه أمه هاتفة في مزاح: وماله، من حج العريس يدلع.
قهقه عبدالله، وهو يعدل من هندامه، ما دفع أمه لتقهقه على أفعاله، فقد كانت هذه هي العزومة التي لا تعرف عددها حتى الآن، التي يعزم عبدالله نفسه عليها ببيت خطيبته دعاء، ما دفع أمه لتسأله: مش كتير كده يا عبدالله، مبجالكش اسبوع خاطب البنية و اتعزمت ياچي تلات مرات عندهم، تجلت عليهم يا حبيبي!

هتف عبدالله مؤكدا: لا متخافيش مفيش تتقيل ولا حاچة، ده كل شوية ألاجي عمتي عيشة تجولي ما تيچي يا عبدالله طابخين كذا، أرفض أنا!
قهقهت هداية ساخرة: لاه ودي تيچي! ترفض كيف، ده أنت يچرالك حاچة يا حبيبي.
هتف عبدالله مازحا: أحبك وأنتِ فهماني يا هدهد، أروح بجى لحسن اخواتها ما شاء الله، ولا يأچوچ ومأچوچ.
انفجرت هداية ضاحكة: ما چمع إلا لما وفج.

اندفع لخارج الدار، طريق ترابي طويل قطعه ممنيا نفسه باطايب الطعام، حتى إذا ما وصل لدارها، إلا وتنحنح للدخول، ليهتف به حامد من الداخل: تعالى يا عبدالله، البيت بيتك، خش اجعد عجبال ما اصلي الضهر، وخد لك مكان ع السفرة جبل ما الچيش يهچم.
ابتسم عبدالله منفذا في عجالة، وقد وجد دعاء تجئ وتروح، حاملة الأطباق، لتهتف في سعادة لمرآه: إزيك يا عبدالله!
ابتسم عبدالله في محبة: بخير يا دعاء.

أشارت له بطرف خفي، ليغير مقعده، فنهض في هوادة، جالسا على المقعد الذي أشارت عليه خفية، ابتسم لها، لتبتعد في عجالة، تحضر المزيد من الأطباق، واضعة أمامه طبق خاص، هامسة به: خد اتسلى لحد ما اچيب بجية الأكل.
انتفخت اوداجه في سعادة، وقد شعر كم هو مميز عندها لتختصه بهكذا تقدير.

انتهت وأمها وبعض إخوتها من إحضار الأطباق أخيرا، وما أن هتفت عائشة ليحضر حامد للطعام، حتى تنبه بقية الأولاد، ليندفعوا في هرولة نحو المائدة، كان قدومهم من مواضعهم داخل حجراتهم نحو مائدة الطعام، أشبه بكتيبة من النمل اندفعت من جحورها نحو الفريسة.

اندلعت المعركة على المائدة العامرة، وقد تنبه أن الطعام يوضع للجد والجدة أولا بعيدا عن جيش الصغار، جلست بالقرب منه، فعرف لما اختارت له هذا المقعد، همست تشير له ليمد كفه تحت المائدة، فهمس لها مازحا: على فكرة عيب كده، وأبوكِ جاعد.
تطلعت له في حنق، هامسة بدورها: إيه هو اللي عيب! أني اللي غلطانة إني بديلك من منابي، خسارة فيك ورك الفرخة.

مد كفه في سرعة تحت المائدة، ليلتقط الورك في مهارة، وبدأ في تناوله، هامسا: والله طعمه كيف الشهد.
همست تؤكد: الأكل كله كيف الشهد إيه الچديد!
أكد في محية، وهو يلوك قطعة من لحم الدجاج الخاص بها: لاه، الورك ده بالذات ليه طعم تاني، عشان مركزة وعرفتي إني بحب الورك، وعشان ده منك.
ابتسمت في حياء، هامسة في محبة: مطرح ما يسري يمري يا عبدالله.

تطلع نحوها في عشق، حتى أنه لم يتنبه أنه يعض على عظم الورك الذي جاء على كل نسيلة لحم به، فما عاد يصلح إلا طعام لكلاب النجع.
كتمت ضحكاتها، مشيرة للورك بكفه، دون أن تنبس بحرف: عبدالله!
تنبه بدوره، لما يفعل، فترك العظم من كفه، وقد اتسعت ابتسامته لها، لكنه تنبه مضطربا، عندما هتف حامد أبوها، متسائلا: أنت مش بتاكل ليه يا عبدالله، العيال كلوا منك الأكل ولا إيه!؟

هتف عبدالله مازحا: لا متخفش عليا يا عمي، باكل أهو.
هتفت عائشة بابنتها: يا دعاء، شوفي خطيبك، اعزمي عليه، ليكون مكسوف يمد يده.
وكأن دعاء كانت في انتظار كلام أمها، لتحمل ما كان بطبقها، تضعه بطبق عبدالله، مبتسمة في سعادة، ليبادلها الابتسام، وهو يمد كفه معيدا لها بعض طعامها، هامسا: مش هاكل إلا لو أكلتي.
هزت رأسها في ايجاب، وبدأت في تناول طعامها، مشيرة لبعض المخللات، مؤكدة: دي بجى من عمايل يدي، دوج كده!

تناول عبدالله بعضها، وامتعض دون أن يعقب، لتهمس متسائلة في توجس: إيه! معچبتكش!؟
هز عبدالله رأسه مؤكدا، وهمس في نبرة مازحة: لو كل الاكل اللي هتعمليه بيدك كده سكر، يبجى الله يعوض فالمخلل لأنه مسكر بزيادة.

نكست رأسها حياء وهي تحاول ألا تبتسم في بلاهة لغزله، بينما أشارت عائشة بطرف خفي لحامد، الذي ابتسم في سعادة لسعادة ابنته، التي كانت أمها تحمل همها، معتقدة أنها لن تنال حظها في زوج يقدر جمالها الخاص، وأن امتلاء جسدها قد يكون عائقا في طريق ارتباطها بشخص مناسب، لكن خالف الأمر توقعاتها حينما طلبها عبدالله، والذي على ما يبدو، هو الكيال الذي استطاع أن يدرك جودة الفولة.

كانا يتمددان على الرمال والشمس قد غربت منذ زمن، لا صوت هناك إلا صوت الموج المتدافع في شوق لأحضان الشاطئ، كان يمد ذراعه جاعله وسادة لرأسها، وكلاهما يتطلع للسماء التي بدأت تلمع فيها الأنجم، تنهد في راحة، لتلتصق به أكثر، وهي تهمس قاطعة الصمت بينهما: هو إحنا لازم نرجع يا منتصر! أنا عاوزة أفضل هنا العمر كله.

اتسعت ابتسامته، وأدار وجهه متطلعا نحوها، هامسا في سخرية: الله يرحم اللي كانت مش عايزة تنزل من العربية يوم الفرح، وأنت جايبني فين هنا، ومحدش قالك على الفنادق الخمس نجوم!
قهقهت يدور، ورفعت راسها عن ذراعه، مسندة جسدها على مرفقها، هاتفة في مزاح: اسفين يا سيدي، واضح إنك خبير قديم في أمور الستات واللي بيحبوه، ولا إيه! الله يرحم ست نغم، واللي..

استند منتصر على مرفقه مقاطعا إياها، هامسا في شجن: الله يرحمها.
شهقت بدور في صدمة: هي ماتت!
هز منتصر رأسه في تأكيد، وهتف شارحا: لولا نغم دي، لا ولا أنتِ كان هيتكتب لنا نكون هنا مع بعض.
هتفت بدور في فضول: ليه!
عاد منتصر يتمدد على الرمال من جديد، مستندا على كفيه المتشابكين أسفل رأسه، متطلعا للسماء هاتفا: نغم بسببها المهمة دي كملت للأخر، ده أنا عايز اقولك إن بسببها المهمة دي بدأت من الأساس.

ساد الصمت قليلا، ولم تعقب هي، ليستطرد شارحا: يوم ما طلبت نقلي من حرس الجامعة هربان من عمايلك قدامي، وأنا كنت بحاول اعود نفسي، على إننا خلاص مننفعش لبعض، قضيت كام شهر فالممافحة، وساعتها اتعرض علينا المهمة الانتحارية دي، اصريت إني أكون فيها، واطلعها، كنت خلاص يائس إن ممكن حاجة تتغير، وخاصة بعد ما جيت اطلبك للمرة التانية واترفضت، معدش باقي حاجة أبكي عليها.

شهقت بدور في رقة، متطلعة نحوه في عشق، دافعة بنفسها، لتتمدد ملاصقة له، رأسها مسند ما بين كتفه وعضده.

ليستطرد منتصر متنهدا: كنت مستبيع، معدش في حاجة فرقالي، وأول يوم وصلت فيه كان الإختبار الأصعب، سعفان سلط عليا نغم، تشوف مايتي إيه، هاجي معاها سكة، ولا لأ، دخلت معايا الأوضة، ولقيتها فجأة بتزقني على جانب معين، واتعلقت بيا وهمست لي: بص يا باشا، أنا عارفة إنك ظابط، وجاي فمأمورية، طبعا حاولت أنفي وانكر، لكنها أكدت لي إن في كاميرا محطوطة فمكان معين، عشان تشوف هتصرف إزاي معاها، وقالت أنا جبتك بعيد، وأنا هتصرف عشان هم لما يسمعوني يتأكدوا إن إحنا مع بعض، حتى ولو مش فالكادر، وفعلا عملت كده، وعشان أأمن نفسي قلت لها، لو هي طلعت قالت اللي حصل، أنا كمان هقول إنها قالت لي على موضوع الكاميرا وإنهم بيختبروني، واحدة بواحدة يعني، لكن هي كل همها كان إنها تخلص من سعفان وترجع لشغلة نضيفة بالحلال، وكان عشمها إني اساعدها، وأشيل لها ملف الآداب بتاعها عشان تبدأ على نضافة، ووعدتها بكدة، حتى لما وصلتي، هي اللي ساعدتني اغير اتجاه السرير عشان ميبقاش جايب كادر الكاميرا، وكمان هي اللي غيرتلك هدومك ساعة ما أغمي عليكِ، بقت هي عيني وقت ما كانت بتبقى مع سعفان، ووصلت لي كل أخباره، لكن للأسف اخر ميعاد لوصول العميل المهم لسعفان اتغير في اخر لحظة، طبعا مكنش ينفع يحصل هجوم وأنتِ موجودة، كنت أنا وأنتِ هنروح فيها، عشان كده، بمساعدتها، ادتك هدومها، وساعدتك تخرجي من البوابة على أساس إنك هي، لما كانت واخدة إذن من سعفان تخرج تشتري شوية حاجات، خرجتي أنتِ وفضلت هي جوه معايا، قاعدة مكانك فالأوضة، ولما حصل الهجوم من القوات، كان سعفان عايزك عشان يساوم بكِ، ولولا خروجها قدامه وقالت إنها هي اللي هربتك عشان كانت غيرانة من اهتمامي بكِ، كان سعفان شك فيا، ضربها بالنار قدامي، اعترفت عشان تنجيني وهي عارفة إن فده موتها، قالت لي أنت ليك حبايبك مستنيك يا باشا، لكن نغم ليها مين، كانت السبب إني أعرف المخبأ السري بتاع سعفان، شورت لي عليه وهي بتموت، فضلت أنا وهو فيه لوحدنا، كان عرف الحكاية، اتاريه كان بيستدرجني، كان فأيده ريموت، بضغطة المكان ينفجر، فضلنا نتحانق أنا هو عشان واحد فينا يتحكم فالريموت، واتصبت من مسدسه، وأنا كمان صبته، لكن الضغطة الأخيرة كانت ليه، ومحصلش انفجار زي ما كنت متخيل، كان سعفان اجبن من إنه يموت نفسه، كان ضغطة الريموت بتفتح باب سري للهروب للجبل، بس العجيب إنه حصل انفجار من بره المكان اللي كنا محبوسين فيه، هو اللي نطر جسمي وجسمه من باب الخروج ده اللي اتفتح في نفس لحظة الانفجار، واللي كان السبب في إني عايش لحد دلوقتي، لكن سعفان مستحملش، رصاصتي الميري جت في مقتل، ولما القوات توصلت لمكانا كان مات، وكنت أنا في حالة ما يعلم بيها إلا ربنا.

تنهد وساد الصمت، تشبثت به، تحاوط صدره بذراعها، ليرفع ذراعه من تحت رأسه، يضعها على ذراعيها الممتدة بعرض صدره، رابتا عليها في حنو، لتهمس بدور بصوت متحشرج: منتصر، متجبش سيرة الموضوع ده تاني عشان خاطري، كل ما افتكر إن كان ممكن تروح فيها، قلبي بيوجعني.
همس منتصر مازحا بمجون: سلامة قلبك يا جميل، دكتور منتصر لعلاج القلب الموجوع، تحت الطلب وسرعة التنفيذ، دقة دقتين زيادة، أنا فالخدمة.

قهقهت بدور وانتفضت هاربة ما أن فكر بأسرها بين ذراعيه، تركض في اتجاه الشاليه، وهي تهم بغلق بابه دونه، هاتفة في شقاوة: هو الصراحة مفيش دقة زيادة، هو في دقة نقص هتحصل فيك دلوقتي.
وأغلقت الباب عند وصوله راكضا في اتجاهها، لترتفع قهقهاتها من خلف الباب، وهو يهتف من الخارج: افتحي يا بدور، افتحي وإلا..
هتفت تشاكسه: وإلا إيه! هتجيب البوليس، طب جيبه ياللاه، أنا مستنية يا ناصح.

لم تلق جوابا من الخارج، هتفت في توجس: منتصر! منتصر!
لم يأتيها الرد، ما دفعها لتهم بفتح الباب ببطء حذر، لينتزعها منتصر من خلفها، مطوقا خصرها رافعها عن الأرض، مغلقا الباب قبل أن يفتح من الأساس، شهقت في صدمة، فقد جاء من الداخل لا الخارج كما كانت تتوقع، ما دفعه ليحملها ملقيا إياها على كتفه كالشوال، هاتفا في سخرية: من شروط الاقتحام الجيد، معرفة كل منافذ الدخول والخروج يا حضرة الصول.

ألقى بها على الفراش، طالا عليها من عليائه، هامسا لها: كنت ناوي أعلق لك أول دبورة بعد رجوعنا من شهر العسل، بس شكلي كده بعد الخيبة دي مش هينفع، إلا لو..
تطلعت نحوه تجذبه نحوها، تتعلق برقبته، هامسة في شقاوة: إلا لو إيه! أصل الدبورة دي تخصني، ومش هتنازل عنها أبدا مهما يكون، هي الدبابير بالساهل يا جدعان!
قهقه منتصر، متطلعا لعمق عينيها، هامسا في نبرة ماجنة: إلا بقى دي، سبني احددها أنا يا حضرة الصول.

رفعت كفها بالتحية العسكرية، ليرد لها التحية، بشكل أكثر حميمية، على طريقته الخاصة جدا.

خفت صوت المعازف والطبول للفرقة التي كانت تتولى مسؤولية زفافهم حتى صعدا لحجرة نومهما، بذاك الفندق الراقي، والذي كان اختياره رغبته هو، ليبعدها عن أي تأثيرات خارجية إذا ما فكر البقاء الليلة ببيت والده، أو حتى بدار جدتها، وخاصة مع عودة منتصر وبدور.

توقفت أية أمام أعتاب الحجرة، تاركة إياه يغلق بابها خلفه، واضعا لافتة ممنوع الازعاج المكتوبة بالإنجليزية تاركا إياها على الباب من الخارج، حاولت أن تبتسم وهو يغمز لها وهو يضع اللافتة، لكنها لم تستطع لتوترها الشديد، فمهما كان ما تتوقعه منه، لكنه ما زال مجهولا لها رد فعله الحقيقي إذا ما رأى تلك التشوهات والندوب التي تغطي جانب جسدها الأيمن كله، ورغم كونهما زوجين بموجب عقد القران، منذ ما يزيد عن الشهر، لكنها حاولت قدر استطاعتها ألا تطلعه على ذاك الجانب مهما حدث، لدرجة أنها ظلت محتفظة بغطاء رأسها لم تنزعه ولو لمرة واحدة، والعجيب أنه لم يعترض أبدا.

ما أن أغلق الباب وخطى نحوها، إلا وكانت هي بوسط الغرفة، أبعد ما يكون عنه، اندفع نحوها هاتفا في مزاح: لا، ما أنا ما صدقت، مش هنقضيها جري يا يويا.
هتفت في تعجب: يويا!
هتف مازحا: إيه مدلعكيش! بلاش..
هتفت مبتسمة: لا حلو والله، أي حاجة منك حلوة يا مروان.
أمسك بقلبه في حركة مسرحية، هاتفا بلهجة صعيدية مازحا: اه يا جلبك يا مروان يا واد سيد الهواري، طب ما تحن بقى يا جميل!

هتفت بتردد وبنبرة مضطربة: طب ممكن أدخل أغير هدومي.
تطلع نحوها مروان، وهمس متسائلا: طب هو أنا ممكن أعمل حاجة قبل ما تغيري فستانك!

هزت رأسها موافقة في تردد، ليتقدم نحوها في ثبات، تقف لا يفصلهما إلا بضع سنتيمترات، وانحنى نحو جبينها ملثما إياه في قبلة طويلة واعدة، جعلتها ترتجف في اضطراب، ليهمس في وجل، متطلعا لعيونها الدامغة تأثرا: مبروك، بقالي شهور بحلم باللحظة دي، وأنتِ لابسة فستان الفرح قدامي، مكنش ينفع تعدي اللحظة دي من غير ما أحقق اللي نفسي فيه، بذمتك ينفع!

هزت رأسها نفيا، ونكست رأسها حياء ولم تتحرك من موضعها قيد أنملة، همس باسمها، فتبهت رافعة رأسها متطلعة نحوه بأعين متسائلة، ليهمس: مش هتغيري فستانك!
همست بصوت متحشرج، محاولة أن تتحلى بكل الشجاعة التي تملكها، حينما همست: لا، مش يمكن يكون نفسك في حاجة تاني!
همس بعشق وهو يقترب أكثر: الصراحة نفسي.
ومد يديه تحاوطنها في شوق، يطبق عليها بين ذراعيه، متنهدا في راحة، وهمس بالقرب من مسامعها: أية!

همهمت، ليستطرد في مجون: أنا بقول تروحي تغيري الفستان أحسن! أنا حاسس إني حاضن عروسة البحور.
قهقهت وهي تتطلع لفستانها الذي كان بالفعل ثقيل، وجزءه العلوي ملىء بالأصداف واللالالىء..
تحركت في هوادة نحو الحمام، لتبدل ثبابها، ما دفعه ليهتف مازحا وهو يصفق في محاولة لتشجيعها: ياللاه، بالحركة السريعة، ياللاه هوووب.

قهقهت وهي تغلق عليها باب الحمام، تاركة إياه بالغرفة وحيدا لبعض الوقت، ليبدل ثيابه بدوره، وما أن هلت عليه وقد أزاحت عنها غطاء رأسها، وارتدت قميصا من الحرير الأبيض وفوقه مئزره الحريري كذلك، حتى تطلع نحوها في صمت مقدس، لم يقطعه إلا بعد أن اتقرب منها وجلا، يمد كفا مرتعش، لتتخلل أصابعه خصلات شعرها الكستنائي المموج كبحر من الشيكولا، توقفت يده العابثة بالخصلات المسترسلة، خلف مؤخرة رأسها، لتقربها إليه في هوادة، ليهمس بالقرب منها، متطلعا لعيونها في شقاوة: ليه كنتِ مخبية عني الجمال ده كله! لو كان قصدك تفاجئيني، فالصراحة أنا مش متفاجئ، لأني عارف إنك زي القمر من زمان.

ابتسمت في حياء ولم تعقب، مد كفه في ثبات ليفك رباط المئزر دافعا إياه عنها، لتشهق في وجع، وهي تحاول مداراة جزء كتفها ورقبتها الأيمن بيديها، حتى لا يرى ذاك الجسد الذي كان مصيبتها الكبرى، ومحطم أحلامها في أن تعيش كفتاة عادية، تهب الحب وتناله في ثقة.

تطلع نحوها وهي منكسة الرأس في خزي، وكفيها تحاول بشكل هستيري، أن تستر عورة الجسد المشوه المفتضحة أمام ناظريه، همس بصوت ثابت النبرة: ارفعي راسك يا أية وبصيلي.
كتمت نحيب علق بغصة بحلقها كاتم أنفاسها، لتضطر أن تشهق بصوت عالي، شهقة قوية محملة بدموع الوجع وكسرة القلب، ما دفعه، ليحتويها بين ذراعيه في حنو، مقبلا هامتها، في تكرار محموم، في محاولة لتهدئتها، لتهمس من بين دموعها بحرف متقطعة: مروان، أنا..

قاطعها هامسا وهو يعتصرها بين ذراعيه: أنتِ عبيطة يا أية.
وانحدرت شفتاه نحو جانب رقبتها المصاب، وبدأ في تقبيله برقة، هامسا: عبيطة ومش عارفة حاجة.
وامتدت قبلاته لتشمل جزء أخر من جانبها المصاب، وهو يستطرد في وله: بس أنا ناوي أقول كل حاجة، ومش هخبي أي حاجة الليلة دي.
همست في اضطراب، وهي مأخوذة كليا بما يفعل: هتقول إيه!

مد كفه، وجذبها خلفه في هوادة، ليجلس على طرف الفراش، جاذبا إياها لتسقط على حجره، ليطوق خصرها بذراعيه في عشق، وكأنه حاز الدنيا بين يديه، هامسا، وهو يرفع أحد أكفه ليداعب خصلات شعرها بأصابعه، مندرحا يرسم خطوطا بطول بشرتها المجعدة من جانبها العليل، لترتعش مغمضة عينيها للمساته، هامسا بصوت أبح: عارفة!

تنبهت متطلعة نحوه في انصات، ليستطرد بنفس النبرة الغارقة بالوجد: عمر ما كان ظهورك فحياتي بالنسبة ليا، مجرد ظهور بنت حلوة اتعلق قلبي بها، لا، ظهورك كان بالنسبة لي إشارة من ربنا، إن الفرج جاي، وإن الصبر اللي صبرته سنين مضعش هدر، وإنك هتكوني سبب في حاجة حلوة أنا كنت مستنيها وبحلم بها من سنين طويلة، تقدري تقولي يا أية إنك أمل وقع بين أيديا، ساعة ما كنت خلاص فقدت الأمل من أساسه.

انسابت دموعها في رقة، ليهمس ماجنا: أنا بقول كفاية دموع بقى لحد كده، وخلينا فالمهم.
همس بابتسامة مضطربة: وإيه المهم!
هتف في مجون، وهو يغمز بعينه: وهو في أهم منك يا جميل.
وحملها من فوق حجره، نحو الفراش، هاتفا في نبرة مازحة: دقت طبول الحرب، إلى الجهاااد.
قهقهت على أفعاله المجنونة، وقد اشتعلت المعركة حامية الوطيس، بين طرفين، كلاهما رفع بيارق الاستسلام، في ساحة العشق المقدسة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة