قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الختامي

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الختامي

رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش الفصل الختامي

بعد سبع سنوات
اندفعت على قدر استطاعتها ببطنها المنتفخ ذاك، هاتفة له وهي تجلس جواره، مشيرة نحو منطقة لهو الأطفال: قوم بقى شوف بنتك، أنا خلاص غلب حماري مع البت دي! فضحاني وسط كل أمهات العيال، إيه هو إحنا مربينها فين دي! قال نغم قال!؟ دي نغمة نشاز.
قهقه منتصر رابتا على كتف بدور، ونهض في اتجاه موضع ابنته، هاتفا يستدعيها: نغم، تعالي هنا يا حبيبتي.

أشارت إليه الفتاة التي تجاوزت الخامسة ببضعة أشهر، بكفها تستمهله لدقيقة، انهتها لتترك الأرجيحة في اتجاه أبيها، الذي انحني متسائلا: فيه إيه يا نغم! مزعلة ماما ليه!
هتفت نغم بلا مبالاة: هي ماما بس اللي زعلانة، دول الأمهات دول كلهم زعلانين! بس عادي.
قالت كلمتها الأخيرة تهز كتفيها دون أن يرمش لها جفن، أو حتى تخبره بالسبب، ما دفع منتصر ليمسك ضحكاته، متسائلا من جديد: ليه مزعلة الكل منك!

هتفت نغم في هدوء مفسرة: طب بزمتك يا باشا، أخلي العيال تتريق عليا، واحد يقولي يا نعم، والتاني يقولي يا غنم، خدت حقي وضربتهم، فيها حاجة دي!
هتف منتصر مبتسما رغما عنه، هاتفا بها: طب وهو لازم تاخدي حقك بالضرب، مينفعش تقولي لمامت كل واحد فيهم، وهي تأدبه!
أكدت نغم في منطق: يا بابي دول لو ولاد متربيين مكنش حد فيهم قالي كده واتريق عليا، أقول لمامتهم إيه بس! لا، أنا أادبهم بمزاجي.

قهقه منتصر معترفا بمنطق طفلته السليم، رابتا على كتفها هامسا: طب بصي يا نغم عشان خاطر بابا متضربيش حد تاني، ماشي!
هتفت نغم: والله يا بابي هم اللي بيديقوني، بس حاضر يا باشا.
وأدت التحية العسكرية مندفعة نحو ارجوحتها من جديد، التي حشرت نفسها جوار إحدى الفتيات عنوة، بجسدها البض الذي يزيدها روعة وجمال.

قهقه منتصر لأفعال ابنته، عائدا لبدور جالسا جوارها من جديد، لتبارده متسائلة: ها أدبتها! دي مسبتش حد إلا لما اديته علقة.
أكد منتصر مدافعا عن ابنته: عندها حق بيتريقوا عليها، خدت حقها!
هتفت بدور: يا فرحتي! بعتاك تزعق لها بتشجعها يا منتصر، والله البت دي لو طلعت بلطجية هيكون من تحت راسك.
قهقه منتصر غامزا لها بعينه هاتفا بها في سخرية: من تحت راسي أنا! متأكدة إنها مش جينات مثلا او حاجة شبه كده!؟

أمسكت ضحكاتها، مؤكدة: أكيد طبعا جينات، هو مين اللي كان هيموت منفجر مع تاجر مخدرات!؟ أنا!
قهقه منتصر، هاتفا: طب ده شغلي، الدور والباقي على اللي مسكتها من قفاها شبه خِط الصعيد جنب سور فيلا عمتها، ولا اللي سحبتها من قلب المظاهرات والقنابل المسيلة للدموع!؟ هااا، كفاية كده! ولا اجيب جينات كمان.
ارتقعت ضحكات بدور هاتفة: فكرتني بالذي مضي، يااااه، ده أنا كان ليا فالجبال علامات.

قهقه منتصر على أقوالها، وأدار ناظره في اتجاه موضع ابنته حيث تركها، فلم يجدها، لتدفع بدور رأسه في اتجاه أخر حيث هناك بعض الجلبة، مؤكدة: بنتك أهي هناااك، عارف الزيطة والزمبليطة دي، هي السبب فيها، تلاقيها ضربت ولا عضدت عيل وأمه بتحوش بينهم، عليه العوض في بنتي اللي كان نفسي تبقى نسمة شبه أمها.

قهقه منتصر، ناهضا من موضعه، ليفك الاشتباك بين ابنته نغم التي كانت من أسباب ذاك اللحن النشاز من الصراخ الدائر على مقربة.

كان صوت الجلبة والضجيج يشوش عليها صلاتها، ما دفعها لتنهيها لتنهض هاتفة بهم في حنق: خبر إيه! معرفاش أكمل صلاتي عدل، بتصرخوا ليه! تعالوا هنا حلا.
قدم الأطفال في طاعة ليمتثلوا أمام هداية جدتهم، التي ما أن همت بالحديث حتى دخل ماهر ملقيا التحية: السلام عليكم، إيه في! مذنبة العيال كده ليه يا هداية!
هتفت في حنق: والله من دوشتهم ما عارفة اصلي دكعتين عدلين، طول النهار صراخ وعويل.

هتف ماهر مستفسرا: هم مين عيال عبدالله، ومين عيال مؤمن! والله لسه بتخربط فيهم اللهم بارك، كل واحد فيهم چايب بالچوز.
قهقهت هداية مشيرة: وهي دي عايزة كلام يا حچ ماهر، بص كده الملظلظلين دول اللي صحتهم مساعداهم ونازلين طول النهار ضرب فعيال عمهم، ولاد عبدالله ودعاء، هم حيلتهم غير الأكل وكل سنة يجيبوا لنا بالچوز، تجول بيعوضوا السنة ونص اللي مجابوش فيها عيال، ومن ساعتها ومحدش عارف يوجفهم.

قهقه ماهر هاتفا: ربنا يبارك فيهم، معلش أصلك الفرن لما بتحمى بتطلع عيشها بسرعة.
قهقت هداية مستطردة، وهي تشير لباقي الأطفال: أما المعصعصين الغلابة دول ولاد الشيخ مؤمن، مبيعملوش حاچة ف دنيتهم إلا ياكلوا ضرب من ولاد عبدالله، والله بيصعبوا عليا.
ارتفعت ضحكات ماهر من جديد، هاتفا: طب خلاص سماح المرة دي، سيبيهم ومش هيعملوا دوشة تاني، صح يا عيال!

هز الأطفال رأسهم مؤكدين على صحة ما أكده جدهم، لتهتف هداية في حنو، تصرفهم بإشارة من كفها: خلاص روحوا، لكن والله لو سمعت لكم حس تاني، ولا شفت عيل بيضرب واد عمه ما حد هيعتجه ولا يغيته من تحت يدي.
اندفع الاطفال مهللين لخارج القاعة، ليقهقه ماهر على أفعالهم، وهداية تضع كفها على رأسها تهزه من الصداع الذي اكتنفه لتلك الضوضاء المحببة، هاتفة في مزاح: مدرسة ماهر الهواري الإبتدائية المشتركة.

ليقهقه ماهر في سعادة، وهو يتطلع لبذور زرعته المثمرة رغم كل ما كان.

انتظر على الهاتف، حتى انتهى ذاك الرنين المتصل باجابتها على الجانب الأخر، هاتفة: الوو، ازيك يا راضي!؟
هتف راضي في هدوء: الحمد لله يا نعمة، انتي واللي عندك بخير!
أكدت في راحة: اه يا راضي تمام، ده الواد ما صدق، طول النهار فالشارع مع ولاد خاله، خاربها.
هتف راضي محذرا: خلي بالك عليه، ده لسه صغير برضك، وهو مش عارف الدنيا هناك زي ولاد نادر.
أكدت نعمة في طاعة: حاضر من عنايا.

ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهمس راضي متسائلا: هو انتوا هتتأخروا هناك يا نعمة! أنى مش جصدي حاچة، أني عارف إنك بتروحي لبيت أبوكي كل فين وفين، بس بسأل يعني، عشان ابعت لكم العربية.
همست وابتسامة على شفتيها مؤكدة: كلها يومين ونكون عندك، خلي بالك على نفسك.
أكد راضي وهو يغلق الهاتف: تيچوا بالسلامة.
تنهدت نعمة لتهتف بها شيماء متعجبة: جوزك كويس!
هزت نعمة رأسها مؤكدة، لتستطرد شيماء في تساؤلاتها: اومال فيه إيه!

ابتسمت نعمة هاتفة: العادي يا شوشو، كل ما اجي على هنا، يومين بس، وتلاقي الاتصالات فوق دماغي، هو مش بيقولي ارجعي الشهادة لله، بس بيصعب عليا وهو كل شوية، انتوا كويسين، طب الواد تمام، طب انتوا هترجعوا امتى، بس عشان ابعت العربية.
قهقهت شيماء دافعة ابنتها من كتفها في مشاكسة: مش قادر على بعدك يا بت.

أكدت نعمة في نبرة شجية: عارفة والله، بس مخليني ويلي ويلين، عايزة اقعد براحتي معاكم لأني باجي كل فين وفين، وفنفس الوقت صعبان عليا وهو قاعد بطوله، مع أن الشهادة لله سماح مرات يونس بتقوم بالواجب معاه في غيبتي، بس أعمل له إيه، سي راضي مش راضي يتعود على غيابي شوية.

قهقت شيماء من جديد، مؤكدة: حلو، مش احسن ما يتعود على غيابك وتبقى مش فارقة معاه، وجودك فارق معاه فبيته وفرشته، ووجود ابنه حواليه، ربنا ما يبعدك عن بيتك أبدا، ويخليهولكم، وبصراحة سماح بت حلال مصفي، وأمها ست تنحط ع الجرح يطيب، أنا لما شفتهم فالكام مرة اللي جت لك فيهم، حبتهم الصراحة، ويونس كمان أخو راضي حتة سكرة، ربنا يديم المعروف ما بينكم.

آمنت نعمة في ابتهال، ليندفع ابن نادر البكر، باكيا في اتجاه شقة جده، شاكيا ما حدث له، اندفعت حُسن من المطبخ على صوت نحيب ولدها حسن، متسائلة: في إيه! بتبكي ليه يا حسن، وفين أختك حورية يا واد!
هتف حسن من بين نهنهات بكائه: الواد رحيم ضربني.
شهقت نعمة في صدمة، هاتفة بحسن ابن أخيها تطيب خاطره: معلش، حقك عليا، بس لما يطلع، هقطعه حتت، ليه يعمل فيك كده، قليل الأدب ده!

هل رحيم، ساحبا حورية ذات الأربعة أعوام خلفه، هاتفا في نبرة واثقة: لاه مش هتضربيني، عشان أبويا جالي أعمل كده.
شهقت نعمة هاتفة في تعجب: يا واد أبوك قالك أضرب ابن خالك!
هتف الصبي يفسر: لاه، جالي لو لجيت حد بيمد يده على حد من البنات، دافع عنها، عشان تبجى راچل، وحسن كان بيضرب حورية فجلب الحارة، اسيبه!؟
همت نعمة بالحديث معاتبة ولدها، لكن حُسن هي التي تدخلت، هاتفة برحيم في إكبار: جدع يا رحيم، برافو عليك.

وتطلعت لحسن ولدها هاتفة به: اطلع على فوق، ولما يجي أبوك هقوله، عشان نبهتك كتير متمدش ايدك على أختك، دي صغيرة ومش فاهمة حاجة.
هتفت شيماء مدافعة عن حفيدها: خلاص بقى وحياتي يا حُسن، متخليهوش يطلع يقعد لوحده، خليه يدخل يقعد ما جده ناصر، أهو منزلش الورشة النهاردة.

أشارت حُسن لولدها، ليتجه نحو غرفة جده في صمت، ليجذب رحيم كف حورية مجلسها على أحد المقاعد كما الأميرة، لتبتسم له في وداعة لم يكترث لها، وهو يتركها مندفعا من جديد، ليلحق بدوره في تلك المباراة الدائرة رحاها بالحارة، أسفل بيت جده.
همست نعمة بأمها: هو أبويا ليه مش على حاله، مبقاش بينزل الورشة زي الأول!

تنهدت شيماء في حسرة، وهي تنهي تقطيف الملوخية من أجل الغذاء: والله يا بنتي من يوم موت جدك خميس، وخد من بعده ستك نعمة، وهو على دي الحال، يقعد له ساعة ولا حاجة فالورشة، وساعة فالقهوة وتنه طالع، ونقل حالنا كله لأوضتهم، وسايب الحمل كله على نادر أخوكي، أديكي شيفاه مطحون إزاي، والله ما بنشوفه إلا لو طلع يخطف له لقمة، ومن بعدها على شقته ع النوم.

ساد الصمت قليلا، وحُسن تخرج من المطبخ تستعجل الملوخية لأن نادر أخبرها أنه جائع ويريد الصعود للغذاء، دفعت شيماء لحُسن بالملوخية المقطفة، وما أن همت نعمة بالنهوض لمساعدتها، حتى دفعت بها حُسن هاتفة: والله ما انتِ مادة أيدك في حاجة، اقعدي مع أمك دي بتشوفك كل فين وفين.

ربتت نعمة على كتف حُسن في محبة خالصة، وعاودت الجلوس جوار أمها، التي تساءلت في قلق: هو أنتِ مش ناوية تخاوي رحيم ولا إيه يا نعمة! لسه العلاج مش جايب نتيجة!؟
همست نعمة في ابتسامة: عن قريب، اصل شكله حصل، وأنا كنت مخبية على راضي لحسن يخاف وميرضاش بجبني، قلت أقوله لما أرجع بقى.
اتسعت ابتسامة شيماء في فرحة: الله أكبر، ده راضي هيفرح قوي، مكنش حقك تخبي عليه، ربنا يقومك بالسلامة، وخدي بالك على نفسك بقى.

هزت نعمها رأسها في طاعة، وهي تتطلع لحورية ابنة أخيها الوديعة تلك، التي جلست موضع ما تركها رحيم، دون أن تتحرك قيد أنملة، تتعشم أن يهبها الله طفلة في جمالها ووداعتها، تعوضها عن عدد مرات حملها الذي لم يكتمل، وظلت تتعالج بعد كل مرة لفترة طويلة، حتى أذن لها الله، بالحمل من جديد.
نهضت حورية في اتجاه نعمة هامسة بصوت رقيق: عايزة انزل تحت عن رحيم.

ابتسمت لها نعمة مؤكدة: هو طالع دلوقت، هتنزلي وهو بيلعب ومش هياخد باله منك، أقولك، تعالي اتفرجي عليه من فوق.
وفتحت نعمة لها ذاك الشباك المطل على قلب الحارة، لتجلس حورية تتطلع منه على رحيم، وهو يتعارك مع الصبيان وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة.

تطلع نحوها في اشفاق وهي تحمل صينية الطعام المجهزة له ولراضي أخوه الذي كانت زوجته عند أهلها هذه الفترة، انتفض مندفعا يحمل عنها حملها معاتبا بنظرة مهمومة على حالها، وأصغر بناته متعلقة بطرف جلبابها بهذا الشكل اللصيق، هاتفا في نبرة مؤنبة: وكان عليكي من ده بإيه يا بنت الناس! ما كنا نشوفوا البتين وحالهم، بعدين يبجالها حمل تاني!
هتفت سماح مؤكدة: خلاص بجى يا يونس، اللي حصل حصل.

ابتسم وهو يضع الصينية جانبا هامسا بها: اللي حصل حصل، ولا كله بترتيبك عشان تچيبي الواد اللي واكل عجلك!؟
ابتسمت معترضة: لاه محصلش، دي غلطات، مكنش بيبجى جصدي.
همس يونس لها مازحا: اطلع من دول يا واد يا سماحة، ده أني عچبنك وخبزك، جال غلطات جال!

اتسعت ابتسامتها، تحاول مداراتها لعلمها بأنه مدرك لحقيقة الأمر، لكنه استطرد متنهدا: يا سماح، أني لا عاوز واد ولا عفريت ازرج، أني عايز راحتك أنتِ والبنات، غير كده كل اللي بياچي بتاع ربنا، ملناش فيه.

همست بشجن: عارفة يا يونس، هو أنت فيه زيك، ده أني نفسي ربنا يرزجني بواد عشان يبجى حتة منك، فجدعنتك وطيبة جلبك، وكمان لجل ما البنات يكون لهم أخ يوجف فضهرهم ويساعدك عليهم، أني اتلطمت كتير يا يونس أني واخواتي لأن مكلناش راچل، وأني عاوزة لبناتي عزوة رچالة يكونوا ضهر وسند ليهم، فاهمني يا يونس.

ابتسم يونس رابتا على كتفها متفهما، وهمس في محبة: والله ما في سند وضهر إلا ربك، جولي يا رب، وأنا إن كان عليا، عايز اچيب منك كل يوم عيل، ولاد ولا بنات ولا حتى ربراب، كل اللي يچي منك يا سماح أني راضي بيه وعاچبني.

اندفعت ابنته الكبرى نيرة نحوهما، متطلعة لهما في نظرات يشع منها ذكاء فطري، وهتفت لائمة باختها الصغرى اللصيقة لأمها كما الغراء: تعالي يا بت، لازجة لأمك كده ليه! تعالي أما اوريكي العفريت اللي بيجولوا عليه، ظهر بره عند سور الچنينة.
تطلعت لها الصغيرة في شك، ما لبث أن تحول لثقة وتبعت أختها التي أخذت بيدها الصغيرة بأحضان كفها، في اتجاه الحديقة.

ليستوقفها يونس هاتفا بابنته في سخرية: وأنتِ بجى شفتي العفريت يا أم سحلول!
تطلعت نيرة لأبيها في حنق، وضغطت على أسنانها العلوية على شفتها السفلي، وهي تغمز له بإحدى عينيها، كأنما تخبره أن الأمر ادعاء وليس حقيقة، حتى ترحم أمها من تعلق الصغيرة بها لفترة لو قصيرة، مولية له ظهرها، مغادرة بصحبة أختها الصغرى.

ليتطلع يونس مقهقها نحو سماح هاتفا في سخرية: دول اللي خايفة عليهم وعايزة تچيبي لهم أخ، دول رايحين يشوفوا العفريت كنهم رايحين يتفرچوا على فيلم كرتون.
قهقهت سماح تشاركه رأيه هاتفة: ايوه امال إيه! بناتي وتربيتي.
هتف بها هامسا وعلى شفتيه ابتسامة رضا: ربنا يبارك لنا فيهم ويچعلهم خيرة الناس، ويجومك بالسلامة يا أم بعچر.

ربتت سماح على كتفه مبتسمة في محبة، وهي تسير مبتعدة، ليهمس بها مغازلا في مزاح: يا حلاوتك يا واد يا سماحة وأنت ماشي تتدألچ كده شبه الكورة الشراب، حاچة محصلتش!
قهقهت سماح على تعليقه، ليهتف يونس مازحا من جديد: الله أكبر، لا كده أني اخد الأكل للراچل اللي مرته مش موچودة ده، جبل ما الأكل ما يبرد، وأنتِ يا ولية..

وأشار برأسه لسماح وهو يحمل الصينية للخارج في اتجاه شقة راضي، مستطردا في نبرة مرحة مغلفها بحزم مزيف: روحي ياللاه شوفي العفريت مع عيالك، بلا ضحك بلا مسخرة!
قهقهت من جديد، ليندفع مبتعدا عنها، بحمله نحو شقة أخيه.

هتفت أية في ذعر، وهي تضم طفلها الرضيع لصدرها، محذرة زوجها، الذي كان يضع ولدهما البكر فارس على ظهر عنتر، يعطيه درسه الأول في الفروسية: بالراحة يا مروان، خد بالك عشان خاطري، الولد ممكن يقع!
هتف مروان في تعجب: يوقع ده إيه! وهو أنا بعمل ايه جنبه! ده أنا جايب له عنتر مخصوص مش أي فرس تاني، عشان هايبقى مهاود، متقلقيش.

كانت لا تزال على حالها من القلق حين جاءت ثريا لتجلس جوارها رابتة على كتفها مطمئنة، هاتفة بها في نبرة كلها فخر، وهي تتطلع نحو مروان: متخافيش، مروان هيبجى أحرص واحد على ابنه، مش ممكن يعرضه للي هو شافه، ويعيشه العذاب اللي عاشه وعشنا معاه فيه سنين.

ابتسمت وساد الصمت لبرهة قبل أن تستطرد في إكبار: مروان اتعلم الفروسية وهو أجل من سن فارس إبنك، كان كل اللي يشوفه يجول ده كأنه مولود فوج الفرس، كان بيعشج الخيل بشكل مش طبيعي، ومن يوميها مسبش ضهر الفرس، إلا لما الفرس هو اللي حدفه بعيد عنه، ومع ذلك بعد فترة بسيطة كان بيحن لهم چدا، ويتمنى بس إن ربنا يشفيه عشان يجدر يركب خيل تاني، لحد ما ظهر الفرس الغريب اللي كنت بشوفه بيجله يوماتي هنا، يأكله ويتونس بيه، ويمشي لما الغقير يچي ياخده، اتاري الفرس بتاع الأميرة اللي دخلت حياته، وقلبتها.

ابتسمت أية لتذكر حادثة وقوعها من فوق صهوة عنتر باحضانه، والتي لا يعلمها الا هي ومروان، وكانت دوما مادة للتندر فيما بينهما، لتهمس في رقة: والله يا طنط ما عارفة هو مين اللي دخل حياة مين وقلبها! كأننا جينا لبعض فالوقت الصح قوي.
همست ثريا باسمة: جيتوا لبعض فالوجت الرباني يا بنتي، مفيش أحسن من توجيت ربنا.

واستطردت وقد اتسعت ابتسامتها: عارفة أنا كنت فين وعمك سيد كان فين! ولا كان حد يجدر يتخيل إن الباشمندسة اللي خدتها بدراعها بت الغفير هتاخد واحد من ولاد الهوارية، لكن كانت حكايتنا عچيبة، وكأن كل واحد فينا زي ما جلتي، چاي للتاني عشان يعدل مسار حياته ويشده لطريج سعادته وهو مش دريان.

ابتسمت أية متطلعة لمروان وولدها، الذي أمسك لجام عنتر بكلتا يديه في ثبات عجيب، وبدأ في التحرك بالفرس في شجاعة لتصفق جدته له في تشجيع كبير، كما كانت تفعل ما والده من قبل، لتحذو أية حذوها وقد شعرت بالفخر لما يفعل طفلها البكر، وأول ثمرة لنتاج عشقها لأبيه، الذي نظر لها نظرة ذات مغزى، جعل ابتسامتها تتسع في هيام.

هتفت سهام الجدة بصوت حاد منادية: يا سمير، يا واد يا سمير تعالى شوف عيالك بيعملوا فيا إيه!
هتف كريم أحد التوأمين مهادنا إياها خوفا من غضب أبيه: إحنا عملنا إيه بس يا ستي! والله ما عملنا حاچة، هتنادمي أبويا ليه!؟
هتف كرم توأمه في ذكاء فطري: بجولك يا ستي تخدي إيه وبلاش تنادمي أبويا!
قهقهت سهام الجدة هاتفة في مشاغبة: اه يا بن الاية يا واد يا كريم! شكلك فاهم ستك بالمظبوط!

هتف كرم في نزق: انا كرم يا ستي، ها جولي عايزة إيه وبلاش أبويا.
هتفت سهام مطالبة: هاتولي شيكولاطة من الكبيرة دي اللي كد الكف، ويبجى فيها مكسرات عشان بحبها.
هتف كريم في براءة: بس دي غالية يا ستي واحنا خلصنا المصروف.
هتف كرم في نبرة واثقة: اسكت بس وأنا هتصرف، ستي تأمر واحنا نچيب.
هتفت سهام متضرعة: ربنا يخليك واد ولدي، حبيبي..

أشار كرم نحو كريم ليغادرا الغرفة باعتبار أنهما في طريقهما لشراء ما طلبته جدتهما، ليعاود كرم دخول الحجرة عليها، متصنعا البكاء هاتفا: ستي، شفتي اللي حصل!
هتفت سهام مذعورة: ايه في يا واد! كفى الله الشر.
هتف كرم وما زال يدعي البكاء: أمي عطتني فلوس اچيب لها حاچة وضيعتها.
شهقت سهام وقد نسيت ما كان منذ دقائق: ضيعت كام يا واد!

هتف كرم بسعر الشيكولاته التي كانت ترغب فيها لتخرج سهام من جيب عباءتها النقود لتعطيها لكرم الذي نالها في سعادة لم تكتمل عندما أمسك به وأخيه أبوهما الذي كان ينتظره بالخارج، هاتفا بهما: أنا شفت كل حاچة، بجي كده يا كريم أنت وكرم، حد يعمل كده!
هتف كريم في نبرة معتذرة: ستي كان نفسها ف شيكولاته ومكنش معانا نچيب لها.

هتف كرم متبجحا: الحج علينا ستك كان نفسها فحاچة وجلنا نتصرف ونچيبوها، مش هنتصرف تاني يا عم، وأدي فلوسكم أهي.
أمسك سمير ابنه من ياقة جلبابه في حنق هاتفا به: انت يا واد يا كريم مش هتبطل..
قاطعه كرم هاتفا: أنا مش كريم أنا كرم على فكرة.
هتف سمير في حنق مناديا: يا سمية تعالي شوفي عيالك!
جاءت سمية مهرولة: إيه في!

هتف سمير هامسا: مين فيهم كريم ومين كرم! العيال لسه بيستغفلوني، كانت شورة سودا يوم ما فكرنا نسميهم زي الفيلم.
أمسكت سمية ضحكاتها على أفعال سمير مع أولاده، هامسة تشاكسه: تدفع كام واجولك مين فيهم كريم ومين كرم!
همس مشاغبا: وده وجته يا سمية خليني أربي العيال دي اللي بيضايجوا ستهم، ثم غمز لها بعيونه مستطردا، والحساب يچمع.

هتف كرم مستعطفا أمه: بلاش يا ماما، إحنا حبايبك، وبعدين أول ما تعرفيه، هيمسك فيا أنا ويقولي أكيد دي أفكارك يا...
أمسك سمير في ولده هاتفا في انتصار: اهو چبته لنفسك، وعاملي فيها فكيك، يبجى أكيد أنت كرم، هو في غيرك اللي هيعمل عمايل الشياطين دي!
حاول كرم التملص من ذراعي أبيه، لكنه لم يفلح إلا عندما هتف كريم لينقذ أخاه من بين يدي والده: عليك واحد يا بو سمرة، أنا كرم واللي ف يدك كريم.

ما أن تنبه سمير لما يحدث، إلا وكان كرم قد أفلت نفسه مندفعا ليهرب بصحبة أخيه لخارج الدار ومعهم مال جدتهم، التي هتفت ما أن فاقت من غفوتها لتجد سمير قبالتها لتهتف به في حنق: فين يا واد الشيكولاته، والله لأجول لأبوك إنك بتغفلني وتاخد الفلوس ومشفش منك حاچة.
أمسكت سمية قهقهاتها على حال سمير الذي تطلع لها هامسا: شايفة عمايل عيالك، طلعت أني اللي سارجها دلوجت.

لم تستطع سمية امساك ضحكاتها أكثر هاتفة به: طب خد التجيلة بجى، العيال ضحكوا عليك، واللي كنت ماسكة كان كرم صح والتاني استغلك عشان يلحج أخوه من يدك.
هتف سمير في حنق: يا ولاد..

واندفع مهرولا خلفهما، في محاولة لتأديبهما، لترتفع قهقهات سمية على مغامراته مع ولديه التي لا تنتهي، لتنتبه لغطيط سهام الذي علت وتيرته، فسحبت على كتفيها شالها، واندفعت تلبي نداء طفلتها الباكية، ذات الثلاثة أعوام، قبل أن توقظ الجدة من نومها.

هلل رائف ونوارة ما أن وعوا لترجل كل من سامر وفريدة الذين قدموا لزيارة سريعة لهم قبل النزول لنجع الصالح، في جولة سريعة، ليدخلوا جميعا للقاعة التي كان في انتظارهم بها، يوسف وسجود التي جاءت بعد غياب طويل لزيارة أختها، ما أن نزلت من فرنسا أخيرا بعد أن نالت شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي، والتي دعمها يوسف في الحصول عليها كثيرا.

هتف رائف مستدعيا ولده البكر رؤوف، والذي حضر مسرعا، كان أكبر من أعوامه السبع شكلا وعقلا، ألقى التحية على الجميع، ليأمره رائف وهو يشير لأبنتي سجود وفريدة، اللتان اقتربتا ليقدمهما رائف لولده هاتفا في نبرة لطيفة: بص يا أستاذ رؤوف، دي الآنسة چوليا، ناديها چولي، دي تبجى بت خالتك سچود وعمك يوسف، ودي الآنسة زينة، بت عمك سامر وخالتك فريدة، أفتكر شفتها جبل كده.

هز رؤوف رأسه مؤكدا، رغم أن ذلك كان منذ فترة ليست بالقصيرة، لكنه تذكرها.
هتف به رائف أمرا في حزم: خد جرايبك ياللاه، وألعبوا بره، بس متبعدوش عن البيت الكبير، مفهوم يا رؤوف!
أكد الطفل في طاعة: طيب.
اندفع الطفل للخارج، وخلفه الفتيات، جوليا وزينة، ليقترب رؤوف من الأدهم الذي كان مسرجا بالقرب من البيت الكبير، ربت رؤوف على الفرس في محبة، لتهتف جوليا بالفرنسية، مستحسنة: برافو، أنت بارع في التعامل مع الفرس.

لم يفهمها أي من رؤوف وزينة، التي تأففت في ضيق، هامسة بالقرب من رؤوف: بتقول إيه دي! دو، دو، بذمتك أنت فاهم حاجة منها!
أكد رؤوف على عدم فهمه، هامسا وعلى شفتيه ابتسامة: لاه مش فاهم حاچة الصراحة، بس بالراحة عليها دي ضيفة.
لم تعر زينة نصيحته اهتماما، هاتفة في نبرة أمرة: اتكلمي عربي لو عايزانا نفهم بتقولي إيه عشان تلعبي معانا، إحنا مش فاهمينك.

هزت جوليا رأسها في رقة، مؤكدة على محاولتها لتفعل، هاتفة من جديد، بلغة عربية مضعضة الأحرف، تسأل رؤوف عن اسم الفرس الرائع، ما دفع زينة لتنفجر ضاحكة على لغتها العجيبة، لتستاء جوليا معبرة عن حنقها بالصمت، ليتطلع رؤوف لزينة مؤنبا: بلاش كده يا زينة، مضيجيهاش.
هتفت زينة ساخرة: أنت مش سامعها بتتكلم إزاي!

وبدأت زينة تقلدها، ما دفع رؤوف ليتقدم نحو جوليا رابتا على كتفها في مواساة، مؤكدا: متزعليش، زي ما أنتِ مبتعرفيش عربي كويس، هي مبتعرفش فرنساوي كويس.

استعادت جوليا ابتسامتها بعد دعم رؤوف، ليأخذهما نحو غرفة البيانو الذي ما أن رأته جوليا، حتى هتفت في سعادة، وهي تندفع نحوه، تجلس وقد بدأت العزف في مهارة تناسب سنها، حتى انهت عزفها، ليصفق لها رؤوف مستحسنا، ابتسمت له في رقة وهي تنهض تنحني تحييه بانحناءة بسيطة كأنها نجمة على أحد المسارح، تحيي جمهورها الحبيب.

تطلع رؤوف حوله ولم يجد زينة، لذا اندفع للخارج، باحثا عنها وجوليا في أعقابه، وما أن خرج من البيت الكبير، حتى وجدها تقترب من ذاك الجسر الخشبي الصغير الذي يوصل للاستراحة، صرخ فيها رؤوف لترجع لكنها لم تكترث لندائه، وما أن وصل إليها عدوا حتى اختل توازن قدمها الصغير لتسقط في الترعة تحت الجسر، والتي لم تكن بها الكثير من المياه، نظرا لأنه لم يكن وقت ري الأرض، لحسن الحظ.

اندفع رؤوف في بسالة، نحو تلك التي جلست تبكي وسط المياه، لم يهمه بلل ملابسه بقدر ما كان همه الأكبر ألا يكون ذاك الذي خالف وصية والده، ولم ينتبه للفتيات كرجل يعتمد عليه.

خاض رؤوف بالماء، وجذب زينة من كفها، لتقف، ليجدها غير قادرة على الحركة، لذا تحامل على نفسه، حاملا إياها على ظهره لخارج الترعة الضحلة، وسار بها خطوات حتى وصلوا جميعا لدرج البيت الكبير، انزلها محاولا ألا يبدو مرهقا لحملها هذه المسافة رغم قصرها، والتي ما كفت زينة فيها عن البكاء، هتفت بها جوليا مطمئنة بعربية بسيطة: متعيطيش، ماما دايما تقولي العياط مش هيحل حاجة، لازم نفكر بدل ما نعيط.

هدأت زينة بعد كلماتها قليلا، ليهتف رؤوف: قصدك إيه!
أشارت جوليا للأعلى: أنا هطلع اجيب لها فستان تلبسيه بدل اللي اتبهدل ده، وخلاص، ماشي!
هتف رؤوف: لا، الأحسن هي تطلع اوضتها تغير هدومها وتنزل، تعالوا..
تسلل رؤوف يؤمن لهما الطريق، حتى صعدا للأعلى في هدوء، أشارت له جوليا وهي على أولى الدرجات المؤدية للطابق العلوي: أنت مش جاي معانا رؤوف!

هتف رؤوف مؤكدا: لاه، هستناكم هنا، انتوا بنات مع بعض، مينفعش اطلع معاكم.
هزت جوليا رأسها متفهمة، لتصعد الدرج في هوادة حتى إذا ما وصلت لأخر الدرجات، إلا واستدارت تلوح له بكفها الرقيق، تتطلع نحوه بعيونها الزيتونية الشبيهة بعيون أبيها، وابتسامة رقيقة على شفتيها قبل أن تهتف في فرنسية: إلى اللقاء.

ابتسم بدوره، وهز رأسه موافقا، لم يكن يدرك ما تعنيه كلمتها الفرنسية تلك، وعلى الرغم من ذلك، أعطاها موافقته بلا قيد أو شرط.

ظل يترنح للأمام والخلف في حركة متتابعة وهو يهتف في صوت رخيم مرتلا: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
هتف عاصم الجد في فخر: باااس، الله ينور عليك يا شيخ ناچي، حاچة أخر سلطنة.

هتف ناجي بن عاصم مستفسرا: حلو بچد يا چدي، ولا البت فاطمة هتفوز عليا زي كل مرة، وسيدنا يجعد يجول فيها أشعار.
سعل عاصم الجد لبرهة، قبل أن يهتف في ولد حفيده الأقرب لقلبه: فاطمة مين يا واد، أختك الصغيرة!
امتعض ناجي هاتفا في نفاذ صبر: يا چدي فاطمة! مش فاكرها! اللي جلت لك عليها المرة اللي عدت!؟ شكلك نسيت!
قهقه عاصم الجد مؤكدا: أيوه يا واد عاصم نسيت، الكبر عبر يا ولدي، بس وماله قكرني، مين بجى فاطنة دي!

هتف ناجي معترضا: اسمها فاطمة يا چدي مش فاطنة!
هتف عاصم مقهقها من بين سعاله: خلاص يا سيدي متزجش كده، مغلطناش فالبخاري يعني، جول بس، مين البت فاطمة دي، حلوة يا واد!

قهقهت زهرة على أقوال زوجها، الذي كانت تجاوره منذ البداية، ولم تعلق على مشاكساته مع أحفاده كالعادة، بل تستمتع فقط بالمشاهدة، والضحك إذا لزم الأمر، مثل هذه اللحظة التي نسى فيها عاصم وجودها يتطلع لحفيده ناجي، يسأله عن تلك التي يعاديها بهذا الشكل لسبب ليس بمعروف حتى هذه اللحظة، ليهتف ناجي متعجبا: حلوة إزاي يعني! معرفش يا چدي، أنا كل اللي يهمني إن الشيخ مرتضى ميجعدش يعظم فيها وأنا لا.

هتف عاصم الجد متسائلا: بت مين فاطمة دي يا ناچي! تعرف!؟
صمت ناجي لبرهة، كأنه يتذكر معلومة ما مهمهما، قبل أن يهتف مؤكدا: ايوه يا چدي، دي بت عمي مؤمن الهواري، وعمتي سهام.
هتف عاصم في سعادة: الله أكبر، الله أكبر، ربنا يحفظها ويحميها.
امتعض ناچي متطلعا لجده في غيظ، هاتفا به ملوحا بذراعه: إيه يا چدي، اجولك مضايج منها، والشيخ مرتضى مبديها عليا، تجوم تفرح بها أنت كمان! أنا زعلان منك.

ونهض ناجي مندفعا في حنق، وعاصم يمسك ضحكاته على أفعال بن حفيده، هاتفا يستوقفه ليحاول ارضائه: تعالى يا واد، خلاص متزعلش، بجولك خد..
لكن ناجي لم يكن في مزاج مناسب، كان حاقدا على تلك التي يمجد فيها الجميع، وما ألتفت أحدهم لانجازاته العظيمة، ومجهوداته الحثيثة في اللحاق بها، والوصول لمستواها الفارق عنه.
تطلع عاصم لزهرة متعجبا: الواد خلجه ضيج ليه كده، طالع لمين الواد ده!

قهقهت زهرة متسائلة في نبرة ساخرة: بذمتك مش عارف! ده العرق يمد لسابع جد، يا جدو..
قهقه عاصم بضحكات يخالطها السعال الذي ما عاد يتركه إلا لماما، هاتفا ما أن هدأت حدة سعاله، مازحا: جال لك السابع، أني يا دوبك التاني، يعني أني براءة.

قهقت زهرة على قوله، ليسعل من جديد، لتمد لها كفها بكوب من الماء، لعله يخفف من شدة سعاله هذه المرة، مد كفه المتغضن، المرتجف قليلا، لتساعده زهرة في رفع كوب الماء لفمه مرتشفا بعضه، قبل أن يتنهد في راحة، معاودا الاستناد على ظهر كرسيه، هامسا بزهرة متسائلا: هو مين اللي جفل أم كلثوم!
هتفت زهرة مفسرة: أنا يا عاصم عشان ناجي كان بيسمع لك قرآن من شوية.

تطلع لها عاصم شاردا للحظة، قبل أن يهز رأسه هاتفا في تأكيد: إيوه صحيح، كني نسيت، طب هو الواد ناچي راح فين!
أكدت زهرة مبتسمة: راح درس القرآن يا عاصم.
هز رأسه من جديد، مشيرا لمشغل الأغاني المجاور لهما، أمرا زهرة في لطف: طب شغلي الست ياللاه.
هتفت في طاعة: من عنايا.

ضغطت زر تشغيل الجهاز، لتنساب ألحان أغنيتها العذبة، ليتنهد عاصم في راحة، وهو يضع جانب رأسه على كتف زهرة الملاصقة له، تربت على ظاهر كتفه الممتدة على يد المقعد المشتركة بينهما، وهو يتطلع لسنوات عمره التي تمر أمام ناظريه كشريط سينمائي يتحرك بالأفق الأخضر الممتد لما لا نهاية، حتى ذاك الجبل البعيد نسبيا، رحلة طويلة، كانت كلها مزيج عجيب من الافراح والاتراح، الشهد والعلقم، رحلة من حلاوة عشق مخلوط بدموع فراق ووجع، رحلة رغم طولها قصيرة.

تنهد من جديد، ليرفع يده جاعلا يده هي العليا على كف زهرة المتغض، وجانب رأسه ما يزال مستندا على كتفها بلا تعب أو وصب، وهو يترنم بكلمات أم كلثوم التي تتردد اللحظة، معبرة عما يستشعره بكل كيانه:
يا حبيبى إيه أجمل م الليل واتنين زينا عاشقين تايهين..
ما احناش حاسين العمر ثوانى ولا سنين..
حاسين إننا بنحب وبس..
عايشين لليل والحب وبس..
يا حبيبى الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا..
للناس دنيتهم واحنا لنا دنيتنا..

وإن قالوا عن عشاقه بيدوبوا فى نار أشواقه، أهى ناره دى جنتنا..
الحب عمره ما جرح، ولا عمر بستانه طرح، غير الهنا وغير الفرح، غير المحبة والفرح..
كرر المقطع الأخير، رافعا كف زهرة مقبلا ظهره، معيدا إياه موضعه، وهو ما يزل بحضن كفه، رافعا رأسه وهو يتطلع لها، لأرضه التي حرثها بالمحبة، وبذر فيها بذور العشق، لتعطيه أروع حصاد، كان زاد لعمرهما وزواد للياليه التي ما زالت تجمعهما بالود الخالص.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة