قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

رواية روح الشيخ زيزو للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

كان إنشاد الشيخ عبدالعزيز يصدح في جنبات الحقول المترامية على أطراف ارض الحاجة وجيدة
و التي اصبح من اهم علاماتها، او بالأدق اصبح شدوه و إنشاده الذى لا ينقطع علامة مميزة من علامات ارض الحاجة وجيدة
التي احتضنته وزوجه وقت شدتهما و لازالت..
تقدمت الحاجة وجيدة من أطراف ذلك الغيط الذى يعمل به الشيخ عبدالعزيز هاتفة منادية إياه في عزم: - يا شيخ عبعزيز، تعال، عيزاك ضرورى..

ما ان سمع الشيخ عبدالعزيز نداء ربه عمله و التي غمرته و روح بكرمها حتى الثمالة
حتى اندفع مهرولا اليها
هاتفا ما ان وصل
حيث تقف بانتظاره: - خير يا حاچة وچيدة، أامرى..
هتفت قائلة: - الامر لله وحده يا شيخ، انا كنت عيزاك ف موضوع كِده..
اكد عبدالعزيز في سرعة: - اللى عيزاه انا موافج عليه من جبل ما اعرفه حتى، عنينا ليكِ يا ستنا..
ابتسمت الحاجة وجيدة في امتنان
هاتفة: - تسلم يا شيخ..

بس اسمع الأول و بعدين جول رأيك..
هتف عبدالعزيز: - اتفضلى يا حاچة جولى اللى عِندك..
و انا اها مش هفتح بجى جبل ما تخلصى..
تنحنحت الحاجة وجيدة في احراج
قبل ان تهمس مترددة: - اكيد انت تعرف ان فرح بت اخوى الله يرحمه
و اللى ربَّتها زى بتى كمان كام يوم..!؟.
هز عبدالعزيز رأسه دون ان يقاطعها بحرف لتسترسل هي بنفس الاحراج هامسة: - بت اخوى دى كل اللى ليا ف الدنيا..
ربَّتها زى بتى و اكتر.

يمكن عشان ربنا مرزجنيش بالذرية من جوزى الله يرحمه فهى غالية عليا جوووى و نفسى افرحها و تبجى ليلة فرحها و لا ألف ليلة و ليلة..
و جلت مفيش حد يجدر يجوم بالليلة دى و يخليها محصلتش غيرك انت يا شيخ عبدالعزيز..
اتسعت حدقتا عبدالعزيز تعجبا لهذا الشرف و هتف في ذهول: - انى يا ستنا..!؟.
دِه انى راچل على باب الله..
و دى حاچة كبيرة جوووى عايزة منشد له اسمه و صيته.
و انى مهما كان على كدى..

هتفت الحاچة وچيدة: - بس انى مش عايزة حد يحيي الليلة غيرك..
ايه جولك..!؟.
هتف عبدالعزيز: - بس يا حاچة انى، يعنى، اصلك..
و تلجلجت احرف عبدالعزيز على لسانه غير قادر على أخبارها بالسبب الحقيقى لرفضه احياء تلكك الليلة الكبيرة..
ذاك السر الذى جعله يفر هاربا هو و زوجته حتى ألقت بهما المقادير على اعتاب ارض هذه السيدة الطيبة
والتي تترجاه لأحياء ليلة زفاف ابنة اخيها و ربيبتها بهذا الإصرار.

و هو غير قادر على الإزعان و القبول..
و لا يستطيع الرفض بسبب ذاك الجميل الذى يطوق عنقه تجاه تلك السيدة..
انه ينشد داخل ارضها و هو يعلم ان شدوه لا يتخطى حدودها
لكن ان ينشد في فرح كبير سيكون فيه من الأعيان و الشخصيات من له ثقله، و قد يتعرف عليه احدهم ممن حضروا فرح بن عتمان المشؤوم، و ساعتها فلن يسلم مرة أخرى من العقاب..

و سيتم الدفع به في تلك الجريمة التي يعلم الله وحده انه طاهر من إثمها و برئ من دنسها..
لكن ما باليد حيلة
هكذا همس لنفسه قبل ان يقول في هدوء ينافى
ذاك الجدل الصارخ داخله: - من عنايا يا ست الكل..
انتِ تأمرى واللى تجوليه سيف على رجبينا..
هتفت الحاجة وجيدة في سعادة: - يعنى موافج يا شيخ..!؟.
ابتسم عبدالعزيز لسعادتها هاتفا: - طبعا موافج..
هو انى أطول أخدمك يا ست الناس..

هللت هاتفة: - و الله انى جولت انك مش هتكسفنى..
انى جولت لروح انك هتوافج
و هي مصدقتنيش، جال ايه..
منتش منشد متصيت..
دِه انت تعجب الباشا يا شيخ
و هترفع راسى جدام ضيوفى و كبرات الناحية..
ثم اندفعت راحلة و هي تهتف: - تسلم يا شيخ، ربنا يعلى مجامك..
اما اروح اشوف اللى ورايا لحسن الليلة الكبيرة خلاص جربت..
ولت الحاجة وجيدة له ظهرها مغادرة.

و ما ادركت تلك الملامح المبهمة التي ارتسمت على ملامح عبدالعزيز و هي تتحدث عن الفرح و ضيوفها
و ما دب في نفسه من رعب و هو يدرك بل هو على يقين
ان ذاك الفرح المنشود قد يكون نهاية المطاف بالنسبة له..
و انه هالك لا محالة..

دخل عبدالعزيز للعشة الخوص حيث ترقد روح في انتظاره
كعادتها كل ليلة عندما تهل التباشير الأولى للمساء..
ألقى التحية و هو يلقى بجسده متمددا جوارها..

ردت عليه في قلق و هي تدرك ان في الامر شيء ما يعكر صفوه على غير العادة..
ربتت على كتفه في حنو
هامسة: - شكلك تعبان يا شيخ..
ايه شغل الأرض النهاردة كان شَديد و لا ايه..!؟.
همس متمنيا: - يا ريتها جت على الشغل ف الأرض
و الله كانت هانت..
همست بريبة و كأنما تدرك بفراستها السبب لكنها
لا تريد الإفصاح عنه قبله: - امال، خبر ايه..!؟.
هتف و هو يحاول النهوض متحاملا على نفسه باتجاه إبريق به ماء..

صب لنفسه منه و اخذ يغسل وجهه و كفيه ملتهيا
عن ملامح روح القلقة: -مفيش، الحاچة وجيدة عيزانى احيي فرح بت اخوها، ما انتِ عارفة، هي جالت لى انها جالت لكِ..
ضربت روح على صدرها في ذعر هاتفة: - و انت وافجت يا شيخ..!؟.
هتف في سخط: - و انى كان ايه اللى بيدى اعمله..
كنت هجول لااه للست اللى نچدتنا
و اوتنا..
كيف تاجى دى!؟.
جوليلى كيف هجولها لاااه..
و ليه..!؟.
هجولها عشان انت اويتى ناس متهومة ف جضية جتل.

و هربانين عنديكِ
و انى خايف لو طلعت أنشد في فرح بت اخوها
الطوبة تاجى ف المعطوبة و حد يعرفنى و يبلغ علىّ..
تنهد في ضيق و هو يعاود التوجه لذاك الإبريق
حتى يغسل عنه بعض من وعثاء العمل طوال النهار تحت ظل الشمس الحارقة
صمتت روح و لم تعقب بحرف على ما قاله عبدالعزيز..
و ماذا يمكنها ان تقول و قد قال ما دار بخلدها و أصاب كبد الحقيقة في كل حرف..
نظرت اليه و هو يحاول استخدام الإبريق ليصب لنفسه الماء.

و هو يولى لها ظهره..
كانت المرة الأولى التي تراه فيها لا يجابه ما يلاقى بالدعابة و روح الفكاهة الفطرية التي يمتلكها و التي يشهرها دوما سلاحا في وجه نوائب الدهر..
نهضت في تؤدة مقتربة منه
حتى جاورته و انحنت تتناول منه إبريق المياه هامسة في حنو: - عنك يا شيخ..
ترك لها الإبريق الذى لم يكن قد صب لنفسه منه قطرة..
فقد كان يتشاغل به عنها ..

و هي كانت تدرك ذلك كأنما تقرأ خواطره ككتاب مفتوح على مصرعيه امام ناظريها..
وضعت الإبريق جانبا و مدت كفها لتتناول كفه اليمنى و تفك ذاك الرباط الذى يلفها ببطء
حتى انتهت فنظرت لقروح كفه التي ادماها الإمساك بالفأس طوال النهار
و هو الذى ما كان له قبل على الفِلاحة و لا العمل بالأرض الزراعية
فقد كرس حياته لحفظ كتاب الله و العمل به..
رفعت كفه المتقرحة في محبة و قبلتها بكل امتنان.

قبل ان تحمل الإبريق و تصب الماء عليها في حرص
و هي تهمس متسائلة في دلال: - لسه چرح يدك مطبش يا زيزو..
و كأنما نطقت بكلمة السر حتى تعاود أبواب بهجته فتح ضلفها على مصرعيها
ليهمس مشاكسا
و قد استعاد روح مرحه: - بعد العلاچ اللى محصلش دِه لازما تكون طابت، انا ممكن انزل دلوجت اعزج لى عشر فدادين..
و لو زودتى چرعة العلاچ
هنزل اعزج ارض الحاچة وچيدة كليها
انفجرت ضاحكة لدعابته.

ليرقص قلبه طربا لمرأها أخيرا و قد دبت فيها العافية من جديد..
لتستمر هي في وضع الماء بتؤدة على كفيه المتقرحتين و غسلهما برفق..
ثم جمعت بعض الماء بكفها لتمد باطنه المبلل تغسل وجهه و تمرر أصابعها في لحيته التي استطالت قليلا منذ ان غادروا حجرة الحوش التي كانت تأويهما..
وأخيرا
سحبت مداسه من قدميه
و مد هو قدمه فوق الطشت حتى تصب الماء عليها و تدعكها في حماسة
و في غفلة منه تداعبه فتدغدغ باطن قدمه.

لينفجر ضاحكا زاجرا إياها في لوم محبب: - اختشى يا بت يا روح، انا بغير يابت..
لتنفجر ضاحكة بدورها على ذاك الشيخ الوقور الذى (يركب الهواء) فزعا عند دغدغته..
كانت تضحك و هي جد سعيدة لانها انتشلته من حزنه و همه..
و كانت ذاك الطوق الذى تعلق به عندما حاولت تلك الدوامة من الغم جذبه الى أعماقها بلا رحمة
فكانت هي لها بالمرصاد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة