قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

كان العمل يسير على قدم و ساق داخل دار الحاجة وجيدة..
فاليوم هو اليوم الموعود..
الليلة الكبيرة..
زفاف أبنة اخيها و ربيبتها..
و لم يكن الشيخ عبدالعزيز و لا روح ليتركاها في ليلة هامة كتلك..
فروح التي تعافت الى حد كبير وقفت مع النسوة منذ ايّام يحضرن الخبيز الخاص بالعروس
و القيام بطبخ كل أنواع الطعام للقادم من ضيوف..
كما اشرف عبدالعزيز على نصب صوان الفرح
و محاسبة العمال و الوقوف على يد القصابين.

لذبح الذبائح استعداداً لليلة الميمونة..
كان عبدالعزيز رغم بشاشته المعتادة و التي يظهر بها امام الناس في تلك اللحظة
يحمل وجه اخر يداريه داخل ضلوعه، وجه لا ترى ملامحه المرتعبة
و لا قسماته التي ترتجف ذعرا
الا روح..
روح وحدها التي تدرك ما يعانيه ذاك الرجل هناك..
هي لا غيرها القادرة على قراءته حتى و لو غلف صفحة وجهه بألف غلاف قاتم
هي وحدها التى تستطيع النفاذ عبر
تلك القتامة لتكشف ما خلفها..

كثيرا ما لاحظته من البعد يداعب هذا
و يشاكس ذاك..
و كانت تتمنى لو تترك ما يلهيها عنه و تذهب اليه
لتخبئ وجهه الممسوخ ذاك بين ضلوعها
تاركة إياه يُظهر وجه الألم الذى يداريه بين ذراعيها
بعيدا عن الناس
و عن تصنعه البهجة في وجودهم، رفعت وجهها و تعلق ناظريها بالسماء مرارا و هي تتضرع الى الله خفية
ان ينجيهما من كل ما فيه ضر لهما، و يسبل ستره عليهما.

ارتفعت الزغاريد لتوقظ روح من شرودها المتزايد في الفترة الأخيرة، لتنتبه ان العروس قد حضرت لصحن الدار و حولها تجتمع النسوة مهللات لتبدأ وصلات الرقص المتتابعة و المحمومة بالفرحة..
بينما اشتعل الصوان خارجا بصوت المستحسنين لشدو الشيخ عبدالعزيز الفقى
الذى اطرب الجميع بصوته الشجى..
و على الرغم ان رؤية عبدالعزيز فوق منصة الإنشاد و سماع صوت المستحسنين لشدوه كان احد أمنياتها
الا ان روح الان.

و في تلك اللحظة بالذات..
كان هذا اخر ما تتمنى رؤيته
لانها تدرك ان هذا فيه خطر كبير عليه لو تعرف عليه احدهم..
تسللت من بين النساء حتى وصلت لأطراف الصوان
و من احد الجوانب الغير مرئيّة لمن بداخله
طلت تستطلع الأخبار لترى عبدالعزيز يدندن متسلطناً
و الناس يهللون سكارى من حلاوة شدوه ..
و عذوبة صوته..
اخذتها الفرحة لمرأه كما كانت تحلم دائما
و غابت في حلاوة الإنشاد
و صاحبه
قرة عينها.

و لكنها فجأة استفاقت محاولة ان تتدارى
و هي ترى رجلين على مقربة منها
بل يكادا يكشفا وجودها لقربهما من مخبأها
و قد هتف احدهما في صاحبه متسائلا: - مش دِه يا واد، المنشد اللى كان جابه العمدة عتمان الله يجحمه في فرح ولده..!؟.
هتف الاخر في ثقة: - ايوه باينه هو..
بس اهو مطلوج و متحبسش زى ما بيجولوا..
مش كانوا تهمينه ف جتل عتمان برضك..!؟.
اكد الأول: - ايوه صح انى سمعت كِده...
بس بالك انت..

و الله راچل انه عِملها و جتل عتمان و ريحنا من شره..
اكد الاخر: - بس معجول يطلع كِده ينشد عادى
و الحكومة كلها لساتها وراه..!؟.
اكد صاحبه: - يا عم مش جتال جتلة و دِه هيهمه حاچة برضك..!؟.
اكد الأخر و هو يسير مبتعدا مع صاحبه: - على جولك..
كانت روح تنتفض مذعورة و هى تستمع لكل حرف من حديث الرجلين حتى ان قدميها ما عادتا قادرتين على حملها..

الا انها تحاملت على نفسها لتصل بالكاد حتى عتبات دار الحاجة وجيدة مبتعدة عن الصوان قدر الإمكان
منتظرة ان تحل اللحظة التي تنتظرها
و يقطع عبدالعزيز وصلة إنشاده الأولى عند وضع الطعام للمدعوين و الضيوف..
و حانت تلك اللحظة أخيرا عندما نادى المنادى بان موائد الطعام قد مُدت للجميع..
فراح الناس يتسابقون على الطيبات الموضوعة على الموائد، يتناولون ما تشتهى أنفسهم من ملذات..

هنا استطاعت روح إرسال احد الأطفال لكى يستدعى لها عبدالعزيز
على وجه السرعة قبل ان ينتهى الناس من طعامهم و يصبح ملزما بالبدأ في الوصلة الثانية...
كانت تنتظره في قلق بالغ و ما أن لاح طيفه ف الأفق مقتربا
حتى اندفعت اليه بكل ما تحمل من خوف و قلق هاتفة: - ياللاه بينا من هنا يا شيخ..
ياللاه نروح من هنا بسرعة..
هتف عبدالعزيز قلقا لمرأها بهذا الشكل: - ليه يا روح..!؟.
هو في حاچة حصلت..!؟.

أكدت بأهتزازة قوية من رأسها
و هي تزدرد لعابها في صعوبة: - ايوه يا شيخ، في رچالة عرفوك، وعارفين حكاية عتمان كمان..
انى سمعتهم بودانى، ياللاه يا شيخ، هم الله يسترك..
كان متردد بين اللحاق بروح التي كانت تجذبه من كفه ليتبعها
و بين عودته مرة أخرى لصوان الفرح
ليبدأ وصلته الثانية..
و ما ان هم بالاستجابة أخيرا لمطلب روح باللحاق بها.

حتى تسمر كلاهما في موضعه عندما تناهى لمسامعهما صوت الحاجة وجيدة هاتفة بهما في تعجب: - على فين يا شيخ عبدالعزيز
و سايب الصوان و الفرح..!؟.
نظر كل منهما للاخر في تردد غير قادرين على الإجابة..
ادركت الحاجة وجيدة بحدسها القوى
ان هناك شيء ما غامض لا تعيه
و هو السبب في تلك الحالة التي تراها
عليهما الان..
هتفت الحاجة وجيدة بنبرة تحمل في طياتها الكثير من الدعم: - جولى ايه في يا شيخ..
هو انت لسه هتعِرف.

وچيدة دلوجت..!؟.
تردد عبدالعزيز قليلا و هو يتطلع حوله في قلق
فأدركت الحاجة وجيدة ان ما يخفيه
لا يمكن ان يقال في مكان كهذا يمكن لأى من كان ان يسترق السمع
فهتفت أمرة: - تعالوا وراى..
و سارا خلفها حتى قاعة متطرفة من الدار دخلوها و أغلقت الباب
لتتطلع إليهما من جديد مستفسرة ليهتف عبدالعزيز هاتفا: - شوفى بجى يا حاچة..
و الله العظيم احنا ملناش صالح بأى حاچة خاالص..

و انتِ ست كريمة نچتينا يوم ما طلبنا و چميلك ده على راسنا من فوج
و دِه اللى مخلينا عايزين نمشوا حالا، عشان منورطكيش معانا..
نظرت اليه الحاجة وجيدة متعجبة و هي لا تفهم حرفا مما يقول..
فهتفت مستغربة: - بتجول تورطنى!؟
، في ايه كف الله الشر..!؟
و انت ممكن تكون متورط ف ايه يا شيخ
و انت راچل بتاع ربنا و حامل كتابه..!؟.
هتف عبدالعزيز في سرعة و كأنه يلقى ما يثق كاهله دفعة واحدة
بلا ذرة تفكير.

حتى لا يتردد لثانية أخرى: - متهومين ف جضية جتل..
مرت لحظات من الصمت حتى قطعته الحاجة وجيدة هاتفة بشك: - جتل، انت يا شيخ، جتل مين..!؟
تار ياك..!؟.
هتف عبدالعزيز مصححا: - لاااه يا حاچة مش تار..
و اقسم بالله احنا ما لينا يد ف الموضوع دِه من الأساس..
منه لله العمدة عتمان مطرح ما راح..
هتفت الحاجة وجيدة صارخة: - بتجول عتمان..!، جتل عتمان..!
، العمدة عتمان الشهاوى..!؟.
اكد عبدالعزيز بإيماءة من رأسه.

دون ان ينبس بحرف
متعجبا من ردة فعلها الغريبة على الخبر
والذى لم يكن يخفى على احد فى النجوع المجاورة لنجع ذاك الطاغية
و هذا النجع لم يكن بعيدا بالقدر الذى لا يجعل خبر كهذا لا يصله..
تنهدت الحاجة وجيدة في ضيق
هامسة كأنما تحدث نفسها بصوت مسموع: - واااه يا عتمان، خدت ايه معاك دلوجت..
دى اخرتها يا واد عمى..
شهق كل من عبدالعزيز و روح عندما تناهى لمسامعهما كلماتها الأخيرة..
و نظرا لبعضهما في توجس.

و حيرة طالت
حتى قررت الحاجة وجيدة إنهائها
هاتفة: - إيوه، عتمان كان واد عمى، وكان..
و ترددت قليلا قبل ان تستطرد
هاتفة: - و كان چوزى..
توالت المفاجأت التي دعت عبدالعزيز و زوجه ليشهقا من جديد
لتستكمل هي سردها هاتفة: - ايوه كان چوزى
و أبو ولدى الوحيد اللى طلعت بيه من الدنيا..
و كان هو السبب انه راح منى..
راح تمن لظلم ابوه و جبروته على خلج الله
و من يوميها و انى بستحلفه بكل غالى عنديه يطلجنى..

و لما وافج بعد ما شرط عليّ اكتب له ورثى من ابوى..
كتبت و خلصت منيه وبعدت و مبجتش عايزة حاچة من الدنيا..
لحد ما ربنا بعت لى الحاچ الله يرحمه اتچوزنى وورثت عنيه كل ماله و الخير اللى انى فيه دلوجت..
هتفت روح مؤكدة: - بس و الله يا حاچة احنا مالينا صالح بجتل عتمان، احنا..
قاطعتها الحاجة وجيدة هاتفة: - عارفة يا بتى، عارفة، انى عاشرتكم، إنتوا متعملوهاش..

هتف عندها عبدالعزيز كأنما لاح فجأة شط النجاة: - طب و الحل دلوجت يا حاچة..
في رچالة عرفونى ف الفرح بره
و ف اى وجت ممكن نلاجى الحَكومة على روسنا..!؟.
هتفت الحاجة وجيدة
و هي تندفع لباب القاعة الخلفى لتفتحه امامهما: -ياللاه روحوا يا شيخ..
وعدى على الزريبة خد لك بهيمة تعينكم على طريجكم إنتوا متعرفوش هترسى بيكم الدنيا فين..

اندفع عبدالعزيز و روح من باب القاعة و كأنما فُتح أمامها طاقة من الفرج الذى كان بعيد المنال..
و ما ان خطا أعتابها حتى استدار عبدالعزيز هاتفا: - ربنا يسترك يا ستنا و ما يوجعك ف ضيجة ابدا..
بينما دمعت عينا روح و اندفعت الى أحضان الحاجة وجيدة
و أخيرا انتزعت نفسها من بين ذراعيها الحانيتين و هي تقبل جبينها في امتنان
و اندفعت خلف زوجها
لرحلة جديدة لا يعلم مداها و لا الى أين يمكن ان ترسو بهما
الا الله..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة