قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

اندفع كل من عبدالعزيز و روح باتجاه الزريبة
ليجذبا حمارا من موضعه و يتوجها خارج النجع مبتعدين
و قد تناهى الى مسامعهما صوت ذاك المغنى الذى كان من المفترض ان يتبع عبدالعزيز في فقرته..
لاحت لهما الأضواء و الأنوار المتلألئة من بعيد و هي تتلاشى و تختفى تدريجيا مع كل خطوة في اتجاه ذاك المجهول الذى ينتظرهما
سارا لفترة طويلة حتى شعرت روح بالدوار.

فهمست بالقرب من اذن عبدالعزيز الذى كانت تحتل موضعها خلفه على البهيمة: - كفاية كِده يا شيخ..
الفچر دخل..
نرتاح شوية على چنب
و بعدين نبجوا نكملوا، حتى الحمار يرتاح كمان..
هز عبدالعزيز رأسه موافقا و اتخذ خطوات التنفيذ
بأن نزل من ظهر بهيمته و اخذ بناصيتها متوجها لحدود اقرب غيط و شد وثاقها لجذع شجرة عتيقة سامقة على أطراف ذاك الغيط
الذى اجتازاه للداخل بضع خطوات و جلسا متجاورين.

حتى غلب روح التعب فاستندت على كتف عبدالعزيز
هامسة بوهن: - هو احنا هنروح على فين يا شيخ..!؟.
همس مجيبا: - و الله ما انى عارف يا روح، اهو، بلاد الله لخلج الله، ايه رايك نطلعوا على البندر..!؟.
هتفت متعجبة: - البندر..!؟، و دِه لينا ايه فيه عشان نروحه يا شيخ..!؟
و تشبثت بذراعه هامسة بتملك: - كمان بيجولوا البنات حلوين جووى هناك يا شيخ، أخاف يخطفوك منى، اروح انا فين جنبيهم..

قهقه عبدالعزيز هاتفا: - تروحى فين ايه بس..
و الله لو اتحطيتى ف كفة
و بنات البندر دول ف كفة..
هختار كفتك يا روح الروح..
انتِ لساتك متعرفيش جمتك عندى يا بت و لا ايه..!؟.
همست بحب
و هي تتشبث بذراعه اكثر: - عارفة يا شيخ، عارفة، بس بحب أتأكد..
ضحك مشاغبا: - و اتأكدتى..!؟.
ثم همس مقتربا منها في مشاكسة: - و لا تحبى تتأكدى اكتر..!؟.
هتفت ناهرة إياه: - اتحشم يا شيخ
احنا ف ارض غريبة..
و ف عز الفچر..

انفجر ضاحكا: - طب و هو في احلى من كِده..
عز الطلب..
الليل ستار و مش شاهد علينا الا الحمار..
انفجرت ضاحكة تشاكسه: - لحسن الحمار يروح يجول..!؟.
قهقه لدعابتها: - على جولك محدش بجى مضمون اليومين دوول..
ربنا يكتب لنا نتلموا تانى تحت سجف يأوينا و انى..
صمت للحظات و لم يعقب فعاجلته
هامسة تشاغبه: - و انت ايه يا شيخ!؟.
همس بالقرب من اذنها في عشق: - هجيب منيكِ كل شهر عيل..

انت نسيتى ولا ايه..!؟، دول عيال الشيخ عبعزيز مش اى حد..
تلمست موضع رأسها بالقرب من قلبه ليحتضنها بين ذراعيه
و يشملهما الصمت
حتى غاب كل منهما في أحضان الاخر يحتمى به
و قد نشرعبدالعزيز عليهما قفطانه يغطيهما و راحا في سبات عميق..

تركا الحمار على اعتاب محطة السكة الحديد ليعود من حيث جاءا به
الى دار الحاجة وجيدة..
فهو يدرك طريقه جيدا..
و اندفعا ليركبا ذاك القطار المتجة للمدينة كما اتفقا.

فهناك و بعد أسابيع قليلة سيهل مولد سيدى عبدالرحيم القنائى..
ذاك الاحتفال الذى يأتي اليه القاصي و الدانى من مريديه..
و هناك سيكون ملجأ مناسبا لأمثال الشيخ عبدالعزيز
من منشدين و صييتة لإحياء ليال الاحتفال بالشدو و الإنشاد بما يُحفظ من إشعار في مدح الرسول عليه الصلاة و السلام و سيرته العطرة..
جلس كل من روح و عبدالعزيز على احدى المقاعد بالقرب من باب عربة القطار..

كانت تلك هي المرة الأولى التي يستقلا فيها قطاراً، كان بالنسبة لهما ضربا من خيال..
وحلما صعب المنال ها هو يتحقق على غير توقع..
سار بهما القطار الهوينى يتمايل على طول سكته
و يقف كل فترة بسيطة ليقل عدد من البشر و يلقى على احد ارصفة المحطات ببشر اخرين..
توقف القطار في احدى البلدات ليلقى ببعض ما بجعبته من إناس و عبدالعزيز يطالع بعينيه الصاعد و الهابط من قطاره
و يتطلع الى الرصيف و ناسه.

حتى أنتفض فجأة من موضعه
هاتفا و هو يخرج رأسه من شباك قطاره: - علااام، علااام..
اخذ يلوح بكفه رافعا لعقيرته حتى انتبه علام أخيرا من موضعه على الرصيف المقابل للقطار
ليأتى مندفعا نحو القطار مشيرا لعبدالعزيز بسرعة المغادرة و النزول على الرصيف لملاقاته..
لم يصدق عبدالعزيز ما يطلبه علام، لكنه أمسك بكف روح التي لم تكن تع بالضبط ما يحدث
لكنها أطاعت عندما امرها بالنهوض و امسك كفها ساحبا إياها خلفه..

و غادرا القطار في اللحظة الأخيرة قبل إقلاعه لوجهته التالية..
اندفع علام ما ان وصل لموضع عبدالعزيز محتضنا إياه في شوق بالغ هاتفا غير مصدق: - وااه يا شيخ، كنت فين يا راچل دوختنى عليك..!؟
هتف عبدالعزيز متعجبا: - ليه يا علام، مش انت اللى جلت لى روح بعيد عشان هيتهمونا ف عتمان..
اكد علام: - ايوه صح، دِه كان ف الأول بس..
هتف عبدالعزيز مستفسرًا: - يعنى ايه!؟.
و ايه اللى هيفرج..

هتف علام من جديد: - يا واد عمى الأول انت كنت اللى عليه العين جبل ما اسمه ايه دِه بتاع الطب الشرعى يطلع و النيابة تعمل تحرياتها
وبعد كِده عرفوا ان اللى جتل عتمان هي مرته الست شوج..
قال الكلمات الأخيرة في حسرة واضحة لم يدركها اى من عبدالعزيز و روح التي هتفت في جزع: - بتجول الست شوج هي اللى جتلته!؟.
اكد علام بايماءة من رأسه: - جتلته بعد ما جتلها مية مرة..

جتلته و ريحت الناس من چبروته، مستحملتش تشوف غيرها بيتظلم بيد الفاچر دِه و توجف ساكتة
زى ما كَتير وجفوا يتفرجوا على ظلمه ليها، و انى أولهم..
تنهد في حسرة من جديد مستطردا في تضرع: - ادعوا لها، و اجروا لها الفاتحة دايما، لولاها مكناش هنعرف مصيرنا ف يد عتمان دِه كان هيبجى ايه..
همس كل من عبدالعزيز و روح في نفس الوقت: - ربنا يرحمها برحمته، و يغفر لها يا رب..
همس علام مؤمنا: - امين يا رب..

ثم ربت على كتف عبدالعزيز
مشجعا: - ارچعوا لنجعكم ياللاه، الحمد لله انك و مرتك بخير، بس ف الأول، تاخد ضيافتك دِه إنتوا ف نچعنا، و لا احنا مش كُرما و
لا ايه..!؟.
ابتسم عبدالعزيز مجيبا الدعوة
هاتفا: -مين جال كِده!؟، دِه انت أبو الكرم كله يا علام، ربنا يكرمك و يسعدك، احنا لو مجبلنكش النهاردة كنّا هنفضل طول عمرنا هربانين من ذنب معملنهاهوش..

ابتسم علام مشيرا اليه ليتبعاه في سعادة و عبدالعزيز يهمس لروح في حبور و امتنان: - شايفة كرم ربنا و فضله كَبِير كيف..!؟.
لولا اللى حصل عند الحاچة وجيدة مكناش لا جينا هنا و لا عرفنا اللى حصل من علام..
احنا براءة يا روح..
براءة..
دمعت عيناها و هى تتطلع لفرحته الحقيقية التي كانت غائبة منذ زمن
و هي تطل الان من وراء حجب الضيق و الغم التي سيطرت على حياتهما الفترة الماضية..

تطلعت لوجهه المشرق من جديد و رفعت ناظريها للسماء شاكرة الى الله حسن تدبيره فيما جرت به مقادريرهما و كل ما كان يعنيها لحظتها انهما الان معا رغم كل شيء
و رغم ما كان..
هما معا، و سيظلا معا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة