قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الرابع عشر

تسمرت رانيا أمام واجهة البنك الزجاجية منتظرة خروج آياز من الداخل..
لم تهتم لتذمرات نشوى الواقفة بجوارها، فتفكيرها منصب حالياً على ذلك الوسيم الذي حاز على تفكيرها..
فمنذ وطأت قدماه مبنى رياض الأطفال، وهي تسعى للفت إنتباهه، ولكنه للأسف لم يعاملها إلا بفظاظة..
ولكنها عقدت العزم على ألا تستسلم، فمهما فعل معها أو مع غيرها، فهي من سيظفر به في النهاية..

شعرت نشوى بالضجر من وقوفها على قدميها لأكثر من نصف ساعة، فتشدق قائلة:
-يا بنتي إرحميني بقى، ويالا بينا نروح البيت، أنا رجلي وجعتني من الوقفة
زمت رانيا شفتيها للجانب، ورفعت حاجبها للأعلى، وهتفت على مضض ب:
-اصبري شوية
ردت عليها رفيقتها بتذمر قائلة وهي تنفخ في ضيق:
-أصبر إيه بس، ده شكله هيبات جوا
رمقتها رانيا بنظرات حادة، ثم أردفت بإصرار واضح:
-إن شاء الله يقعد سنة، أنا مش هامشي غير لما أشوفه وأتكلم معاه!

لوت نشوى شفتيها في إنزعاج، ورمقتها بنظرات مغتاظة، ثم قالت بسخط:
-ده إنتي رزلة
هزت رانيا كتفيها في عدم إكتراث، ثم هتفت بنبرة غير مبالية بعد أن عقدت ساعديها أمام صدرها ب:
-فيا كل العِبر، بس مش ماشية برضوه!
زفرت نشوى في ضيق، وتلفتت حولها وردت عليها بضجر قائلة:
-أوف، أما أشوف أخرتها إيه.

مرت عدة دقائق، والوضع كما هو عليه، حركة خفيفة داخل البنك للعملاء الجالسين على مقربة من الحائط الزجاجي..
تسليط آياز لأنظاره على لافتة إلكترونية يظهر عليها أرقام ترتيب العملاء..
تحديق رانيا بذلك الوسيم، والإبتسامة البلهاء مرسومة على ثغرها..
زمت نشوى شفتيها في تذمر بعد أن إزداد شعورها بالملل، ثم رأت لافتة لأحد محال البقالة، فهتفت بحماس وهي تلكز رانيا في ساعدها:.

-روني، أنا هاروح اجيب حاجة أشربها، أجيبلك معايا؟
هزت الأخيرة رأسها في إعتراض، ثم هتفت بجدية:
-لأ، خليكي واقفة معايا
أشارت نشوى بيدها وهي تجيبها بإلحاح واضح:
-يا بنتي أنا ريقي ناشف، هاجيب 2 سفن، ثواني مش هتأخر عليكي!
حاولت رانيا الإمساك بها من ذراعها، وهي تصر على أسنانها في ضيق ب:
-يا نوشا استني
إنسلت نشوى من قبضة رانيا بخفة، ثم سارت بخطوات أقرب إلى الركض وهي تصيح بسعادة ب:
-أنا جاية على طول.

بداخل سيارة رامي،
تشبثت عاليا بمقعدها وهي تنظر بذعر أمامها غير مصدقة الجنون الذي إرتكبه رامي للتو معها...
لم تستطع أن تتبين ملامح الطريق بسبب تلك السرعة المفرطة التي يقود بها سيارته..
شعرت أنها على وشك الإغماء من شدة الرعب، فقد ظنت أنها قاب قوسين أو أدنى من الموت..

عادة هي تخشى أن تشارك رفيقاتها الألعاب الخطيرة – كالقطار السريع، والمغسلة، والساقية الدوارة - في الملاهي، حتى لا تصيبها نوبات الغثيان المصحوبة بالدوار، فتفسد عليهن الأجواء..
واليوم هي تخوض ذلك الشعور ولكن رغماً عنها..
أدارت عاليا رأسها للجانب في ذعر، وحدقت في رامي بمقلتين متسعتين من الخوف، ثم صرخت عالياً ب:
-نزلنييييييي، هاموت.

نظر رامي لها بتحدي غير مكترثاً بها، ورسم على فمه إبتسامة قاسية، وأكمل قيادته للسيارة بسرعته الجنونية...
أغمضت عاليا عينيها، وضغطت عليهما بقوة، وأطرقت رأسها في خوف للأسفل، وقبضت على مقعدها بيدين مرتجفتين وأكملت صراخها ب:
-هاموت، وقف العربية، هاموت!
إلتوى فمه بتلك الإبتسامة المستفزة، ورمقها بإستخفاف من زاوية عينه، وأردف ببرود وهو يدير عجلة القيادة:
-عشان تتعلمي إزاي تحترمي غيرك!

بدأ شعور الغثيان يستحوذ على تفكير عاليا، وشعرت بتقلصات معدتها، وبقرقعات قوية فيها..
إهتز جسدها بقوة وهو يدير السيارة عكس الإتجاه، فتملكها إحساس الغثيان تماماً..
أرخت عاليا قبضة يدها المجاورة لرامي، ولكزته في ذراعه متوسلة إياه ب:
-وقف العربية، هاستفرغ ( تتقيأ )!
هز رأسه نافياً، وأجابها بعناد واضح في صوته وهو يرمقها بنظراته المتشفية:
-لأ مش هاوقفها.

إزداد اضطراب معدتها، ولم يعد بإمكانها التحمل أكثر من هذا، فصاحت بصراخ:
-بأقولك وقفها بسرعة
نظر لها ببرود، ثم أجابها بإيجاز وهو يوميء برأسه رافضاً لطلبها:
-إنسي!
قبضت عاليا على ساعد رامي، وغرست فيه أظافرها، فحدجها بنظرات نارية، وكان على وشك الصراخ فيها، ولكنه رأها تضع يدها الأخرى على فمها محاولة كتمه..

ثم تفاجيء بها تميل برأسها عليه، ثم تجشأت بصوت مكتوم، وباغته بحركة لا إرادية مقززة حيث أفرغت ما في معدتها على بنطاله:
-بؤؤؤؤؤ، إإع، بؤؤؤ
نظر له رامي مصدوماً من فعلتها، وصاح عالياً بإشمئزاز:
-يعععع.

أحضرت نشوى علب العصائر المعدنية، ووقفت تلتقط أنفاسها بعد أن ركضت عائدة إلى رفيقتها التي كانت تلوي شفتيها في إنزعاج..
مدت يدها إليها بالعلبة التي إشترتها لها، ثم أخذت نفساً عميقاً مجدداً، وزفرته على عجالة، و سألتها بصوت لاهث وهو تحاول فتح العلبة المعدنية الخاصة بها:
-ها، خرج؟
مطت رانيا شفتيها وأجابتها بسخط وهي تشرأب برأسها للأعلى:
-لأ لسه.

وضعت نشوى علبة المشروب المعدني على فمها، وإرتشفت منه القليل، ثم تجشأت وهي تنطق ب:
-طب اشربي السفن قبل ما يسخن
نظرت لها رانيا بإشمئزاز، وهتفت بضيق:
-ماشي
أمسكت هي بعلبتها المعدنية، وحاولت فتحها بهدوء، ولكنها تفاجئت بمحتوياتها تفور وتتناثر بغزارة على ملابسها مبللة إياهم، فشهقت في ذعر قائلة:
-يا لهوي!
نظرت لها نشوى بقلق، وسألتها بإضطراب:
-أوبا، في ايه؟

نفضت رانيا يدها في الهواء محاولة إزاحة المشروب العالق بأصابعها، وصاحت بغضب جلي:
-عاجبك كده، السفن كله إتكب عليا!
هزت نشوى كتفيها في عدم مبالاة، وردت عليها بفتور:
-وأنا هاعرف منين إن العلبة هاتفور في وشك؟!
إغتاظت رانيا مما حدث، وتلونت وجنتيها بحمرة غاضبة، وقالت مزمجرة:
-إنتي السبب في البهدلة دي!
نظرت لها نشوى بإستغراب، وسألتها بهدوء حذر:
-أنا؟
صرت رانيا على أسنانها وهي تجيبها بحنق:
-ايوه.

ثم إنحنت بجسدها للأمام لتنظف ملابسها التي تلطخت بالمشروب، وإزداد حنقها أن يدها باتت لزجة، فظلت تتمتم بكلمات غير مفهومة..
أكملت نشوى تناول مشروبها، وأردفت مازحة ب:
-دلق السفن خير
نظرت لها رانيا بغل، وصاحت فيها بنبرة محتدة ب:
-إنتي هتهزري؟!
وضعت نشوى يدها على كتف رفيقتها، وهتفت بهدوء:
-خلاص بقى يا روني، متحبكيهاش
فغرت رانيا شفتيها في ضيق قائلة بحنق وهي ترفع حاجبيها للأعلى:.

-يا سلام، عاوزة المز يطلع يشوفني بالشكل ده؟!
ألقت نشوى بالعلبة الفارغة بجوار الرصيف، ثم أمسكت بحقيبتها، ودست فيها يدها، وقالت بجدية:
-طب اهدي بس عليا، أنا هساعدك، ثواني أطلع ال Wipes ( مناديل مبللة ) من الشنطة!
في نفس التوقيت خرج آياز من البنك وهو يتنهد في إرهاق، ثم توقف في مكانه ليضع كارت الفيزا الخاص به بداخل حافظة نقوده، ولم ينتبه لوجود تلك الفتاتين..
حدث نفسه بخفوت بعد أن نفخ في إنزعاج:.

-Finally ( أخيراً )
ثم أولاهما ظهره، ودس محفظته في جيب بنطاله الخلفي، وتحرك في الإتجاه العكسي بخطوات شبه سريعة
نظر آياز إلى التوقيت في شاشه هاتفه النقال، وتابع بتوتر:
-أوبس، أنا إتأخرت جداً، يدوب ألحق أروح لرامي!

أوقف رامي سيارته مضطراً على قارعة الطريق، وترجل منها مسرعاً وهو يشعر بالإشمئزاز والتقزز من حاله، فقد أفرغت عاليا ما في معدتها على بنطاله..
ظل يصيح بإنفعال جلي، وأطلق سباباً رهيباً وهو محني للأمامم محاولاً تنظيف بنطاله بالمناشف الورقية..

في حين أرجعت عاليا ظهرها للخلف، ونظرت له بنظرات متشفية، وإعتلى ثغرها إبتسامة شيطانية وهي تمسح بمنشفة ورقية شفتيها، ثم حدثت نفسها بنبرة خافتة تحمل الشماتة في طياتها:
-أحسن، تستاهل اللي حصلك
حاولت أن تخفي إبتسامتها العابثة حتى لا تثير إنفعاله، خاصة وأنه كان مهتاجاً بطريقة مقلقة..
ألقت بالمنشفة على التابلوه، وسحبت أخرى من العلبة، وأكملت بخفوت:
-ما كان من الأول!

ركل رامي الأرض بقدمه، واستشاطت عينيه غضباً وهو يكز على أسنانه محدثاً نفسه ب:
-أنا غلطان إني ركبتها من الأول معايا، ما كنت أسيبها تولع في الشارع، جبت لنفسي القرف!
إلتفت برأسه للخلف ليجدها تبتسم بسعادة، فضاقت عينيه وإزداد إحتقانهما، وتابع بغيظ:
-وربنا شكلها قاصد، طيب يا عاليا!

عاد مجدداً للسيارة وهو مكفهر الوجه، ومقتطب الجبين، ووقف أمام الباب الملاصق لمقعده، وإنحنى بجذعه للأمام، ثم أردف بصوت مهتاج وصارم:
-إنزلي من العربية!
هزت رأسها بالرفض وهي تجيبه بإيجاز:
-لأ
صر على أسنانه في غل، وحدجها بنظرات نارية وهو ممسك بباب سيارته:
-بأقولك إنزلي!
أسندت عاليا رأسها للخلف، ووضعت رسغها على جبينها لتضغط عليه، ثم ردت عليه بخفوت:
-مش قادرة
صاح فيها رامي بإنفعال وهو يلوح بيده في وجهها:.

-إنتي مش كنتي هاتموتي وتنزلي، يالا برا عربيتي وآآآ...
لم تستمع عاليا إلى ما يقوله رامي، فقد باغتها مجدداً ذلك الشعور المزعج بالغثيان، فأغمضت عينيها في إستسلام، وأردفت بضعف:
-بأقولك بطني قالبة عليا، وحاسة إني آآ، ه، هاستفرغ تاني!
لوى رامي فمه في إشمئزاز، ورمقها بنظرات متأففة، ثم صاح بفظاظة:
-الله يخربيت قرفك.

فتحت عاليا عينيها عقب عبارته الوقحة، وأنزلت ساعدها للأسفل، ونظرت له بإحتقار، ثم رفعت إصبعها في وجهه محذرة إياه بحنق ب:
-احترم نفسك لو سمحت!
حدجها بنظراته القاتلة وهو يرد عليها بإهتياج قائلاً:
-هو إنتي خليتي فيها إحترام
ثم أشار إلى بنطاله بكف يده وهو يتابع بحنق ب:
-شايفة منظري عامل إزاي؟ إنتي كنتي واكلة إيه فسييييخ!
رمقته عاليا بنظرات إستعلاء وهي تجيبه ساخرة ب:
-لأ، دي أحماض وعصارة صفراوية.

لوى فمه للجانب وهو يرد عليها بسخط:
-والله! كوميدي بقى وكده، أصل أنا ناقص عصارة وقرف
أشاحت بعينيها بعيداً عنه، وزفرت قائلة:
-أووف، استغفر الله!
إعتدل رامي في وقفته، وظل يتأمل هيئة بنطاله المزرية، وحدث نفسه بإمتعاض ب:
-أل أنا كنت ناقص قرف على أخر الليل، هاروح الرالي الوقتي إزاي، لا حول ولا قوة إلا بالله! طب هاعمل ايه الوقتي؟ أتصرف إزاي يعني!

سلط أنظاره على علياء فوجدها مستكينة في مقعدها، فلوى ثغره متأففاً، وقوس أنفه بتقزز وهو يتابع قائلاً:
-أوووف، هاضطر اخد العربية المغسلة ينضفوها، ما أنا مش هاستنى أسمع تريقة من حد!
إزداد شعور عاليا بالغثيان، وسيطر مجدداً عليها، ولكن تلك المرة مصحوباً بدوار رهيب..
جاهدت نفسها لتقاومه، ولكن كم الأدرينالين المتدفق إلى جسدها أرهقها حقاً، وسبب لها تلك الحالة الغير متزنة..

مال رامي على نافذة باب سيارته المجاور للمقود، وأمرها بجدية ب:
-يالا يا حاجة!
تنهدت عاليا في إنهاك، وقالت بصوت ضعيف:
-تعبانة
نظر لها بسخط، وأردف متهكماً وهو يشير بكلتا يديه في الهواء ب:
-آه، بدأنا، تعبنا ودايخة، ونفسي غامة عليا، وجو الحوامل ده!
لم تجبه عاليا، وأغمضت عينيها في ضعف، فإستشاط غضباً، وقال بإصرار:
-مابدهاش بقى!

دار رامي حول السيارة ووجهه متجهم للغاية، ثم قام بفتح الباب الملاصق لمقعدها، وأشار لها بيده وهو يهتف بنبرة محتدة:
-إنتي هاتسوقي فيها، أنا جبت أخري معاكي!
نظرت له من طرف عينها، وردت عليه بوهن واضح في نبرة صوتها:
-والله آآ...
قاطعها بصوته الصارم الذي يحمل التهديد وهو يرمقها بنظرات جادة قائلاً:
-بأقولك إيه أنا مش فاضي للمناهدة، يالا برا، ولا تحبي أجرجرك أنا براها؟!

نظرت له عاليا شزراً، ولوت شفتيها في تأفف من وقاحته، ثم نظرت إلى حالها، فلملمت ذيل فستانها المتبعثر، وأرجعت طرف حجابها للخلف، وأمسكت بحقيبتها في يدها، ونهضت على مهل من المقعد لتترجل من السيارة وهي تأمره بحنق:
-وسع!
تنحى هو جانباً ليفسح لها المجال لكي تمر، وأخذ يراقبها بنظرات منزعجة..

وما إن وقفت عاليا على قدميها حتى إجتاحها دوار رهيب، فترنح جسدها للخلف، وشعرت أن الأرض تميد بها، فأسندت رأسها بكف يدها، وأغمضت عينيها بقوة مقاومة إياه..
نظر له رامي بتوجس شديد، وقطب جبينه في قلق، وسألها بتوتر:
-مالك؟
حاولت أن تجيبه بصوتها المنهك قائلة:
-أنا، آآ..

لم تكمل هي جملتها الأخيرة حيث تراخى جسدها بالكامل لفقدانها الوعي، فأسرع رامي بتلقفها بين ذراعيه، وأسند رأسها بحذر على ذراعه، وأحاطها جيداً بذراعه الأخر حتى يحول دون سقوطها على الأرضية الإسفلتية..
ثم نظر لها بنظرات مضطربة للغاية، ومسح براحته على وجنتها محاولاً إفاقتها، وهو يقول لها بنبرة خائفة:
-عاليا، عاليا...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة