قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

فقدت عاليا وعيها، وحاول رامي إفاقتها بعد أن أسندها بذراعه كي لا تسقط..
إنتابته حالة من القلق الشديد حينما رأها لا تستجيب له، وتلفت حوله بريبة وهو يحدث نفسه بإضطراب:
-طب، طب أتصرف إزاي الوقتي؟
ثم إستدار برأسه نحو عاليا، وهتف فيها بصوت مرتبك:
-عاليا، عاليا! سمعاني؟ عاليا
وضرب على وجنتها برفق، فلم تستجبْ له، فسحبها بحذر للخلف، وجاهد كي لا تسقط من يده..

ثم قام بفتح باب السيارة على مصرعيه، وأمسك بها جيداً وهو يحاول وضعها بالداخل، ثم أسندها على المقعد، وأمال رأسها للجانب، وإنحنى للأسفل ليعيد ضم ساقيها معاً، ومن ثم عاود النظر إليها ووجهه يكسوه القلق..
مط فمه في خوف، ووضع يده على رأسه وحكها عدة مرات وهو يحدث نفسه قائلاً بحيرة:
-أوديها المستشفى، ولا، ولا آآ، أشوف برفان أفوقها بيه، ولا أعمل ايه!
اعتدل في وقفته، وتلفت حوله من جديد، ثم تابع قائلاً بندم:.

-ما هو أنا اللي غلطان، مكانش لازم أسوق فيها أوي معاها
زم فمه للجانب وهو ينظر إليها، ثم أضاف قائلاً بهمس:
-بس هي مستفزة، وقالت كلام ينرفز، وأدي نتيجة العصبية! أوووف!
حركت عاليا رأسها قليلاً، وأصدرت أنيناً مكتوماً، فتهللت أسارير رامي وهو يراها تفيق دون أن يحتاج لأي مساعدة، فإنحنى للأسفل، وجثى على ركبته، وأمسك بكف يدها بين راحتيه، وربت عليه بخفة، ثم حدق بها، وهو يقول بصوت رخيم:.

-عاليا، عاليا! إنتي كويسة؟
تأوهت هي بصوت خافت وهي ترد عليه هامسة:
-آآآه، دماغي، آآه
ثم رفعت يدها المتحررة، ووضعتها على جبينها، وظلت مغمضة العينين وهي تتابع قائلة:
-مش قادرة منها، آآآه
نظر لها بإشفاق وهو يهتف بتوتر:
-عاليا، في ايه؟ مال دماغك؟ لسه دايخة؟ طيب آآ...
فتحت عينيها فجأة، وأبعدت يدها عن جبينها، ثم أخفضت رأسها نحوه، ونظرت له بحدة، وهي تقول بغيظ:
-إنت؟

وقامت بسحب يدها الأخرى من بين راحتيه، فنظر له بإستغراب وهو يسألها ب:
-حاسة بحاجة تانية؟
كورت عاليا قبضة يدها، وتراجعت في مقعدها، وتحسست بيدها الأخرى فستانها، وصاحت قائلة بصوت متحشرج وغاضب:
-إنت، إنت السبب في اللي أنا فيه؟
ابتسم لها إبتسامة مستفزة وهو يرد عليها ب:
-كده أنا اطمنت إنك كويسة
ثم إعتدل في وقفته، وأضاف بإرتياح:
-الحمدلله، مكونتش هاقدر أنام وأنا حاسس بالذنب.

عبست بوجهها، وقطبت جبينها، ونظرت له شزراً وهي تهتف بسخط:
-وسع كده
نظر لها بإندهاش وهو يقول بإيجاز:
-افندم؟!
هتفت بحدة وهي تشير بيدها:
-إنت مش سامع، حاسب خليني أنزل
احتج قائلاً، وهز رأسه رافضاً، وهو يشير بذراعه:
-لألألألأ، أنا مش هاتحمل يجرالك حاجة تاني، أنا هاوصلك مطرح ما إنتي عاوزة
رفعت حاجبها للأعلى في إستهجان، وقالت بإستنكار:
-والله! ده على أساس إن أنا ينفع أروح الفرح بالمنظر ده؟

-طيب خلاص، هاوديكي عند بيتك، وآآ...
قاطعته بصوت محتد وهي تشير بيدها:
-إنت بتقول إيه؟ بيت ايه اللي توصلني عنده، من فضلك حاسب، كفاية قلة قيمة
اعتدل في وقفته، وأردف قائلاً بهدوء حذر:
-يا ستي حقك عليا، بس والله ما ينفع أسيبك وإنتي بالشكل ده
قالت معترضة، وهي تنظر له بضيق:
-وأنا مش هاقبل إن راجل غريب يوصلني
فغر فمه مشدوهاً وهو يقول:
-هاه، نعم!
ردت عليه بنبرة منزعجة، وهي تتفقد فستانها:
-زي ما سمعت.

نفخ في الهواء، ووضع يديه على رأسه، وفركها للحظة، ثم نظر إليها، وقال بإصرار:
-ماشي، وأنا برضوه مش هاينفع أسيبك في الحتة المقطوعة دي لوحدك وبعد اللي حصل مني!
رمقته بنظراتها الحادة وهي تجيبه بجدية:
-أنا هاتصرف، كفاية البهدلة اللي بهدلتهالي!

لوى رامي فمه معترضاً، وفكر مع نفسه للحظة فيما تقول، فبديهياً هو من تصرف برعونة معها، وبالتالي ستكون تلك ردة فعلها، ولكنه في نفس الوقت يخشى أن تتعرض لإغماءة أخرى إن تركها بمفردها، وخاصة أن الوقت بات متأخراً، والطريق شبه خالي من المارة أو السيارات، وربما تتعرض لمن يضايقها، لذا عليه أن يصل معها إلى حل سريع ومرضي...
وضع يده على صدره، وأردف قائلاً بصوت خافت ونظرات أسفة:
-أنا محقوقلك.

زفرت في ضيق وهي تجيبه بإمتعاض:
-أووف، بعد اذنك، اوعى
أشار بيده محاولاً إقناعها، وقال بهدوء:
-يا عاليا آآآ...
نظرت له بصدمة وهي تنهره بحدة ب:
-إيه ده؟ انت خدت عليا أوي، ايه عاليا دي كمان؟!
رد عليها مازحاً وهو يبتسم لها قليلاً:
-خلاص، خلاص، يا أبلة عاليا
إزداد اتساع حدقتيها وهي تهتف محتجة ب:
-أبلة!
كاد أن يضحك على تعبيرات وجهها الظريفة، فقال متلهفاً:
-يا ست الأستاذة، كده كويس؟

رفعت حاجبيها للأعلى، وصاحت بقوة وثقة:
-لأ، اسمي المُعلمة عاليا
نظر لها ببلاهة وهو يقول ساخراً:
-مَعَلمة!
ضيقت عينيها لترمقه بتلك النظرات المحتقنة، وقالت محذرة:
-بأقولك مُعلمة، هاتهزر؟!
تنحنح بصوت خشن، وهو يجيبها بهدوء:
-احم، لأ، خلاص المُعلمة عاليا، تمام كده؟
هزت رأسها وهي تجيبه بخفوت:
-أها.

أخذ نفساً عميقاً، وزفره في إرتياح، ثم حك طرف ذقنه، ونظر لها مطولاً متأملاً تلك القسمات الغاضبة المسيطرة على تعبيرات وجهها..
ولاحظ الإرهاق البادي على عينيها، وراقبها وهي تعيد تعديل هيئتها..
أفاق سريعاً من شروده، فقد ظل صامتاً لبضعة لحظات دون أن يصغي لكلمة واحدة مما قالتها..
فحتى لا يبدو أمامها أنه كان شارداً فيها، فأردف قائلاً بجدية:
-أنا عندي إقتراح، إيه رأيك اوصلك لأقرب مكان لبيتك، ها مرضية؟

ضيقت ما بين عينيها، ومطت شفتيها للجانب وهي تجيبه:
-ممممم، توصلني؟
تابع هو بجدية شديدة دون أن تطرف عينيه:
-واعتبريني يا ستي زي سواق أوبر ولا كريم ( سيارة أجرة )، ماشي؟ أنا عاوز والله مصلحتك، ومش في نيتي حاجة!

صمتت عاليا لتفكر فيما قاله، فربما هو محق في رغبته في إيصالها، فهي ليست بحالة جيدة، وتخشى أن يتعرض لها شخص ما في هذا المكان ال مقطوع ، ولكنها تخشى أن يظن بها أي أحد السوء، لذا عليها أن تكون شديدة الحذر معه، لذا أخذت نفساً مطولاً، وزفرته بهدوء، ثم أجابته قائلة بتريث:
-اوكي
تنهد في إرتياح لقرارها، ولكن قبل أن ينطق قاطعته بصوت أمر:
-بس حاسب كده
نظر لها بإستغراب وهو يسألها متوجساً:
-ليه تاني؟

ردت عليه بتهكم وهي تنظر مباشرة في عينيه:
-أنا هاركب ورا، مش بتقول سواق تاكسي
صر على أسنانه مغتاظاً، وهو يجيبها بحذر، ومشيراً بيده:
-ورا، ماشي! اتفضلي!
وبالفعل أفسح رامي المجال لعاليا لكي تنهض من المقعد الأمامي، ثم فتح لها الباب الخلفي، فنظرت له بطرف عينها، وإتجهت نحو المقعد، وجلست عليه..
أغلق الباب بحذر، وغمغم قائلاً مع نفسه متذمراً:
-على أخر الزمن بقيت سواق، المفروض يبقى لقبي بعدة كده الأسطى رامي!

رن هاتفه الموضوع على التابلوه، فإلتقطه وهو يعاود الجلوس خلف عجلة القيادة، ونظر إلى شاشته، ثم ضغط على زر الإيجاب قائلاً بإرهاق:
-أيوه يا آياز
سلط عينيه على المرآة الأمامية، ثم وضع يده عليها ليعدل من وضعيتها بحيث يتمكن من رؤية عاليا بوضوح، وتابع قائلاً بهدوء:
-لأ مش هاروح، حصل ظروف، وشوية وراجع على الفيلا، أها، تمام!

إلتقطت عينيه عينيها وهي تنظر له في المرآة، فإلتوى فمه بإبتسامة باهتة، بينما أشاحت هي بوجهها، للجانب، فأضاف قائلاً بنبرة عادية:
-هه، لالا متقلقش، حاجة لا تذكر يعني!
ضيق عينيه قليلاً، وهو يكمل ب:
-اوكي، أها، متفقين، يالا سلام!
تابع هو حركة شفتيها المتذمرة وهي تحدث نفسها، فأشرقت إبتسامته، وقال مازحاً:
-ينفع نقف عند أي بنزينة أجيب فواحة لأحسن ريحة الترجيع، مش قادر أقولك، ولا في اعتراض؟!

ردت عليه بجدية شديدة وهي تنظر نحو النافذة الجانبية:
-ماشي، بس أوام
أردف قائلاً بصوت مازح:
-حاضر يا أبلة
إستدارت برأسها نحوه، لتنظر له بنظرات محتقنة، وكانت على وشك الحديث، فهتف مسرعاً:
-خلاص، المُعلمة عاليا!
عبست بوجهها، وهي ترد عليه بصوت صارم:
-ايوه كده
ابتسم إبتسامة هادئة وهو يسألها بجدية:
-طب على فين يا باشا؟
أشارت بعينيها للأمام وهي تجيبه بصوت رقيق:
-اطلع على آآآ (((، )))
رد عليها بنبرة جادة قائلاً:.

-عُلم وينفذ يا ريس
إبتسم رامي لإبتسامتها الخفيفة التي حاولت إخفائها، وقاد السيارة نحو الوجهة المطلوبة...

في منزل عاليا راشد،
أغمضت عاليا عينيها وهي تقف أسفل صنبور الإستحمام لتترك المياه تنهمر كلياً على رأسها وجسدها لتخفف من التوتر المشحون بها، خاصة بعد هذا الموقف الغريب مع رامي..
هي لم تتعمد الإلتقاء به، ولكن كثرت الصدف معه..
إبتسمت لنفسها وهي تتذكر كيف تقيأت عليه، ودفنت وجهها المبتل بين راحتيها، وحدثت نفسها قائلة بتشفي:
-هو اللي مستفز، ويستاهل..

ثم مسحت السائل الرغوي من على فروة رأسها، وتابعت بإبتسامة:
-بس حقيقي كان جنتل معايا
تنهدت في إرهاق وهي تدلف خارج المغطس الصغير، ولفت جسدها بالمنشفة، وكذلك شعرها، ونظرت إلى وجهها المتعب في المرآة، وجحظت بعينيها، وهتفت مفزوعة:
-زمانته قال عني عفريتة بعد شكل عيني ده، يالهوي!
أطرقت رأسها للأسفل في خزي، وأكملت قائلة:
-أهوو موقف وراح لحاله، خليني أستعد لبكرة، ده يوم طويل ومهم، وربنا المعين فيه!

خرجت عاليا من المرحاض، وفتحت هاتفها المحمول لتتفاجيء بكم الرسائل الإلكترونية على برنامج الواتساب ، والإشعارات على الفيس بوك..
فتفحصتها على عجالة، ثم زفرت في ضيق وهي تقول متذمرة:
-أوووف، برضوه هانلبس التيشيرت ده، بجد حاجة تخنق!
ثم إتجهت إلى خزانة ملابسها، وفتحت الضلفة الصغيرة، وظلت تعبث في الرف السفلي قائلة بتبرم:.

-بجد مالوش أي لازمة إننا نلبسه، شكلنا بيبقى بيئة ووحش، والناس بتمسكنا تريقة! ربنا يتوب علينا بقى!
وبالفعل وجدت ضالتها، فأمسكت بتأفف التي شيرت الخاص بالمدرسة، ونظرت له بإزدراء، ثم تابعت قائلة:
-ده شكله زي ال خرقة ، هالبسه إزاي ده بكرة؟

في فيلا سرحان عليوه،
عقد آياز ساعديه خلف رأسه، وهو ممدد على الفراش، ونظر إلى رامي بإهتمام وهو يسأله بهدوء:
-بس؟
أجابه رامي بخفوت وهو يبدل ملابسه ب تي شيرت رياضي:
-أها، ده اللي حصل
سأله آياز مستفهماً وهو ينظر له بغرابة:
-ممم، يعني العربية عطلت وإنت كنت بتدور على ميكانيكي يصلحها، تمام؟
تنحنح رامي بصوت خشن، وأولاه ظهره، وأجابه بإيجاز:
-ايوه
تابعه آياز متفرساً ملامحه المضطربة بشكل فضولي، ثم قال بهدوء:.

-مش مصدق!
وقف رامي أمام المرآة، ومشط شعره للخلف، وهتف محتجاً:
-إيزووو، وأنا هاكدب عليك ليه؟ العربية بتعطل زي أي حاجة
أرخى آياز ساعديه، ونهض عن الفراش، وداعب أرنبة أنفه وهو يقول بنبرة عميقة:
-مش مرتحالك، حاسس إنك مخبي حاجة عني
ألقى رامي بجسده المنهك على الفراش، وعقد ساقيه معاً، وشبك أصابع كفيه وظل يحرك إبهاميه بحركة إهتزازية ثابتة، ثم تحاشى النظر في إتجاهه، وأردف قائلاً ب:
-ولا حاجة ولا غيره!
-مممممم..!

حاول رامي أن يغير الموضوع كي لا يستمر آياز في إستجوابه، فسأله بإهتمام زائف:
-المهم قولي إنت مستعد لبكرة؟
أومأ الأخير برأسه، ورد عليه بتنهيدة متفائلة:
-أها، Wish me luck ( تمنى لي الحظ السعيد )
-ربنا معاك!
ثم صمت رامي لبرهة قبل أن يحدق في الفراغ، وتظهر إبتسامته من خلف أسنانه وهو يحدث نفسه قائلاً:
-ما هو أنا، أنا ناوي أجي أشوفك بكرة وأطمن عليك يا، يا أبلة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة