قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

وقف سمير بشرفة حجرته، لا يعرف ما عليه فعله، فوصالها الذي كان حلم عمره والذي ما أن أضحى قلب قوسين أو أدنى إلا وتبخر أمام ناظريه كسراب، قلبها الذي رغب في أن يكون الطارق الأول على بابه والمتربع الأوحد على عرشه سبقه إليه أحدهم، كاد أن يصرخ بكل ما أوتي من قوة يحاول أن يخرج ذاك الوجع الذي يقهر روحه، إنه أشبه بشخص تكالبت عليه الأوجاع لتحصره بأحد الأركان وتنهال عليه ضربا وركلا وصفعا دون أن يكون له القدرة على التوجع أو التأوه أو حتى الشكوى معترضا، فلمن يمكنه أن يشكو ما يعانِ!؟ وإن وجد من يستمع، ماذا عليه أن يقول!؟، هل يفشي سرها لمخلوق وهو الذي ما تمنى يوما إلا سترها بين أضلعه خوفا عليها من النسيم!؟ وكيف السبيل إلى إخماد تلك النيران المستعرة بين جنبات روحه كلما هاجت ذكراها بداخله!؟ هل يذكر بذكراها هناء قلبه بحبها أم وجيعته بصدمة اعترافها!؟.

يموت قهرا وعليه أن يظهر فرحة طاغية، كيف لإنسان أن يموت ويحيا في نفس اللحظة!؟، يظهر الابتسامات على شفتيه وبين حنايا الصدر قلب يتمزق قهرا..

سالت دموعه رغما عنه، فالوجيعة أكثر وجعا من احتماله، انتفض ذعرا عندما استشعر الدموع المنسابة على صفحة وجهه، رفع كفه مغتالا إياها في شدة محاولا إنكار هطولها من الأساس، فما خُلقت من تجعل هذه العين الأبية تزرف الدمع العزيز! ولولا بعض من تعقل لهم بقلب الأمر برمته، لكن كم القلوب البريئة التي لم تجرم ستتحطم!؟، سهام أخته ومؤمن أخيها، لا ذنب لهما ولقلوبهما المعلقة فيما يحدث!؟، لو لم يدرك أن سهام لها رغبة قوية وميل قلبي نحو مؤمن ما كان أتم أمر الخطبة وليكن ما يكون، هي ستقبل الخطبة من أجل أخيها وسعادة قلبه وهو لن يكون أقل كرما منها وسيقبل بالخطبة كذلك من أجل سعادة أخته وهناء قلبها..

صدحت الزغاريد التي كان بانتظارها عمرا، زغاريد تؤكد أن الرد جاء من قبلها، وأنها وافقت على الارتباط به، وبالتأكيد وصل مؤمن موافقة سهام، لقد انتهى الأمر وصار رسميا، وعليه تقبله إن عاجلا أم آجلا..
اندفعت سهام لداخل غرفته، ليدخل من الشرفة فتبادره مهللة: يا سمير، سمية وافجت، سمية وافجت..

ابتسم سمير محاولا مشاكستها ومداراة أحزانه وهو يتقدم نحوها متسائلا: هو الهيصة دي كلها عشان سمية وافجت! ولا عشان الشيخ مؤمن نال الجبول!؟
ابتسمت سهام ونكست رأسها في حياء ما دفعه ليمازحها: شوفوا البت جال بتتكسف! الله يكون فعونك يا مؤمن يا خويا، هتاخد شروة چنان عچب..
اعترضت سهام مهمهة ليقهقه سمير وهو يقربها منه مقبلا جبينها هامسا في محبة: مبروك يا سهام، ربنا يتمم لك على خير يا رب..

تطلعت إليه سهام متعجبة وهتفت مؤكدة: يتمملنا، أنت مش حاطط نفسك فالحسبة ولا إيه!؟ ده فرحنا هيبجى فليلة واحدة، ومش هجبل إلا بكده، أنا أخرچ من هنا وسمية تدخل من هنا..
ذكرها حرك وجعا ممزوجا بلهفة ومحبة لم تنطفئ رغم ما كان، ما جعله يبتسم ابتسامة معجونة باضطراب وهو يهز رأسه موافقا دون أن ينبس بحرف، وكل ما جال بخاطره، أن الأمر قد يكون أصعب عليه مما كان يتخيل، لكن هل من مهرب!؟.

كانت قد بدأت في نقل ما لها ولأهلها بالطابق السفلي تاركة إياه يضرب اخماسا بأسداسا، وحيدا كعادته بالسطح، تطلع نحو ذهابهن وايابهن تاركا لهن المجال ليعملن على راحتهن دون اشعارهن بوجوده حتى لا يحجمهن الخجل، عيونه لا تبرح موضع ذهابها وإيابها، تحمل ما يزيد عن طاقتها فلابد لها أن تبدو بمظهر الرجل القادر..

انتفض غير قادر على تركها على هذا الوضع وهو يقوم فقط بدور المتفرج، تنحنح هاتفا وقد هبط الدرج من مخرجه المنفرد حتى أصبح قبالتهن، وصل فالوقت الذي كانت تحمل هذه الحقيبة الثقيلة، همت بدفعها لفوق رأسها لكنه استوقفها أمرا: عنك يا سماحة..
تطلعت إليه مبهورة: واه، كيف يا بيه!؟ ميصحش!؟
تجاهلها حاملا الحقيبة في يسر باتجاه الدار وتركها على بابها خوفا من الدخول وأخواتها على راحتهن..

عاد لموضعها ليجدها ما زالت متسمرة موضعها فهتف يونس بها: إيه!؟ هنيتوا الليلة هنا! ما تهم وتنچز، أني چوعت..
تنبهت مؤكدة: حاضر يا بيه، حلاً هنحضروا الغدا..
واندفعت في اتجاه الدار لتجهيز الغذاء تاركة الحجرة حيث كن يعيشن جميعا، بابها منفرج على مصراعيه..

تطلع يونس بالداخل، وجال بناظريه في أركانها متأسفا، ما الذي دفعها لمثل هذه الحياة!؟، ما الأمر الذي على أثره أصبح بينها وبين أولاد نجم ثأر بائت، والذي من الواضح أنهم على جهل به، لكنها مصرة على الأخذ بثأرها!؟، التساؤلات كثيرة ولا إجابة، كل الإجابات لديها هي، تلك التي تختبئ خلف مظهر رجولي خوفا من أن يجور الخلق على أخواتها وأمها وهي بالتبعية، لأنهم إناث وحيدات بلا ذكر يكون حاضرا لحمايتهن فقررت أن تكون هي ذكر الحماية لأهلها، لا يعلم ما إن كان ما أقدم عليه من تجاهل لحقيقتها في انتظارها هي لتعلن عنها بكامل حريتها أمر صائب! أم أنه عين الغباء!؟، لكنه يريدها أن تفصح بنفسها عن حقيقة وضعها بكامل إرادتها، يريدها أن تأتي لتحكي له عن كل ما يؤرقها، يريد أن يكون رجلها الذي اختارته ليحمل عنها أوجاع العالم التي أثقلت كاهلها، يريدها مختارة لا مكرهة، فهل ستأتي!؟.

تنهد وهم بالخروج من الغرفة التي وطأتها قدماه للمرة الأولى، لكن عيناه سقطت على بطاقة هوية ملقاة جانبا، يبدو أنها سقطت سهوا من إحدى الحقائب، انحنى يلتقطها متطلعا فيها فإذا بها بطاقة هويتها الشخصية، تطلع للاسم، سماحة جابر محروس القناوي، خانة النوع، ذكر..
حاول أن يتفرس في الملامح داخل الحجرة المعتمة لكنه ما تبينها، كانت لرجل يشبها بالفعل كأنه هو، لكن..

انتفض مخفيا البطاقة بجيب جلبابه عندما سمع بندائها من الخارج: يونس بيه، الغدا چهز يا يونس بيه..
اندفع خارج الغرفة ملبيا النداء وهو يحمل بطاقة هويتها، المزيفة..

طرقت حُسن على باب الشقة لتفتح نعمة مرحبة، دخلت حُسن مرتبكة تهتف في اضطراب وعيونها تجول هنا وهناك لعلها تلمح طيفه قبل أن تغادر: أنا جاية أسلم عليكم، عشان يعني خلاص..
هتف خميس متأثرا: يعز علينا بعادك يا حُسن، بس كده أحسن، ربنا يسعدك..
ربت على كتفها مودعا: تروحي وترجعي بالسلامة يا بنتي..

ابتسمت حُسن تغالب دموعها التي سبقتها نعمة إلى ذرفها حزنا على فراق رفيقة عمرها، اندفعت حُسن تحتضن شيماء التي لم تعقب فقد غصت بالدموع وهي تربت على كتفها في محبة، بينما اعتصرتها نعمة الجدة بين ذراعيها لا تريد أن تفلتها وهمست بها بلهجة عالمة ببواطن النفوس: بقولك إيه يا بت يا حُسن! لو مرتحتيش هناك تخدي بعضك وتنك راجعة على هنا، أوعي تنسي أن ليكي أهل هنا يعرفوا يحموكي ويحافظوا عليكي، ولولا إني عارفة إن بعادك ده مصلحة ربك جابها فوقتها مكنتش سبتك تبعدي أبدا..

ابعدتها نعمة الجدة عن صدرها مؤكدة: روحي يا حُسن، روحي وأكيد الروحة مش هطول، وربك ليه حكمته فكل أموره.
ابتسمت لها حُسن من بين دموعها لتنهض تحتضن نعمة صديقتها وقد فاضت عيناها بالدموع مؤكدة لها: مش هسيبك يا نعمة، هتلاقيني نطالك واتس وفيس، وهنتكلم على طول، خلاص..
هزت نعمة رأسها في إيجاب لتندفع حُسن راحلة وهي تلقي التحية على عجالة..

ساد الصمت الشجي بين أفراد العائلة لم يقطعه إلا تثاؤب نادر الذي دخل من باب شقة جده الذي كان يجتمع فيها الكل، قادما من شقة أبيه بالأعلى لا يدري من أمر حُسن شيئا..
تطلع نحو وجوههم متعجبا: فيه إيه يا جدعان!؟ متوحدوا الله، فيه إيه!
تنهدت نعمة وخميس: لا إله إلا الله..
نهضت نعمة باكية مندفعة لحجرتها بالأعلى ليتطلع نحوها نادر متسائلا: مالها دي! حد مزعلها ولا إيه!؟

هتفت شيماء التي قدمت من الداخل تمسح دموعها مفسرة: زعلانة على صاحبتها، حُسن مسافرة دلوقت مع عمتها..

انتفض موضعه يحاول السيطرة على ارتجافة قلبه بين أضلعه، نهض مندفعا للأعلى بدوره دون أن يعقب بحرف مثيرا تعجب أمه، متوجها نحو غرفته، فتح درج مكتبه وانتزع عقدها الصدئ من مخبئه مندفعا نحو الدرج يهبطه على عجالة حتى إذا ما وصل للأعتاب يهم بالاندفاع نحو بيتها إلا ووجد سيارة بن عمتها شعيل قد غادرت، هم بالركض خلفها لكن ملابس النوم التي ما وعى إلا اللحظة أنه غادر بها جعلته يتوقف موضعه لا يبرحه وهو يتابع ابتعاد العربة بناظريه وكفه يضم عقدها الذي ضم عليه بمجمل كفه في شدة، كان راغبا في التخلص منه حتى لا يبقى لديه ذكرى تخصها، فلتنل كل ما لديها وترحل إن كان هذا هو اختيارها، لكنها أبت إلا ترك ذاك العقد ليؤرق مضجع القلب الغافل.

اسبوع بالتمام والكمال مر ولم تطأ قدماها أرض حجرة القراءة، يكاد يجن، كيف لها أن تنقطع عن القراءة كل هذه المدة! إن القراءة بالنسبة لها كالماء والهواء، وهي مؤشره الوحيد أنها بدأت تعود لحالتها الطبيعية، وهذا أكثر ما يؤرقه ويثير ضيقه، لا يعلم هل هذا الضيق الذي يسيطر عليه جراء ارتكانها لحالة الركود هذه، بسبب رغبته في نسيانها محمد!؟ أم رغبة في عودتها لطبيعتها بلا أية أسباب أو دوافع!

تنهد وهو يحيد بناظريه عن حجرة القراءة التي أظلمت منذ أن غادرتها ولم تعد إليها..
واندفع مغادرا حجرته للمسجد، لم تحن صلاة العصر بعد لكنه رغب في التفريج عن نفسه ببعض ركعات في رحاب بيت الله.
ما أن وطأت قدماه باب حجرته حتى أبصر ياسين أخوها مغادرا حجرة أخواته البنات التي تشاركهن إياها، وهو يحمل كتاب ما بين كفيه، كان يغادر الغرفة متأففا لا يعلم لما، وجد عاصم نفسه يشير لسمير ذو الثلاثة عشر ربيعا ليقترب..

سأله عاصم في لهفة حاول مداراتها: مين كان بيجرا الكتاب ده يا سمير!
أكد ياسين حانقا: هيكون فيه غيرها!؟ زهرة أختي اللي مغلباني، هات الرواية دي، خد دي، رجع دي، زهقت، بس هقول إيه! بابا وماما منبهين عليا مزعلهاش، صبرني يا رب..
أمسك عاصم ضحكاته، متناولا الرواية من بين كفي ياسين هاتفا: خلاص يا سيدي ولا تزعل روحك، أنا هرچع الرواية بنفسي، إيه رأيك!؟
هتف ياسين مهللا: ينصر دينك يا واد عمي، تصدق إنك جدع!

قهقه عاصم لمزاح ياسين متسائلا: طب يا غلباوي، جالت لك عايزة رواية إيه مطرح دي!؟.
هرش ياسين برأسه لبرهة هاتفا في اضطراب: يا دي النيلة، والنعمة ما فاكر، أنا كنت قاعد اسمع فاسمها المكعبل لحد ما أنت وقفتتي، اهو طار من بالي، ياللاه عشان تكمل، هرجع أسألها بقى..
هم ياسين بالعودة لحجرة زهرة لسؤالها إلا أن عاصم استوقفه هاتفا: لاه مفيش داعي، أنا عارف هي عايزة تجرا إيه، روح أنت وأنا هچيب لها الرواية..

هز ياسين رأسه موافقا بكل ترحاب مندفعا نحو شأنه، تطلع عاصم للرواية في سعادة متناهية، ها قد بدأت تقرأ من جديد، فهو يعلم تمام العلم أن ما من شىء قادر على إخراجها من عزلة روحها تلك إلا القراءة.

عاد لحجرته وبدأ في تفتيش الرواية باحثا كالعادة عن خطوطها الوردية، ليجد أخيرا بعد أن فتش الرواية للمرة الثانية سطر بأخر إحدى الصفحات، سطر واحد لا أكثر، لكنه حمل الكثير من المعاني قلب المرء بين إصبعين من يد الله، فهل مكتوب لقلبي أن تتحول قِبلته حتى أرتاح!

فتح عاصم حاسوبه الشخصي ودخل لصفحته وبدأ في كتابة السطر المميز الذي اختارته، وكذا اسم الرواية المأخوذ منها الاقتباس، وزيل المنشور بلقبه، شيخ العاشقين..

هم بنشر المنشور وغلق الحاسوب لكنه وجد نفسه يضيف هاشتاج جديد، خطوط وردية، ابتسم في رضا، وضغط زر النشر ونهض ليعيد الرواية موضعها، دخل غرفة القراءة وبدء في البحث عن رواية تحمل الطابع الذي تفضله، وقعت يده عليها، كان قد قرأها سابقا وأعجب بها، فقرر إرسالها إليها، حملها وصعد الدرج مترددا في الطرق على باب حجرة الفتيات، طرقه منتظرا، كان يتوقع أن تكون نوارة بالداخل، فهي الأقرب إليه والأعلم بسر قلبه، لكن الباب انفرج عن محيا سجود التي أعطاها الرواية مؤكدا في سرعة: الرواية دي لزهرة، باعتها لها ياسين..

تناولت سجود الرواية منه دون أن تعقب بحرف، بل هزت رأسها في تفهم ليندفع هو مبتعدا عن أعتاب الغرفة التي تضم محياها الذي يشتاقه اللحظة أكثر من شوق الغريق لنفس يهبه الحياة، لكن على الرغم من ذلك استشعر السعادة لمجرد اختياره رواية لها على ذوقه..
ناولت سجود الرواية لزهرة مؤكدة: الرواية أهي يا زهرة! ياسين بعتهالك..
تطلعت زهرة لعنوان الرواية هاتفة: بس مش هي دي الرواية اللي طلبتها منه، ياسين ده..

هتفت سجود تقاطعها مؤكدة: عاصم جال..
تنبهت زهرة عند ذكر عاصم وسجود تستطرد: أن ياسين هو اللي بعته بالرواية اللي طلبتها زهرة..
هزت زهرة رأسها في تفهم، ولم تعقب بحرف، بل لاح على شفتيها ابتسامة وهي تتطلع للرواية، وهمست باسمها وهي على يقين أنها من اختيار عاصم، وأنه جاء بها حتى باب غرفتها: وتربكها وجوه العشق.

ما عاد يعلم ما الذي يعتري ذاك الأحمق!؟، ألم يكن ذاك ما كان يرغب فيه! ابتعادها، إذن لم منذ لحظة رحيلها وهو على حال غير الحال، حتى أن الورشة التي كانت تنل جل وقته قد أهملها كليا، تاركا له الجمل بما حمل، وخاصة بعد سفر الأسطى ناصر لجلب بعض قطع الغيار، مقيما تقريبا على البنك بالشمندورة، مقهى جده، متعللا أنه يساعده، لا يعلم أن حاله أصبح مفضوحا لكل صاحب عقل، وهو جالسا يستمع لأغاني مذياع المقهى عيونه شاخصة على دار حُسن المعتمة، التي هجرها أهلها ورحلت هي مخلفة ورائها ذاك المغفل الذي لم يكن يدرك أنه غارق بهواها حتى النخاع..

تنهد راضي وهو يندفع نحو درج بيت المعلم خميس، صاعدا نحو شقته لطلب مفاتيح الورشة لفتحها، بعد أن تجاهل نادر ذلك، مؤكدا لنفسه: عشان كده، يغور العشج ومراره، أدي اللي بناخدوه من وچع الجلب، جلة الجيمة..

كان يحدث نفسه كالمجاذيب، ولم يتنبه في اندفاعه بتلك التي تندفع في هبوطها من السطح حاملة طبق الغسيل البلاستيكي، بعد أن قامت بنشر الغسيل بالأعلى، سقط الطبق جراء الارتطام، دار الطبق للحظة على الدرج محدثا دويا مكتوما ليسود الصمت بعدها ووضعهما أشبه بتماثيل محنطة، تقف بالدرج الأعلى درجتين، كفاها الرقيقتان تنام على كتفيه، وكفاه القويتين تحكمان الأطباق على الخصر الناحل الذي حيره لليال، عيونهما مذعورتي النظرة، وقد اندفع غطاء شعرها الذي كانت تضعه بشكل عشوائي على رأسها ساقطا أسفل قدميهما، تقف بينهما جديلتها شاهدة على ما يحدث بلا اتفاق بينهما..

تنبها سويا لوضعهما لينتفضا معا بنفس اللحظة، حتى أن لحظة تراجعها المتسرعة كادت أن تدفعها لتسقط مستندة عليه من جديد، لكنها تمالكت نفسها وكذلك هو الذي أدار لها ظهره يشمله الاضطراب من رأسه حتى أخمص قدميه، وهو يرى كفها يمتد ليجذب غطاء شعرها الساقط بقرب قدمه..

وقف موضعه لبرهة لا يعلم هل كان صاعدا أم هابطا، وماذا كان يريد من الأساس! لذا لم يجد نفسه إلا وهو يندفع من جديد هابطا الدرج في اتجاه الخارج، لا يعلم إلى أين، لكن كل ما كان يجول بخاطره هو الهروب، الهرب وبأقصى سرعة من هذه المشاعر التي تحييها ذات الجديلة بأعماقه، تلك المشاعر التي أقسم أنه لن يسمح لها بالولوج لقلبه مهما كانت المغريات..

خطوات ووجد نفسه أمام الورشة والتي كانت مفاتيحها على ما يبدو مع نادر الذي تأخر في فتحها، جاعلا إياه يعتقد أنه أهمل ذلك كما فعل عدة مرات من قبل، وكأن كل ما حدث كان من أجل ذاك اللقاء الخاطف بينهما والذي على ما يبدو كان مقدرا..
ألقى التحية في عجالة على نادر وصبيه، وبدأ في العمل بشكل آلي لكن عقله ومجمل خاطره مع تلك اللحظات الخاطفة التي أسرت قلبه وخطفت روحه بلا رجعة..

دفع باب شقته التي يسكنها وحيدا عندما ينزل للقاهرة بعيدا عن نجع الصالح والتي أصبحت مستقره منذ آخر خلاف حدث بينه وبين جدته، دخل واغلق الباب في رفق متنهدا وهو يلقي بحقيبة ملابسه يستشعر ارهاقا شديدا فدفع بجسده للجلوس على اقرب مقعد متطلعا حوله فقد اطال الغيبة هذه المرة ولم ينزل أي إجازة فعلية منذ فترة..

هم بالنهوض ليأخذ حماما دافئا ويخلد لنوم عميق، إلا أن هاتفه بدأ في ارسال بعض الإشعارات، ما دفعه ليخرجه من جيب سترته متطلعا نحو شاشته محاولا أن لا يدفعه الشوق إلى مراجعة حسابها الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي..

لكن كفه لم تستطع أن تكبح جماح تلك الرغبة، ليتطلع لصورتها التي كانت تضعها لحسابها بتلك الابتسامة الشقية التي تخلب لبه، وابتسم متذكرا أنها نفس الصورة التي طلب منها عدم وضعها لغيرته التي فسرتها الحمقاء وقتها أنها نوع من التحكم، ورغبة في فرض السيطرة..

ابتسم من جديد للصورة، ومرر أصابعه على الوجه البشوش قبالته في حنين جارف إليها، لكن ما استرع انتباهه هنا أنها لم تغير تلك الصورة منذ فترة ليست بالقليلة، وهي أبدا لم تكن تلك المتشبثة، بل دوما ما كانت ملولة وتغير صورتها كل عدة أيام، فلا تستقر على صورة مفضلة، بل تتنقل بينهن دوما، ظل على حيرته والتي زادت وتيرتها عندما انحدر ناظره لمحتويات الصفحة، لقد كان آخر ما نشرته منذ أسابيع أيضا، كان كلمات مقتضبة مقتبسة من رواية ما عن الحنين وروحك الغائبة التي فارقتك وأنت ما تزال حيا..

تسارعت ضربات خافقه قلقا، ماذا يعني كل هذا!؟.

اندفع إلى تطبيق الواتساب باحثا في عجالة عن رقمها، فتنهد في راحة عندما وجدها تضع حالة منذ ساعات، تردد في صراع محموم بين رغبته في سماع أي شيء مهما كان تافها يمت لصلة بها، وما بين رغبته في عدم معرفتها أنه مهتم وقد سمع الحالة التي تضعها، والتي قد تكون رسالة ما مبطنة له، هزه الخاطر الأخير ليضرب بتعقله عرض الحائط وضغطت أصابعه على حالة الواتساب الخاصة بها ليتناهى لمسامعه أغنية تصف حالتها:.

أغيب وأقول دا زمانه نسيني..
ما هو لو ينسى هينسيني..
طول ما هو فاكر، هفضل فاكر..
أيوه امال أنا بسأل ليه..
دمعت عيناه وقد مزقت أوصال ثباته تلك الرسالة، التي جاءت لتخبره أن قلبها ما زال معلقا به، وأنها لم تنسه كما كان يعتقد، أعاد تكرار الأغنية وكأنما هي طقس مازوخي لتعذيب ذاته، وأخيرا وضع مقطع أخر من نفس الأغنية كحالة له، فقد كان عليه أن يرد الهدية بمثلها:
أداري إيه أنا ولا إيه!؟

دا أنا يا شوق فيا اللي فيه..
دا حالي أصعب من حاله..
جرالي أكتر ما جراله..
نشر المقطع، وترك هاتفه مندفعا نحو الحمام، يبرد نار الوجد المشتعل بين حنايا صدره، ولم يدرك بعد أن هناك على الطرف الأخر قلب اضناه الشوق إليه، يقفز فرحا ما أن أبصر اسمه من بين من شاهدوا الحالة..

وكاد القلب وصاحبته أن يرقصا طربا ما أن شاهدت حالته التي وضعها، والتي تخبرها أنه ما يزال على عهد الهوى ولم يتحول قلبه، ورغم ذلك، لم تستطع إلا أن تنفجر باكية، فقد هز الشوق دواخلها كزلزال مدمر، ولم تكن تدري أن تسبيح أنها تراقب ما يحدث دون أن تعقب، لكنها دخلت الغرفة على حازم متنهدة في وجيعة:
البت لسه قلبها متعلج يا حازم! وجلبي موچع عليها وعليه!
تنهد حازم مؤكدا: بأيدينا إيه ومعملنهوش! ربنا يقرب البعيد..

هزت تسبيح رأسها في قلة حيلة ولم تعقب..

كان يجلس بالأعلى حيث سطح دار الحناوي في انتظار جلبها لأكواب الشاي، شرد قليلا في أمرهما وما قد يؤول إليه..
تنبه عندما تناهى لمسامعه خطوات متمهلة تصعد الدرج الداخلي، لابد وأنها هي وقد أحضرت بالفعل الشاي..
وصلت لأعتاب السطح وما أن ظهرت حتى انتفض هو في هلع صارخا في تحذير: حاسبي..

‏لم تفطن لندائه المحذر، فقد تعرقلت متعثرة في جلبابها الرجولي الواسع وهي تحمل ركوة النار بمجملها، لا صينية الشاي كما كان يعتقد، ارتطمت الركوة بأرض السطح الأسمنتية محدثة دويا..
فاندفع يونس نحوها يلحق بها وكل ما يجول بخاطره هو ذاك الفحم الذي كان يعلم أنه كان موقدا منذ فترة بسيطة، ولا علم له إن كانت قد اشعلته بالفعل قبل صعودها! أم أنه مجرد فحم خام لم تضرم النار فيه بعد!؟

مد كفيه لموضع سقوطها مساعدا إياها على النهوض، جاذبا إياها نحو صنبور مياه جانبي، فتحه في عجالة ممسكا بكفيها يضعهما أسفل الماء الجاري مهدئا اثر الحريق الذي لم يكن بكفيها بقدر ما كان هناك بموضع خافقها الذي ذاب للمسه كفه وهلعه البادي على محياه ذعرا عليها..

لا شيء يقتلها فيه عشقا قدر ذاك الحنان الطاغي الذي يتلبس كل أفعاله وخاصة بعد عودته من زياره أهله، لا تعرف السبب لذلك، لكن ذاك الحنو القاهر لكل دفاعاتها ما عاد لديها القدرة على صده..
تطلعت نحوه هامسة بصوت متحشرج وهي تجذب كفيها من بين احضان كفه مبعدة إياهما عن مجرى الماء: أني كويس يا يونس بيه!؟.

تنبه يونس لفعلته، فاضطرب لكشفه بعض من مشاعره التي كان يحجمها هاتفا في حنق عاتبا: مش تاخد لبالك يا مخبل، مين جالك تطلع بالركوة كلها على هنا!؟ ما كنت سبتها متلجحة تحت..
أكدت سماحة مفسرة: جلت إن جعدتك كلها بتبجي فوج، فأچيب الركوة لچنابك على هنا..
تنهد يونس محاولا تفادي النظر نحوها هاتفا في لهجة مصطنعة الحنق: خلصنا، ابجى خد لبالك بعد كده، مش ناجصين مصايب.

صمتت ولم تعقب، وتوجهت نحو الفحم المبعثر هنا وهناك من أجل جمعه بالركوة من جديد وتنظيف المكان، لكن يونس وعى لفعلتها فهتف متسائلا: أنت بتعمل إيه!؟
هتفت مفسرة بنبرة حاولت أن تخرجها ثابتة بلا أي اهتزاز: هنضف المكان واشيلك الفحم يا بيه..
جز يونس على أسنانه في ضيق هاتفا: يتحرج، سيبه وروح..
وقفت موضعها ساكنة ولم تنبس بحرف ما كاد يدفعه لحافة الجنون حرفيا، فكان يقسو وقت ما كان عليه أن يشفق ويحنو..

وصمتها وسكونها الخانع ذاك يحرك قلبه اللين في الأساس للمزيد من العطف نحوها.
هتف يونس من جديد محاولا خفض نبرته الحانقة تلك: روح يا سماحة، روح ارتاح، أنت تعبت النهاردة..
هزت رأسها في طاعة واندفعت نحو باب السطح راحلة تاركة إياه يتبعها بناظريه وقلبه، الذي أضحى معلقا بها ما بين ليلة وضحاها..

غابت فتنهد يونس في قلة حيلة وبدأ في تنظيف المكان مترنما في شجن بموال عن العشق ونيرانه المستعرة في قلب ما خبر العشق يوما، وهو الذي كان يعتقد أنه عاشق من الدرجة الأولى، فإذا به يوم رآها ، أيقن أنه كان يمثل دور العشق..

كانت تحتاج لهذه الرحلة الطويلة، كانت ترغب في تجربة أمور لم تجربها من قبل، ركوب القطار كان أمرا لم تعتده ولم تقدم على التفكير في تجربته نظرا لوجود العربة وسائقها لنقلها لأي مكان ترغب، وكذا الطائرة إذا ما كان الأمر طارئ أو لا يحتمل التأجيل، لكن القطار كان أخر خياراتها والذي أصبح اليوم أولها، فما كان الأمر يحمل أي قدر من التعجل، كان الوقت كله ملكها منذ أن قررت السفر للنجع بناء على توصية من جدها زكريا حتى تخرج من هذه الحالة التي تتلبسها منذ ما حدث مع نزار، ومحاولة اختطافها وتلك الصور الملفقة لهما التي انتشرت بطول اسكندرية وعرضها، وكذا رد فعله الغير متوقع، لقد تجاهل الأمر كليا، حتى أنه لم يفكر في زيادة أبيها وتبرير أمر اصطحابها لطبيبه المعالج والصور التي تم ألتقاطها لهما على درج بنايته، لا إعادتها لبيت والدها ما زاد الطين بلة..

كان رد فعله مخيبا لأملها وظنها، كانت متوقعة منه أن يهرع فور سماعه بما حدث ورؤيته للصور المزيفة إلى بيتها ل..
توقفت عن الاسترسال في خواطرها ناهرة نفسها في شدة: كفاية بقى، أرحمي نفسك، بطلي تفكير في المفروض واللي كان لازم، نزار مكنش ينفع يعمل حاجة عشان هو راجل متجوز، وأكيد عنده مشكلة مع مراته بسبب الصور دي زيك بالظبط، أكتر من إنه انقذك، ده هايبقى افترى منك، ملكيش عنده حاجة يا فريدة، فوقي بقى..

هزت رأسها عدة مرات بشكل لا واعي ما دفع ذاك الذي كان يجلس جوارها يتنبه لما تفعل، فسأل في أدب: أنتِ كويسة يا آنسة!
تنبهت لصوت مجاور يسألها، ما دفعها لتوجه ناظرها إليه في تعجب، متى جاء ليجلس جوارها!؟، فطوال الثلاث ساعات المنصرمة من رحلتها منذ ركوبها القطار لم يتقدم أحد ليجلس جوارها..
ردت في نبرة رسمية: أه تمام، شكرا..

لم يشأ أن يتطفل عليها ما دفعه ليعيد مقعده للخلف قليلا مشبكا كفيه على صدره في محاولة للنوم، أغمض عينيه لكنه لم يفلح في النعاس، وظل على يقظته وصوت سماعات الأذن التي وضعتها اللحظة عال بما فيه الكفاية ليصله تردد أغانيها التي كانت تستمع إليها وهي تتطلع من نافذة القطار على المناظر المتتابعة قبالة ناظريها.

كانت على يقين أنه لن يترك الأمر يمر هكذا دون أن يتصرف ما أن يصله علم بما فعلته معها جدتها، يقينها ذاك أقلقها كثيرا، فقد خافت أن يكون بغير محله، وأنه سيركن لما آلت إليه الأوضاع دون محاولة تغييرها..

تسللت ليلا، وهبطت على مهل تلك الشجرة الملاصقة لشرفة حجرة نومها، مندفعة نحو اسطبل عنتر وبدأت في تفتيش سرجه، لتشهق في صدمة وهي تُخرج جوالا وخطاب ما ملصقا به، ألقت بهما في جيب سترتها وعادت أدراجها تتسلق الشجرة القصيرة التي كانت أشبه بدرج منها لشجرة، وكأنما الطبيعة كانت أحن عليها لتهبها هذا المخرج الذي استعملته منذ كانت طفلة صغيرة لتهرب من سطوة وجبروت جدتها هي وبن خالها منتصر، تذكر كم كان الحبس من نصيبها عقابا على أبسط الأخطاء أو الهفوات، ليساعدها منتصر على تعلم كيفية الهرب باستخدام هذه الشجرة المنقذة، لتخرج بضع ساعات من عزلتها الإجبارية لتشاركه لهوه ومرحه قبل أن يتم الفصل بينهما من جديد عندما كان يُرسل كلاهما لمدرسته الداخلية وحيدا من جديد..

استطاعت الوصول للشرفة صعودا، وتنفست الصعداء عندما أصبحت داخل حجرتها، فجل ما كانت تخشاه هو زيارة جدتها المباغتة لحجرتها لتكتشف عندها عدم وجودها، أخرجت الرسالة والهاتف مطمئنة أنها أغلقت باب الغرفة بالمفتاح قبل قيامها بمغامرتها، دق قلبها في سرعة غير عادية وهي تفض رسالته في شوق قاهر لمحياه، كلمات مقتضبة كانت مخطوطة:.

افتحي الموبيل أول ما يوصلك، أنا مسجل عليه نمرتي بس، رني عليا أول ما يوصلك وطمنيني، ضروري
تركت الرسالة جانبا، وضغطت ذر فتح الهاتف وكتمت صوته، وجدت النمرة الوحيدة بالجهاز فدقت عليها في وجل...
انتفض مروان موضعه ما أن أتاه اسمها منيرا شاشة هاتفه ليندفع مجيبا في لهفة:
ألو، ألوو، أية!
همست بصوت متحشرج تأثرا: أيوه يا مروان، أنا..
دمعت عيناها ولم تستطع أن تكمل ليستطرد هو في لهفة: أنتِ، وحشتيني..

شهقت، وانسابت دموعها في لوعة ليهمس هو تأثرا لدموعها: أنا آسف، أنا عارف إني السبب في كل اللي بيحصل لك ده، أنا..
قاطعته أية مؤكدة: مش أنت السبب يا مروان، على الأقل مش السبب الأساسي، في حكايات قديمة بين عيلتنا وعيلتكم، إيه هي!، أنا معرفش، ده غير إن ستي وجيدة مصممة على جوازي من ابن خالي، منتصر، و
قاطعها مروان في حنق: منتصر مين! محدش أحق بيكي مني، أنا، أنا بحبك يا أية، أنا عايزك جنبي..

شهقت في صدمة، ثم انفجرت باكية، هل اعترف بحبها اللحظة! كان عليها أن تكون أسعد البنات الآن، لكن اعترافه ذاك رغم روعته، ورغبتها في سماعه ملايين المرات بلا توقف، إلا أنه يحملها حملا لا تظن أنها قادرة على حمله..
همس مروان من جديد يحاول طمأنتها: مش هتكوني لحد غيري يا أية، مش لو ستك بس اللي وقفت قصادنا، لا، لو العالم كله، برضو مش هتكوني لغيري..

طرقات على بابها وهتاف جدتها بالخارج معترضة على غلقها باب الحجرة بالمفتاح صارخة: بتعملي إيه چوه! افتحي الباب حلاً..
اضطربت حتى أنها ألقت بالهاتف تحت أحد الأغطية، لتندفع جدتها داخل الحجرة هاتفة في سخط: جافلة عليكِ ليه!؟ وكنت بتحدتي مين!؟.
هتفت أية تحاول السيطرة على اضطرابها: هكلم مين يعني يا ستي! كنت بكلم روحي من زهجي..

تطلعت وجيدة حولها في عدم اقتناع وما أن وقع ناظرها على محيا أية حتى تساءلت في حنق: وكنتي بتبكي ليه!؟، على عمرك!؟ بدل ما تفرحي إنك هاتبجي عروسة منتصر باشا على سن ورمح، بتبكيلي!، بنات إيه دوول! بس هجول إيه!، الطينة من العچينة..
هتفت الخادمة التي وقفت على أعتاب الحجرة لوجيدة: في ضيفة منتظراكِ تحت يا ست وچيدة..
تساءلت وجيدة في لا مبالاة: ضيفة مين يا بت! مجلتش اسمها!؟
أكدت الخادمة: اسمها ثريا يا ستي..

لم تهتم وجيدة بالاسم الذي لم يخلق رنينه على مسامعها أي رد فعل غريب يذكر، لكنها أمرت الخادمة: جدميلها واچبها وأني نازلة لها..
انصرفت الخادمة لتتطلع وجيدة لأية من جديد أمرة: چهزي حالك، واد خالك المفروض ينزل اجازة عن جريب، أول ما ياچي من غير شر هنكتبوا الكتاب..

انهت أمرها في هدوء، وأغلقت الباب خلفها ورحلت لا مبالية، ما دفع أية لتتأكد من ابتعادها، لتغلق باب الحجرة بالمفتاح من جديد، باحثة عن الهاتف، الذي اكتشفت أنها في خضم اصطرابها، نسيت إغلاقه، وأن مروان كان على الخط المفتوح وسمع كل الحديث الذي دار..
هتفت به: مروان، مروان..
هتف بها في صدمة: هي قالت الست اللي جات لها تحت ونزلت تقابلها اسمها إيه!
أكدت أية: اسمها ثريا، ليه!
أكد مروان في اضطراب: دي أمي يا أية..

شهقت أية في صدمة، لا تعلم ما عليها فعله، وأمه ها هنا، تقف مدافعة عن ولدها أمام جبروت جدتها الذي تعرف مقداره، والذي عايشته سنين عمرها وما زالت، فما العمل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة