قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز كاملة

رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الأول

مع هدوء الصباح الباكر المغمور بصوت العصافير الملونة التى أحضرها زوجها لها، يعلو صوت الشجار بينهما
صرخت به بإنفعال شديدة قائلة:
- يوووووه بقى أنا زهقت من شغلك ده، هو أنا متجوزك عشان تفضل فى الشغل بالأيام ولا حتى تسأل على الكلبة اللى رميها فى البيت ولو بتليفون...

أدار رأسه عنها بضيق من شجارها المستمر وتذمرها على عمله، وقال بهدوء محاولاَ أرضاءها والغضب المكتوم بداخله:
- غصب عني ياحبيبتي ظروف شغلي كدة، وعموماً أخلص القضية اللي معايا وبعدها أخد أجازة
أندفعت صارخة به بأنفعال أكثر مُردفة:
- كل مرة تقول كدة ومبتعملش حاجة وتطلعلي بأي حجة وتلغي الإجازة...
فقد السيطرة علي أعصابه وأغلق قبضته بغضب وقال:
- يعنى عايزنى أعمل إيه أسيب الشغل وأقعد جنبك، أرحمينى من الخناق اللى كل شوية، أنا بقيت أكره أرجع البيت بسببك.

زاد صراخها وهى ترفع حاجبيها له وتعقد يديها أمام صدرها بضجر، قائلة:
- طبعاً ما أنا بقيت دلوقتى معجبكش، بقيت وحشة ونكدية وبتخانق صح، كفاية زن أمك عليك عشان تتجوز وتخلف، وتلاقي الكلام جه على هواك صح.

أتسعت عيناه بذهول، ورمقها بنظرة حادة وهى تطعن بحبه له، تعلم جيداً بأنه لم يخونها ولن يستطيع الزواج من أخرى غيرها ولكنه يكره الشجار معاها، يريد حياة وردية معاها هي وليست سواها.. طالماً حلم بهذه الحياة معاها
تركها وخرج من الشقة غاضباً، وضعت يديها على بطنها بحنان تشعر بروح طفلتها بداخلها ولم تخبره بحملها أبتسمت بشغف لرؤية طفلته الأولى أمام عيناها و ركضت خلفه أرادت مصالحته وأخبره بأنها ستنجب طفلته الذي ينتظرها هو الأخر، يريد أن يرى حبه لها متجسداً فى جسد طفلة صغيرة يراها ويداعبها بأنامله..

خرج من بوابة العمارة يزفر بضيق، كارهاً لحياتهما العتمة التى تحولت من وردية الى مظلمة بسبب شكها به، دائماً تخبره بأنه سيتزوج من أخري أما هو فلم يفعل..
سمع صوتها من خلفه فأستدار لها وهو يخرج تنهيدة قوية من بين صدره..

رأها قادمة نحوه ركضاً مبتسمة له وقد تلاشي حزنها وغضبها، وقبل أن تصل إليه أصابت رصاصات نارية قاتلة له ولها من العدم، لا يعلم من أين جاءت تلك الرصاصات سوي انها أصابته...
سقط على الأرض جسداً هادماً وهو يراها تسقط على الأرض بعد أن أصابتها بعض الرصاصات ولوثت الدماء ملابسها، تألمت بهلع بعد أن التهمت تلك الرصاصات طفلتها الموجودة في أحشاءها، رفعت يدها بضعف ووضعتها فوق بطنها بخوف وتبكي من الألم بعد أن فقدت طفلتها وشعرت بروحها تخرج من جسدها...

إليـــاس: شاب قاهري ضابط شرطة برتبة رائد قسم مكافحة المخدرات، عمره 33 عام يعيش في القاهرة
تيـــا: زوجة إلياس المتوفية

وضع كأسه على البار بغضب وهو يتذكر كيف تركته ورحلت، أصبح كالميت بداخل جسد حي يتنفس، لم يقتله الحزن.. فالحزن لم يقتل أحد بل يجعل صاحبه فارغاً من الداخل..
ألتهمه الفراق ولم يعد يقوى على شئ، الحياة الوردية التى طالما حلم بها تبعثرت فى الهواء كالغبار ولم يعد لها أثر أو وجود، وضع له النادل كأس أخر يحمل ما حرمه الله من الخمر.. ألتقه بيد مرتجفة من كثرة الخمر التي أرتشفها، وضع رأسه على البار ولم يستطيع رفعها، وأكمل شروده بمحبوبته

أستيقظ فى المستشفى، وجد نفسه على سرير فى إحدى زوايا الغرفة و صدره عارياً وعليه بعض الخراطيم الطبية المتصلة بالأجهزة، ملفوف خصره بالشاش الطبي.. ناد عليها بتلعثم من التعب:
- تيـــا..كح كح تيـــا

دخلت الممرضة عليه، تردف بهدوء قائلة:
- أخيراً فوقت
أعاد جملته مرة أخرى منادياً عليها ويسأل:
- تيــا... تيا فين..

أردفت الممرضة بجحود قلب دون أن تراعي حالته الصحية، قائلة:
- اللى جت معاك ربنا يرحمها شد حيلك
أتسعت عيناه بصدمة وهو ينظر لها بذهول من جملتها، جلس علي السرير وبدأ ينزع عن صدره تلك الأجهزة، صارخاً بها:
- أنتى بتقولى إيه.. تيـا تيــــااااا

خرج من غرفته ومُتكياً على الحائط بصعوبة ويضع يده على خصره بألم شديد يلتهم جرحه، وعقله يرفض تصديق هذه الأكذوبة التى قالتها هذه الممرضة، وقلبه يعتصره الوجع خوفاً من تصديق ما قالته..
ركضت الممرضة خلفه تحاول أن تمنعه من الحركة ولكنه رفض ودفعها بعيداً عنه...

فاق من شرود فى ماضيه المؤلم حين شعر بيد ناعمة تلمس يده، نظر بجواره وهو يمسك كأسه فى يده، وجد فتاة تعمل بهذه الحانة وترتدي ملابس تفضح من جسدها أكثر من ما تستر.. جذب يده بقوة وبرود بعيد عن يدها التى تلوث يده، وترك كأسه وهو يقف صامتاً وجسده يهتز يمين ويسار من كثرة الخمر الذي يسير في عروقه، وأستدار وأصطدم بفتاة صغيرة الحجم ضئيلة، ترتدي زي هندي عبارة جيبة طويلة واسعة جداً وبدي بحمالة رفعية قصير يظهر خصرها النحيل، بشرتها بيضاء اللون كالحليب وشفتيها الصغيرتين بلون الكرز وعيون خضراء فاتح كصفاء الطبيعة الخلابة الخضراء، وشعرها البنى الفاتح الطويل مسدول على ظهرها.. كادت أن تسقط من صدمة جسده القوى بجسدها الضئيل، بدون قصد وعيناه شبه مفتوحتان لف ذراعه الأيسر حول خصرها النحيف قبل أن تسقط..

تقابلت عيناهما معاً، أزدردت لعوبها بأرتباك منه، نظر لعيناها بهيام ولا يعلم أى سحر ألقته عليه بهذه العيون الساحرة كانت تملك نظرة حزينة والدموع تجمعت في عيناها وأرتجفت بخوف منه، غريبة هذه الفتاة تملك بعيناها حزن وخوف ودموع وأرتباك وتوتر، أي مشاعر تملكها هذه وهي مرجودة بهذه الحانة المليئة بالرجال في كل مكان...
أبتعدت عنه وركضت بخجل وأرتباك، ظل ينظر عليها وهى ترحل كالمخدر تماماً تحت تعويذة ألقتها عليه ورحلت..

أقتربت الفتاة منه من الخلف ووضعت يدها على كتفه وتنظر علي " دموع " وهي ترحل، تردف ساخرة منه ومن هذه الفتاة ,, قائلة:
- دموع مش للمزاج.. مبتعرفش تبسط الراجل اللى معاها، دى مجرد رقاصة مش أكتر، أنا ممكن أبسطك زى ما تحب.. فريدة

فـريــدة: أحد عاهرات الحانـة تكره دمـوع لكونها أجمل منها والكل يريدها لفاتنتها..

نظر لها دون أن يستدير بأشمئزاز وحرك كتفه يبعد يدها عنه وقال بقلب قتله الألم:
- متلزمنيش.. يا فريدة هانم

جز علي أسنانه في نطق أسمها، بأشئمزاز وتركها ورحل ويتردد فى أذنه كلمة واحدة فقط " دموع " هكذا هو أسمها إذا ولكن لما أسمها حزين هكذا كعيناها تماماً..
أمامه صورة واحدة فقط تحمل عيناها الخضراء وملمس خصرها الناعم بنحافته، قاد سيارة لكى يعود إلى منزله ويطرد من عقله هذه الأفكار...

دمــوع: فتاة ريفية تعيش في حانـة علي الطـريق في منطقة ريفية لا أثر لها علي الخريطة، عمرها 17 عام درست الأعدادية وتركت التعليم، يتيمة الوالدين

 

فى مكان أخري بأحدى الشركات التجارية، كان معتصم يجلس يباشر أعماله على اللاب توب وهو ينظر لبعض الأوراق المتناثرة على سطح مكتبه ويبحث عن شئ في الورق، رن هاتفه برقم مُسجل..
أتاه صوت الرجل بجملة غير ما ينتظرها..
صرخ معتصم وهو يضرب سطح المكتب بقبضته بقوة والغضب يعتصر عقله، قائلاً:
- يعنى إيه لسه عايش... أنت أكيد مجنون..
- غلطة ومش هتكرر يابيه، المرة الجاية مش هنغلط هنفذ بنفسي
- شغلنا مفهوش حاجة أسمها غلطة، المرة دى لو غلطت حياتك هتكون الثمن..
- أخر الأسبوع يكون عند معاليك خبره
- مفيش أخر الأسبوع، معاك ٤٨ ساعة ياتجبلى خبره.. ياهجيب أنا خبرك واضح...

وأغلق الخط دون أن ينتظر جواب أو مبرر..
عاد بظهره للخلف شارداً فى تفكيره وكيف يتخلص من هذا الضابط، الذي يعترض أعماله وطريقه..

معتصــم: رجل أعمال يملك شركة تجارية ويتاجر بالمخدرات في الخفي، يعلم إليـاس بعمله ويطارده

دخلت دموع غرفتها في الطابق الثاني للحانة بتعب وجسدها مُرهق من عملها، وقبل أن تغلق الباب دلف خلفها زوج أمها " سيد " وهو يصرخ بغضب وصوت عالي:
- هتفضلي كدة ترفضي أكل العيش، أنا مش هفضل أصرف عليكي العمر كله

سيــد: زوج والدة دموع عمره 45عام، يعشق الأموال والحشيش، يتاجر بالفتيات من أجل المال، جشع ولا يخشي شيء ويعمل ديلر...

نظرت للأرض بروح منكسرة كعبدة لديه وهتفت بخفوت:
- تصرف عليا ليه، أنا بشتغل كل يوم من الصبح للفجر، ماما وصتك عليا وقالتلك تدخلني الجامعة وأنت عرتني لكل الناس عايزني أعمل ايه تاني، أنام معهم بالنسبة لك ده الشغل يعني وأكل العيش
أقترب منها بغضب ومسكها من ذراعها بقوة وصفعها علي وجهها بيده الأخري وهو يتحدث بلهجة أذلال:
- أنتي تبوسي أيدك أني ربتك ولسه مُتكفل بيك وبهمك لحد دلوقتي واحد غيري كان رماكي في الشارع لكلاب السكك تنهش فيكي بعد ما أمك ماتت

تألمت من قبضته وصفعته وتأوهت بوجع وهي تبكي بين قبضته وصراخه في وجهها، وجمعت شجاعتها وقالت بأنفعال:
- لو كنت رميتني لكلاب السكك كان أرحم من العيشة هنا وتشغلني راقصة، أنت فاكر نفسك كدة عامل فيه خير وبتذلني أنا هنا في جحيم.. جحيــم أنت فاهم

كعادتها تتمرد عليه بعد لحظة ضعف وخوف منه، تماماً ككل شجار يحدث بينهما تضعف ثم تخرج شجاعة تملكها بداخلها، كاد أن يصفعها علي صوتها العالي ولكن دلفت زوجته إلى الغرفة علي صوتهم..

هتفت " نارين " بقسوة قلب وهي تأخذ سيد من ذراعه، قائلة:
- تعال يا سيد، هو أنتي علي أيدك نقش الحنة، أمشي أنجري يابت ساعدي فريدة والبنات في النضافة عايزة المكان بيبروق وحضروا العشاء..

وأخذت زوجها وخرجت، سقطت " دموع " علي الأرض تجهش في البكاء وتلعن حظها وقدرها الذي جعلها جارية لديه يفعل بها ما يريد هو وزوجته....

نـاريــن: زوجة سيد ماضيها سيء، أمراة قاسية تماماً كزوجها، تكره دموع لكونها أبنة زوجته السابقة وتريد التخلص منها عن طريق جعلها عاهرة وراقصة في الحانة وتبقي جارية لها...

دلف " إلياس " من باب الشقة ثملة ويهتز يميناً ويساراً صباحاً ووجدت أمه تجلس علي الأريكة تنتظره، وقفت " جميلة " فور عودته وعقدت ذراعيها أمام صدرها بضجر من تصرفات أبنها في الأوان الأخير ونظرت في الساعة وجدتها 8صباحاً وقالت:
- كنت فين يا ألياس

أتجه نحو غرفته دون أن يجيب عليها، دلفت خلفه وهي تحدثه بغضب:
- أنت هتفضل كدة لحد أمتي، بدمر حياتك بأيدك وشغلك بطلت تروحه وكل ده عشان ايه، أمر ربنا ونفذ هنعترض يعني

أستدار لها وهو يصرخ بها بدون وعي:
- أنتي إيه اللي جابك، عايزة مني ايه سبوني في حالي بقي محدش حاسس باللي أنا فيه، أنا واحد مراته وأبنه ماتوا قدام عينه وهو معملش حاجة، أرحميني بقي وروحي لجوزك أنا مش عاوز حاجة منك

رمقته بنظرة غضب وقالت بلهجة غليظة:
- وبدل ما تدور علي حقهم رايح تصيع وراء الغوازي والخمر

مسكها من ذراعها وإخرجها من الغرفة وهو يقول:
متجيش تاني هنا، أنا لما أعوزكم هجيلكم

وصل لباب الشقة وأخرجها من الشقة وأغلق الباب وعلي أقرب كرسي جلس عليه منهك من التعب جسدياً ونفسياً...

جميـلة: أمه مديرة مدرسة ثانوية عامة بنات، عمرها 56 عام

فتحت " دموع " باب غرفتها بخفوت شديد وأخرجت رأسها من الباب ثم نظرت في الممر ولم تجد أحد منهم، خرجت من الغرفة وهي ترتدي بنطلون جينز وتيشرت بنص كم وشعرها مسدول علي ظهرها وتمسك بيد شنطة ظهرها متوسطة الحجم وبالأخري حذاءها الرياضي وركضت علي الدرج بسرعة هاربة من سجنها هنا، منه إلى خارج الحانة، أرتدت حذاءها وشنطتها وركضت بأقصي سرعتها في الطريق، ظلت نصف ساعة تركض بخوف حتي ظهرت أول سيارة علي الطريق وأشارت إليها لكي تتوقف، توقفت السيارة ودهشت حين نزل منها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة