قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

انفض الجمع وكل ذهب لحال سبيله بعد رحيل محمد. ووداع عاصم.
لكن صرخات الخفير المذعورة التي شقت قلب الليل وأرقت سكونه قد نبهت الجميع ليندفع كل من موضع رقاده والخفير يصرخ هاتفا: يا ماچد بيه. يا مهران بيه.
اندفع ماجد من حجرته بالطابق السفلي و الأقرب للباب حتى إذا ما طالعه الخفير هتف وهو يلتقط أنفاسه في تتابع: إلحج يا بيه. الداكتور محمد عريس الست زهرة عمل حادثة جرب النچع. عربيته وجعت فالرياح.

شهق ماجد مندفعا للخارج ليستطرد الخفير يستوقفه وقد ظهرت زهرة وفريدة وبدور ونوارة وسجود مندفعات من غرفهن مؤكدا: وعاصم بيه. نزل يلحجه والعربية غرجت بيهم هو ومحمد بيه.
ارتفعت الصرخات من هنا وهناك. ومهران وماجد يندفعا للخارج بينما اندفعت الفتيات في اتجاه زهرة التي صرخت صرخة تحمل وجع العالم لتسقط مغشيا عليها و قد همست شفتيها بأحرف قليلة تحمل قهر من عمق الروح التي صرخت مرددة بصدرها حروف اسمه.
ع. ا. ص. م..

دخلت سميحة إلى غرفة رائف الخاصة الملحقة بمكتبها تتبع صوت عزفه الشجي وما أن أصبحت بالقرب منه حتى بدأت في التصفيق بقوة هاتفة: إيه الجمال ده يا رائف! عزفك اتحسن خاالص. أنت كده هتخليني أتغر بقى.
ابتسم رائف متطلعا إليها ومد كفه يلتقط كفيها هاتفا وهو يقبلهما: البركة فيكِ. أنتِ مدرسة شاطرة.

ابتسمت سميحة رابتة على كتفه في محبة. لكن انقلبت سحنتها فجأة متنهدة ما جعله يسألها في قلق: إيه في!؟ في حاچة مضيجاكي. صح!
أكدت بايماءة من رأسها هاتفة: قلقانة على الدكتورة نوارة. بقالها يومين مجتش. مش من عادتها تغيب من غير ما تقول. ولا حتى اعتذرت عن الغياب. أكيد في حاجة يا رائف. ده مش طبعها. دي بنت ممتازة وملتزمة. بجد أنا قلقانة عليها.

اضطرب رائف قليلا. وتساءل داخليا. هل فعلتها وابتعدت بسبب غضبه وثورته التي لم تكن بالحسبان!؟
هتف بنبرة ثابتة: طب ما تحاولي تكلميها وتشوفي إيه اللي حصل!؟
كان عليه أن يقترح ذاك الاقتراح ليبدو الأمر طبيعيا رغم عدم رغبته في معرفة أمه أنه المتسبب في هذه الفوضى برعونة لم تكن يوما من صفاته.

ردت سميحة مؤكدة: رنيت على تليفونها كتير جدا. التليفون يا إما خارج التغطية. يا إما يرن لحد ما يفصل ومحدش يرد. من أربع أيام تقريبا كان كتب كتاب بنت عمها. هي قالت لي هتاخد اليوم ده اجازة. ورغم كده جت. ومشيت حتى من غير ما تقولي.
تنحنح رائف مؤكدا: هي جالت لي أبلغك إنها ماشية بس أنا اللي نسيت الصراحة.
أكدت سميحة: طب تمام. وبعد كده. هي فين!؟

هتف رائف متعجبا من اهتمام أمه بهذه الفتاة: أول مرة اشوفك مهتمة بحد كده! ما تيچي ولا تروح. ليه شاغلة نفسك عليها كده!؟

تنهدت سميحة: مش عارفة يا رائف. بس البنت دي كل أما أبص لها افتكر نفسي وأنا فسنها. كأني باصة لنفسي في مراية. هي متحفظة قوي فكلامها. تقريبا أول مرة تقولي حاجة شخصية عنها لما قالت لي موضوع كتب كتاب قريبتها ده. لكن كل كلامنا على الشغل. شاطرة وعندها حماس مش طبيعي وعايزة تتعلم. جد قوي ومش بتحب الحال المايل.
هتف رائف بتهور: لكن دماغها ناشفة و.

هم بقول. ولسانها مبرد. لكنه توقف عندما طالع نظرة التعجب المطلة من عيني أمه فهتف مصححا: أجصد باين عليها.
ابتسمت أمه هاتفة: صح فعلا. دماغها ناشفة وعنيدة. بس فالحق.
تطلعت لهاتفها تضغط على أزراره محاولة الاتصال من جديد لعل وعسى تجيب نوارة لكن كانت الإجابة نفسها. لا إجابة.

ربتت على كتف رائف وغادرت الغرفة تاركة له القلق صاحبا. ما دفعه ليغلق عينيه واضعا أصابعه لتعانق أصابع البيانو وبدأ العزف لتقفز صورتها إلى مخيلته فجأة وهي تتشبث به كقطة مذعورة من العتمة باحثة عن الأمان بأحضانه.
اندفع الجميع لداخل استقبال المشفى هرولة، حتى إذا ما رأوا أحدهم يجلس خلف ذاك الحاجز الرخامي إلا وهتف به ماجد: لو سمحت. اللي جم فالحادثة اللي جت من نص ساعة. أخبارهم إيه!؟

تطلع الرجل لسجلاته هاتفا: اي واحد فيهم!؟ أصأصچه فالحادثة دي اتنين.
واحد حالته صعبة وفالعمليات والتاني تحت الملاحظة وعنده كسر بالدراع وشوية چروح. ومعندناش أي بيانات عنهم لسه.
هتف سمير الذي كان موجودا لحظة تلقي الخبر بسراي الهواري ولم يكن غادر بعد ولحق بخاليه مهران وماجد بالممرض في عجالة: طب إحنا عايزين نشوفوا اللي تحت الملاحظة ده يكون مين!؟

أشار الممرض لردهة ما ورقم غرفة اندفعوا جميعهم نحوها في لهفة حتى إذا ما وصلوها وانفرج بابها هتفوا في ذعر. مندفعين نحو ذاك الذي كان ممددا على الفراش غائبا عن الوعي والذي لم يكن سوى عاصم.
صرخ مهران في صدمة مذعورا على ولده: عاصم. رد على أبوك يا عاصم.

بدأ عاصم فالهذيان والهمهمة. ما دفع سمير الذي استنبط ما كان يهذي به عاصم جاذبا خاله مهران مبعده عن جسد عاصم مؤكدا عليه الثبات: إهدى يا خالي. الحمد لله إنه بخير.
مرت إحدى الممرضات بالحجرة التي نسوا إغلاق بابها في غمرة اضطرابهم لتهتف بهم: مينفعش كده يا چماعة. راحة المريض واچبة. هو نايم ومش حاسس بيكم. ده واخد أدوية ومسكنات تنيم چمل. سيبوه يرتاح لو سمحتوا.

هز مهران رأسه موافقا. وسألها في اضطراب أب يرتجف قلبه خوفا على بكريه: طب جوليلي. هيبجى كويس!؟
أكدت الممرضة: بإذن الله. متجلجش. كلها كام ساعة ويفوج ويبجى تمام.
هز رأسه من جديد ليهتف سمير بخاليه أن يخرجا وسيبقى هو بصحبته. فقد بدأت أحرفه التي كانت مهزوزة في الوضوح.

تنفس سمير الصعداء عندما خرج مهران وماجد من الغرفة للاطمئنان على محمد. اقترب سمير من محيا عاصم الشاحب على فراشه متطلعا إليه في اشفاق هامسا له وهو ما يزل على هذيانه باسمها الذي خاف سمير أن يدركه خاليه: رميت نفسك عشان تنچي چوزها يا عاصم!؟ وااه على جلبك يا واد خالي.
تنهد بأعين دامعة وعاصم ما يزل يردد اسمها بأحرف متقطعة.

بينما عاد مهران وماجد للاستقبال من جديد في انتظار وصول أهل محمد وقد ايقنوا أن من بالعمليات اللحظة هو زوج زهرة. الذي أخبره الممرض أن حالته صعبة. و لا أحد قادر على إنقاذه إلا معجزة من الله.
ظل يتقلب على فراشه لا يعرف ما دهاه. كلمات سماحة ووصيته له جعلته يدرك أن وراء ذاك الشاب مصيبة أو أنه على وشك ارتكاب جريمة لا محالة.

لذا لم يستطع أن يغمض له جفن ونهض متسللا للأسفل. سائرا في اتجاه الحديقة الخلفية حيث حجرة سماحة وإخوته.
لم يكن من اللائق الاقتراب بشكل كبير محافظة على خصوصيتهن. لكنه ظل على أطراف الحديقة يتطلع نحو الحجرة. يمني نفسه أن حدسه قد يكون كاذب وأن سماحة أعقل من أن يورط نفسه في أمر ما. تاركا أمه وإخوته البنات خلفه دون عائل.

لكن صوت ما هتف داخل يونس أنه لهذا اوصاه بهن. حتى يضمن لهن عائل بعد القيام بفعلته. ما جعله يتطلع من جديد نحو الحجرة. انتفض عندما استشعر حركة هناك. وانتظر. فلربما تكون الخالة سعيدة أو إحدى الفتيات نهضت لأمر ما. لكن ذاك هو ظل سماحة والذي خرج من الحجرة ملثما وحاملا بندقيته ما جعله يوقن أن حدسه كان صادقا بشكل كبير. وأن سماحة ينوي القيام بمصيبة ما.

تسلل خلفه في هوادة حتى إذا ما صار سماحة على أعتاب باب الدار حتى ظهر يونس كأنما نبت من تحت أقدامه هاتفا به وهو يضع كفيه على السلاح: أنت رايح فين يا واد!؟
تشبث سماحة بالسلاح هاتفا: سيب السلاح يا يونس بيه. وخلي بالك من إخواتي وأمي.
هتف به يونس بصوت منخفض حتى لا يدرك أحد صراعهما الدائر على جانب البوابة: إخواتك وأمك محتاچينك أنت مش أني. محدش هايجدر يعوضهم عن وچودك. إعجل وسيب السلاح.

تشبث سماحة بقوة أكبر بسلاحه مؤكدا: اللي بتجوله ده يا بيه هو اللي اخرني لسنين. لكن دلوجت أنت موچود بعد ربنا. اامنك عليهم وأني عارف إنك هتراعي ربنا فيهم.

أرتفع حنق يونس للذروة وما عاد قادرا على التحدث بصوت العقل ومحاولات الإقناع. ما دفعه ليجذب السلاح بقوة من كفي سماحة نحوه. لكن تشبث سماحة بالبندقية كان مستميتا ما جعل سماحة وسلاحه يندفع مرتطما بصدر يونس ملتصقا به. كان كلاهما متشبث بالسلاح في قوة. وبهذا القرب الصارخ. يتطلع أحدهما لعيني خصمه في تحدي. نظرات يونس تقاتل في صراع مع نظرات سماحة التي تطل من خلف قناع لثامه الذي يخفي كل معالم وجهه ما عدا عينيه عميقتي النظرة. والتي لانت نظراتهما رويدا رويدا. لتنقلب بلا أي مقدمات لنظرات كاشفة عن خبايا النفوس.

ظل يونس محدقا بعمق عيني سماحة لتضطرب دواخله في فوضى عجيبة لم تحدث له من قبل. كانت عيون أمرة وقاسية النظرة تحولت في لحظة لعيون تغمرها موجات من حنين وحنان لا قبل لمخلوق عن الخوض بخضمهما.

جذب يونس نفسه من ذاك الاضطراب العجيب لكنه لم يترك البندقية كذلك. والعجيب أن من ابتعد متقهقرا للخلف خطوة تاركا بينهما مسافة وتخلى كفيه عن السلاح كان سماحة. الذي تطلع حوله في اضطراب مماثل لاضطراب يونس مندفعا في اتجاه حجرة الجنينة. غائبا فيها. تاركا يونس يحمل البندقية متطلعا حوله في ارتباك لا يعلم ما الذي يحدث.

تسللت كعادتها لإسطبل عنتر باحثة عن رسالة من مروان. والتي لم ينقطع عن إرسالها منذ آخر لقاء بينهما. عندما أعطاها سلسالها الغالي. كانت رسائله تلك هي سلواها في ذاك المعتقل الذي فرضته عليها جدتها. لا تعلم ما الذي دفعها لاتخاذ قرار مجيئها وذهابها للجامعة بديلا عن السكن الخاص الذي كانت تظل به في كل عام دراسي. كان هذا الأمر مصدر ضيق بالنسبة لها لكن. رب ضارة نافعة. فلولا هذا الأمر ما أصبحت قادرة على مصاحبة مروان جيئة وذهابا على طول الطريق من الجامعة إلى هنا والعكس.

على الرغم من أن كل منهما بسيارته الخاصة ولا يتفاعلا كزميلي دراسة إلا إن ذلك كان يكفيها وزيادة ليضفي بعض من سعادة على قتامة الأيام التي كانت تمضيها هنا وحيدة مع جدتها.
مدت كفها لسرج عنتر عندما وصلت لعنده وتناولت الرسالة ودستها بين طيات ثيابها في سرعة. عائدة إلى غرفتها قبل أن يفرغ منتصر من حديثه الخاص مع جدته. والذي طلب فيه الانفراد بها داخل حجرة المكتب.

عادت أية أدراجها وما أن دخلت الدار حتى تناهى لمسامعها صوت منتصر وجدته وقد أصبح أكثر علوا من المعتاد.

ماذا يجري!؟ لم يكن من عاداتها الفضول تجاه أمر ما لا يخصها. لكن ما استوقفها وجعلها ترهف السمع للحديث الدائر هو اسم الهوارية الذي جاء جليا في الحديث الدائر. اسم مروان هو. مروان سيد الهواري. علمت بالاسم كاملا من المحاضرة التي كان دكتور المادة يحصى عدد الطلاب الحاضرين. إذا فهو واحد من هذه العائلة التي يدور حولها الحوار المشتعل بالداخل. لقد حاولت كثيرا استدراج خفيرهم لتعلم أي معلومات عن أصحاب تلك الدار التي يتسلل إليها عنتر لكنها لم تفلح في ذلك. فقد كان جواب الخفير دائما معرفهمش. اسألي الحاچة وهي تجولك.

اقتربت أكثر لتستوضح الحديث الدائر فقد زاد فضولها بشكل كبير لتعرف عن أي شئ يتمحور هذا الصراع الدائر بين جدتهما ومنتصر الذي هتف اللحظة: يعني أنتِ هاتصغريني جدام الرچالة يا ستي!؟ أنا روحت لحد عندهم وطلبت بتهم. وكل اللي طلبوه هو الأصول. يعني رچالة العيلة ياچوا معايا. إيه فيها دي!؟

هتفت وجيدة في صرامة: فيها إنك رحت لحالك من غير ما تشورني من الأساس. فيها إنك لو كنت جلتلي من جبل سابج كان هايبجى فيها كلام تاني.
أكد منتصر مستعطفا: اعتبريني مرحتش من أساسه. وهم أصلا معملوش لمجيتي لزوم. وأديني بعرفك أهو. أنا عايز اتجدم لبتهم. تعالوا معايا. هااا.
تنهدت وجيدة هاتفة: مبجاش ينفع يا غالي. وبعدين أنت ناسي إنك خاطب. ولا إيه!؟

هتف منتصر في ضيق: خاطب مين يا ستي. حضرتك اللي أمرتي وجلتي. يا منتصر أنت مليكش إلا بت عمتك أية. وهي ملهاش غيرك. لا سألتيني ولا حتى خدتي رأيها. والكلام ده كان من سنين وكنا صغيرين. لكن دلوجت الوضع اختلف. أنا عايز أخطب اللي اختارها جلبي وهي أكيد هيجيلها بن الحلال اللي.
هتفت وجيدة صارخة في صرامة: منتصر. أنت واعي لحديتك! أية ملهاش غيرك ولا حد هيبجالها غيرك. اشحال إنك واعي لحالها وعارف اللي فيها.

صرخ منتصر في قهر: ليه يا ستي! ليه بتعملي فيا كده!؟ ليه بتحمليني حمل أنا مش كده. وبتدفعيني تمن غلطة أنا مرتكبتهاش. ليه!؟

وتحشرج صوته مستطردا: منتصر طول عمره طوعك. تعالى يا منتصر يچي. روح يا منتصر يروح. انچح يا منتصر ينچح. أدخل كلية الشرطة وسيبك من الهندسة اللي كانت حلمك. عشان يبجالنا ضهر وسند في الحكومة. حاضر. ويبجى منتصر ظابط تتباهى بيه الحاچة وچيدة. لكن منتصر عايز إيه! يولع منتصر واللي عايزه منتصر. حتى جلب منتصر وحياته. لازم تمشي على كيف ومزاچ سته وچيدة.

ساد الصمت لبرهة لعل وعسى يلين قلب تلك التي تقف تبصره يتمزق أمامها ولا تحرك ساكنا. لكنه قطعه عندما لم يجد منها رد فعل يريحه. هاتفا بصوت ثابت النبرة قاطع: لحد هنا وكفاية يا ستي. منتصر استكفى. وحتى لو متچوزتش اللي رايدها جلبي. منتصر عمره ما هينفذ لك اللي أنتِ عوزاه تاني. عن إذنك.

وضع كفه على مقبض الباب يهم بالخروج لكنه توقف لحظة هاتفا بسخرية: بالمناسبة صحيح. لِك عندي سلامات مبعوتة من عاصم الهواري. بيجولك. الأيام بتدور. إيه اللي كان بينكم بالظبط! أنا مش عايز أعرف! بس بجولهالك تاني يا ستي. حرام عليكِ. مدفعيناش تمن ذنوب إحنا معملنهاش.
واندفع منتصر لخارج الحجرة بل الدار بأكملها ومنه لعنتر الذي اعتلى صهوته تاركا إياه يسابق الريح لعل ذاك يخفف من تلك النيران المضرمة بين جوانحه.

أما أية فقد تدارت حول أحد الأعمدة عندما غادر منتصر الغرفة وما أن تأكدت أنه اتجه نحو الإسطبلات حتى اندفعت تعتلي الدرج حتى غرفتها. والتي اغلقت عليها بابها لا تصدق كل ما سمعت بالأسفل.
لقد تحررت من ذاك القيد الذي كانت جدتها تربط به قلبها. حررها منتصر باعترافه أنه يحب فتاة أخرى ويرغب في الزواج بها.

تنهدت في راحة وقد استشعرت أنها تلتقط أنفاسها في حرية للمرة الأولى منذ وطأت قدماها هذه الدار بعد الحادثة التي أودت بحياة والديها معا.
سارت حتى وقفت أمام المرآة الطولية بخزينة الملابس تتطلع لوجهها الرقيق وقسماته الدقيقة الطفولية. كانت جميلة هي تعلم. لكن.
تنهدت عند لكن تلك. ولم تشأ أن تفتح ذاك الصندوق الأسود الذي يدخلها في دوامة من الأوجاع لا نهاية لها.

مدت كفها لرسالة مروان التي لم تفضها بعد. وفتحتها لتقرأ كلماته.
عايز مساعدة ضروري. يا زميلة. نمرة تليفوني، خط لها نمرة هاتفه مستطردا ابعتيلي بقى كل حاجة خدتوها ع الواتس. لو عايزاني ألحق ألم حاجة فالترم ده. وحسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة. مروان.

ابتسمت وهي تتطلع لكلماته وترددت كعادتها في تنفيذ مطلبه. والآن أصبح التردد مضاعفا بعد كل ما سمعته من منتصر. لذا طوت الرسالة وقذفت بها في أعماق أحد الأدراج. محاولة تناسيها.
دقات على هاتفها جعلها تتنبه لحقيبتها التي كانت تهملها بأحد الأركان داخل مكتبها الذي يضج بالكثير من أوراق العمل.
فتحت الحقيبة وتناولت جوالها الذي أضاءت شاشته باسم بدور.
ردت في عجالة: إزيك يا بدور. ف.

أجابها على الجانب الأخر صوت بكاء مكتوم ما دفعها لتهتف في ذعر: حد حصل له حاجة يا بدور!؟ محمد عريس زهرة وعاصم كويسين!؟
أكدت بدور من بين شهقات بكائها: لحد دلوقت مفيش أخبار عن محمد تطمن. عاصم كويس لحد ما. لكن محمد اللي حالته صعبة. ربنا ينجيه. تلاقي زهرة هتموت من خوفها عليه.
وزادت وتيرة نحيبها الموجع ما دفع فريدة لتتنهد هامسة في تساؤل: والعياط ده كله عشان محمد وعاصم!

هتفت بدور في وجع: مش بيرد عليا يا فريدة. مش عارفة فيه إيه!؟
لم يكن من الصعب على فريدة توقع من كانت تقصده بكلامها. بالتأكيد منتصر الذي اختفي تماما بعد زيارته للسراي ومقابلته لخالها حازم وجدها عاصم.
تنهدت فريدة مفسرة: بعد اللي خالي حازم قاله يا بدور. كله ده كان متوقع. العيلتين في بينهم مشاكل من زمان. وطلبات جدي وخالي هي عين الأصول. ومكنش عندهم مانع في الموافقة لأن منتصر فعلا حد كويس. بس.

صمتت فريدة لتتساءل بدور في شجن: بس إيه يا فريدة! إحنا مالنا باللي كان زمان. واللي حصل زمان.
أكدت فريدة: مفيش حاجة اسمها إحنا مالنا يا بدور. منتصر مش هيتجوزك وعيلته مش راضية عن الجوازة. وواضح أن ده اللي واضح. بصراحة أنا عذراه.
هتفت بدور في حنق: عذراه!؟ ليه! المفروض هو راجل وأمره بأيده.

أكدت فريدة في هدوء: المواضيع دي لها قواعد وأصول يا فريدة. بالذات عندنا فالصعيد. مفيش حاجة اسمها راجل يجي يتقدم لواحدة بطوله وهيتقبل. زي ما قال جدي عاصم. فين كبيره اللي ممكن يترجع له بعد كده! وإزاي أصلا أنتِ نفسك يبقى عادي عندك تتجوزي واحد عيلته مش شيفاكِ تستاهليه. ولا تستاهلي تبقي منهم من أساسه!؟
تنهدت بدور وكأن هذا الأمر كان غائبا عنها ما جعلها تهتف في حسرة: عندك حق. بس كده يعني خلاص!

وشهقت من جديد باكية ما جعل فريدة تهتف مطمئنة: مفيش حاجة خلصت يا بدور. أنا متأكدة إن منتصر هيحاول على أد ما يقدر يقنع عيلته. وربنا هيجمعكم على خير.
هتفت بدور في وجع: وإذا مقدرش يقنعهم!

همت فريدة بالإجابة إلا أن صوت رنين مصاحب على هاتفها جعلها تتأكد أن والدها يؤكد عليها الإسراع فقد حان وقت لقاء العمل الذي دعيت له من قبل أحد شركاء والدها. وعليها الرحيل حالا اذا ما أرادت أن تصل بموعدها. ما دفعها لتهتف لبدور معتذرة: بصي يا بدور. عمك حمزة قاعد يرن عليا بيستعجلني لأن فيه ميتنج مهم لازم أحضره. هكلمك تاني بالليل. ماشي.
أكدت بدور هاتفة: ماشي يا فريدة. هستناكِ ترني عليا. سلام.

أغلقت فريدة الهاتف وأسرعت في اتجاه المصعد ومنه لسيارتها ولم تكن تدرك أن هناك إحدى السيارات تراقبها متتبعة لها كظلها.
كانت تتدارى متعللة بإصابتها بالصداع مغلقة عليها غرفتها حتى تبكي في حرقة. ذلك الذي جاءها الخبر المشؤوم عن إصابته في محاولته لإنقاذ زوج زهرة.
كان بكاء مرير. تتمنى لو كان بمقدورها زيارته والاطمئنان عليه بنفسها لا كلمات قد تهدئ من روعها وصدمتها منذ سمعت الخبر إلا رؤيته رؤى العين.

لكن كيف لها ذلك!؟
طرقات على باب غرفتها جعلتها تنتفض تمسح دموعها في سرعة محاولة التظاهر بأنها على ما يرام.
دخلت سهام عليها وما أن أبصرت وجهها الذي ما كان من الممكن أن لا يدرك من يراه أنها كانت تبكي.
تنهدت سهام وقد جاءت لتجلس جوارها هامسة: شكلك عرفتي باللي چرى!
هزت سمية رأسها مؤكدة محاولة تمالك نفسها حتى لا تنفجر باكية من جديد.
همست سهام متسائلة: وهتعملي إيه!؟

هزت سمية كتفيها بعجز هاتفة بصوت متحشرج: هعمل إيه يعني!؟ اديني بستنى اسمع خبر من هنا ولا من هنا. عشان اطمن عليه.
هتفت سهام: سمير معاه على طول. بيبلغني أخباره. على فكرة هايبجى كويس متجلجيش. الدكاترة جالوا كده. هو بس دراعه انكسر وفيه شوية چروح. لكن اللي ربنا يسلمه بچد هو چوز زهرة. بيجولوا حالته صعبة. ربنا ينچيه.
همست سمية: يا رب. حرام والله. ده لسه عريس چديد ومتهنوش هو وزهرة.

تنهدت سهام هاتفة: هنجول إيه!؟ ربنا يستر.
ربتت سهام على كتف سمية مواسية وهمست بها: عارفة إنه مش وجته يا سمية. بس بجولهالك نصيحة لوچه الله. خرچي عاصم من بالك. واضح إنك مش فباله. ده كان مسافر ومفكرش حتى يجولك أو حتى يلمح لك إنه عايزك. وعرف من جبلها إن كان متجدم لك عريس ومفكرش لما رفضتيه إنه يتجدم هو. عاصم مش فباله الچواز. ولا أنتِ في دماغه من أساسه. فكري فحالك يا سمية. حرام عليكِ نفسك.

شهقت سمية باكية لتضمها سهام بين ذراعيها مواسية مستطردة: متزعليش مني. بس أنتِ مش شايفة حالك عامل كيف!؟
هتفت سمية من بين دموعها: على طول بدعي ربنا يا سهام. لو مش نصيبي يبعده عن جلبي. ويديني إشارة. بس الظاهر لسه ربنا مأردش.
ربتت سهام على كتفها من جديد هاتفة: ربنا يحضر لك الخير.
همست سمية: يا رب.

هتفت سهام مبتعدة: أنا لازما أمشي بجى عشان سايبة الأكل على النار وستي سهام زمانها خاربة الدنيا عليا. أروح بدل ما تعلجني.
ابتسمت سمية تاركة إياها ترحل في عجالة مغادرة. اندفعت تهبط الدرج مهرولة وهي تعبث بعقد اللؤلؤ الذي كان يزين جيدها.

لكن قدمها خانتها على إحدى الدرجات لتترنح قليلا قبل تعلقها بسياج الدرج غير مدركة أنها تجذب العقد بقوة أثناء محاولتها التشبث متفادية سقوطها والذي جاء في نفس اللحظة التي دخل منها لباب الدار الرئيسي بعد انتهائه من أداء صلاة الظهر.
لا يعلم ما الذي أتى به مبكرا اليوم على غير عادته. ليرى ذاك السقوط الجزئي.
اندفع بلا وعي تجاهها في محاولة لإنقاذها من انحدار جسدها على كامل الدرجات الخمس المتبقية.

لكنها لحسن الحظ استطاعت التشبث جيدا بسياج الدرج لكن عقدها انفرط محدثا طقطقات متناغمة على الدرج لانفلات حباته. والتي انتثرت هنا وهناك.
سألها في هوادة: أنتِ كويسة!؟
رفعت ناظريها نحوه تحاول الاعتدال قدر استطاعتها وذاك الألم يعصف بكاحلها هامسة بأعين دامعة: الحمد لله.
همس الشيخ مؤمن وقد ارتبك مبتعدا يستدير معطيا لها ظهره حتى يتسنى لها النهوض في راحة: الحمد لله. ربنا سلم.

حاولت النهوض لكن ألم قدمها عاندها فأطلقت آهة متألمة جعلته ينتفض موضعه متسائلا وهو ما يزال موليا ظهره غير قادر على الالتفات إليها: إيه في!؟
أكدت بنبرة باكية: رچلي.

اندفع معتليا الدرج هاتفا بسمية وأمه. هرولتا في قلق وما أن ابصرتا سهام حتى أندفعتا تساعداها على النهوض حتى الداخل. والاتصال بأمها لترسل سمير لاصطحابها. وبينما ظل هو بالخارج في انتظار سمير. وقع ناظره على بعض اللؤلؤات المتناثرة. فانحنى يلتقطهن واحدة تلو الأخرى حتى وصلت عربة معتقدا أن سمير من يقودها وكان بكفه حفنة من اللؤلؤ. فوجد نفسه يدفع بهم لجيب جلبابه.

جاء باسل أبيها لاصطحابها بديلا عن سمير الذي كان يرافق عاصم بالمشفى. وما أن رحلا حتى عاود مؤمن اخراج اللآلئ من جيبه متطلعا إليهن في سعادة. وعاد للدرج باحثا عن المزيد حتى استطاع جمع كمية أخرى. تطلع إليهن في أحضان كفه مبتسما. متذكرا قول رب العزة في محكم آياته واصفا الحور العين وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
اتسعت ابتسامته هامسا: سبحان من هذا كلامه.

كانت قد غادرت بيت أبيها اللحظة ولمح هو طيفها يمر به وهو منكب على مقدمة إحدى العربات غارقا فيها. مد كفه باحثا عن إحدى الأدوات لكنه لم يجدها. اندفع باحثا خارج الورشة لتقع عيناه عليها وهي في طريقها ربما للسوق. فهو لا يرى بيدها حقيبة يدها أو كشكول محاضراتها.
لكن ما استرعى انتباهه هو تلك الضفيرة الكستنائية التي تتدلى على ظهرها تطل من تحت غطاء رأسها مترنحة في هيام على خصرها.

ازدرد ريقه لا يعلم ما دهاه واندفع خلفها يستوقفها: آنسة نعمة. يا آنسة.
لم يمهلها لتتوقف مستديرة لترد عليه بل إنه اندفع ليقف بطريقها ما جعلها تتقهقر للخلف خطوة متعجبة من أفعاله التي لم تكن من طبعه في الأسابيع الماضية التي خبرته فيها.
هتف بها وهو يخفض الطرف عنها هاتفا: إرچعي البيت دلوجت.
هتفت به في اندهاش: ليه!؟
واستطردت: هو حد ناداني وأنا مسمعتش ولا إيه!؟ طب كانوا كلمو.

قاطعها مؤكدا: محدش نادمك ولا حاچة. بس أصلك شعرك باين كله من الحچاب. إرچعي و.
شهقت مقاطعة إياه وهي تضع كفها على مؤخرة رأسها ليتأكد لها أن ضفيرتها التي ضمتها جيدا تحت غطاء رأسها قد فكت عقالها وهربت من أسره.
اضطربت وهي تحاول التصرف هاتفة: طب هدخل عند ورشة حُسن. اظبط الطرحة.
أكد في حزم: ورشة حُسن كلها رچالة. إرچعي على البيت أحسن. وأنا وراكِ. متجلجيش.

سارت تضم جديلتها المنفلتة تحت حجابها وهو سائر خلفها على بعد خطوات قليلة حتى إذا ما وصلت لمدخل بيتها أندفعت للداخل وتوجه هو للورشة محاولا استئناف عمله في القطعة التي كان يعمل عليها سابقا. لكن تلك الجديلة الكستنائية المترنحة كالسكير على ذاك الخصر الدقيق تمثلت أمام ناظريه اللحظة ما جعله يزفر في ضيق متسائلا. ما لك وضفيرتها!؟ ما لك والنساء من الأساس!

فقد خبر أن لا خير يأتي من قبلهن. وعليه أن يكون حريصا بما يكفي وزيادة. فلا قبل له على مجابهتهن.
رفرفت أهدابه في بطء لا يدرك أين يكون. كل ما يحيطه يتشح بالبياض. بدأ في استعادة وعيه ببطء حتى تنبه كليا أنه بالمشفى. إذن فقد نجا.
وماذا عن زوجها!؟ حرك وجهه في تثاقل يمنة ويسارا ليطالعه سمير الذي كان يجلس على أحد المقاعد وقد مال رأسه مؤكدا أنه غارق في سبات عميق.

حاول النهوض فشعر بالدوار يكتنف رأسه وثقل ما استشعره بذراعه. وبعض الآلام المتفرقة هنا وهناك بجسده.
تحامل قليلا على نفسه حتى استطاع أن يعتدل في هوادة جالسا على طرف الفراش. عليه النهوض ليرى ما الذي جرى خلال فترة رقاده. أين محمد!؟ وأين هي بعد ما سمعت الخبر!؟ هو يشعر بدنوها. يكاد يجزم أنها ها هنا راقدة. بحجرة قريبة.

نهض سائرا حتى فتح الباب وسمير ما يزل غارقا في سباته الثقيل غير مدرك لذلك الذي اتخذ الجدران سندا حتى استطاع الوصول لحجرتها. سأل على رقم الغرفة إحدى الممرضات والتي تعجبت من تواجده خارج غرفته وهو بهذه الحالة. لكنه هتف بها في إصرار أنها دقائق وسيعود للحجرة من جديد. حاولت مساعدته للوصول لغرفة زهرة وأمرها بتركه على أعتابها.

كان يعلم أنها لن تتحمل ذاك الخبر الصاعق الذي هز ثبات الجميع. وقد كان. فلم يكن باستطاعة احدهم تهدئتها أو السيطرة عليها بالسراي لذا كان لابد من نقلها للمشفى.
كانت مغيبة تماما عن عالمنا وزوجها بعد خروجه من غرفة العمليات بالعناية المركزة. راقد يرزح تحت نير الأجهزة الطبية والأنابيب المختلفة التي تمده بأسباب الحياة.
سمع صرخاتها من داخل الغرفة التي ما زال متسمرا على عتباتها يتمنى لو سمح له بالولوج إليها.

سمع أمه وأمها يعترضن على طلب ما لم يكن يعلم كنهه فأرهف السمع وهي تلح فيه وهن ما زلن على رفضهن.
طرق باب الغرفة. سمحت إحداهن بدخول الطارق. دفع الباب في هوادة ليجدهن ممسكات بها وهي في سبيلها لفتح الباب هاربة من سيطرتهما في اتجاه حجرة زوجها كما كان يظن للاطمئنان عليه.
لكن ما أن وقع ناظرها عليه حتى همست باسمه في صدمة وأعين دامعة وقد استكانت مقاومتها لهن بعد رؤيته.

انتفضت أمه ما أن طالعها محياه تاركة زهرة متوجهة نحوه: عاصم!؟ حمد الله بالسلامة يا حبيبي. إيه اللي جومك من سريرك!؟ وفين سمير!؟ ده أنا سيباه مكاني عندك وچيت أطمن على زهرة.
لم يكن يستمع لكل ما تقصه أمه على مسامعه. كل ما كان يعنيه اللحظة هي.
فقط هي. وتلبية مطالب عيونها التي كانت تحمل نفس نظرات العشق واللهفة التي رآها يوم علم أن محمد يطلبها للزواج.

هتف عاصم في صرامة: سيبوها. اللي هي عايزاه كله ننفذوه. يمكن ترتاح بعدها.
هتفت إيمان أمها باكية: هتتعب أكتر يا عاصم.
هتف مؤكدا في نبرة شجية: لااه. خليها تطمن هترتاح أحسن. ده حجها.
مدت أمه كفها له تحاول إسناده عندما استشعرت عدم اتزانه لكنه هتف بها مطمئنا: متجلجيش. أنا بخير. روحي ساعديها وتعالوا ورايا.

تطلعت له أمه مشفقة لكنها اطاعت وعادت تمد كفها لها وكذا أمها لترتكن عليهما مترنحة. سقط ناظره عليها من جديد فرأى شحوبها. فترنح قلبه متوجعا وهو يسبقهن مترنحا بدوره والدوار يزداد ضراوة برأسه. إلى حيث يرقد زوجها بالعناية الفائقة.

تطلع عاصم إلى جسد محمد المسجي للحظة وابتعد بأحد الأركان تاركا المجال لها لتقف متطلعة من ذاك الجدار الزجاجي لجسد زوجها الممدد بهذا الوجه الشاحب ليسيل الدمع سخينا على خديها في صمت.

رغم كل شىء إلا أنه يتعاطف فعلا مع حالهما. يشفق عليها وهي ما تزل عروسا لم تهنأ مع من أختاره قلبها وكذا عريسها الذي لم يسعد إلا ساعات قليلة بصحبتها. ليته ينهض من سباته حتى تطمئن هي أنه بخير وليكن ما يكون بعدها. فوجود محمد أو غيره ليس هو المشكلة على الإطلاق. إنما المشكلة الحقيقية تكمن في قلبها هي. قلبها الذي لا يستشعر ولع قلبه بها وغرامها الذي ينخر به منذ زمن بعيد حتى جعله مهترئا من كثرة الأوجاع.

انتفض من خواطره على صوت رنين عالِ تنبه له الجميع وكذا أفراد عائلته التي كانت تجلس قبالة الحجرة وقد غشى بعضهم النوم إرهاقا.
اندفع الكثير من الأطباء والممرضات لداخل الحجرة وابتعد الجميع عن مجال ذهابهم وإيابهم وذاك الصوت الصادر عن أجهزته يشبه صوت صافرة الإنذار ينبئ بأمر ما لا يبشر بخير أبدا.
لحظات وخرج الأطباء من الحجرة تباعا منكسي الرؤوس في حزن. ليهتف أحدهم في أسى: البقاء لله.

تعالت الصرخات من هنا وهناك لتسقط هي من جديد بين ذراعي أمها صارخة بكلمات مبهمة: سامحني يا محمد. سامحني.
ليترنح عاصم بدوره وقد نال منه الدوار. يزلزل دواخله ويقوض دعائم روحه وجعها. ما دفع سمير الذي جاء على إثره ليلحق به مسندا إياه وصرخاتها تمزق نياط قلبه حتى صمتت غائبة عن الوعي.
وقد نُحر الأمل في نجاة زوجها من بين براثن الموت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة