قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

قارب اليوم الدراسي الأول على الإنتهاء، والجميع يبدو عليه الإرهاق جلياً..
ولكن أكثرهم سخطاً وضيقاً كان آياز، فقد خالف الوضع توقعاته بالمرة، وقابل أسوأ مجموعة من الصغار الذين لم يكفوا عن البكاء أو الصراخ أو إحداث الفوضى..
ولم تعاونه أي من ريمان أو رانيا بشكل تام، فقد أرادت كلتاهما أن يخوض بنفسه التجربة ليدرك حقيقة الأمر..
ضغط آياز على رأسه بكفيه، وزفر بقوة وهو يصيح بصوت مرتفع:
-Shsh كفاية..!

رفعت رانيا حاجبها للأعلى ولوت فمها وهي تضيف بخفوت:
-بالراحة يا مستر، الأطفال كده هاتعيط اكتر
كز على أسنانه قائلاً بصوت محتد:
-اتخنقت!
زدات عينيها ضيقاً وهي تتابع بإندهاش:
-بالسرعة دي، ده لسه أول يوم!
ثم حركت شفتيها للجانبين لتضيف بتعجب:
-أومال هاتعمل ايه بعد كده لما تبقى لوحدك معاهم؟!
وزع آياز أنظاره على الصغار، وهتف بصوت ساخط مشيراً بيده:
-هما دول اطفال!

وضعت رانيا يدها في منتصف خصرها، ووقفت بشموخ قائلة بمزاح:
-لألألأ، متقولش كده دول شياطين في هيئة أطفال!
ابتسم لها إبتسامة خفيفة وهو يقول:
-عندك حق
تنهدت رانيا بحرارة وهي تراه يتطلع لها، ويبادلها الحديث بأريحية، فأدارت وجهها في إتجاه ريمان، وأرسلت لها نظرات متباهية فزاد وجه الأخيرة إحتقاناً، وبدت على وشك الإنفجار من الغيظ..
فبعد كل شيء، هي لم تأخذ حقها بعد منها، ورانيا تتعمد إستفزازها بصورة مبالغ فيها..

تحرك طفل صغير بالقرب من آياز ومد يده ببيضة مسلوقة وقال ببراءة:
-آمو ( عمو ) قشرلي دي
رد عليه آياز بنفاذ صبر وهو يتفحص الطفل الصغير:
-اسمي مستر آياز يا حبيبي
هز الصغير رأسه، وقرب البيضة من فمه ليقوا:
-ماسي ( ماشي )، هام يالا
ضيق آياز عينيه في إستغراب واضح، وتعجب مما يفعله الصغير، وسأله بفضول:
-انت بتعمل ايه؟
رد عليه الطفل ببراءة:
-عاوز أكل E، egg ) ) بيضة..!
سألته رانيا بغرابة وهي تدعك فروة الصغير بكفها:.

-انت بتسمع اللي حفظته؟
ابتسم لها الصغير قائلاً بصوت طفولي:
-أنا خدتها برا في الدرس مع مس هالة، هي بتحفظهالي كده
أرجعت رانيا رأسها للخلف، وغمغمت بخفوت:
-أها، قولتلي درس بقى، انت بدأت من بدري
هز آياز رأسه بحيرة، وتسائل بنزق:
-أنا مش فاهم بتقول ايه، يعني انت عاوز تاكل ال Egg دي؟
أجابه الصغير بوضوح:
-أه..
مالت رانيا على آياز، ووضعت يدها بالقرب من فمها لتهمس له بجدية:.

-بلاش تقشرله البيضة، صدقني هاتقلب بزفارة والكلاس ريحته هتبقى وحشة، وحاجة تجيب اللي في بطنك
إمتعض وجه آياز، وبدى على تعبيرات وجهه علامات الإشمئزاز، فيكفيه ما لاقاه من فوضى في اليوم الأول..
لذا دون تردد ابتسم للصغير، وحاول أن يقنعه بالعدول عن تلك الفكرة قائلاً بهدوء:
-بس ماينفعش، دي ريحتها مش حلوة، وهتخلي ايدك كمان ريحتها مش ظريفة
لوى الصغير فمه بضيق، وضرب الأرض بقدمه قائلاً بإصرار وهو عابس الوجه:.

-أنا بأحبها، أقشرهالي بقى!
أدرك آياز أنه لن يتمكن من إقناع الصغير بسهولة، لذا حاول البحث عن بديل أخر، فسأله بتلهف:
-طب معاك ايه تاني؟
رد الطفل قائلاً ببراءة:
-معايا بطاطس محمرة
إلتوى فم رانيا لتتمتم بهمس:
-كمان، يعني زيت وتلزيق وعكة ولبصة!
ضغط آياز على شفتيه، ولم يعقب، بينما أكمل الصغير حديثه قائلاً:
-أها، بس مس آرف أمسكها بالسوكة ( مش عارف أمسكها بالشوكة ) فمسكتها بإيدي دي!

ثم مد الصغير يده، ومسحها على بنطال آياز الذي تسمر في مكانه مصدوماً مما فعله..
وإتسعت مقلتيه بغضب بعد تلك الحركة العفوية من الطفل الذي أكمل:
-سايف ( شايف ) ملزقة إزاي!
إحتقنت مقلتيه بنيران متأججة، وحدث نفسه بغل ب:
-الظاهر إن الماستر اللي أخدتها مش هاتنفع هنا أبدا، آآآه، كان عندك حق يا رامي!

في غرفة المعلمات،
مدت سالي ساقيها للأمام بعد أن ألقت بجسدها المنهك على الأريكة، ثم تأوهت بصوت شبه مرتفع قائلة:
-مش قادرة، مأعدتش لحظة واحدة من ساعة ما العيال جوم
جلست سارة إلى جوارها، وقالت بنزق:
-هو في حد هنا بيرتاح!
أومأت سالي برأسها موافقة، وأضافت قائلة:
-على رأيك، ماتخليكي جدعة وتعمليلي نسكافيه!
ردت عليها سارة وهي تتمطع بذراعيها في الهواء:
-أنا عاوزة اللي يشلني للبيت، أه يا ضهري!

أكلمت سالي حديثها بجدية:
-تحسي إن احنا عجزنا قبل أوانا
مالت سارة على جانبها لتسند وجهها على مرفقها وهي تقول:
-أه والله، بقينا لا نصلح لأي شيء!
زمت سالي فمها لتقول بضيق:
-ما هي المدرسة دي مش بترحم حد
تدخلت نادية في الحوار قائلة بحماس غريب:
-يا آنسات، احنا هنا زاهدات في العلم والعمل
أشارت لها سالي بيدها لتهتف بإنزعاج:
-أبوس أيدك يا نادية مش وقت خطبك العصماء دي، احنا عاوزين نرتاح شوية قبل ما ريا تهجم علينا!

ضيقت نادية عينيها بحدة، وأردفت قائلة بإهتمام:
-قصدك آآ...
هزت سالي رأسها لتقول بضجر:
-اه هي، وبلاش نرغي كتير لأحسن بتيجي على السيرة.

في مكتب السكرتارية،
نفخت ليلة بضيق واضح وهي تنظر إلى أية التي حدثتها بهدوئها المعتاد ب:
-مش ذنبي والله يا ليلة، مس اعتماد هي اللي عاوزة كده
أردفت ليلة قائلة بتذمر واضح:
-يعني كل الناس هتاخد بريك وترجع بيتها، وأنا اللي المفروض أروح المالتيميديا أشوف الصور، دي مش شغلتي
مطت أية فمها قليلاً لتبرر:
-بس هي عارفة إنك بتعملي شغل حلو مع الفوتوشوب
فركت ليلة جبينها برفق وهي تقول:.

-ماشي، بس كهواية في وقت فراغي، مش احتراف يعني!
رمشت أية بعينيها وهي تضيف بهدوء:
-هي عاوزة تتأكد إن الأطفال كلهم متصورين قبل ما ننزل الألبوم على الصفحة، كمان الصور اللي مش مناسبة تتحذف، والتعليقات والوصف يتكتب صح مش يكون فيه أخطاء
زمت ليلة شفتيها لتهتف بضجر:
-طيب ما تأجلها لبكرة!
هزت أية رأسها نافية مبررة:
-مش هاينفع، لأن بكرة في تصوير للميني فان داي
ركلت ليلة الأرضية بقدمها وهي تزفر بصوت مرتفع:.

-يووه، برضوه!
دلفت عاليا إلى داخل غرفة المكتب لتجد الاثنتين تتجادلان، فتسائلت بفضول:
-في ايه يا بنات؟
تنهدت ليلة بإنهاك لتجيبها:
-مس إعتماد عاوزاني أقعد في المالتيميديا أظبط صور النهاردة مع بتوع ال IT، ودي حاجة متخصنيش
إلتوى فم عاليا بصورة واضحة لتردف بصوت ساخط:
-هي الست دي مش بترتاح، بتدور على أي حاجة تشغلنا بيها وخلاص!
أشارت ليلة إلى أية بيدها وهي تقول بنبرة شبه منفعلة:
-أهوو شوفتي، عاليا زيي.

رفعت أية كفيها للأعلى وهي تكمل بهدوء نسبي:
-أنا ماليش دعوة، خلاص خشي قوليلها الكلام ده
أردفت ليلة قائلة بضيق:
-هي بتدي فرصة لحد يتكلم معاها
ربتت عاليا على ظهر رفيقتها، وإبتسمت لها بخفوت قائلة:
-معلش يا لولو، حاولي تنجزي وأنا هستناكي نروح سوا!
نظرت لها ليلة بنظرات عادية وهي ترد عليها بإرهاق:
-لأ يا بنتي، متعطليش نفسك، أنا هاروح، وربنا يعيني بقى
ضغطت عاليا على كف رفيقتها لتردف بحماس زائف:.

-أدها وأدود يا لولو
-أها
رفعت عاليا حاجبيها للأعلى، وتابعت بجدية:
-هاسيبك بقى وأروح أشوف بقية الشلة
ردت عليها ليلة بجمود:
-اوكي
أشارت عاليا بيدها وهي تتجه خارج الغرفة:
-نتكلم واتس بقى
-تمام، باي!
-سلام
ثم عاودت ليلة النظر إلى أية بعتاب قبل أن تسحب حقيبتها وتعلقها على كتفها لتتجه هي الأخرى إلى الخارج.

مدت نشوى يدها بعلبة عصير إلى رفيقتها المقربة رانيا، وسألتها بفضول:
-ها وبعدين؟
ارتشفت رانيا أكثر من منتصف العلبة مرة واحدة، وتجشأت قائلة:
-بس يا نوشا، كلمة من هنا، وغمزة من هنا وفرستلك البت ريمان
حركت نشوى حاجبيها في إعجاب مضيفة:
-جبارة، مالكيش حل!
إنتصب رانيا في جلستها لتكمل بزهو:
-أومال ايه، ده أنا رانيا!
ثم رفعت كفها للأعلى، وأشارت إلى أصبعها قائلة:
-وقريب أوي هتلاقي الخاتم بتاعه في ايدي.

-يا مسهل يا رب.

من ناحية أخرى، جمع آياز متعلقاته الشخصية، ونفض بنطاله من بقايا الصغار عليه، ثم وضع الهاتف على أذنه بعد أن اتصل بإبن خالته رامي، وانتظر للحظات قبل أن يجيبه الأخير، فهتف بتعب:
-انت فين؟
رد عليه رامي بنبرة ضجرة:
-أنا في المعرض
فرك آياز رأسه عدة مرات متسائلاً بضيق:
-ايه ده يعني مش هاتعدي عليا؟!
رد عليه رامي بتنهيدة مطولة:
-لأ للأسف مش هاينفع، عندي شغل أد كده، والحاج سرحان مش بيرحم.

هز آياز رأسه بخفة مكملاً بفتور:
-أها، ولا يهمك، أنا هاخد أوبر وهارجع على الفيلا
-معلش يا إيزووو، المهم انت الشغل تمام معاك؟
صر آيأز على أسنانه قائلاً بحنق:
-مش قادر أقولك على اللي شوفته
أردف رامي ساخراً:
-واضح إنك شوفت العجب، أما ارجع على الغدى احكيلي
-أوكي، مش هاعطلك، سلام
-سلام!

أنهى آياز المكالمة ووضع الهاتف في جيبه، ثم سحب حقيبته الشخصية خلف ظهره، وإتجه نحو بوابة مبنى الرياض وهو يستعيد في ذاكرته أحداث أول تجاربه مع الأطفال...

في غرفة الوسائط المتعددة ( المالتيميديا )،
طرقت ليلة باب الغرفة قبل أن تدلف للداخل، ثم جابت بعينيها المكان بحثاً عن أي شخص بها، فوجدت الغرفة خالية، فتدلى كتفيها في تعب، وزفرت بإنزعاج، وهي تحدث نفسها متذمرة:
-يعني مش في حد هنا، طب أعمل ايه، أمشي ولا أقعد شوية؟!
نظرت إلى ساعة هاتفها المحمول، وأكملت بضجر:
-طيب هاستنى 5 دقايق ولو مافيش حد هاكلم مس اعتماد وأبلغها وهي تتصرف!

أسندت حقيبتها على الطاولة، وسحبت مقعداً وجلست بالقرب من الحاسوب الرئيسي بالغرفة، ووضعت ساقها فوق الأخرى وظلت تهزها بعصبية، ثم أمسكت بهاتفها المحمول وظلت تعبث به...
بعد لحظات سمعت صوتاً ذكورياً مألوفاً يأتي من الخلف قائلاً بحماس:
-سوري، أنا كنت بأجيب الفلاشة من ال آآآ...
قاطعته ليلة بجدية وهي تضع هاتفها داخل حقيبتها:
-طب بسرعة يا مستر عاوزين نخلص صور الكي جي عشان مش حابة أتأخر.

ثم أدارت رأسها ببطء ناحية صاحبه، وفغرت شفتيها مصدومة حينما رأت أن المتحدث هو المصور أيمن الذي ابتسم لها قائلاً بسعادة:
-واضح إن حظي حلو النهاردة، وهانشتغل سوا
لم تفقْ ليلة من حالة الذهول المسيطرة عليها، وغمغمت بتلعثم:
-هاه، آآ، إنت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة