قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

كانت الساعة شارفت على الثانية فجرا عندما انتهت مهمتهما التي انجزاها بنجاح معا، تنهد وهو يخلع عنه معطفه الطبي وقناع وجهه..
خرجت من الغرفة خلفه وحذته حذوه دون أن تنبس بحرف واحد، لكنه همس دون أن يلتفت لها: استعدي يا دكتورة عشان اوصلك للاستراحة..

همت بالحديث إلا أنه اندفع ينتظرها بالخارج، ماذا حدث!؟، لما عاد صورته المتعجرفة الأولى!؟، تطلعت إليه من نافذة قريبة لتجده يقف على الأعتاب موليا ظهره لباب الوحدة الداخلي متطلعا نحو الفراغ المعتم وريح باردة قادمة من قلب الغيطان يقف أمامها كأنه يناطحها أو ربما يستقبلها محتضنا ربما يحتاج لبرودتها التي تضرب وجهه بعنف لعله يستفيق من غفلة ما أو تبرد نيران مستعرة بجنبات روح معذبة..

كل تلك الاستنتاجات قفزت بذهنها فجأة وهي تتطلع نحوه، تعجبت كيف يمكن أن تهتم بإنسان لدرجة أن تضع كل الاحتمالات الممكنة لحزنه الدفين ذاك رغبة في معرفة سببه ومداواته بأي ثمن!؟، أي شعور ذاك الذي يجعل الإنسان متوحدا قلبا وروحا مع انسان آخر بينهما الكثير من الاختلافات و التناقضات أحيانا!؟.

تنبهت أنها تركته ينتظر كثيرا فاندفعت للخارج نحوه وهمست تؤكد على تواجدها الذي لا تدرك كم يستشعره اللحظة بكل خلجة بخلجاته وذاك الذي يثير حفيظته أكثر من أي أمر أخر: رائ، دكتور رائف..
همست تناديه بلقبه الجديد على مسامعها لكنه همس بصوت عميق خالي من أية مشاعر يمكن استنتاجها، صوت جاء من عمق سحيق جعلها ترتجف حرفيا: رائف بيه، هيكون أحسن..

تطلعت نحوه في تعجب، لم ينف لقبه الجدير بالاحترام ذاك!؟، لقب يتمناه الكثيرين، ويسعى لأجله الآلاف..
اندفع يسير نحو الاستراحة لتلحق به دون أن تجرؤ على النطق بحرف أمام هيبته التي شملتها كليا، هيبة عجيبة محاطة بأسوار من الرهبة ويغلفها الحزن، خليط عجيب جعلها عاجزة تماما عن التفكير إلا في محياه الأثر السائر جوارها وال..

كانت خطواته واسعة ولم تكن تستطع مجاراته ما جعل قدمها ينثني عندما داست بشكل غير واعِ على أحد الأحجار، تأوهت وكادت أن تسقط أرضا ليكون هو بالقرب كما كان دوما، جاذبا إياها قبل سقوطها على الأرض الموحلة قليلا..

كانت العتمة تحيهما كليا وما من سبيل لتتطلع لوجهه وتثبر أعماق عينيه العميقة النظرة، لكن شيئا يحدث جعلها تدرك أكثر من هذا، كفها التي وضعتها بشكل غير محسوب على موضع فؤاده كانت كفيلة لتلمس نبضات قلبه الصاروخية، هل هذا طبيعي!؟، كطبيبة تعلم علم اليقين أن نبضات قلب بهذه السرعة لا تحدث إلا في أحوال معينة، وقربها هو حالة منهم على ما يبدو!.

اعتدلت مندفعة متحاملة على ألم كاحلها البسيط فما عاد لها القدرة على البقاء جوار ذاك الرجل الذي يخلق داخلها فوضى مربكة من عواطف عجيبة لم تخبرها يوما، وما كانت تدرك أنها موجودة من الأساس..
لحق بها ليسير جوارها لخطوات كانت هي ما يفصلهما عن باب الاستراحة..

فتحتها وألقت التحية التي ردها بايماءة بسيطة من رأسه لتغلق الباب خلفها، ظل لبرهة يتطلع نحو الباب المغلق وأخيرا اندفع بدوره مارا الجسر الخشبي نحو باب البيت الكبير وجده في ركن قصي، يتابعه في قلق على ما قد تؤول إليه الأمور..

شعرت بالاختناق، لم تكن معتادة على المكوث لفترات طويلة داخل البيت ولا تخرج لأداء بعض الأعمال والمقابلات، أصر عليها والدها كثيرا لتعود معه للشركة والعمل وكأن شيئا لم يكن، لكنها رفضت بشكل قاطع، لا خوفا أو حرجا، لكن رغبة في عدم تعريض والدها للكثير من القيل والقال..
طرقت باب حجرة جدها ودخلت لتجده غارقا في أغان الست مترنما بكلماتها التي وصلتها بعض من همهماتها وهو يرددها في ولع:.

وعايزنا نرجع زي زمان..
قول الزمان ارجع يا زمان..
وهات لي قلب، لا داب، ولا حب..
ولا انجرح، ولا شاف حرمان..
جلست قبالته ليتنبه لوجودها مبتسما رابتا على كفها التي كانت مسندة على عضده القريب من موضع جلوسها..
همس زكريا متسائلا: كيفك يا بتي!؟
هزت رأسها هامسة: الحمد لله يا جدو..
ابتسم هامسا: إيه!؟ زهجتي من الجاعدة، منتش متعودة..

أكدت بايماءة من رأسها هاتفة: زهقت قوي يا جدو، الصراحة، بابا كان عايزني انزل معاه، بس أنا نفسي قافلة من كل حاجة..
لا عايزة أشوف حد ولا حد يشوفني، حتى اسكندرية بكل جمالها وخاصة فالوقت ده اللي انا بستناه من السنة للسنة، مبقتش طيقاها..
ربت زكريا على كفها من جديد هاتفا: أنت لازما تبعدي، لازما تفصلي عن الچو ده شوية..
هتفت فريدة: هروح فين يا جدو! ولوحدي كمان..

أكد زكريا: لاه يا حبيبة چدك، مش هتكوني لوحدك أبدا، هتلاجي حواليكي ناس كتير بتحبك، عند چدك عاصم..
همست: قصدك انزل نجع الصالح يا جدو!
هز رأسه موافقا ومؤكدا على استنتاجها، بينما هتفت فريدة معترضة: بس يا جدو هعمل إيه هناك!؟، كل واحد عنده شغله وحياته، وانا مش عايزة ابقى تقيلة على حد..

هتف زكريا معارضا لوجهة نظرها: تجيلة على مين يا خايبة! دول أهلك وهيشيلوكي على كفوف الراحة، ده أنتِ مش هاترضي ترچعي من هناك، يا ريتني بصحتي وأجدر أچي معاكي، اتوحشت النچع وناسه كلهم..

ساد الصمت للحظة قبل أن يستطرد زكريا مؤكدا: روحي يا بتي، محدش عارف الدنيا مخبية للواحد إيه!؟، چدك لما ضاجت بيه الدنيا فالنچع جلت أبعد، وبجيت زكريا اللي أنتِ وعياله ده، سافري وغيري مكانك، يمكن يتغير حظك، وتلاجي اللي جلبك بيدور عليه..
اضطربت فريدة هاتفة: قلبي مش بيدور على حاجة يا جدو..
ابتسم زكريا هامسا: مبيدورش على راحته مثلا!؟
نكست رأسها خجلا وهمست مؤكدة: أه صح، ربنا يريح قلوبنا جميعا يا رب..

ابتسم زكريا مؤكدا: أني جلبي أرتاح من زمن، الدور والباجي على اللي جلبه لسه محيره..
ابتسمت فريدة ونهضت مغادرة ليستوقفها زكريا مبتسما: على فين!؟ خلصت المصلحة وهتسبيني لحالي!؟
انحنت تلثم هامة جدها هامسة: مقدرش يا جدو اسيبك أبدا، أنا هروح اجهز اموري عشان السفر، يمكن..

ابتسم زكريا وقبل أن يهم بالحديث وهي تغادره هتفت تمازحه مقاطعة: وعارفة، هفتح الست اللي عطلتك عنها وأعمل لك فنجان قهوة سكر زيادة من ورا ماما..
قهقه زكريا مؤكدا: چدعة..
ضغطت فريدة على ذر تشغيل الأغاني قبل أن تدير مقبض الباب مغادرة، ليتنهد زكريا وأم كلثوم تصدح مترنمة:
بيني وبينك وهجر وغدر وجرح بقلبي داريته..
بيني وبينك ليل وفراق وطريق أنت اللي بديته..

ساعة تتقلب على فراشها لا يزورها النوم بعد كل هذه الأحداث المتلاحقة بهذه الليلة العجيبة، فقررت البحث عن كتاب لقراءته ربما تجلب لها القراءة النعاس..
لقد نسيت إحضار شاحن الخاص بهاتفها والذي توقف عن العمل منذ نصف ساعة، ولا تملك أية وسيلة للترفية ها هنا إلا كتاب يمكنها جلبه من المكتبة لتقضي بقراءته الساعات القليلة المتبقية على طلوع النهار..

ارتدت ملابسها ومرت على الجسر الخشبي في حرص ومنه إلى الممر الطويل المترب المؤدي لمدخل البيت الكبير..
صعدت الدرجات الأولى للدرج في هوادة
وما أن همت بالدخول حتى انتفضت موضعها، افزعها صوت الموسيقى الذي بدأ أحدهم في عزفه..
ابتسم لنفسها في بلاهة، أحدهم!؟، من هنا في السليمانية كلها يعرف العزف على البيانو غيره!؟، ربما خطيبته المدللة تلك!؟ لكن الآن، هذا هو عزفه، يبدو أن الأرق لم يكن رفيقها وحدها هذه الليلة!؟

وقفت أمام باب المكتب وقررت الدخول بكل هدوء أو بالأصح التسلل والحصول على كتاب أو رواية ما، أي شىء يسليها والخروج بسرعة قبل أن يدرك وجودها..
دفعت الباب في حرص شديد، وتسللت بالفعل حتى وصلت لرفوف الكتب، جالت بناظريها على العناوين لا تعرف من أين تبدأ؟، ولا ماذا عليها أن تختار!

واعترفت أن الاختيار لم يكن صعبا لكن ذهنها المشوش وبالها المسروق وحواسها المأخوذة كليا بعزفه الشجي لتلك المقطوعة التي تعشق هو السبب في عدم قدرتها على الإختيار السريع ثم الهرب، وكأنها وقعت في شرك لا فرار منه..
مدت كفها مختارة بشكل عشوائي ما وقع يدها عليه، وتوجهت حتى وقفت على أعتاب حجرة العزف وتاهت كليا في معزوفة قصة حب التي كان يدق نغماتها باحترافية كبيرة تدفعك للانصات مرغما..

لا تعرف كم استمر العزف، ولا كم ظلت على حالها متسمرة موضعها إلا عندما توقف دقه على أصابع البيانو فجأة، ما ايقظها من سباتها الا إرادي، شهقت في اضطراب شهقة أشبه بسندريلا عندما دقت الساعة الثانية عشرة وهي في غمرة حلمها الوردي مع أميرها الوسيم، واندفعت مثلها تحاول الفرار، لكن سندريلا كانت أكثر حظا منها، فها قد أدرك رائف وجودها قبل أن تدير مقبض الباب وتولي هاربة..
هتف في تعجب: دكتورة نوارة!؟ خير!

استدرات تواجهه تحاول ايجاد مبرر مقبول لوجودها هنا في مثل هذه الساعة: أصل أنا مجاليش نوم الصراحة، فجيت أخد كتاب أو رواية اتسلى بيه لحد الصبح، و على فكرة أنا واخدة إذن الدكتورة سميحة..
ابتسم واحدة من ابتساماته النادرة، يبدو أن الموسيقى قد عدلت من مزاجه العاصف الذي كان، وهتف مؤكدا: المكتبة كلها تحت امرك يا دكتورة، حتى من غير استئذان..
هزت رأسها وابتسامة مضطربة على شفتيها: متشكرة، عن إذنك..

همت بالرحيل في عجالة لكن رائف استوقفها هاتفا: يا دكتورة!
توقفت تواجهه من جديد، ترغب فالهرب من حضرته بأقصى سرعة، تقدم نحوها ليزداد اضطراب خافقها، توقف على بعد خطوة واحدة ومد كفه في جرأة متناولا الكتاب الذي كانت تضمه لصدرها في بلاهة هاتفا: مظنش إن الكتاب ده هيسليكي بالمرة..
هتفت محتجة: ليه!؟، ده حتى..
قاطعها قارئا عنوان الكتاب بصوت عال:
اصول البستنة وزراعة نباتات الزينة ..

تنحنحت ولم تعقب ما جعل ابتسامته تتسع مورثا إياها المزيد من الاضطراب، وضع الكتاب جانبا، ومد كفه نحو رواية ما جذبها من الرف وعاد بها إليها مؤكدا: أظن الرواية دي هتجوم باللازم..
تطلعت نحو الاسم ولم تجرؤ على نطقه، بل تناولتها منه بسرعة شاكرة بهزة خاطفة من رأسها واندفعت أخيرا هاربة وهي تتطلع لاسم الرواية من جديد قصة حب.

غالبت نفسها كثيرا حتى لا تدق على هاتفه لتسأله عن سبب غيابه الفترة الماضية، لكن كرامتها وكبريائها قد منعاها، كان ما بينهما اللحظة أشبه بلعبة سخيفة كل طرف منهما يعلم أنها مجرد لعبة لا تدل أبدا على حقيقة الوضع بينهما..

فلم يكن من المنطقي أن يتحول ذاك الحب الذي جمعهما إلى علاقة صداقة عقيمة لا محل لها من الإعراب، كانت تضحك على حالها وهي تراه أمامها وما عاد لها أن تكون على طبيعتها التي عهدتها، كان عليها أن تتصنع وضعا جديدا ممسوخا..

وكذلك هو، كان يحاول قدر استطاعته تجنب الوجود في حضرتها، كان يتهرب من نظراتها نحوه كأنما يتهرب من فعل فاضح أو وصمة عار، كانت تعلم أنه يستشعر العجز لأنه لم يستطع أن يكون رجلا بما يكفي ليحصل على حبيته..

مرت لداخل الجامعة وعيونها على حرس البوابة ربما كان في إجازة للنجع في محاولة أخيرة لإقناع جدته بالزواج، لكنها لم تجده بين الحراس، بل إنها لاحظت أن هناك وجوه جديدة بينهم، ربما نُقلوا حديثا، هالها الخاطر وما عاد لديها القدرة على التمسك بأي مسمى إلا الاطمئنان عليه فهتفت تسأل صديقتها: هو الحرس اتغيروا ولا أنا اللي مش واخدة بالي!؟

اكدت صديقتها: أه فعلا اتغيروا، أنت ازاي مخدتيش بالك! دول بقالهم أسبوع تقريبا..
هتفت بدور تستفسر من جديد وقلبها تدوي نبضاته بين جنبات صدرها في قهر: والنقيب منتصر، تعرفي راح فين!؟.
اكدت صديقتها: تقريبا اتنقل مكافحة المخدرات، عمرو خطيبي قالي كده، لما سألته على زمايله، الحمد لله إنه لسه موجود معايا..

ابتسمت صديقتها كالبلهاء، ولم تدرك ما كان يعتري بدور اللحظة، فقد استشعرت دوارا كاد أن يسقطها أرضا، فاستأذنت بسرعة متعللة بالذهاب للحمام لكنها عادت أدراجها مندفعة نحو سيارتها، التي قادتها لا تعلم إلى أين، وقد انتهى بهما المطاف أخيرا إلى مفترق الطرق الذي كانت تخشاه، وأصبح الفراق هو البديل الأمثل لذاك الوضع العجيب الذي وضعا فيه رغما عن إرادتهما..

لم يعد الوضع محتملا دونها!؟ أسبوع كامل لا رأها أو استطاع التواصل معها على الهاتف، هناك شىء ما يحدث لا يعرف كنهه، أصبح الوضع بالجامعة وعلى الطريق مملا ثقيل على روحه..
وصل من الجامعة ولاذ بحجرته وحيدا، تنبهت أمه لتغير حاله من ذاك الانطلاق الذي انشرحت لعودته إليه، إلى السكون والانعزالية من جديد..

انتظر على الشرفة بطبق الفاكهة والخضروات لعل عنتر يزوره ويعلم ما الذي يحدث، يكاد يجن لعدم استطاعته التواصل معها كل هذه المدة، والقلق يتآكله حرفيا رغبة في الاطمئنان عليها..
هم بالدخول لحجرته فاقدا الأمور في ظهور عنتر إلا أن خفيرها مر بمحازاة سور داره لبعض أمره ما دفعه ليهتف به مناديا..
تطلع نحوه الخفير وتقدم صوب موضع جلوسه مستفسرا: خير يا بيه!؟

اضطرب مروان، هل عليه السؤال عنها بشكل مباشر هكذا!؟، سيفعل وليكن ما يكون، فماذا يمكن أن يحدث أكثر مما هو واقع بالفعل!.
تساءل مروان: بقولك! هي الآنسة أية مبقتش تروح الجامعة ليه! تعبانة أو حاجة!؟، أصل فالجامعة زمايلها عارفين اننا بلديات فبيسألوني عنها عشان مش بترد على مكالماتهم..
اضطر مروان لاختلاق هذه الكذبة، حتى يعلم تفاصيل ما يجرى لها وهو لا علم له به..

همس الخفير مؤكدا: إيوه يا بيه، هي مش هتروح الچامعة تاني خلاص كده..
انتفض مروان مستفسرا: ليه!؟ إيه اللي حصل!
أكد الخفير في نبرة مضطربة: أنت أدرى يا بيه!؟، ما كنت معاها، ورايح چاي ع السكة چارها، والناس وكلامهم، و..
هتف مروان في حنق: قصدك إني السبب!؟

هز الخفير رأسه مؤكدا دون أن ينبس بحرف، لكن مروان وعى كل شىء، تركه الخفير ورحل وحيدا، ولم يجرؤ أن يطلب منه أن يوصلها أية رسالة، فلم يعد لديه الثقة في وقوعها فيدها هي لا جدتها..
طرقت أمه باب حجرته ودخلت ما أن اذن لها، تقدمت نحوه رابتة على كتفه متسائلة: إيه اللى حصل يا مروان!؟، حالك مقلوب بقاله أكتر من أسبوع..
فيه حاچة حصلت فالچامعة!؟
هز مروان رأسه نافيا، وهتف مطمئنا: أنا تمام يا ماما متقلقيش..

همست ثريا بفضول للمرة الأولى: هي مبقتش تيجي الچامعة ولا إيه!؟
اضطرب مروان متسائلا: هي مين!
ابتسمت ثريا مؤكدة: اللي رسمت عشانها اللوحات دي كلها، واللي نزلت الچامعة مخصوص علشانها، واللي أنت زعلان دلوجت بسبب عدم وچودها..
لم يعقب مروان، ما كان أشبه لأعتراف ضمني بصحة استنتاجها، ما دعاها لتستطرد مؤكدة: هي مين يا مروان! حد نعرفه، ولا..

قاطعها مروان هاتفا بنبرة تحمل وجعا مستترا بين الأحرف استطاعت استشعاره بحرفية كبيرة: مكنتش أعرف هي مين، ولا اهتميت أعرف إلا لما بعدت وقررت أنا أقرب، كانت أول حد يقتحم عزلتي ويملأ الفراغ اللي كان حابسني جواه رغم الريشة والألوان، خلتني رغم عجزي أحس إن ليا قيمة وإني بالنسبة لها رغم ظروفي قادر يحميها ويكون سند، أنا مكنتش أعرف أي حاجة إلا لما غابت، ودلوقتي مش عارف أوصل لها، مش عارف فيه إيه!؟، على الرغم إن بينا وبينها خطوتين..

تنبهت ثريا هامسة: خطوتين إزاي يعني!
أكد مروان مشيرا للخارج: عارفة البيت اللي من دورين اللي ورانا بخطوتين ده، ال
قاطعته ثريا هاتفة في صدمة: بيت ولاد منصور!
تطلع لها مروان في تعجب ما دفعها لتتمالك أعصابها، هتف متسائلا: ايوه يا ماما، بيت ولاد منصور، البنت اللي بقولك عليها اسمها أية، وعايشة مع جدتها في البيت ده..

استطاعت ثريا بحسبة عقلية بسيطة إدراك سبب عدم ظهور البنت من جديد في حياة ولدها، لابد وأن جدتها والتي تعلم ثريا جيدا مدى سطوتها وجبروتها، قد علمت بما يربط ابنها بحفيدتها فقررت قطع العلاقة كليا، ربما لعزلة مروان عن ما يحدث حوله لا يعلم أن جدة هذه القتاة كانت السبب في رفض زواج حفيدها الأخر ببدور ابنة حازم الهواري وتسبيح التهامي، لقد وصلتها هذه الأخبار من إيمان زوجة ماجد التي تربطها بها صداقة متينة..

ماذا عليها أن تفعل!؟، الماضي يعود بكل زخمه مسيطرا على مقدرات الأمور، وما لأحد من تصريف، لكن ولدها يستحق أن يُفعل المستحيل من أجله!؟، وهذه الفتاة التي استطاعت تحريك مياه حياته الراكدة تستحق أن يُحارب من أجلها..

اندفع يونس من الداخل مناديا بصوت جهوري: يا واد يا سماحة! أنت فين يا واد!
اندفعت سماحة ملبية في سرعة قادمة من الخارج نحو موضع جلوسه هاتفة في عجالة: ايوه يا بيه، حاضر أنا أهااا، خير يا بيه!؟
هتف بها يونس: روح چهز حالك أنت وأخواتك والخالة سعيدة، عشان هتنجولوا.
تضاعفت دقات قلبها ذعرا، ورغم ذلك هتفت في ثبات آثار إعجابه: ليه يا بيه! چرى حاچة لا سمح الله!؟، جولي وأني..

قاطعها يونس مستطردا: هتنجولوا فالدور الأول..
تطلعت نحوه متعجبة وتساءلت: دور إيه!؟
أكد ساخرا: هيكون دور إيه يعني!؟ دور طاولة! الدور الأول فالدار..
هتفت سماحة متسائلة من جديد في بلاهة: أنهي دار!؟ الدار دي!؟
هتف يونس ضاربا كفا بكف: أنت اتخبلت يا واد ولا إيه!؟ هو إحنا عندينا دار غيرها وأنا معرفش! ايوه الدار دي..
هتفت سماحة متسائلة: وحضرتك يا بيه!

أكد يونس باسما: أني هاخد الدور اللي فوج، عشان ليه مخرچ لوحده من غير ما أبجى مچبور أعدي على تحت، وكمان عشان أبجى مني للسطح فأي وجت عايز أجعد فيه، عشان تاخدي، تاخدوا راحتكم..
كان يقول جملته الأخيرة وقد عدل من خطئه في مخاطبتها بصيغة المؤنث سريعا حتى لا تنتبه، لكن تلك النظرات التي كان يرمقها بها لو استطاعت إدراكها لوعت للكثير، لكنها كانت بعالم أخر تماما..

فقد اشاحت بناظريها بعيدا هاتفة داخلها توبخ نفسها في حنق: مش وجته يا حزينة، بكاكِ ودموعك دي مش وجتها دلوجت، هتتفضحي يا ملكومة، اثبتي لحد ما تبجي لوحدك وابجي ابكي على حالك احفان دموع، لكن مش جدامه، اصلبي حالك واطلعيله كيف الرچالة، وانسي جلبك هبابة وعيونك بعيونه..
نفذت على الفور، ورفعت نظراتها إليه في عزم هاتفة: والله ما عارف اجول لك إيه يا يونس بيه! ربنا يكرمك يا رب.

تطلع يونس لعينيها وهاله ما رأى، غيوم تلك الدموع الشماء التي كانت توئدها بمآقيها مقهورة لا يمكنها سفحها أمامه، وعى لها تتراقص على جثمان فرحة مغتالة لا يمكنها الإفصاح عنها كما يجب..

تحشرج صوته محيدا بناظريه عنها، فما اعتراه اللحظة من مشاعر بكر لم يخبرها سابقا جعله يشعر باضطراب عجيب، كأنه ما خبر العشق سابقا، ، العشق!، وذاك اعتراف أخر زلزله داخليا ما جعله ينتقض مندفعا هاربا من محياها هاتفا: روح ياللاه چهزوا حالكم، وأني طالع فوج..
صعد الدرج هرولة، لا يعرف ممن كان يولى هاربا!؟، منها! أم من نفسه وحقيقة مشاعره المستحدثة نحوها!؟..

همت صباح بإطلاق زغرودة قوية عندما لمحت زهرة تدخل السراي مستندة على ذراع أمها وخلفها أبيها يحمل حقيبتها وبرفقتهم عاصم الذي خلع عنه جبيرة ذراعه لكنه ما زال يحمل ذراعه المصاب بذراعه الأخر فهو في طور علاجها الطبيعي ببعض التمارين ليستعيد مرونتها..
نهرها عاصم الجد هاتفا: يا بت، مش وجته ده، روحي شوفي عبدالرحيم چوزك دبح الدبايح ولا لاه!؟
هتفت صباح: حلا يا حاچ..

استوقفها عاصم الجد هاتفا: بجولك! جوليله الحچ بيجولك، إدي الناس بالزيادة وخلي يده فرطة، حاكم اني عارفه، وميردش حد أبدا، اللي يطلب يعطيه، فهماني..
أسرعت صباح مؤكدة وهو تندفع نحو موضع زوجها والدبائح التي تنحر فرحة وكرامة لنجاح عاصم وزهرة : معلوم يا حاچ، حلا أهااا..
اندفع عاصم نحو جده يلثم جبينه في محبة طاغية، ليهتف عاصم الجد بصوت متحشرج تأثرا: اتوحشتك يا غالي، ربنا ما يغيبك أبدا..

ربت عاصم على كتف جده هاتفا: ولا يغيبك يا چدي ويطول لنا فعمرك..
ابتسم عاصم الجد أمرا: ياللاه اطلع استريح، وهنعملوا لك غدا من الدبيحة، يرم العضم اللي اتكسر ده..
قهقه عاصم هاتفا: هي أمي عتجامي يا چدي، دي هتعلفني تجول هتدبحني ع العيد..
قهقه عاصم الجد بدوره مؤكدا: وااه مش أمك وخايفة عليك..
وتنهد مستطردا في حنو: والله كلنا روحنا راحت وانخلعنا عليك يا ولدي، ربنا ما يورينا شر فيكم أبدا..

وتطلع لعمق عيني حفيده متسائلا: بس ليه يا عاصم!؟ ليه عملت كده ورميت روحك ورا..!؟
لم يكمل عاصم الجد فالسؤال كان واضحا ولا يحتاج لتفسير، اضطرب عاصم الحفيد لسؤال جده المباغت، وتطلع نحو جده هامسا: تصدج يا چدي، أنا مش عارف، والله ما عارف أنا عملت ليه كده!؟، بس اللي چه فبالي وأنا برمي روحي فالمية أني يمكن ربنا يجدرني وألحجه عشان خاطرها..

دمعت عينى عاصم الجد وربت على كتف حفيده أمرا إياه: جوم أرتاح، وحمد الله على سلامتك يا حبيبي..
نهض عاصم ملثما ظاهر كف جده، وقد أبصرها اللحظة وهي تدخل السراي مع أبويها ومنه لحجرتهما، كان يعتقد أن أول مكان ستتوجه إليه هو حجرة القراءة والتي بالتأكيد اشتاقتها، لكن خاب ظنه وشعر أن ذاك مؤشر لا ينبئ بالخير، لكنه سينتظر حتى يرى، ربما حكمه جاء مبكرا..

صعد لحجرته بعد استقبال العائلة الحافل ليقع ناظريه على إحدى الروايات التي كانت أخر ما قراءته قبل أن يعقد قرانها على زوجها الراحل، جلس في هوادة قرب فراشه ومد كفه نحو الرواية يقلب صفحاتها، هم بإلقائها بعيدا عن ناظريه لكنه فر صفحاتها ليجذبه خطوطها الورية من جديد، فتح الصفحات ليقرأ الأسطر المميزة، لا يشقى المرء إلا بتلك الأسرار التي يخبئها بين طيات روحه، مستقرة بأعماق فؤاده، لا يقدر أن يشاركها إلا نبضات خافقه، ويا له من شقاء.

تنهد عاصم متسائلا: أسرار إيه يا زهرة اللي أنتِ مخبياها!، يا ريتني أجدر أعرف إيه اللي واچعك جوي كده، والله لأنزعه من چدوره، بس أعرف..
دفع بالرواية جانبا ونهض يتطلع من نافذته لعل الشوق يدفعها للحجرة الأثيرة، لكن الحجرة ظلت فارغة من محياها، وظل عقله يدور محاولا تفسير كلماتها المخطوطة، لكن لا فائدة..

خرجت من باب بيتها نحو مدخل بيتهم، ترددت قليلا قبل أن تضع قدمها على أولى الدرجات، لكنها تشجعت وصعدت الدرج في عجالة مخافة أن تعيد التفكير وتعود أدراجها، طرقت باب الشقة لتفتح نعمة التي استقبلتها في ترحاب..
جلست ليهل الجميع من الداخل مرحبا عاداه، ذاك الذي تنتظر طلته عليها ليعيد لفؤادها النبض الحي..

هتف بها خميس مشجعا، فقد شعر أنها ما جاءت إلا لتخبرهم بأمر ما: خير يا حُسن؟!، حاسس إن مجيتك دي وراها إن!؟.
أكدت نعمة الجدة وهي تتطلع إليها بنظرة متفحصة: صدقت يا معلم، باين عليها جاية وجايبة خبر مهم، خير إن شاء الله..
خرجت شيماء من المطبخ حاملة صينية عليها بضع أكواب من الشاي هاتفة بدورها: أخبار عمتك إيه يا حُسن!؟ تلاقيكم منمتوش من إمبارح وهاتك يا رغي!

ابتسمت نعمة الصغيرة مؤكدة: ايوه يا عم، ما هو من لقي أحبابه، نسي أصحابه..
ابتسمت حُسن مؤكدة: انتوا متتنسوش يا نعمة، ولا يمكن انساكم مهما حصل..
هتفت نعمة الجدة في نبرة قلقة: خبر إيه يا حُسن!؟ ما تنطقي يا بنتي، قولي اللي عندك..
أكدت حُسن وهي تفرك كفيها ببعضهما اضطرابا: الصراحة، عمتي عايزة تاخدني وتسافر، عايزاني اعيش معاها هناك على طول، وأنا مش عارفة اقول لها إيه!؟، وخصوصي بعد اللي حصل، وشافته بعينها..

هم خميس بالتكلم، لكن ظهور نادر أوقفه وخاصة عندما اندفع من الداخل ووقف على مدخل الردهة التي تجمعهم منشغلا بتعديل ياقة قميصه وثني أكمامه وهتف ساخرا: يعني مستنية مننا نقولك إيه!؟، روحي طبعا، أنتِ لسه قايلاها، بعد اللي شافته امبارح هي مش شايفة إنك فأمان، ومحدش عارف يحميكي، هي صح، وابنها المحلفط ده، اللي قال لا هتحتاجي للورشة ولا لوقفة بين الرجالة، ولا هتحتاجي أصلا تعرفينا من أساسه..

واندفع تاركا إياها مشدوهة من هجومه الغير مبرر نحوها، حتى أنه لم يترك لها فرصة شكره على ما فعله لأجلها هو وراضي، كانت الجروح ما تزال تحتل جزء من جبهته وجانب وجهه، جعلته أشبه بأحد المجرمين العتاة الإجرام، لكنه كان بنظرها اشجع الفرسان، وخاصة عندما كانت تتذكر كيف أنقذها من براثن ذاك الضخم وهتافه لها بالخروج بعيدا عن الغرفة انقاذا لها..

اخرجها خميس من خواطرها نحو ذاك الذي غادر اللحظة مغلقا الباب خلفه في عنف كاد أن يسقط زجاجه مهشما هاتفا: عمتك عندها حق يا حُسن، أنتِ فعنينا وعلى راسنا يا بنتي، بس مفيش بعد الأهل، وجودك مع عمتك أحسن لك، راحة لكِ من البهدلة وقلة القيمة، أهي هتصونك لحد ما ربنا يكتب لك الخير ويبعت ابن الحلال..
هتفت حُسن وغصة ما تستقر بحلقها: يعني انت فكرك أوافق يا معلم!؟.

هتفت نعمة الجدة مؤكدة: طبعا يا بنتي، إحنا يعز علينا فراقك، بس عشان مصلحتك يهون أي حاجة..
هتفت نعمة متحشرجة الصوت في تأثر: يعني هتمشي بجد يا حُسن!؟.
هزت حُسن رأسها دامعة العينين، لتتنهد شيماء متحسرة: ربنا يكتب لك الخير يا بنتي، إحنا مش عايزين لك إلا إنك تكوني في أمان، ربنا يحميكي..

ضمت نعمة حُسن باكية في لوعة فراق صديقتها التي طوقتها للحظة ثم اندفعت مستئذنة لتعود لعمتها مبلغة إياها قرارها النهائي، فما عاد لها ما تبكيه هنا، عليها الرحيل بعيدا، والبدء من جديد، لعل وعسى يكون البعد هو المفتاح لحل معضلة فؤادها العليل بهواه المعتق..

رنات على هاتفها تعلن أن رسالة ما قد جاءتها على أحد التطبيقات، امسكت بهاتفها تستطلع الأمر لتجدها رسالة من سهام تؤكد عليها الحضور لمصلى السيدات لأنها تريدها في أمر هام..
تنهدت سمية ما أن قرأت الرسالة، انتظرت لبرهة قبل أن ترد باقتصاب بكلمة واحدة: حاضر..
تركت الهاتف وبدأت في الاستعداد للخروج تحاول تأهيل نفسها لما ستقوله لسهام، فالأمر بالفعل صعب، وما عاد التأجيل جائز في مثل هذه المواضيع..

منذ عملت برغبة سمير في الاقتران بها وهي لا تعلم لليوم نهار من ليل، أصبحت توصل الليل بالنهار تفكيرا، لا تعلم ما عليها فعله، إن سمير انسان رائع ولا يستحق قلب لا يحمل إلا هوى كسيح لرجل أخر غير مدرك لها ولقلبها من الأساس..
وصلت المصلى وجلست في انتظار سهام التي ما أن وعت لها حتى اقتربت تلقي التحية في فتور لم يكن يوما من عاداتها..

وهي لا تلومها، فقد وضعت نفسها موضعها، وما لم تقبله على أحد من إخوانها، كان بالتأكيد هو عينه ما لن تقبله سهام على أخيها الوحيد..
تنهدت سهام هامسة: دلوجت ومن غير لف ودوران فالكلام، أنتِ هتعملي إيه فحكاية طلب سمير أخويا ليدك!؟.
همست سمية في ثبات: هعمل اللي المفروض ينعمل يا سهام! هرفض أكيد..
شهقت سهام فما كان رد سمية متوقعا: طب ومفكرتيش بعد رفضك إيه اللي ممكن يحصل!؟.

همست سمية: مفكرتش!، هو أنا بعمل حاچة غير التفكير، بس هعمل إيه!؟ ما باليد حيلة يا سهام، سمير يستاهل واحدة أحسن مني مية مرة، واحدة تحبه بچد ويكون هو الأول فجلبها وملوش شريك..
دمعت عينى سهام هامسة: طب، والشيخ مؤمن!؟، لو أنتِ رفضتي سمير، يمكن أنا كمان أرفض مؤمن، ما أهو أصلك مينفعش إني..
همست سمية متعجبة: هو أنتِ فارج معاكِ مؤمن للدرچة دي يا سهام!؟.

هزت سهام رأسها في إيجاب وبدأت في النحيب، شاركتها سمية البكاء في صمت ولا علم لإحداهما بالقرار الصائب الذي عليهما اتخاذه للخروج من هذا المأذق وحل هذه المعضلة..
ظلا على حالهما لفترة قبل أن تهمس سمية في تردد: فاكرة يا سهام لما جلت لك إني بدعي ربنا يبعد عن جلبي اللي ميكنش نصيبي، ويبعت لي الإشارة..

هزت سهام رأسها تؤكد على تذكرها لتستطرد سمية هاتفة: الظاهر إن دي الإشارة يا سهام، دي إشارات مش إشارة واحدة، طلب مؤمن ليدك، وفنفس الجاعدة طلب سمير ليدي..
همست سهام مستفسرة: أنتِ جصدك إيه!؟ أنا مش فاهمة..
أكدت سمية: أنا هجبل بسمير، سمير بن حلال وطيب، وشاريني، و..
هتفت سهام ودموعها منسابة في قهر: وبيحبك..
تطلعت لها سمية في صدمة، وساد الصمت بينهما لبرهة قبل أن تنطق متسائلة في تعجب: سمير بيحبني أنا!.

هزت سهام رأسها إيجابا وهتفت قائلة: أيوه بيحبك، وجال لبابا لو مكنش مؤمن اتجدم لي هو كان هيتجدم لك، بس بعد ما تخلصي السنة دي..
همست سمية من جديد في عدم تصديق: سمير بيحبني أنا!
همست سهام: الجلب وما يريد..
همست سمية بدورها: صدجتي، الجلب وما يريد..
واستطردت مؤكدة: أنا هجبل يا سهام..

عشان خاطرك أنتِ مؤمن، لأن مؤمن بيحبك بچد، أول مرة أشوفه فرحان جوي كده، كانت دايما رزانته سبجاه، ربنا يهنيكم يا رب، وهجبل عشان ع الأجل لو مخدتش اللي بحبه، يبجى أخد اللي بيحبني، وربنا يجدرني وأسعده..
ضمتها سهام مؤمنة خلفها في تضرع: يا رب..

ولم تكن تدرك كلتاهما، أن من يتضرعا من أجل الرغبة في إسعاده جالسا بالقرب من أحد جوانب المصلى، وقد وعى لهما وهما في سبيلهما للداخل فتتبعهما مشتاقا لرؤية سمية ولديه الرغبة في التعرف على ردها على طلبه، ليجلس ها هنا ويستمع لكل تلك الأسرار التي ما كان عليه أن يعرفها، فماذا هو بفاعل!؟.

اندفع ينهض مبتعدا، لا يرى موضعا لقدمه من أثر الدمع المتحجر بمقلتيه، يستشعر أنه بين شقي رحا، غير قادر على التقهقر وعاجز كل العجز عن التقدم نحو الهدف الذي تمناه طويلا، نيل قلبها، الذي اكتشف أن رجل سواه قد سبقه إليه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة