قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن والثلاثون والأخير

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن والثلاثون والأخير

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن والثلاثون والأخير

وضع يده على مقبض الباب للحجرة المجاورة لحجرتها، وما أن هم بفتح الباب، حتى ترك المقبض متنهدا، وسار نحو تلك الأريكة الأقرب لحجرتها، فلم يكن باستطاعته تركها وحيدة، وما كان بمقدوره مشاركتها الحجرة، فقد كان هذا أمر فوق احتماله، لقد حلم بهذه الليلة طويلا، وما كان يتوقع أن تتحول لهذا الشكل، لكنه يلتمس لها ألف عذر، صعوبة احساسها بانتزاعها من بيت اهلها فجأة، أثر عليها كثيرا، هناك أمور يعتقد الإنسان أنه قادر على مواجهتها بسلاسة كبيرة، لكن ما أن تقع ويصبح في خضمها، يجد نفسه أضعف مما كان يتوقع، حتى أنه يتعجب من رد فعله الهشة تجاه أمر كان يحسبه هينا، وهذا ما حدث معها على ما يبدو، تنهد وهو يخلع عنه سترة بدلته، يتمدد على الأريكة، متلحفا بغطائه، حاول أن يغفو قليلا، لكن كيف له النوم وتلك التي حرمته النوم سواء قريبة أو بعيدة، تقبع ها هنا، لا يفصله عنها إلا حائط واحد، وهي حلاله، خالصة له، فأي نوم ذاك الذي قد يزور جفنه، وهو يتقلب على الجمر رغبة في قربها الذي اشتاق له حد المعاناة.

تطلع نحو ساعة الحائط بالجدار المقابل، على ضوء الردهة الذي يظهر موضع عقاربها التي كانت تنهش صبره، كوحوش ضارية بلا رحمة، زفر في حنق، دافعا الغطاء الذي ما كان به رغبة، فتلك النيران المستعرة بحشاه، كفيلة بجعله يستشعر حرارة اغسطس في عز برد يناير.

جلس مسندا جبينه المتعرق بين كفيه المتشابكين، لكنه تسمر موضعه رافعا رأسه نحو باب حجرتهما، عندما سمعه يفتح لتخرج هي في حذر نحو الحمام، بذاك القميص الأبيض الحريري، يرفرف خلفها مئزره الشيفون كما رفرف قلبه خلفها، وكأنها تختبر صبره من جديد، كما اختبرته بالداخل وهي تبكي فراق أهلها قهرا، هل تعرف كيف قاوم تلك الرغبة القاهرة لاعتصارها بين ذراعيه شفقة وشوقا، لكنه كان يعرف حدود نفسه وقدرته على التوقف المعدومة إذا ما ضمها إلى صدره، وساعتها رغما عنه، سيطالبه جسده بتلبية احتياجه منها شوقا لا شفقة، وقتها ستكون هي ضحية عدم صبره مضاف إليها وجعها على فراق الأهل، لذا ما أن جاءته مكالمة يونس منجية له، في وقتها المناسب وكأن رحمة الله نزلت بوقتها، لينتزع نفسه خارج الغرفة، حتى إذا ما دخل للمرة الثانية لانتزاع الغطاء والخروج، لم يلبث إلا هنيهة حاول أن يطمئنها خلالها وهو لا يعلم هل أفلحت كلامته في بث بعض السلوى بنفسها ام لا! فهو لم يكن يوما بماهر فالكلمات، ابتسم في سخرية اللحظة، هامسا لنفسه بخيبة أمل: ولا شكلك نافع في فعل، يا خيبتك يا راضي.

لحظات وخرجت من الحمام، تسير الهوينى نحو غرفتهما، لا تدرك أنه ما بين ذهابها وايابها أمام ناظريه في ذاك الركن الخفي المظلم، جلس هو يشتعل رغبة.

تنهد ما أن أغلقت الباب خلفها، ونهض في هوادة في اتجاه الحمام بدوره، دخل نازعا ملابسه يضع جسده أسفل الماء البارد رغم برودة الجو قليلا، لكنه لم يكترث فكل ما كان يلزمه اللحظة هو إطفاء أو حتى إخماد بعض من تلك النيران التي تستعر بشرايينه، لا يعلم كام طال وهو بالداخل فحين خرج كان اذان الفجر قد اقترب وقته، مد مصلاه أرضا، وبدأ في الصلاة، لعلها المنجية من تلك الأفكار والخواطر التي تعبث به منذ ساعات ولا قبل له على ردها، لكن في قلب الصلاة، سمع صوت تنبيه هاتفه، فانتفض منهيا صلاته، مندفعا نحو الحجرة وقد تذكر أنه نسي هاتفه هناك بعد مكالمة يونس، ولم يأخذه معه حين كان يبحث عن غطاء، حتى يلتهي بالبحث عنها.

دفع الباب في حرص، يفكر في الهرولة نحو الهاتف، رغبة في غلقه، قبل أن يوقظها صوته، ليجدها قد استيقظت بالفعل، ممسكة بالهاتف تحاول ايقاف التنبيه.
تسمر موضعه، يتطلع نحوها في اضطراب، هاتفا في أحرف ثابتة ظاهريا: معلش نسيت التليفون هنا وصحاكي!
مدت له يدها بالهاتف، ليوقف التنبيه بشكل نهائي بعد أن عاود الرنين من جديد، هامسة: ولا يهمك، أنا أصلا مكنتش نايمة، غفلت شوية من التعب، بس معرفتش أنام تاني بعد ما صحيت.

كانت عيونه بكل موضع إلا السقوط على محياها المرمري المتكئ على الوسادة خلفها، والممتد بشكل مغري على الفراش.
صدح آذان الفجر من المسجد القريب، ليرد مكبرا في إجلال وما أن هم بمغادرة الغرفة للصلاة، إلا وهتفت نعمة تستوقفه: هتصلي! استنى عشان أصلي معاك.
ابتسم مؤكدا: يا ريت، تعالي، أنا فارد المصلية بره فالصالة.

نهضت تسير من أمامه في اتجاه خزانة الملابس، مؤكدة: لا خلينا هنا فالأوضة، هات المصلية عقبال ما ألبس الاسدال.
هز رأسه في طاعة، واندفع مهرولا مبتعدا عن محياها، حتى أنه اندفع للحمام أولا يجدد وضوئه على الرغم أنه لم ينقضه، لكن رؤياها بهيئتها المغوية تلك، تنسي العابد فرضه، أخذ المصلى ودخل للحجرة فردها وكبر للصلاة وهي من ورائه.

أنهى الصلاة التي لا يعلم كيف بدأها ولا كيف ختمها، فهي خلفه تصدر ذبذبات تثير قلبه وتجعل نبضاته تتضاعف بشكل لا إرادي.
همست وهو يوليها ظهره يتظاهر بالالتهاء في التسبيح على أطراف أصابعه: راضي، أنا آسفة.
انتفض مستديرا لها بكليته، هاتفا في تعجب: آسفة ده إيه! ليه كده!
حنت رأسها في حياء، هامسة بأحرف مضطربة: عشان العياط والزعل اللي المفروض مكنش يعني، بس والله كان غصب عني، أنا مش عارفة، كنت فاكرة..

هتف مبتسما يقاطعها: كنت فاكرة إن عادي تفارقي أهلك، بس لما چه الوجت، حسيتي إن الموضوع صعب، صح!
هزت رأسها متطلعة نحوه هامسة في تعجب: ايوه صح، كنت خايفة تكون زعلان عشان..

هز رأسه نافيا، وهمس متطلعا نحوها في عشق فاضح: عمري ما ازعل منك يا نعمة، وأنا بوعدك جدام ربنا، إني هكون لك كل أهلك، وعمرك ما هتحسي بغربة أبدا، ويوم ما تجوليلي عايزة أروح لأهلي اتوحشتهم، فساعتها هتلاجي عربية مخصوص وخداكي من جدام باب الدار لهناك، ده إن مجدرتش اوصلك بنفسي، أنتِ أمانة عمي ناصر، وأني متعودتش أفرط فالأمانة، وخصوصي لو غالية كيفك يا نعمة، ده أنتِ نعمة..

أمسكت دموعها، فلا رغبة لها في زرف المزيد من الدموع، هامسة في تعجب: وبتقول ما بتعرفش تقول كلام حلو يا راضي، ده أنت غلبتني!
ابتسم مؤكدا: لاه، متطمعيش، دول بس كانوا كلمتين محشورين في زوري من أول الليل كان نفسي أجولهم.
همست في دلال متسائلة: وايه اللي منعك!
واستطردت مدعية الحزن: عياطي صح!
هز رأسه نافيا، هامسا في اضطراب، يستشعر أنه وقع في الفخ: لاه، مش عياطك، أصل، يعني، مكنتش..

نهضت نعمة وهو ما زال يتلجلج في احرفه، نافضة إسدال الصلاة عنها، لتجلس من جديد، متطلعة نحوه، تدفعه للحديث مبتسمة: مكنتش إيه!
تطلع نحوها، وما عاد يطق صبرا، فاندفع حاملا إياها، مهرولا نحو الفراش، لتشهق نعمة في صدمة: راضي!
همس وهو يطوقها بين ذراعيه، يعتصرها شوقا، مؤكدا: راضي چاوبك خلاص، مكنتش جادر أجرب، عشان لو جربت، مكنتش هجدر أبعد أبدا.

دفن وجهه بنحرها، وهو يضم خصرها بكلتا ذراعيه في تملك، لتهمس هي في دلال: أوعى تبعد يا راضي، قربك بيونس نعمة يا روح نعمة.
وكما هي العادة، كان رده عن همسها العذب ذاك، بلا كلمات منتقاه، أو غزل صريح لا يجيده، لكنها وهي بين ذراعيه علمت، أنه قادر تماما على ترجمة كل معاني العشق التي لا تصاغ بكلمات، في ضمة لأحضانه الأمنة.

أطلقت شيماء مجموعة من الزغاريد المتعاقبة وهو تحمل صينية الافطار أمام باب شقة ولدها البكر، الذي نهض في هوادة في اتجاه الباب، الذي جذب ضلفتيه، ليساعد أمه على الدخول بحملها، قبل أن يحملها عنها واضعا إياها على أقرب طاولة، لتتلقفه بين ذراعيها تربت على كتفه في سعادة بالغة وهي تهتف في محبة: الف مليون مبروك يا حبيبي، صباحية مباركة يا عريس.
ابتسم نادر هاتفا: الله يبارك فيك يا شوشو.

طفقت الدموع بعيونها هاتفة: ياما كان نفسي أزور أختك فصبحيتها واطمن عليها، بس جوزها اللي حكم إن الدخلة تبقى فبلادهم.
هتف نادر وهو يقبل رأسها ترضية لها: حقه يا أم نادر، عروسته وهو حر فيها، ادعيلهم بس ربنا يهنيهم.
هتفت شيماء متضرعة: يا رب يهنيكم كلكم، ويرزقكم الذرية الصالحة، بس هو فين عروستك، لسه مصحيتش!

همست شيماء بكلماتها الأخيرة بنبرة مازحة، تعلو ضحكاتها مجلجلة، وهي تضرب على صدر ولدها في مزاح، ما دفعه ليهمس بها في مرح: أموت فيك وانت شقي يا شوشو.
لتظهر حُسن على أعتاب الردهة هامسة في حياء: صباح الخير.
قابلتها شيماء بوصلة من الزغاريد المتعاقبة، تحية لظهور العروس، متلقفة إياها بين ذراعيها، تضمها في حنو، هاتفة في محبة: ألف مبروك يا حُسن، صباحية مباركة يا ست العرايس.
هتفت حُسن في حياء: الله يبارك فيكِ.

هتفت شيماء وهي تندفع نحو الباب راحلة: اسبكم تفطروا بالهنا، واروح اطمن على نعمة، اللي قافلة تليفونها ده.
واستطردت في حنق: تلاقيه راضي بن، هي أمه اسمها إيه، اه، راضي بن عيشة قافل التليفونات ومش مخلينا نطمن عليها.
هتف نادر مازحا: يا ويلك يا راضي، شوشو بدأت شغل الحموات، استلقى وعدك يا صعيدي.
قهقهت شيماء، وهي تغلق الباب خلفها في اتجاه الأسفل، تاركة إياه ما عروسه، التي.

تطلعت نحوه مبتسمة، ما دفعه ليتقدم نحوها هامسا في مزاح: إزيك يا واد يا حسن عامل إيه!
همست في دلال تتصنع الحنق: حسن!
ضم خصرها بكفيه هامسا: ده كان اسمك زمان، نسيتي، ولا إيه!
همست في شجن، وهي تضع كفيها مفرودتين على صدره: ايوه، كنت تقولي يا حسن وتضحك عيال الحارة عليا.
ضمها إليه أكثر، وهو يتطلع لعمق عينيها: كنت بعملها بالقصد! عشان تبكي واروح اشتريلك العسلية اللي بتحبيها، واجي أصالحك، صباحية مباركة يا حسن.

قبل جبينها في عشق، فأحنت رأسها حياء، تتذكر ما كان يفعل، لا تصدق أنه كان يفعلها عامدا من أجل مشاكستها، واسندت جبينها على صدره، لا تصدق أنه كان يحبها منذ ذاك الزمن البعيد تاركا إياها تتعذب بهواه، معتقدة أنه لا يدرك مقدار عشقه الذي كان يشقيها.
قبل هامتها، هامسا في مزاح: العريس جعان على فكرة، مش هناكل ولا إيه!

تقدمت معه نحو المائدة، وتطلعا للصينية العامرة، وما أن همت بالجلوس إلا وجذبها لتسقط جالسة على حجره، هامسا في مزاح: مكانك هنا يا حُسن.
ابتسمت مؤكدة: الحمد لله، رجعت حُسن مش حسن.
ومدت كفها تطعمه في سعادة، ليهتف وفمه به بعض الطعام مشاكسا: مش عايزة تبقي حسن وأجيب لك عسلية.
استدارت قليلا، هامسة بنبرة تحمل عشق الدنيا: ابقى زي ما ابقى، مبقاش فارق يا نادر، هعوز إيه تاني وأنا ربنا رزقني محبتك!

نهض فجأة حاملا إياها بين ذراعيه، هامسا في عشق: بحبك يا ست الحسن والدلال. تعلقت في طمأنينة بعنقه، داسة جبينها ما كتفه وعنقه، رغبة في أمان، أدركت أين يكون ملاذ جبينها، حين تبحث عنه.

اندفعت سندس نحو هاتفها الذي بدأ يرن من جديد، بعد أن توقف رنينه السابق، لتعلم أن الأمر ملح، نظرت فوجدت اسم ابنتها سهام، التي ما أن همت بالرد عليها، حتى صرخت في ابنتها على الجانب الأخر: ماما، إلحقيني ع المستشفى، أنا تعبانة قوي وشكلي بولد.
‏هتفت سندس في اضطراب: إيه! طيب حاضر، حالا اهو هنحصلك مع اخوكي وابوكي، بالسلامة يا حبيبتي، أهدي حاضر.

‏اغلقت الهاتف، وهي لا تعلم إلى أين تذهب من شدة توترها، تطلعت نحوها سهام حماتها، هاتفة في تعجب: مالك يا سندس!؟ عاملة زي اللي غرج غيطه ليه كده يا بتي!
‏هتفت سندس وهي تحاول أن تجمع نمرة باسل على الهاتف لتخبره: سهام بتولد يا عمتي، واديني بقول لأبوها عشان يلحقنا ع المستشفى.

‏بدأت في الرنين، لكن باسل ألغى الرد، لا تعرف لما، لذا بدأت في النداء على سمير، الذي هرول صارخا نحو الدرج الفاصل بين الطابقين هاتفا في اضطراب: سمية شكلها بتولد يا ماما! ألحجي بلغي أمها.
ضربت سندس بكفها على رأسها في صدمة: أهي كملت، هنلاحج على مين ولا مين!

‏قهقهت سهام الجدة هاتفة في مرح، وصرخات سمية وتوجعاتها تأتيهم من شقتها: ما يبجوش الهوارية والتهامية لو معملوش كده! أني فاكرة نفس الحكاية حصلت معايا ومع أمك، يوم ولادة اخوكي ماچد وبتي تسبيح، وكانت ليلة.
‏وعلت قهقهاتها من جديد مؤكدة: هتخدوني معاكم يا سندس، اعملي حسابك على كده.

‏عاودت سندس الدق على هاتف باسل في حنق، هاتفة لعمتها: تروحي فين بس يا عمتي! هو إحنا رايحين الچنينة، انت مش بترد ليه يا باسل!
‏هتفت سهام في عناد: لاه هروح، عشان اشيل واد سمير وواد سهام، اشيل عيال احفادي لچل ما اكيد عاصم أخويا، اجوله أني اچدع منه، شيلت عيال احفادي وهو لاه، زهرة لسه بجالها كام شهر على الولادة، يبجى سبجته.

لترتفع قهقهاتها من جديد، مع همسات سندس الخانقة: أخويا هايص وأنا لايص، ده وجته يا عمتي، جال تكيد أبويا! الرحمة من عندك يا رب.
عاودت الرن من جديد، وسمير كان قد حمل سمية ليهبط بها الدرج أخيرا، ومنه للسيارة، حتى وصل باسل أخيرا الذي بادرته سندس متعجبة: كنت فين يا باسل! العيال بتولد!؟
تطلع نحوها باسل، هاتفا في تعجب: العيال!؟ مين!؟

أشار لسيارة سمير، الذي صرخ بهما، ليركبا في عجالة، لنخبره أن سهام كذلك سبقتهم للمشفى، وطمأنته أنها تركت إحدى السيدات مع سهام بالدار حتى لا تبقى وحيدة حتى عودتهم سالمين.

تنهد مبتعدا عنها قليلا، ليتمدد جوارها لبرهة، قبل أن يعاود التطلع نحوها، مادا أصابعه مبعدا غرتها الكستنائية عن جبينها المندى بحبات العرق، مقبلا إياه في امتنان، هامسا بالقرب من مسامعها: مبروك يا عروسة.
اندفعت تخبئ وجهها بأحضانه حياء، ليبتسم في سعادة وهو يضمها إليه في فرحة لا قبل له على التعبير عنها، ابتعد عنها قليلا هامسا: ثواني وراچع لك.

نهض راضي لخارج الغرفة، غاب لحظات، ثم عاد حاملا صينية، وضعها أمامها على طرف الفراش، وجلس بدوره، هاتفا في محبة، وهو يمد لها كوب العصير: اشربي ده، وكلي كل الحلويات دي.
اتسعت ابتسامتها وهي تتناول منه كوب العصير، ليستطرد مؤكدا: أني عارف إنك بتحبي العصير والحلويات، مليت لك بهم التلاچة.
ومد كفه يفتح قالب كبير من الشيكولاتة، يدنيه لفمها، هامسا: ودي الشيكولاتة اللي بتحبيها.

قضمت منها قطعة في رقة ذوبته، وارتشفت بعض من العصير، قبل أن تهمس متسائلة: طب وأنت مشربتش حاچة ليه!
ابتسم مؤكدا في نبرة خجلى: لا ما أنا صبيت لك كباية، جلت اضمن حجك، وبعدين شربت بجية الجزازة.
قهقت نعمة في أريحية لأفعاله، لتعاود الحديث: طب أنت مش هتاكل حاجة!

أكد بايماءة من رأسه، ليغيب لحظات ويعود حاملا صينية الطعام التي كانت موضوعة جانبا بالردهة الخارجية، واضعا إياها على الفراش بينهما، ليجلس قبالنها يزيح غطاء الصينية العامرة، أمرا إياها في لطف: هتاكلي معاي وإلا مش واكل.

هزت رأسها في طاعة، رغم عدم رغبتها الفعلية في الطعام، ومدت كفها تطعمه ليتوقف متطلعا نحوها، عيونه لا تحيد عنها، لا يصدق أن هذه الحورية الجالسة قبالته اللحظة أصبحت أخيرا حلاله، مد كفيه يحتضن كفها التي كانت في طريقها لفمه بلقيمة من طعامه المفضل، مقبلا إياها في هيام، هامسا: شبعت.
هتفت بصوت متحشرج تأثرا: أنت لحقت!
همس متطلعا نحوها باسما: اللجمة من كفك ببركة عشرة، يا نعمة.

غاب في محياها لبرهة، قبل أن ينتزع نفسه من تيه مشاعره، هاتفا في تساؤل: هي الساعة تجلها كام دلوجت!
أمسك بهاتفه، يفتحه متطلعا للساعة مؤكدا: الساعة بجت تمانية، زمان الاسطى ناصر بيفطر، تعالي أما نصبح عليهم.

اتسعت ابتسامتها في سعادة، وهو يحمل صينية الطعام بأحد أركان الغرفة، ليعاود الجلوس جوارها على الفراش، يضغط على اسم حماه، على شاشة الجوال، الذي بدأ في الرنين قليلا، حتى هتف ناصر من الجانب الأخر، بنبرة مهللة: السلام عليكم، صباحية مباركة يا عربس، إيه بدري كده! إحنا نايمين يا عم مسطحين من تعب ليلة إمبارح، العضمة كبرت باين!
قهقه راضي مؤكدا: كلك شباب يا اسطى، ربنا يديك الصحة.

هتف ناصر بأحرف مترددة: البت نعمة عاملة إيه! وحشتني بسرعة بنت..
اتسعت ابتسامة راضي، هاتفا: اهي معاك اهي.
اعطى الهاتف لنعمة، الذي تناولته من كفه في اضطراب، ليخرج راضي من الغرفة، تاركا لها المجال لتتحدث بأريحية مع أهلها، لترد في خجل: السلام عليكم، إزيك يا حاج ناصر.
هتف ناصر يزيح غصة بحلقه مدعيا السعال الصباحي المعتاد له، قبل أن يتمالك نفسه هاتفا: إزيك يا عروسة! يا رب تكوني بخير!

همست نعمة مؤكدة: الحمد لله يا بابا كويسة قوي.
همس ناصر متضرعا: يا رب دايما، الواد راضي ده ابن حلال مصفي، خلي بالك منه.
دخلت شيماء للغرفة في تلك اللحظة قادمة من الحمام لتعاود النعاس من جديد، بعد أن صبحت على العرسان بالأعلى، وجهزت لهما فطورهما، لتهتف بناصر في تعجب: مين اللي ع التليفون!
وكأن قلبها كان دليلها، هاتفة به: أنت بتكلم نعمة!

هز رأسه مؤكدا، لتختطف منه الهاتف، هاتفة في وحشة، وبصوت متحشرج، وقد سالت دموعها شوقا: إزيك يا نعمة! أنت كويسة يا نن عين أمك!
هتفت نغمة وقد سالت دموعها بالمثل: والله كويسة يا ماما، وزي الفل كمان، انتوا بس وحشتوني بسرعة قوي.

هتفت شيماء في شجن: على عيني يا حبة عيني اسيبك تروحي لوحدك، بس كان مين هياخد باله من اخوكي وعروسته الوحدانية دي، وكمان ينتبه لأبوكي وجدك وستك!؟ لكن أنا جيالك، يومين كده وهاجي تكونوا ارتاحتوا، أنتِ كويسة يا نعمة!؟

عاودت شيماء السؤال من جديد من قلب أم، لن تصدق أي إجابة حتى ترى فلذة كبدها بعينها، لترد نعمة في خجل: والله كويسة يا ماما، وراضي حنين قوي، ومش مخليني محتاجة حاجة، عارفة!لقيته مالي التلاجة عصير وشيكولانه، عارفني بحبهم.

هتفت شيماء مؤكدة: راضي راجل ابن حلال، وهو لولا كده كنا وافقنا عليه وغربناكي بعيد عنا، بس كلي يا نعمة، كلي كويس يا بت، سيبك من العصير والكلام الفاضي ده، اتقوتي يا بت، وأكلي جوزك، ده عربس، إحنا باعتين معاكي شيء وشويات، ولسه هجيب لك الحلو كله وأنا جاية لك.
اتسعت ابتسامة نعمة لنصائح أمها، هاتفة في طاعة: حاضر يا ماما، من عنايا.
هتفت شيماء متسائلة: لهو فين! اديهوني أصبح عليه.

هتفت نعمة باسمة: والله يا ماما اول ما سلم على بابا، اداني التليفون وخرج بره الأوضة، عشان يسبني اتكلم براحتي معاكم.
هتفت شيماء في إكبار: والله ابن اصول وبيفهم فالاصول، ربنا يهينيكم يا حبيبتي يا رب ويرزقكم الذرية الصالحة.
هتفت نعمة: ازي جدي وستي، وحشوني، ونادر وحُسن عاملين إيه!؟
هتفت شيماء: كلهم بخير، ونادر وحُسن لسه نازلة من عندهم، غرقانين فالعسل.

واطلقت ضحكة مجلجلة، ليتطلع لها ناصر معاتبا، لتمسك ضحكتها، وهي تلوح له بكفها معترضة، لتهتف من جديد: ياللاه بقى، مش عايزة أطول عليكي، كفاياكي كده متسبيش جوزك لوحده، ومرة تانية أكلمك تسلمي عليهم كلهم، مع السلامة يا حبة عيني.

أغلقت نعمة الهاتف، وقد شعرت بالكثير من الراحة، تركته جانبا، وخرجت تبحث عن راضي، لتنتفض وهي تجده خارج من الحمام، يلف منشفة حول خصره، بعد أن أخذ حماما، وما أن رآها تقف في منتصف الردهة، حافية القدمين، بهذه الاقدام الرقيقة التي تلامس الأرض تحتها، وبذاك القميص المغوي حد التهلكة، وضفيرتها تتأرجح خلف ظهرها بهذا الشكل الذي يثير كل كوامن رغبته، حتى اندفع حاملا إياها في اتجاه الغرفة من جديد، لتهتف به: في إيه يا راضي!؟

همس وهو يدفع باب الحجرة ليفتح على مصراعيه مؤكدا في نبرة صوت أبح: نسيت اعمل حاچة مهمة، ولازما تتعمل حلا.
وضعها على طرف الفراش، لتهمس به: حاجة إيه!؟
مد كفه نحو ضفيرتها، وبدأ في حلها في بطء مهاود، مستمتعا بجدائلها الكستنائية، التي تتسرب من بين كفيه، حتى انتهى وانتهى معها صبره، وهو يفرد شعرها بكلتا كفيه، يغرس أصابعه بين خصلاته في تيه كامل، لتهمس به نعمة: بتعمل إيه يا راضي.

همس وهو يقترب منها في وجد سربل كل مجامعه: باخد بتاري من الضفيرة دي اللي سهرتني ليالي ما يعلم بها إلا ربنا.
همست نعمة في دلال: طب وصاحبة الضفيرة ذنبها إيه!؟
همس وهو يعتصرها بعنف بين ذراعيه وقد فاض كيل عشقه: ذنبها إنها حبيبة راضي.
لتغيب بين ذراعيه في دنيا أخرى، حيث هناك، تنحل عقدة لسانه، ليفيض على مسامعها بكل مفردات العشق التي كانت تجهل.

جذب كفها خلفه وهما يتجولان بذاك المول الضخم، ليتوقف أمام محل ملابس نسائية، متطلعا نحو بعضها في همهمة مستحسنا، لتجذب كفه تحاول أبعاده عن نافذة العرض المغرية تلك، هامسة في خجل: مروان، ياللاه من هنا بقى، أنا مكسوفة من المعروض ده.
تطلع نحوها وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة، هامسا في نبرة ماجنة: حبيبتي، أنا هدخل اشتري كل المعروض ده واشوفه عليكي، تقوليلي مكسوفة!

شهقت في صدمة، وعيونها في اتجاه آخر بعيدا عن نافذة العرض المثيرة، مؤكدة دون أن تنظر نحوه: مروان، أنا مش ممكن ألبس الحاجات دي.
دنا مروان منها، مؤكدا بنبرة شقية: يا حبيبة قلب مروان، من هنا ورايح مش هاتلبسي إلا الحاجات دي، ومن الليلة دي، قمصان ستنا الحاجة اللي كنتي بتلبسيها دي مش هسمح بيها تاني، أنا عديتها عشان خاطرك، لكن من النهاردة هطلعها بره دولابك.

تركها واندفع نحو المتجر، تاركا إياها تشير له ألا يفعل، حاولت جاهدة أن تتوسل تلوح له ليتراجع لكنه كان من الإصرار ليمضي قدما فيما انتوى.
خرج من المتجر محملا باكياسه الثمينة متنهدا في انتشاء وهو يتطلع لها، في سعادة غامرة بينما تنظر إليه هي في خيبة أمل مرسومة بجلاء على ملامحها الرقيقة، ليهتف بها في تعجب: إيه! ليه كل الزعل ده! ما شوفي يا أية، كل اللي جبته ده ها..

هتفت أية مقاطعة: مش هاينفع، أصل، يعني، ما أنت مش مديني فرصة أقولك..
دفع الاكياس لقلب العربة، وصعد أمام المقود هاتفا بها في تعجب: في إيه يا أية قلقتيني.
جلست بالمقعد المجاور، هامسة في اضطراب، وهي تميل على أذنه هامسة: أنا حامل.
تطلع نحوها هاتفا في تيه: مش فاهم!
تطلعت نحوه في تعجب: أنا حامل يا مروان، مش فاهم إيه! رحت للدكتور مع طنط ثريا النهاردة الصبح وقال إني..
قاطعها في نبرة مرتجفة: أنتِ بتكلمي بجد!

هزت رأسها مؤكدة، والدموع تترقرق بمآقيها، ليهمس وهو يجول بناظريه بكل موضع إلا السقوط على محياها، حياء من تلك الدموع التي بدأت تتجمع بمقلتيه، وما أن هم باحتضانها، حتى شهقت في البكاء تؤكد عليه في محاولة لتخفيف الأمر مداعبة: إحنا فالعربية يا مروان! هيمسكونا فعل فاضح فالطريق العام.
همس من اعماق روحه: الحمد والشكر لك يا رب.

كان يعتقد أنه بعد الجراحة الحرجة التي أجراها، قد يكون غير قادر على إنجاب الأطفال لفترة ما، كان اعتقاده الشخصي رغم أن الطبيب طمأنه لهذه النقطة، شعر أن كرم الله عليه واسع، ما دفعه ليهتف بأية في تأكيد وهو ينطلق بالعربة: بصي، إحنا نطلع كل اللي اشتريناه لله، وم..

قهقهت أية حتى دمعت عيناها، هاتفة به ساخرة: ده إيه اللي هطلع لله يا شيخ مروان! اللي اشتريته من شوية كله مسخرة وقلة أدب على فكرة، ده هطلعه فين على باب نايت كلوب!
قهقه عندما تذكر كل تلك القمصان الحريرية المغوية التي اشتراها، مؤكدا: والله ما راجع بمليم في جيبي، كله لله، أما اللي اشتريناه ده..

تنهد في حسرة مؤكدا: ياللاه أمري لله، خلينا فقمصان العفة اللي بتلبسسها لحد ما الحمل يعدي على خير، وبعدها لن اتنازل..
قهقهت لاصراره، وهو يندفع بالعربة، يقف كلما وجد سائلا، أو محتاج، حتى عادا لمنزلهما، ولم يبقى بجعبته، إلا مشترواته المغوية التي تطلع لها في حسرة دفعت الضحكات لحنجرتها من جديد.

هتف بها يونس مازحا، وهي تسير نحوه ببطنها المنتفخ قليلا: تعالي يا أم بعچر، يا أم الچلباب مچرچر.
هتفت سماح تداري ضحكتها، هاتفة في نبرة تدعي الحنق: بتتمألت عليا يا يونس، ماشي!
هتف يونس مقهقها: وأني أجدر برضو يا سموحة، ده أنتِ اللي فالجلب والنية، والعين الچوانية.
قهقت لأقواله، ليدفعها متحديا، وهو يضع كوعه على المائدة جواره، هاتفا: وريني طيب، شطارتك تعالي.

اقتربت تجلس قبالته على الجانب الأخر من المائدة، تضع كفها بكفه، هاتفة في تحدي: يونس، جول حرمت، عشان هاتيجى عيبة اغلبك وأني حامل!
هتف يونس متحديا: دي مين دي اللي تغلب يونس الحناوي! جال تغلبني جال، زمن سماحة الجناوي انتهى..
قال كلمته الأخيرة في نبرة مسرحية جعلت روح التحدي تقفز معلنة عن نفسها مؤكدة: طيب متبجاش تزعل بجى من سماحة الجناوي وعمايله!

بدأ كل منهما، في محاولة الفوز على شريكه في لعبة الريست الشهيرة، والتي ما شعر يونس بأنها تجاهد حتى تتغلب عليه، خاف على حملها، فجذبها نحوه عنوة، لتسقط بحجره، هاتفا في مزاح مقهقها: غلبتك يا واد يا سماحة! ده أني چبتك كلك فحچري!
هتفت سماح في حنق: أنت بتخم يا يونس، والنعمة ما لاعبة معاك تاني.

قهقه وهو يضمها نحوه، هامسا بالقرب من مسامعها في نبرة ماجنة: طب أجولك، تعالي نلعبوا لعبة أحلى، لعبة عريس وعروسة، أهي دي اچمد لعبة والنعمة.
أمسكت ضحكاتها هاتفة تشاكسه: جديمة، لعبتها جبل كده، وأدي اللي نابني من وراها.
وأشارت لبطنها المنتفخ، ما دفع الضحكات لحنجرته من جدبد، لتتركه مندفعة هاربة منه مدعية أن أمها تناديها.

دخل عليها الحجرة، ليجدها لا تقرأ كما هي العادة، وخاصة منذ بداية شهور الحمل، عندما أخبرها الطبيب بضرورة الراحة التامة، وعدم القيام بأي مجهود، ولقد التزمت بتعليمات الطبيب حرفيا وهو يشهد على حرصها ورغبتها في هذا الطفل بشكل ملح، لم يكن هو نفسه يتخيله، لذا ساعدها كثيرا على المضي بهذه الفترة بلا أية عقبات أو متاعب.

تطلع حوله بالحجرة، ليسمع صوتا قادما من الحمام، كان صوت توجع فاندفع نحو الحمام دافعا بابه، ليجدها تقف منحنية على نفسها في وهن، جذعها منثني نحو الحوض، يغلبها الغثيان، فتعتقد أنها بحاجة لإفراغ معدتها لكنها لا تفلح.

تنبهت لاقترابه، فأشارت له ليبتعد ظنا منها أنه قد يشعر بالقرف أو الاشمئزاز مما يحدث، لكنه لم يطاوعها بل دنى منها في هوادة، مسندا إياها وهي تلتقط أنفاسها في صعوبة، وما أن استشعر أنها انتهت، حتى مد كفه نحو ماء الصنبور المنساب، لينعشها قليلا، بأن ملس على وجهها مرطبا بكفه جبينها ووجنتيها، ابتسمت له في وهن، حتى أنها ما عادت قادرة على السير نحو الحجرة، وبطنها المنتفخ قليلا يتقدمها، ما جعله يحملها في رقة، نحو فراشهما، مدثرا إياها، هامسا في تعاطف وهو يقبل جبينها: هنزل إخليهم يعملوا لك حاچة سخنة تهدي معدتك.

هزت رأسها نفيا مؤكدة: لا يا عاصم، أنا هنام شوية، خليك جنبي.
هز رأسه في طاعة، وحشر نفسه تحت الغطاء، ضاما إياها لصدره، مملسا على بطنها هامسا: تعبك الأستاذ بزيادة.
هزت رأسها في هوادة متعجبة: مش عارفة ليه وصلت للشهر السادس ولسه أعراض الوحم موجودة، قلت خلاص بعد التالت هرتاح، اهو قربت على نهاية السادس و مفيش راحة.
همست زهرة في محبة، رافعة نظراتها نحوه: معلش بقى الغالي يعمل ما بداله.

همس عاصم رافعا حاجبيه في تعجب: الغالي! وده من امتى!؟ والله وهتتركن ع الرف يا عاصم!
همست في عشق، وهي تقبل كتفه التي كانت تسند رأسها عليها منذ برهة: هو غالي عشان إبنك يا عاصم، ولو عمل فيا أكتر من كده كمان، هيبقى محبب على قلبي، عشان بس هو حتة منك، يا أغلى الغاليين.
ضمها إلي صدره في رفق، رأفة بها واشفاقا عليها مم تعان، يتمنى لو كان بمقدوره نزع كل هذا الوهن من جسدها، حامله عنها.

اضطربت في مجلسها، ورفعت رأسها في دوار، هامسة في نبرة مرتجفة، واحرف متقطعة: سندني يا عاصم، عايزة..
كان ترغب في تفريغ معدتها الوهمي، فهي لم تتناول طعاما منذ الصباح، وما تناولته من نذر يسير افرغته كله تقريبا، لذا ما كان منه إلا أن فتح كفيه أمام وجهها، لتفرغ بهما ما كانت تعتقد أنه يمور بمعدتها، لكنه كان انذار كاذب، مجرد معدة مضطربة، لا تهدأ ولا تعطي لها الفرصة لتهنأ بوجبة كاملة كما يجب.

بدأت تهدأ، وعيونها دامعة من أثر اعتصار معدتها، متطلعة نحوه في إكبار، وهي تراه ما زال يضع كفيه المضمومتين، قبالة فمها، في انتظار ما تجود به معدتها الخربة، مدت كفيها، لتضم ظاهر كفيه، واضعة وجهها بينهما، تقبلهما في هوادة، وهو يتطلع نحوها، مبتسما في تعجب لفعلتها، لتدفع كفيه ليحتضنا خصرها في رفق، وهي تندفع مطوقة عنقه بذراعيها، هامسة بالقرب من مسامعه، وهي تملس على مؤخرة رأسه في حنو، بنبرة متضرعة: يا رب أنا بحب الراجل ده قوي، أبعد عن قلبه أي وجع، وفرح قلبه دائما يا رب.

همس لها عاصم في صوت متحشرج، وهو يضمها في قوة، مقبلا جانب عنقها الملامس لشفتيه: استچاب يا زهرة، ما فرحة جلبي وعمري كله أهي بين يدي، هعوز اية تاني! ربنا يديمها عليا نعمة، وما يحرمني منها أبدا.
تشبثت به هامسة: ولا منك يا عاصم، كحب أمنا عائشة من قلب محمد عليه الصلاة والسلام، مش دي كانت دعوتك دايما.

همس مؤكدا: وهتفضل دعوتي لأخر نفس، اللهم أجعل حبها بقلبي كحب أمنا عائشة من قلب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، واچعل حبي بقلبها كحب محمد عليه الصلاة والسلام من قلب أمنا عائشة.
أمٌنت في تضرع: أمين.
ضمها إليه أكثر، هامسا في تضرع مماثل، خارج من بين حشا روحه: اللهم آمين.
ليتمدد جوارها، يضمها إليه في حنو، حتى غفت بأحضانه.

دخلا غرفة الفندق حيث قررا تغيير ملابسهما والنزول من جديد للتوجه للمطار، وما أن اقتربت من المرآة لتزيح عن رأسها تاجها المرصع بالألماس، حتى صرخ بها سامر في ذعر: هتعملي إيه!
استدارت تتطلع إليه في تعجب هاتفة: بقلع التاج! فيه إيه!
هتف سامر مؤكد ا: في تعدي على اختصاصاتي.

واقترب منها يهم بخلع تاجها محاولا الدنو منها ملثما بابتسامة مشاغبة على شفتيه، إلا أنها تقهقرت للخلف تزوم في اعتراض: سامر، الناس مستنيتا تحت، وفي ميعاد طيارة!
هتف مدعيا الحنق: فريدة خليني اعيش اللحظة.
هتفت ساخرة: لو سبتك وحياتك الناس اللي تحت هتبات فلوبي الفندق وهضيع علينا طيارة شهر العسل.
قهقه مؤكدا: احب مراتي اللي فهماني من أول لحظة.
تطلعت إليه وقد اتسعت ابتسامتها هاتفة:.

طب ياللاه خلينا ننجز عشان نلحق ننزل لهم.
همت بخلع غطاء رأسها الناصع البياض فإذا به يقترب من جديد، متطلعا لها من خلال المرآة، وهو يقف متسمرا خلفها، هامسا في نبرة عاشقة: خليكي كده متتحركيش يا فريدة.

تسمرت كفها باسمة نحوه بالمرآة، ليستطرد هامسا: مكنتش متخيل إنك هاتبقي بالروعة والجمال ده بفستان الفرح! وإني هفضل اقاوم نفسي كتير قوي كده عشان مخدكيش فحضني، فكرة السفر يوم الفرح دي أفشل فكرة، ما تيجي نلغيها!
أمسكت ضحكاتها، هاتفة في تساؤل: طب لو كبرنا دماغنا من التذاكر والسفر، هتقول إيه للناس اللي تحت!؟
همس وهو يضمها من الخلف، مقبلا هامتها: هقولهم العريس طلع عيل، ورجع فكلامه.

انفجرت ضاحكة وهمت بالحديث، إلا أن هاتفه رن فابتعد عنها ممتعضا، ورد على محدثه مؤكدا: حالا نازلين أهو، هي العروسة اللي معطلانا، أعمل إيه بس يا عمي!؟
تطلعت إليه فريدة في حنق، وهو يتهمها ملصقا بها ذنبه، ليقهقه ما أن أغلق الهاتف، هاتفا بلهجة تفريرية أشبه بمذيعي نشرات الأخبار، وهو يتطلع لنظراتها الحانقة: عروس تقتل عريسها ليلة زفافهما، والسبب مجهول!

تبدلت نظراتها الغاضبة، محاولة امساك ضحكاتها، تاركة إياه مندفعة نحو الحمام، ومعها ردائها، لتنتهي من تغيير ملابسها بعيدا عن شغبه.
انهت مهمتها سريعا، لتخرج لتجده وقد حذى حذوها، مبدلا ملابسه في سرعة، ليمد يده مطوقا خصرها، وهو يدفع بها لخارج الحجرة، نحو الأسفل، لتحية وتوديع الجميع قبل مغادرتهما لشهر العسل.

صعدا الطائرة وظل ممسك بيدها حتى وصلوا فندق الإقامة، في جزيرة رودس اليونانية، دخلا حجرتهما أخيرا، كان ينهي معاملاته مع العامل الذي اصحبهما للغرفة، وقد كان الليل ينهي مهمته بالأفق البعيد، خرجت هي الشرفة تتطلع لهذا الجو الساحر، الممتد أمامها، وادركت أنه كان محق في اختيار تلك الجزيرة لقضاء ايام من شهر العسل بها، وخاصة الليالي الأولى، فلها سحر خاص مؤثر بشكل كبير، ارتجفت برقة، عندما تسلل خلفها للشرفة مطوقا إياها بين ذراعيه، مسندا ذقنه على كتفها في أريحية هامسا بنبرة رخيمة: سراجو..

ادارت رأسها قليلا، هامسة في اضطراب: يعني إيه!
أدارها نحوه، ضاما وجهه ما بين كفيه، ليهمس من جديد: سراجو يعني بحبك باليوناني، وهقولها لك بكل اللغات اللي أعرفها، لأنك فريدة.
تاهت في نظراته العاشقة المصوبة نحوها، والتي قطعها وهو يميل مقبلا جبينها ثم عاد موصلا النظرات من جديد، مستطردا: فريدة اللي من اول ما وصلت إسكندرية سمعت عنها، وحبيت اقابلها..
همست متعجبة: سمعت عني!

أكد يهز رأسه وابتسامة على شفتيه، هامسا: ايوه، سمعت عنها كلام كتير يخلي أي راجل يبقى عايز يشوف مين الست دي، لكن الغريب إني كنت بهرب من اي مقابلة ممكن تجمعني بك يا فريدة.
همست في تعجب ساخر: تهرب! مكنتش اعرف ان انا بخوف للدرجة دي!
قهقه مؤكدا: اه والله كنت بهرب.

وتغيرت نبرة صوته لنبرة يملؤها الوجد مستطردا: عشان كنت عارف، إن لو قابلنك مش هعرف أبعد تاني، لأنك كنت صورة للبنت اللي رسمت فخيالي صورة لها من زمان وكنت فاكر إني عمري ما هقابلها..
لكن حصل النصيب وربنا حطك فطريقي بس مش فاسكندرية لا، فقطر الصعيد..

لما جيت وقعدت جنبك، كنتي فاكرة إني نايم أو حاطط السماعات بتاعتي، لكن أنا عيني كانت عليكِ وتركيزي كله كان معاكي، قلت الحمد لله جت بنت خطفت انتباهي غير الست فريدة، لكن خلاص وكأنك كنتي قدري اللي مفيش منه هروب، لقيت واحدة بتمد لي أيدها وتقولي أنا فريدة الهواري، اكتشف إنها أنتِ اللي بهرب منها فاسكندرية عشان اقابلها فنجع السليمانية، وخلصت كده الحكاية.
همست في تيه كالبلهاء: خلصت إزاي!

همس وهو يضمها بين ذراعيه: وقعت فالفخ يا فريدة، اللي كنت خايف منه حصل، وفريدة اللي بهرب منها لقتها قدامي وانا بحط ايدي فايدها، سلمت لها فوق البيعة قلبي.

لا تعلم كيف واتتها الجرأة لتتسبث به هكذا وهي بين ذراعيه، لم تجد تلك الرهبة الفطرية المفترض تواجدها داخلها هذه اللحظة، على العكس وجدت أمانا ما كانت تتوقع أن تجده بأحضان رجل بخلاف أبيها، حمزة الهواري، لذا أمسكت بتلابيب ذاك الأمان الغالي، وما عاد لها الرغبة أو القدرة على افلاته، ليهمس لها سامر في عشق، وقد استشعر رغبتها في الاحتواء، يتمنى لو يبثها أضعاف من ذاك الشعور الذي يسربله اللحظة بقربها: عارفة يا فريدة، يوم ما سمعت عنك الكلام اللي مش ولابد اللي كان سببه نزار، عمري ما صدقت، ولو للحظة جالي شك إنك ممكن تعملي كده.

رفعت رأسها بتعجب نحوه، ليؤكد في نبرة كانت الصدق ذاته، وعيونه تعانق نظراتها المضطربة: اللي زيك، عمرها ما تعمل كده، اللي اتربت على أيد حمزة الهواري، وجدها يبقى زكريا الهواري، واللي الكل كان بيحلف بها من ساعة ما رجعت من بره، بنت بالاخلاق والتربية دي عمرها ما تقع الوقعة دي أبدا، كنت بريئة فنظري من قبل ما اشوفك أو أعرفك.
همست بصوت متحشرج متسائلة: ولما عرفتني!

انحنى مقبلا ارنبة أنفها في شقاوة: لما عرفتك ده كان قصة تانية، بصمت بالعشرة إنك أنقى واطهر واجمل وارق فريدة عرفتها فالدنيا.
همست متصنعة الحنق: هم كان فريدة بس عشان اعرف انا كنت الكام فالصف يا سيادة الدونجوان!؟
قهقه سامر وهو يضمها إليه في هيام: اقسم لك إنها فريدة واحدة بس، هي أنتِ.
ضمته إليها أكثر، ليهمس سامر متسائلا في نبرة ماجنة: فريدة! هو إحنا هنقضيها أحضان وبس يا حبيبتي!

شهقت مبتعدة عنه، هاتفة في نبرة مستهجنة وهي تندفع مهرولة لداخل الحجرة: على فكرة، كده عيب، وأنت...
قاطعها مهرولا خلفها، هاتفا في نبرة مشاكسة: وأنا قليل الأدب على فكرة، وبموت فالعيب، هاااا، في حاجة تانية تحبي تصيفيها سعادتك!
أمسكت ضحكاتها، ليقترب منها في عجالة، جاذبا إياها من جديد بين ذراعيه، هامسا في نبرة مازحة مغلقة بمحبة خالصة: وراس الغاليين بحبك، حن بقى يا جميل.

قهقت، فكانت ضحكاتها هي مفتاح لكل أبواب السعادة، وإذن لكل أبواب الهناء، لتُفتح على مصراعيها، لتبدأ ليالي الشهد المصفى.

سارا جنبا لجنب، بطول ذاك الطريق الترابي، يسير متطلعا لها خلسة وهي تتطلع لما حولها في سعادة مرسومة على محياها، وهو يمسك بلجام فرسه الأدهم على الجانب الأخر، حتى وصلا لسفح تلك التلة
كان دوما ما ينتظرها على قمتها بصحبة فرسه، فالتفت لها، محتضنا خصرها بكفيه، لتشهق نوارة في صدمة: حد يشوفنا يا رائف.

دفع بها رائف لصهوة الفرس، هاتفا في تأكيد: متخافيش، أنا عارف إن محدش بيعدي من هنا، الحتة هنا بعيدة عن عيون الرايح والچاي، عشان كده چبتك هنا.

سار جاذبا لجام الأدهم، الذي كان يسير الهوينى وهي على صهوته، حتى وصلا لقمة تلك التلة، ليقفا في هدوء يغلفهما الصمت، وهما يتطلعان للأفق البعيد في سكينة شملتهما، ليقطع رائف الصمت أخيرا، وهو يدفع نفسه، لمتطي صهوة الفرس خلفها، يضمها إليه، مشيرا نحو الطريق البعيد، هامسا في محبة: هنا كان مكاني اللي كنت بستنظرك عليه كل يوم، كنت بخرچ من بعد الفچر، ألف النچع كله، لحد ما ينتهي بيا المطاف على هنا، وأول ما تهل عربيتك وأشوف طيفها چاي من بعيد، جلبي يرفرف، كني مستنظر حبيب غايب بجاله زمن، مش واحدة كل ما أشوفها، نمسكوا فخناج بعض، بص واضح إن الجط ميحبش إلا خناجه يا دكتورة.

ابتسمت وهي تسند رأسها على صدره، هامسة في محبة مماثلة: تصدج لو جلت لك إن ده كان نفس إحساسي ساعتها، أول ما عبدالباسط يوصل لمدخل السليمانية، عيني بتروح لوحدها على مكانك هنا، كان يكفيني اشوفك واجف بفرسك، ساعتها بتبجي الدنيا مش سيعاني من الفرحة، وكنت بجول لروحي نفس كلامك، هو في إيه، ليه الفرحة دي كلها لشوفته، ده اللي بينكم ولا اللي بينهم تار! بس الجلب له أحكام خلاف حكم العجل وشورته يا دكتور.

زاد رائف من تطويقها، لتهمس مستطردة: الأيام اللي كنت بشوفك فيها واقف هنا، كانت من أسعد أيام حياتي، كنت بستنى انزل من العربية عشان تظهر وأنت نازل عن فرسك، عشان تتمشى معايا لحد الاستراحة، وهناك ببجى مش عارفة، أسيبك وأمشي ولا أجف واتكلم معاك، إحساس عچيب بالأنس والألفة، عمري ما حسيته مع حد جبل كده.
ابتسم في انتشاء لكلماتها، هامسا لها في مشاكسة: فاكرة ليلة ما وقعتي فالترعة!

استدارت نصف استدارة، متطلعة نحوه في حنق، هامسة: شوف أجوله أنس وألفة يجولي وجعتي فالترعة ويفكرني بالذكريات المطينة دي!؟
قهقه رائف، يحاول استرضائها، هامسا في نبرة شقية: عمرها ما كانت ذكريات مطينة، دي اول مرة حسيت بكِ فحضني، وقعدت مش عارف أنام بسببك تلات أيام يا نوارتي.

همست نوارة مازحة: هو أنت لازم تحرچني يعني! ما جلنا كنت خايفة من الأستاذ سنقر اللي شبه الأسد ده، قال وأنت سايبة معايا يحرسني، حسيته هياكلني، هو فين صحيح من زمان مشفتوش!؟
علت ضحكات رائف مشاغبا: يعني مكنتيش بتتلكي بسنقر يا دكتورة!؟
نظرت إليه تبادله مشاكسته: مش فاكرة الصراحة، احتمال.

اتسعت ابتسامته، وهو يضمها في سعادة، مؤكدا: سنقر يا ستي مكنش كلبي، ده كلب واحد صاحبي سابه معايا أمانة، وخده لما رجع من السفر، وبالنسبة بقى لموضوع احتمال ده، مفيش أي احتمال تتلككي دلوقتي وأحنا لوحدينا كده.

اتسعت ابتسامتها، واستدارات نصف استدارة تعدل موضعها من مجلسها على الفرس أمامه، تضم خصره الرجولي، الذي بالكاد استطاعت تطويقه بذراعيها، هامسة في عشق: مش محتاجة اتلكك عشان أقولك كل اللي عايزاه يا رائف، ومفيش أروع من اللحظة دي، عشان أبلغك الخبر اللي نفسي فيه من ساعة ما ربنا جمعنا سوا.

تطلع لعمق عينيها، ولم ينبس كلاهما بحرف واحد، فنظراتهما العاشقة تحدثت بلا أحرف، هز رأسه متسائلا وعيونه نظراتها ترقص الدموع بها سعادة، لتهز رأسها مجيبة على سؤاله في إيجاب ودموعها تسيل على خديها، ليرفع كفيه، محتضنا وجهها بينهما في هيام، مقبلا خطي الدموع على وجنتيها، هامسا في وجد: مبروك يا نوارة حياتي.

دفنت رأسها بأحضانه، ليطوقها جاذبا إياها لصدره، مقبلا هامتها، لتهمس بصوت رخيم مختنق بين ذراعيه، من بين دموعها: بحبك يا رائف.
صهل الأدهم في سعادة، كأنما يشاركها اللحظة السعيدة، وذاك النبأ العظيم.

دخلا حجرتهما بعد الكثير من الزغاريد، حتى إذا ما خطت قدمي عبدالله الغرفة، حتى هتف في نبرة ملهوفة: ياللاه بجى نتعشوا سوا.
وضع الصينية المغطاة التي كان بها ما لذ وطاب، وعاد جاذبا كفها لتجلس أمامه برداء عرسها، وما أن جلست أرضا، حتى افترش ردائها الأرض كلها، مغطيا على الصينية التي كانت ما تزال مغطاة، لم يسنح له الفرصة لرفع غطائها، لتهتف دعاء مازحة: كل اللي ع الصينية بجي بتاعي، وريني بجى هتخده كيف!؟

قهقه عبدالله مؤكدا: لاه أنتِ لسه متعرفنيش، إلا الأكل.
هتفت دعاء في مهادنة: عبدالله! عيوني لك، مش صينية الأكل بس يا عبده.
نهض عبدالله جاذبا كفها من جديد، لتنهض معه هاتفة في تعجب: على فين يا عبدالله، إحنا مش هناكل!؟
أكد عبدالله بلهجة جادة: هناكل يا بت متبجيش كده، بس لازما نجلع الأول.
شهقت جاذبة كفها من كفه، هاتفة في اضطراب: نجلع إيه!؟ انت هتبدأ جلة الأدب!

هتف متعجبا: جلة أدب إيه!؟ يا بت نجلع عشان ناخدوا راحتنا فالأكل.
تنهدت مؤكدة: ايوه إن كان كده ماشي.
دخلت للحمام في هرولة عندما وجدت عبدالله يدفع سترته بعيدا، وبدأ في خلع قميصه ورباط عنقه، لتدفع عنها ردائها بالمثل، مرتدية قميصان من الستان الأبيض المطعم بالقليل من التل، ووضعت عليه مئزره الستاني، وخرجت وقد تركت شعرها الناعم القصير نسبيا، ملامسا لكتفيها.

كان عبدالله قد جلس بالفعل أمام الصينية، وتعجبت أنه لم يرفع غطائها بعد ويبدأ في تناول الطعام، فهتفت به: ليه مكلتش!
كان غارقا في محياها البض، وشكلها الملائكي بذاك الشعر الأسود الحريري الذي كان يميزها، محيطا وجهها الممتلىء بحمرة رقيقة، جعلته أشبه بوجوه الأطفال، ليتنبه مؤكدا: مسستنظرك، هاكل من غيرك.
ابتسمت وجلست قبالته، ليدفع غطاء الصينية بعيدا، مصفقا في فرحة: إيه الحلاوة دي، ادي الأكل ولا بلاش.

همست في حياء: طب بس دوجه الأول، ده أنا عملاه بيدي كيف ما طلبت، أمي جعدت تجولي في عروسة تعمل صينية اتفاجها بيدها! جلت لها عبدالله مش عايز ياكل إلا من يدي.
جذب عبدالله كفها البض مقبلا، هامسا في تقدير: والنعمة أحلى يد فالدنيا.

شعرت بالخجل، فجذبت كفها تتناول إحدى الحمامات المحشوة، و دافعة بها نحو فمه، ليبدأ عبدالله في تناول الطعام في استمتاع، لا يفوته أن يضع ما بين لقيمة وأخرى بعض من الطعام بفمها في سعادة.

أنهى الطعام أخيرا، ونهض يغسل يديه ليعود ليجدها تغطي الصينية باطباقها الفارغة، دافعة بها على الطاولة في أحد أركان الحجرة، لتغسل يدها بدورها عائدة للحجرة، لتسمع صوت غطيطه، وقد علا في قوة، اقتربت منه في تعجب، هامسة باسمه في اضطراب: عبدالله! هو أنت نمت!؟

وقفت في خيبة أمل تتطلع نحوه، وما كان منها إلا الصعود في هوادة لتتمدد جواره، تشعر بالخجل أنها هنا بفراشه، وقد ضاعت أحلام تلك الليلة ادراج الرياح مع صوت غطيطه الذي يهدم كل حلم كان.

تنهدت في حسرة توليه ظهرها، تمني نفسها بليالي قادمة من الدلال الذي سمعت عنه، ولم تجره يوما، وما أن همت بإغلاق عيونها حتى انتفضت موضعها تستدير لمواجهة ذاك الذي طوق خصرها بذراعه، هامسا بالقرب من مسامعها في مشاكسة: خالت عليكي، جال اسيبك وأنام جال.
هتفت في اضطراب: أنا بجول ننام أحسن بعد الاكلة التجيلة دي، وبكرة يحلها حلال.
هتف وهو يدنو منها في محبة: بكرة ده إيه!؟ بكرة في صينية چدبدة وليلة چدبدة يا چميل.

مد كفه نحو شعره الناعم وخلل أصابعه بين خصلاته، هامسا في تعجب: عمري ما كنت اتخيل شعرك كده، كنت فاكره طويل ومش ناعم الصراحة.
همست في خيبة أمل: يعني كده مش عاچبك!؟
همس مؤكدا في نبرة مستحسنة: مش عاچبني كيف!؟ ده حلو جوي، أنتِ كلك على بعضك يا دعاء، حتة بسبوسة بالجشط، ودي بجى أكتر حلويات أني بحبها.
هتفت في حماس: يا سلام، أنت تأمر، هعملهالك على طول طالما بتحبها كده.

همس وهو يدنيها نحوه حتى طوقها بين ذراعيه في هيام: وتعمليها ليه، وهي بين يدي أهي، هو في أحلى من كده!
همست باسمه في دلال: عبده!
همس بلهجة شقية: عبده بيدوج الشهد دلوجت، الرجاء الاتصال في وجت لاحق.
علت ضحكتها المجلجلة برنة تحمل فرحة لا يمكن اخفاؤها، ليهتف هو في مجون: والله الليلة ليلة سعدك يا واد يا عبدالله، ضحكة كمان كده، هااا، ياللاه..

لترفع دعاء عقيرتها بضحكة جاءت من أعماق روحها الفرحة بقربه، ليهتف مؤكدا في شقاوة: بس كده، كفاية لنلاجي بوكس بوليس الآداب داخل بضهره ع الأوضة، وأحنا مش فاضيين.
كتمت ضحكتها، متسائلة في دلال: ليه مش فاضي يا عبده!؟
مد كفه جاذبا رباط مئزرها، دافعا به بعيدا، ضاما إياها لصدره هامسا في وله: رايح الچنة كده مشوار سريع وراچع طوالي.
همست متعلقة به في نبرة مغناجة: رايح لوحدك من غيري!؟

همس وقد بدأت تسلبه لبه بقربها المهلك: هي تنفع من غيرك برضك، ده أنتِ الجنة بذات نفسها يا بت، دوجيني على يدك، حلاوة الفاكهة الرباني اللي عمري ما دوجتها.
ادنت قطوفها، وفتحت له أبواب نعيمها، ليقطف من فاكهتها كل ما تشتهيه نفسه، ولا يكتفي، فهي الجنة التي إذا ما ذاق عسلها، ظل يطلبها ولا يشبع ما حيا.

هتفت في حنق، وقد طفح الكيل، وهو يندفع نحوها حاملا طبق الطعام الضخم الذي ما عاد يشغله هو إقناعها على انهائها إياه، كأنه في مهمة عليه القيام بها بنجاح: والله العظيم يا منتصر لأسيب لك البيت واطفش، كفاية كده اقسم بالله هموت مطرشقة من جنابي.
قهقه وهو يدفس بفمها لقيمة صغيرة مؤكدا: أخر لقمة وعهد الله.

هتفت في حنق وفمها ممتليء بالطعام الذي يلوكه غصبا: والنعمة لتروح النار، بقالك ساعة بتقولي أخر قطمة، وأخر قطمة دي مبتجيش.
هتف منتصر من بين ضحكاته: ربنا هيسامحني، ملكيش فيه، وبعدين ما الدكتور قال لازم تتغذي أعمل ايه طيب!
هتفت في حنق: الدكتور قالي اتغذي مش اتظغطي، مين بس اللي فهمك إنك عشان عايز بت كلبوظة تقعد تظغط فأمها!؟ أه لو أطول رقبة اللي قالك كده!
قهقه منتصر مؤكدا: محدش قالي، ده اجتهاد شخصي.

هتفت بدور ساخرة: كمان، طب قوم افسح غادي يا منتصر، بدل ما افتح كرشك، أو دماغك، أيهما أقرب.
انفجر منتصر ضاحكا، وهتف مشاكسا: طب وأخر لقمة دي هتسبيها تجري وراكي زي ما كانوا بيقولوا لنا وأحنا صغيرين.
نهضت بدور محتدة: ده أنا اللي هجري وراك لحد ما يبان لك صحاب.
ما أن همت بالحركة، حتى شعرت بالدوار، لتعاود الجلوس من جديد، ليندفع نحوها منتصر في قلق: شفتي، أهو كله من قلة الغذا.

قررت التحدث بهدوء، رغم شعورها بعدم جدوى ذلك معه: منتصر يا حبيبي، بنتك لما تهل بالسلامة، زغطها زي ما تحب، أمها استكفت، إينف، بقت شبه البلونة وهنفجر فوشك قريب، ولا أنت وحشتك الانفجارات!
هتف منتصر ضاحكا: هايبقى أحلى إنفجار وحياتك، وبعدين بلونة إيه، ده أنتِ بقيتي قمر والله.
هتفت في صدمة: بقيت قمر! يعني كنت إيه قبل كده!؟

هتف منتصر مصلحا غلطته، قبل أن ينقلب الموقف، وتبدأ في البكاء، الذي قد يستمر ليومين أو ثلاثة بشكل متواصل، بسبب هذه الهرمونات الحمقاء، التي تبدل مزاجها في لحظة كأن أحدهم يعبث بمؤشرها بلا هوادة: كنتي قمر، ودلوقتي قمرين، كنتي حلوة وبقيني أحلى وأحلى..
ودنا منها، ضاما إياها في حنو: كنتي بدور، وهتفضلي بدور، وغلاوة بدور عمرها ما هتتغير.

تنهدت في راحة وهي تدس جبينها بين حنايا صدره، وقد استطاع تهدئة شيطان هرموناتها، الذي أصبح يقفز لأعلى مؤشر من الحزن وفي اللحظة الثانية يتحول المؤشر إلى الضحك بهستيرية وكأنها ما كانت تبكي بالدموع قهرا منذ لحظات.
همست بدور في وهن: منتصر!
همهم وهو يقبل جبينها، لتستطرد هامسة: مش عايزة أكل تاني.

أمسك ضحكاته، فقد كان الطعام بالنسبة لها الفترة الأخيرة، عقاب لا قبل لها على تحمله، ليهمس يحاول ترضيتها، مزيدا من شدة ضمها إليه، وهو يقبل هامتها من جديد: معلش، عشان خاطر منتصر يا بدور، أنتِ مفيش لقمة كانت بتقعد في معدتك، وده خطر عليكِ، بصي شوفي نفسك ف إيه واجيبهولك، لكن مفيش أكل خالص كده مينفعش، ولا ابعتك بعثة تأهيل حمل وأمومة، للست الوالدة تعرف شغلها معاكي!

رفعت بدور رأسها هاتفة في ذعر: لا يا منتصر إلا ماما! تسبيح معندهاش تفاهم فالمواضيع دي، خليني معاك.
انحنى مقبلا جبينها هامسا: وهتفضلي معايا، ومش هتبعدي عني أبدا.

زام عبدالله مهمهما، وهو يمد ذراعيه بعرض الفراش معتقدا أنه وحيد به، لترتطم كفه بوجه دعاء التي استيقظت فزعة مما يجري، متطلعة نحوه في تعجب، ليقهقه عبدالله معتذرا: معلش، لسه متعودتش إنك چاري، أني كده متعود ابرطع فالسرير كيف البهيمة الفرداني.
قهقهت دعاء لتشبيهاته، هاتفة في مرح وهي تضرب على كتفه الرجولي في دلال: بعد الشر عليك، خد راحتك مبهمكش، واتمطع على كيف كيفك يا عبده.

تدلل عليها هامسا: عبده چعان، لاه ده هفتان، ما تجومي تشوفيلنا حاچة نكلوها يا جمر!؟
هتفت دعاء مستهجنة: اجوم فين!؟ أروح المطبخ يوم صباحيتي افتح فالحلل، حماتي ومرات مؤمن يجولوا عليا ايه!؟ لاه مليش صالح ياخويا.
هتف يستعطفها: طب يرضيكي اجعد جعان كده، وأني عريس طازة، جومي بس مفيهاش حاچة، ياللاه يا بت عشان والنعمة شايلاك احلى كلام بعد ما ارم عضمي.
هتفت دعاء مشاكسة: ما دام فيها أحلى كلام، يبجى نجوم هوا.

قهقه عبدالله لمزاحها هاتفا: شوف البت ملهوفة كيف!؟
قهقهت دعاء هاتفة: كلمة تاني ومش هجوم وكل روحك بجى.
هتف عبدالله، مؤكدا في مرح: لاه، أني هخرس اهو واجعد مؤدب.
وغمز بعينه هاتفا في مجون: لحد ما أكل بس يا چميل، ويبجى لنا كلام تاني.
أطلقت دعاء إحدى ضحكاتها المجلجلة، ليصفق عبدالله بكلتا يديه في فرحة، هاتفا في تهليل: كنتي فين من بدري يا دوعة، ده الچواز طلع حلو جوي، اچري ياللاه چوزك هفتان يا بت.

دفعت دعاء جسدها باسدالها هاتفة: من عنايا، دجيجة وهيكون عندك أحلى أكل يا عبده.
هتف عبدالله مؤكدا: أني بجول أني اخترت صح يا چدعان، الطريج لجلب عبدالله معدته.
أمسكت دعاء ضحكاتها، وهي تخرج من الغرفة في اتجاه المطبخ الذي تبينت طريقه على قدر تذكرها تفاصيل الدار، التي لم تدخلها منذ سنوات عدة، فما كان لها القدوم لبيت خالتها هداية وهي لديها من الصبية اثنين.

وقفت تضع كل ما طالته يدها، صانعة في وقت قياسي وبمكونات متوافرة، صينية شهية وعامرة، ما أن همت بحملها في اتجاه غرفتها حتى وجدت هداية تتثاءب وهي على أعتاب المطبخ، والتي هتفت في صدمة: دعاء! بتعملي ايه يا بتي!
هتفت دعاء في حرج: ولا حاچة يا خالتي، حاچة بسيطة كده لعبدالله، أصلك چعان.
هتفت هداية مستنكرة: طب ما أني كنت جايمة اعملكم صينية الفطور، يجومك وانت عروسة كده يوجفك فالمطبخ!

هتفت دعاء مبتسمة: مچراش حاچة يا خالتي، أني وأنتِ واحد، المهم ياكل ويتبسط.
ربتت هداية على كتف دعاء البض، هاتفة في محبة: ربنا يهنيكم يا حبيبتي، وأني توك ما عرفت إن عبدالله عرف ينجي بصحيح.
هتفت دعاء باسمة: لسه جايل لي الكلمتين دول حلا.
قهقهت هداية مؤكدة: مش جلت اني، ولدي وأني عرفاه، ربنا يعينك يا بتي والله.
همست دعاء في محبة: ليه بس يا خالتي، ده محبب على جلبي، ده عبده يأمر واحنا ننفذ.

قهقهت هداية هاتفة في سخرية: هو عبدالله ولدي ابو كرش بجي عبده ميتا! ماشي من حج العريس يدلع، ربنا يهني سعيد بسعيدة، اجصد دعاء وعبدالله، سي عاااابده.

مطت هداية في نطق اسم الدلال لعبدالله، المستحدث على مسامعها، لتتسع ابتسامة دعاء منكسة رأسها في حياء لذلة لسانها الغير مقصودة، لتقبل هداية وجنتيها المتوردة، هاتفة بها: روحي لعروسك يا عروسة، ربنا يهنيكم يا رب، وكل اللي نفسكوا فيه جولوا لي عليه وأني أعمله، متوجفيش فالمطبخ وأنتِ لساتك عروسة وتمسك فيكِ ريحة البصل والتوم.

هزت دعاء رأسها في طاعة، وهي تحمل الصينية من جديد، بعد أن وضعتها جانبا، في اتجاه غرفة نومها، التي دفعت بابها، ودخلت بالصينية العامرة في اتجاه الفراش، لينتفض عبدالله الذي أخذته سنة من نوم على رائحة الطعام الشهية، متطلعا لدعاء وهو ينهض متحفزا: هاا في حد شافك!

خلعت دعاء اسدالها، وتركته جانبا، قبل أن تجلس قبالته، وهتفت في خجل: اسكت يا عبدالله، أمك دخلت ولجتني شايلة الصينية وچاية عليك، كنت فنص هدومي، بس جالت لي لو احتجتوا حاچة جولوا بلاش ادخل المطبخ وأني عروسة چديدة عشان ريحة البصل والتوم متمسكش فيا.

هتف عبدالله وهو يهمهم استحسانا للطعام، جاذبا كفها، مقبلا في نشوة وهي يتشمم رائحة كفيها متعجبا: ومالها ريحة البصل والتوم! هو في أحلى من مراتك تبجى نايمة چارك وهي ريحتها شبه طاچن العكاوي، ولا بامية بالضاني، حاچة كده تفتح النفس، دي ناس مبتفهمش.
قهقهت دعاء على أفكاره العجيبة، ليجذب كفها مقبلا من جديد، لتهتف به: إيه في يا عبده!
هتف مازحا في مجون: إيه! باخد تصبيره.

قهقت من جديد، ليزيح الصينية جانبا، بعد أن قضى على معظمها، جاذبا إياها بين ذراعيه هامسا في مشاكسة: چه وجت التحلاية، حتتين بسبوسة بجى وحياة الغاليين وكتري الجشطة.
همست تشاكسه في دلال: حتتين بس! ده صينية البسبوسة كلها تحت أمرك يا عبده.
انفجر ضاحكا وهو يضمها بين ذراعيه هامسا: والله ما أني كاسف يدك.
ليغيبا معا في بحار من الشهد المكرر، المضاف عليه المزيد والمزيد من الزبد البلدي الصافي.

تهادى ذاك اللحن الفرنسي الرقيق إلى اسماعها، حين دلفت للغرفة، بعد أن ابدلت ثيابها بحمامها الملحق، مرتدية ذاك القميص الأبيض الرقيق، خطت في رقة نحو ذاك الذي كان يقف متطلعا من شرفة الحجرة نحو برج ايفل المتلألئة أنواره، مع خفوت أضواء الغرفة لتعطي ذاك السحر الطاغي على الأجواء.

شعر بحفيف خطواتها بردائها الحريري، ما دفعه لبستدير بكليته متطلعا لها في هيام طاغ، اقترب في هوادة، مبتسما لها في رقة، متطلعا نحو شعرها المنسدل على كتفيها، يمد كفه نحو خصلاته عابثا، احنت رأسها ونظراتها الخجلى تقابل أرض الحجرة، وهو يهمس في دعابة: مكنتش متخيل شعرك شكلك أبدا وانتِ من غير حجاب، كأنكم اتنين مختلفين تماما.
همس بكلمته الأخيرة في فرنسية متقنة، جعلتها ترفع رأسها متسائلة: ده حلو ولا وحش!

همس وهو يدنو منها هامسا بفرنسينه التي تسكرها، زادها بنبرة مغوية اسقطتها في دوامة من التيه بمحياه: حلوة جدا، رائعة، مذهلة.
تسللت كفاه لتحتضن خصرها في وداعة، تصلبت لا تدرك ما عليها فعله، ليهمس بالقرب من أذنيها، مطمئنا: استرخي، واتبعي خطواتي يا جود.
همست سجود في اضطراب: جود!

ابتسم يوسف تلك الابتسامة الرقيقة على ذاك الثغر المتوج ذاك الشارب الأنيق، مؤكدا في نبرة مدللة: ده اسم الدلع الخاص بيا أنا بس، محدش هيعرفه غيرنا، ومحدش هيدلعك به غيري.

ابتسمت في رقة، وهو يضع كفها فوق كتفه في رقة، وضم كفها الأخرى الأخري، بينما كفه الثانية تحتضن خصرها النحيل، ليبدأ تمايله على الموسيقى الناعمة المنسابة حولهما، ولم تتوقف للحظة، كانت حركاتها متخشبة لبعض الوقت، حتى بدأت تحفظ موضع خطوات قدميها، لتتحرك في انسيابية وهي تطفو على بركة من السعادة، تتراقص بين ذراعيه في خفة فراشة، وقلبها تتسارع دقاته، وهو يدفعها بعيدا بطول ذراعه، ليجذبها إليه في اللحظة التالية لتكون في خضم أحضانه الدافئة من جديد، نوبات من المد والجذر، ذوبتها حرفيا حتى انتهت أخيرا لأخر نوبة جذر خانعة بين ذراعيه، ليهمس لها في عشق وعيونه تجول بمحياها: بحبك.

تطلعت مشدوهة نحو قسمات وجهه الرجولية التي تعشق، وغابت في سحر عينيه الزيتونية، ليهمس يوسف من جديد، بفرنسبته الرشيقة: أحبك.
فما كان منها إلا اغلاق عينيها في هيام طاغ، وقد ذابت كليا بين ذراعيه ليضمها لأحضانه، وذاك اللحن الفرنسي، يأخذهما لأجواء من عالم أخر تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة