قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

كعادته مر الشيخ عبدالعزيز بقلب المقابر حتى يصل لحجرته في أطرافها و هو يسلى نفسه بالإنشاد او قراءة بعض آيات الذكر الحكيم، و ها قد وصل لأعتاب حجرته دون ان ينال وصلة الفزع اليومي من جارته العزيزة روح، ثم تذكر انه في الواقع لم يحصل على نوبات فزعه منها منذ ثلاث ليال بالتمام و الكمال، ترى ماذا حدث حتى تكف عن تلك النوبات التي يعترف انه رغم ضيقه منها الا انه يشتاقها على غير العادة..

تنهد في حسرة و هو يتذكر جارته البهية الطلّة، روح، تلك الفتاة الفقيرة الوحيدة والتى طالما انتظرت عودته لتطمئن على سلامته وتعطيه بعض مما تجود به من صنع يدها، كان يعلم انها تحبه وتتمناه زوجا لكن هو يحاول ان يغلق ذلك الباب بألف مفتاح وكيف له ان يفكر فى الزواج وهو رجل على باب الله يجد قوت يومه بالضالين وأحيانا لا يجد، ولولا ما يجود به اهل المتوفين من عطايا عليه لقراءته بعض آيات القرآن الكريم او ما يتحصل عليه من الإنشاد فى بعض المناسبات او الموالد ما أستطاع إطعام نفسه فكيف اذن يبتلى زوجة وأولاد بمثل تلك الحياة المقفرة، هو لا ينكر ان نفسه تشتاق لذلك الوليف الذى يؤنس وحدته ويرتاح معه ويكون نصفه الاخر، ان نفسه تهفو الى من يحبه ويحمل همه ويرعاه، هو لم يعدم النساء فى حياته، لكنه لا يريد كل النساء، يريد امرأة واحدة فقط، امرأة تحبه حقا لتتحمل معه حياتهما الوعرة وتهون عليه ما يلاقى من نوائب الدهر وتقلباته، انه يشتاق لروحه الاخرى، وفى هذه اللحظة قفزت صورة روح فى مخيلته، انه قلق حقا فلليلة الثالثة على التوالى لا تُمارس جارته الحسناء عادتها فى إفزاعه وتمنى ان تكون بخير، لكن الهواجس تلاعبت برأسه فترك غرفته وسلك طريقه حيث غرفتها، وطرق بابها فى رفق مناديا: - روح، انتِ يا بت يا روح.

، لم يتلقى اجابة الا انين خافت...
عاود دق الباب وهو يشعر بقلق بالغ : -انتِ جوه يا بت!؟، ردى..
فتحت الباب وهى تترنح متألمة: - شيخ عبعزيز، هتفت فى فرحة غير مصدقة و هي تتطلع اليه يقف على بابها
-فى ايه!، سأل فى لوعة، و استطرد و هو يتطلع لملامحها الندية زابلة، شكلك تعبانة..!
هتفت في وهن غير قادرة على الوقوف لأكثر من ذلك فجلست على طرف اريكتها في تعب: -انا بموت يا شيخ عبعزيز.

هتف في ذعر: - لا بعد الشر عليكِ تموتى ايه، دلوجتى أعملك شوية نعناع هتجومى بعدها زى الحصان.
-هتعملهولى بيدك يا شيخ زيزوو، قالتها فى سعادة رغم وهنها..
هتف محاولا مشاكستها و اضحاكها و هو يتوجه الى ذاك الموقد البدائى ليصنع لها كوب من النعناع: - جلتى ايه..!؟، شيخ زيزو..!؟، وچايه تجوليها وانتى بتموتى..!، كانت فين بدل شيخ عبعزيز اللى بتسرعينى بيها كل ليلة!، آه يا كئيبة...

ابتسمت فى وهن، فعشق ابتسامتها الرقيقة فقال مستطرداً: - جلجت عليكِ، و اتوحشت فزعتك ليا كل ليلة، يا مفزعة
ضحكت فى دلال وقالت: - صحيح يا شيخ عبعزيز!؟
- صحيح ايه!؟، سأل متصنعا عدم الفهم.
- اتوحشتنى!؟، سألت في دلال
-هو مش بالظبط يعنى!؟

أجاب فى مكر، ثم استطرد عندما وجد خيبة الامل ترتسم على وجهها الصبوح رغم شحوب المرض، اتوحشت انك تفزعينى وانت واجفة فى عز البرد علشان تطمنى عليا، اتوحشت فولك النابت اللى بتدهونى وتحرمى نفسك منيه، عايزة حج ربنا، ايوه اتوحشتك
ابتسمت فى خجل، وهى لا تصدق ما تسمع، نظر اليها فى حب يستشعره بقوة وللمرة الاولى يعترف به لنفسه، لكنه لم يكتفى بذلك الاعتراف لنفسه بل صرح بما هو اكثر قائلا: - انا رايدك يا روح...

تتچوزينى!؟
فغرت فاها فى صدمة ولم تجب، فرد هو فى سخرية لمظهرها المصدوم : - لاااه، بالشكل اللى انى شايفه دِه، هغير رأيي.
انتفضت كمن لدغته عقربة وأغلقت فمها بسرعة قائلة: - لاااه خلاص انى حلوة اهو، وموافجة كمااان.
انفجر ضاحكا ثم هتف ساخراً -ايه دِه، انتِ مصدجتى يا بت، طب جولى هفكر الاول وأدللى زى البنات ما بيعملوا يا فجرية، وضحك من جديد.

هتفت هي في ثقة: - أفكِر ايه!؟، هو انت تتعيب يا شيخ عبعزيز، دِه انت سيد الرجالة.
هتف و قد انتفخت أوداجه من مدحها في شخصه: - شكلك هاتنفعى معايا يا بت، اااايون، انفخى كده وعظمى فيا على طووول.
استطردت هى فى حماس منقطع النظير بعد كلماته المشجعة لها: - امال ايه!، هو أنت فى زيك يا شيخ عبعزيز، دِه انت سيد الناس كليها، وكماان، حافظ كتاب ربنا.

انتشى الشيخ عبدالعزيز ثم تحدث أخيرا بعد وصلة من المديح المحترم قائلا: -خلاص يبجى كتب الكتاب بعد اسبوع باذن الله.
تسألت روح منتفضة في سعادة: - و النبى صحيح..!؟.
ضحك فى حبور هاتفا فيها: - يا بت انتِ مش كنتِ بتموتى من شوية..!؟، ردت فيكِ الروح فچأة!
أجابت فى خجل ودلال: - الله، فرحانة، هابجى معاك طول عمرى بعد اسبوع يا شيخ زيزوو.

طار عقل الشيخ زيزوو لدلالها فهتف فى سعادة معلنا: - طب وعشان الشيخ زيزو اللى جلتيها دى، هخلى كتب الكتاب بعد يومين، ثم استطرد فى صوت خافت، وربنا معاي بجى.
فأطلقت هى زغرودة مجلجلة فجأة افزعته كالعادة وكانت أعجب ما يمكن ان تسمعه هناك، حيث الموت يعانق الحياة...

اجتمع النسوة لتجهيز العروس و بدأ الطبل و الرقص إيذانا بذهاب العروس لبيت زوجها او بالأدق حجرة زوجها وتركها لحجرتها التي كانت تجمعها ووحدتها، من اليوم لا وحدة و لا حزن، ستعيش في كنفه ترعاه و يحفظها، ستكون له الحضن الدافئ و يكون لها سندا و ظهرا..
انطلقت الزغاريد من جديد ما ان أعلن الرجال ان كتب الكتاب قد تم..

غابت في خيالاتها الوردية، الان أصبحت زوجته امام الله و الناس، اليوم هي توأم روحه و شريكة حياته..

حملت كل ما لها و تقاسمته معه في حجرته، اريكتها الخشبية ضمتها على أريكته ليكونا فراش واحد يجمعهما الليلة و كل ليلة معا، حللها النحاسية و مائدتها العرجاء و حصيرتها المهترئة، و أخيرا حملت ملابسها القليلة التي ما استطاعت ان تضيف عليها الجديد كعادة العرائس، لكنها أبت ان تطل عليه الليلة بالذات بما لا يليق..

فصنعت لنفسها قميصا من قماش ناعم نوعا ما أهدته اليها النسوة متى علمن بنبأ زفافها السريع، لتسهر عليه الليل بطوله تنسجه بمحبة و كل غرزة فيه تصنع املا فى حياة تتمنى ان تسعد بها في ظله..

ظل ذاك الرجل الصعيدى حامل كتاب الله، الذى ما رأت منه قط الا ما جعلها تتعلق به اكثر، منذ ان قدم من بلاده ليعيش هنا في نجعهم بالقرب منها، و قد تعلق به قلبها، لتسعد أخيرا بخطبته لها، و اليوم أصبحت زوجه، تحركت بقدم متخشبة على قدر الفرحة التي تملأ قلبها، على قدر الرهبة التي تعتريها كلما علت الزغاريد إيذانا بأقترابه من حجرتها الفارغة تقريبا الا من بعض الحصر المستعارة لتجلس عليها النسوة مجتمعات ليسعدوها بغنائهن و رقصهن قبل ان يأتي عريسها لاصطحابها لعشهم السعيد..

وصل أخيرا و طل على دنياها لتختفى اى معالم أخرى سوى مرأه و قد ارتدى تلك الجبة و القفطان والعمامة و الذين لا يرتديهم الا في المناسبات الفاخرة، و هل هناك مناسبة تليق بهم اكثر من يوم زواجه!؟

تناول كفها الباردة لتتأبط ذراعه و يسير بها باتجاه غرفته، غرفتهما، حتى اذا ما وصلاها علت الزغاريد مرة أخرى، ليتركها تدخل و يبدأ هو في وداع النسوة و الرجال شاكرا إياهم على مساعداتهم و حضورهم و ما ان رحل اخرهم حتى تنهد مغلقا الباب خلفه و هو يدلف الى الغرفة..

توقف لحظات يتطلع لتلك التي انارت الغرفة بطلتها و حضورها و تساءل هل فعل الصواب حين طلب الزواج منها..!؟، هل ظلمها بذاك الطلب و هو يعلم اى حياة يعيش!؟.
هل ستسطيع ان تتحمل تلك الحياة المقفرة
و التي لا يملك سواها ليقدمه لها..!؟.
كثير من الأسئلة دارت بخلده لحظتها لكنه ادرك انها أسئلة متأخرة عن أوانها و لا سبيل للإجابة عليها الان الا بالتجربة..

تقدم منها ليجلس جوارها على طرف الفراش هامسا في صوت متحشرج: - ازيك يا عروسة !؟.
همست في تلعثم: - بخير طول ما انت بخير يا شيخ عبعزيز..
ابتسم لردها و تشجع ليقترب اكثر مادا كفه ليتسلم كفها الملقى في حجرها ليحتضنه بين كفيه لتضطرب هي في مجلسها و لا تقوى على رفع نظراتها اليه و قد علقتها بنقطة بعيدة على ارض الغرفة ..

مد كفه ليدير وجهها اليه و ينظر لعمق عينيها من خلال تلك الغلالة الرقيقة من التل التي كانت تغطى وجهها الذى ما زال يشع نقاء و براءة من خلفه منيرا الغرفة بذاك البهاء الذى اصبح له وحده، مد كفيه و قد ترك كفها ليرفع عنها نقابها الشفاف متطلعا لملامح وجهها الصبوح الذى يغمره الوردى خجلا و حياءً، ليعاود احتضان كفها من جديد و هو يغمر وجهها بالنظرات يستزيد من حسنه، و أخيرا همس لها: - عايز اجولك كلمتين، تحطيهم حلجة ف ودنك يا بت الناس..

تطلعت اليه متعجبة و لكنها أنصتت دون ان تقاطعه و اومأت برأسها تستحثه على الكلام
حينها استطرد قائلا: - انى راچل على باب الله، رزجى على كدى، يعنى يوم هيكون فيه و يوم مفيش، عايزك تكونى معاي على الحلوة و المرة، تكونى معاي ع الدنيا، متكونيش معاها علي..

صمت للحظة ثم استطرد و هو يضم كفها اكثر بين كفيه: - انى وحدانى، و انت كمان وحدانية، يعنى دلوجت ملناش الا بعض، مش عايز الا دعواتك ف ضهرى و انا عمرى ما هكون الا سند و ضهر ليكِ، هكون سترك و غطاكِ ف بردك و هكون نسمة الهوا ف صيفك، تجبلينى على الشروط دى يا بت الناس، و لا في حاچة مش عجباكِ..
دمعت عيناها و همست في محبة: - اجبل يا شيخ، اجبل، و انا عايزة ايه من الدنيا غير كِده، بس في طلب واحد عيزاه منيك...

أكد في ثقة: - اطلبى لو أجدر مش هتأخر..
همست و هي تنظر لعينيه في سعادة: - عايزة مهرى يا شيخ عبعزيز..
زم ما بين حاجبيه
وهمس بضيق: - بدأنا الطلبات، يا بت الناس ما انتِ عارفة البير و غطاه، لو بيدى كنت تجلتك بالدهب، لكن..
وضعت كفها على شفتيه ليتوقف عن استطراده في الحديث هامسة: - مهرى انك تحفظنى القرآن يا شيخنا..

ابتسم في حبور و هو يضم كفها لشفتيه مقبلا إياه في فرحة غامرة ليهتف في نبرة مازحة هاتفا: - اذا كان على كِده من عنايا، و خدى كمان اهو الجسط الاول..
و همس بجوار اذنيها بأية كريمة كانت العربون الأول لمهرها: - وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21).

و جذبها بين ذراعيه لتحتمى بينهما من الزمن ونوائبه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة