قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل العشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل العشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل العشرون

ابتلع آياز ريقه، ورسم على وجهه ابتسامة بلهاء وعقد العزم على التصرف بحكمة مع هؤلاء الصغار..
اقترب من أحدهم، والذي كان يبكي بغزارة، ومد يده ليصافحه قائلاً بخفوت:
-هاي، أنا مستر آياز، بلاش تعيط!
نظر له الصغير شزراً، ثم فتح فمه الصغير ليفرغ ما في معدته أمامه من كثرة البكاء..
تراجع آياز للخلف مصدوماً، ورمق الصغير بنظرات متأففة، وحدق فيمل خلفه من فوضى بحنق..
فقد تلطخ حذائه وأطراف بنطاله..

صرخ الصغير عمر بصوت مرتفع قائلاً:
-أنا عاوز مامي، عاااااااااااا
فشل آياز في التعامل معه، فقد شتت تفكيره منظر الأرضية المقزز وفساد حذائه
أمسك صغير أخر ببنطاله وهو يصيح بصوت مرتفع:
-عمو افتح الباب، مامي محبوسة برا
نظر له آياز بإندهاش وكان على وشك الرد، ولكنه أطلق صرخة مكتومة حينما ضربه صغير ثالث بقوة برأسه في ظهره، فتأوه وهو يستدير نحوه قائلاً بصوت متشنج:
-مين عمل كده؟

ركله الصغير بقوة في ساقه وهو يصرخ فيه:
-عااااا، مامي، مامي
تأوه آياز من الآلم وتراجع مبتعداً عنه قائلاً بضيق:
-آآآي، في ايه؟
ضيق الصغير عينيه ورمقه بنظرات حادة، وهتف قائلاً بصوته الغاضب:
-هات مامي وإلا هاضربك!
فغر آياز فمه مشدوهاً ب:
-نعم!
صاح الصغير بصوت باكي:
-مامي، مامي!
خطت صغيرة فوق البقايا الملاقاة على الأرضية، ونظرت إلى آياز بنظرات بريئة، وهتفت بصوت شبه مسموع:
-عاوزة أعمل تويلت!

أفرغ الصغير عمر ما في معدته مجدداً، ولكن تلك المرة على الطفلة الصغيرة، والتي بكت بصوت منزعج وهي تقول:
-مامي، البوي ( ولد ) ده رجّع عليا!
رأى آياز المنظر فشعر بالغثيان يجتاحه، وأنه على حافة الإنهيار العصبي، فلم يتخيل أن يكون المشهد بالداخل هكذا..
صاحت الصغيرة مرة أخرى:
-عاوزة أعمل Pee
وظلت تتلوى بجسدها أمامه لتشير إلى حاجتها الملحة للدخول إلى المرحاض...

رمقته ريمان بنظرات متشفية، فقد كان متعالياً بدرجة كبيرة، وها قد لقى ما يستحقه على يد هؤلاء الأطفال، ولم تحاول التدخل، وتقوس فمها بإبتسامة ماكرة، وإكتفت فقط بتهدئة من معها من صغار بمهارة..
لوت رانيا شفتيها مشمئزة، وأدارت ظهرها له، وتحدثت مع بعض الصغيرات الجالسات إلى جوارها...

في ردهة الإستقبال،
تزاحم أولياء الأمور حول الناظرة، وتشاحنوا معها بسبب تعيين معلم ذكر لأطفالهم الصغار..
حافظت الأستاذة إعتماد على هدوئها، وردت على جميع أسئلته الغاضبة ببرود تام..
وفي النهاية صاحت بصرامة:
-أظن إننا كإدارة قادرين على توفير أمهر وأكفأ المعلمين هنا، ومش هانعرض مصلحة أطفالنا للخطر!
هتف أب ما قائلاً بحنق:
-بس محدش خد رأينا، كان لازم على الأقل تخطرونا بده!
ردت عليه الأستاذة إعتماد بجمود:.

-مرحلة البيبي كلاس هي مرحلة تمهيدية للقادم، ووجود مستر آياز فيها هايضيف للأطفال مش هايقلل
أردفت والدة ما قائلة بإحتجاج:
-لأ، أنا مش مقتنعة بالكلام ده!
إلتفتت ناحيتها الناظرة، وحدقت بها لتتابع بهدوء:
-حضرتك يا فندم لازم تكوني واثقة فينا
هتفت الوالدة بضيق وهي تشير بكف يدها:
-إزاي هو هيتعامل مع بنتي؟ هو عنده صبر؟ احنا أكتر ناس عارفين إن الرجالة مش بتطيق الأطفال ولا عندهم صبر عشان يتعاملوا معاهم!

أجابتها بنبرة واثقة وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-مستر آياز مدرب تماماً على التعامل مع الأطفال
هزت الوالدة كتفيها في عدم مبالاة وهي تقول:
-مش مصدقة!
تابعت الناظرة بجدية:
-حضرتك هاتشوفي ده على مدار الأيام الجاية
سألتها والدة طفل أخر بحزم:
-ولو جرى حاجة لأولادنا؟ هاتتصرفوا ازاي؟
سلطت الأستاذة إعتماد أنظارها عليها، وردت بهدوء:
-أنا المسئولة عن كلامي.

في الباحة الخلفية لمبنى الرياض،
أشرفت جانيت على تجهيز تلك المنطقة وإعدادها لتستقبل الأطفال من أجل إكمال الإحتفال بأول يوم دراسي..
حيث أسندت سماعات كبيرة وطاولات مختلفة، وكذلك ألعاب للصغار في كافة الزوايا..
ووقف بعض الأشخاص يرتدون ملابساً تنكرية في أحد الأركان منتظرين دورهم في إسعاد الأطفال والرقص معهم
تطلعت جانيت إلى الورقة التي بحوزتها، وتأكدت من وجود كل شيء..

ثم رفعت رأسها للأعلى وصاحت بصوت شبه مرتفع:
-استعدوا، شوية والأطفال هايطلعوا
رد عليها أحد الأشخاص وهو يرفع إبهامه للأعلى:
-احنا جاهزين يا مس
أومأت برأسها وهي تجيبه:
-تمام!
ثم أولته ظهرها، وتحركت عدة خطوات للأمام، وحدثت نفسها ب:
-ناقص المصور، يا رب يكون جه!

دلفت ليلة خارج المرحاض بعد أن غسلت كفيها، ثم سارت في إتجاه غرفة المعلمات، ولكن أوقفها صوت رجولي من خلفها قائلاً بجدية:
-لو سمحتي يا مس
إستدارت ليلة برأسها للخلف لتجد شاباً طويلاً – ذو ذقن خفيفة وبشرة سمراء يرتدي قميصاً كحلياً، وبنطالاً من الجينز الرمادي – يقترب منها..
توقفت في مكانها، ورفعت حاجبها للأعلى لتسأله بجمود:
-إنت عاوز مين؟
-حضرتك أنا المصور اللي جاي عشان حفلة الكي جي.

هزت رأسها لتجيبه بهدوء:
-أها
بينما تابع هو حديثه بجدية:
-ممكن تدليني على مكان الأطفال لأن بصراحة أنا تايه هنا ومش عارف أوصل لحاجة!
هزت رأسها مواقفة، وأشارت بعينيها وهي تقول بخفوت:
-اوكي، تعالى معايا!
إبتسم لها مجاملاً وهو يرد:
-شكراً ليكي
ردت عليه بإيجاز وهي تتحرك للأمام:
-العفو
ظل هذا الشاب يعبث بعدسة الكاميرا الخاصة به وهو يسير إلى جوارها، بينما إختلست ليلة النظرات إليه من طرف عينها..

ولفت أنظارها ماركة الكاميرا، فرددت دون وعي:
-واو، كانون!
أدار الشاب رأسه في إتجاهها فوجدها محدقة به، ونظر لها بإستغراب قائلاً:
-نعم!
تنحنحت بخفوت ثم أجفلت عينيها قائلة بإحراج:
-احم، آآ، مافيش!
شعرت ليلة بالحرج منه، وتوردت وجنتيها قليلاً خاصة وأنها شعرت بأنظاره عليها..
ما لفت أنظارها هو نوعية الكاميرا التي يستخدمها، وخشيت أن يكون قد أساء الظن بها، واعتقد أنها تنظر إليه..

ساد الصمت بينهما طوال الطريق، فقطعه الشاب قائلاً بنبرة شبه متحمسة:
-على فكرة أنا اسمي أيمن رشوان، وفوتجرافر على أدي يعني!
هزت رأسها و ردت عليه بإيجاز دون أن تنظر نحوه:
-أها
سلط أنظاره عليها وهو يتابع بفضول:
-أنا أول مرة أشوفك هنا، أنا على طول باجي حفلات السكول بس ماشوفتكيش هناك!
تنهدت بخفوت وهي تجيبه:
-أنا شغالة من زمان هنا
مط فمه للأمام قائلاً:
-ممم، جايز!
ثم إبتسم لها وهو يتابع:.

-يمكن عشان دي أول مرة بأصور حفلات الكي جي!
إزداد تورد وجنتيها وهي تقول:
-احتمال
رفع أيمن الكاميرا في إتجاه ليلة، وبدأ في ضبط عدساتها نحوها، وأكمل قائلاً بتحمس:
-على العموم هي فرصة اني شوفت حضرتك يا مس آآ...
نظرت هي نحوه لتتفاجيء به يلتقط لها صورة فوتغرافية، فعبست بوجهها قائلة:
-مس ليلة
إبتسم لها قائلاً بنبرة هادئة:
-واو، Nice name by the way ( اسم حلو بالمناسبة ) زي صورتك.

ثم أدار الكاميرا في إتجاهها لتنظر إلى صورتها التي بدت جميلة للغاية، فإرتسمت إبتسامة رضا على وجهها، وهمست له:
-ثانكس!
رسم على ثغره إبتسامة بلهاء، ورفع يده ليحك رأسه قائلاً بعبث:
-سوري إن كنت صورتك كده، أنا بأجرب العدسة والفلاش، ولو حابة أمسحها عادي بالنسبالي!
ردت عليه ليلة بجمود:
-مافيش مشكلة، بس بليز أنا مش حابة حد يشوفها
مط فمه بإستغراب، ورمقها بنظرات متعمقة وهو يردد لنفسه:
-ممم، غريبة!

أضافت ليلة قائلة بتوتر شبه ملحوظ في نبرتها:
-يعني مافيش داعي إن صورتي تكون مع حضرتك بدون سبب
أومأ برأسه وهو يرد عليها بجدية:
-أوكي، As you like ( كما تحبين )، أنا هامسحها!
هزت رأسها قائلة بإمتنان:
-Thanks again ( شكراً مرة ثانية )
دار الإثنين من رواق جانبي، ومن ثم إلى ممر طويل، ولم تنبس ليلة خلال سيرهما بكلمة إضافية..

ربما كانت تجيبه تلك المعلمة بردود مقتضبة إلا أنها كانت شخصية مثيرة للإهتمام من وجهة نظر المصور أيمن..
فعادة هو يقابل فتيات وشابات أقل تحفظاً معه، وأكثر أريحية في الحديث، ويحاولن دفعه لإلتقاط صور مميزة لهن، والتواصل معه، ولكنها على العكس كانت عابسة الوجه، مقتطبة الجبين..

لم تنكر ليلة أن سيرها مع هذا الشاب الغريب أزعجها إلى حد ما ووترها دون أن تعرف السبب، فمن يراهما معاً ربما يظن أنهما على معرفة وثيقة، خصوصاً أنه يتعمد الحديث بأريحية شديدة مع غيره، ويتصرف بطريقة تربكها، وتسبب لها الخجل..
كذلك تورد وجنتيها وشعورها بحرارة تنبعث منهما يزعجها أكثر، فهي عادة ما تكون هادئة حينما تتحدث مع الغرباء، لكنها على العكس معه، متوترة ومرتبكة..

فرك أيمن طرف ذقنه، وتسائل بإهتمام محاولاً كسر الحاجز الجليدي مع تلك المعلمة – غريبة الأطوار– قائلاً:
-انتي بتحبي التصوير على كده؟
ردت عليه ليلة بجمود:
-يعني
أردف أيمن قائلاً بحماس:
-على فكرة مش لازم تكوني دارسة تصوير عشان تبقي فوتجرافر، أنا خريج تجارة انجليش، بس التصوير هوايتي المفضلة!
نظرت له بحذر وهي تضيف:
-بجد؟
هز رأسه بتفاخر قائلاً:.

-Yes، Sure ( طبعاً )، دي أكتر حاجة بأحب أعملها، أكيد سمعتي عن ستوديو كيرياتف ؟
لوت فمها قائلة بفتور:
-يعني مش أوي!
هز رأسه عدة مرات ليتابع بحماس أقل:
-ممم، اوكي، هو بتاعي، أنا عملته بجهودي الذاتية، From scratch ( من الصفر )!
-أها..
دس أيمن يده في جيبه، ثم أخرج ورقة ما منه، ومد يده بها نحوها وهو يقول بإهتمام:
-بصي ده الكارت اللي فيه العنوان بتاعه، ومكتوب لينك البيدج، خشي عليه وشوفيه!

تناولته منه بحذر وهي تجيب بإيجاز:
-اوكي
أردف أيمن قائلاً بنبرة واثقة:
-هايعجبك الشغل فيه أوي
طوت هي الكارت في يدها، وتوقفت عن الحركة ثم أشارت بعينيها للأمام وهي تقول بجمود:
-طيب احنا وصلنا، فرصة سعيدة يا مستر أيمن!
عقد أيمن ما بين حاجبيه في تعجب منها، فهي لم تعطيه الفرصة للحديث أكثر معها، فأجابها بهدوء:
-أنا الأسعد يا مس ليلة!
أولته ظهرها وهي تتابع بجدية أشد:
-عن اذنك
حك رأسه من الخلف وهو يرد عليها:.

-اتفضلي..!
تابعها بنظرات مراقبة إلى أن اختفت عن أنظاره، فحدث نفسه قائلاً:
-غريبة المس دي! ماشوفتش زيها، عادي ممكن تكون نمرة بتعملها زي أي واحدة أما تحب تعمل مكسوفة!
هزت ليلة رأسها وهي تسير عائدة لغرفة المعلمات قائلة بإمتعاض:
-انسان عجيب، بيقولي انجازاته وهو مش عارفني أصلاً...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة