قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

اجتمعت الفتيات عقب انتهاء اليوم الدراسي في أحد الكافيهات العامة، وبدأن ثرثرتهن المعتادة حول طبيعة العمل مع الأستاذة إعتماد وتحكماتها الغير مبررة، و...
-أية بنبرة ساخطة: والله انتو ربنا بيحبكم إنكم مش أعدين معاها في مكتب واحد
-ميادة بلهجة شبه جادة: يا بنتي دي أصلاً مش تطاق، أسلوبها وحش أوي
-هناء بحنق: هو في حد أصلاً بيحبها، بجد أنا مش متخيلة إن في مديرة بالشكل البشع ده.

-ليلة بهدوء: على فكرة في أسوأ منها
-رانيا وهي تزم شفتيها في تأفف: معتقدش
-عاليا بنبرة شبه حادة: دي مش بني آدمة، مافيش حد اتعامل معاها إلا وشتمها وقال كلام زبالة عنها
-ميادة بجدية: ده طبع فيها
-هناء بتنهيدة: فين أيام مس دولت، بجد كانت سكرة ولذيذة وبتحترم الكل
-ميادة وهي توميء برأسها إيماءة خفيفة: اه فعلاً، كانت بتقدر ظروف أي واحدة.

-سارة بنبرة متذمرة تحمل في طياتها التهكم: جربي انتي بس تقولي لأبلتك اعتماد عاوزة أخد اذن، يمكن تقيم عليكي الحد
-هناء بضجر: أعوذو بالله
-عاليا بنفاذ صبر: ربنا يهونها علينا، ونخلص بقى
-أية بنبرة ناعمة: انتو عارفين لو كلنا عملنا ربطاية عليها ممكن تمشي
-ريمان وهي تعقد حاجبيها في عدم اقتناع: معتقدش
-نشوى بعدم اكتراث: هي أصلاً متقدرش تعملنا حاجة.

-رانيا بإنزعاج: ماتفككم من السيرة دي، وخلونا نشوف حاجة تانية أحسن
-أية مبتسمة في رقة: حد شاف المز بتاع النهاردة
-رانيا بتذمر: لأ ملحقتش
-نشوي وهي تلوي فمها في ضجر: يدوب بس خدنا كلمتين في جنابنا
وضعت أية يدها على شفتيها لتكتم ضحكاتها، و..
-أية ضاحكة: ههههههههههههههههه، أه شوفتكم، كنتم مسخرة فعلاً.

أمسكت ميادة بهاتفها المحمول، وألقت نظرة سريعة على منشورات الفيس بوك الحديثة، فرأت المنشور الخاص بالمديرة إعتماد و...
-ميادة بنبرة جادة: بصوا يا بنات دي منزلة بوست على الفيس بوك بتقول فيه محدش يغيب بكرة
-أية بهدوء: أيوه صحيح، ما أنا قولتلكم عشان مقابلات الوظيفة الجديدة
-عاليا بتذمر: يادي الغلب، يعني مافيش يوم يعدي علينا من غير ما نرتاح
-ريمان بعدم اكتراث: عادي يا بنتي، ما احنا واخدين على كده.

-سارة وهي تزفر في ضيق: أوووف، بنات كفاية كلام في السيرة دي وخلونا نركز في اللي هانشربه..

في فيلا سرحان عليوه،
عاد كلاً من رامي وآياز إلى الفيلا، ولم يسلم الأخير من تعليقات رامي الساخرة، وما زاد الطين بلة هو انضمام الخادمة وردة إليه في مزاحه و...
-وردة ببلاهة: عيني عليك يا سي أزاز، كده تبقى موحوح من أول يوم ليك في أبصر ايه ده
-آياز بنبرة مغتاظة، ونظرات حادة: فلاور، بليز Enough ( كفاية )
وضعت وردة إصبعيها على طرف ذقنها، وظلت تحكها في حيرة، و...

-وردة بعدم فهم، ونظرات حائرة: عاوز تنف؟ يعني أجيبلك منديل؟ بس يا خويا مش هو اتكب على رجليك ولا مراخيرك ( مناخيرك /أنف )، فهمني!
-آياز بضجر: يا ربي، أنا مش هاخلص، فلاور ابعدي عن نافوخي، حلو كده، مفهوم!
-رامي مبتسماً ابتسامة خفيفة: خفي عليه يا وردة، هو مش ناقص
-وردة بنبرة متحمسة: أنا عاوزة بس أطمن انك كان هاتسيب علامة ولا آآ...
-آياز مقاطعاً بضجر: أنا ماشي.

ثم سار مبتعداً عنهما، فأسرع رامي في خلفه، وأمسك به من ذراعه، و...
-رامي بجدية: استنى يا إيزووو، ما أنت عارف وردة، وانا قايلك قبل كده إنها هبلة وآآ...
-آياز بحنق: رامي، أنا محتاج أركز، مش فايق لا لهزار ولا لتريقة، مستقبلي كله متوقف على مقابلة بكرة
-رامي بنبرة عادية، ونظرات ثابتة: أنا مش عاوزك تتعشم كتير، معتقدش إن المديرة دي هترضى تشغلك.

-آياز بإصرار: أنا عاوز أوريها هي أو غيرها إني KG Teacher مؤهل، مش بس كلام
تنهد رامي في ارهاق، ثم أجفل عينيه قليلاً، ووضع إصبعيه فيهما بعد أن أغمضهما ليفركهما، و...
-رامي بنبرة هادئة: بقولك ايه، تعالى نخرج نغير جو
-آياز بإيجاز: ماليش مزاج، وبعدين انا عاوز أستعد للانترفيو ( مقابلة )
-رامي بإصرار: طب تعالى أحكيلك على حاجة حصلت النهاردة قدام المدرسة بتاعتك دي
ضيق آياز عينيه، ورمقه بنظرات جادة و..

-آياز متسائلاً بفضول: حاجة ايه دي
ابتسم رامي لأنه قد استطاع أن يصرف تفكير ابن خالته عما حدث له، وبدأ في سرد ذلك الموقف الغريب الذي حدث مع إحدى الفتيات أمام بوابة المدرسة، فأعجب آياز بتصرف رامي الرجولي، ثم تركه بعد ذلك واتجه ناحية الدرج ليصعد إلى غرفته الموجودة في الطابق العلوي ليبدل ثيابه ويستعد لتلك المقابلة التي ستحدد مصيره المستقبلي...

في صباح اليوم التالي،
في مبنى رياض الأطفال الملحق بمدارس اللافانيا الدولية،
تجمعت بعض المعلمات المتقدمات بطلب الإلتحاق بتلك الوظيفة - وممن تنطبق عليهن الشروط - في الاستقبال الملحق بالمبني من أجل حضور العرض التقديمي الخاص بكل واحدة منهن على حدا...

أوقفت عاليا سيارة الأجرة أمام بوابة المدرسة – كالعادة – وترجلت منها بعد أن دفعت الأجرة للسائق، ثم استدارت برأسها في كل الاتجاهات لكي تبحث عن ذلك الغريب الذي وعدها بالقدوم اليوم من أجل أخذ ذلك المبلغ المالي الذي دفعه لها بالأمس، ولكنها للأسف لم تجده، فزمت شفتيها في ضيق و...
-عاليا بتذمر: يعني مجاش زي ما قالي! طب أنا هاعمل ايه الوقتي، مش معقول هافضل واقفة كده في الشارع أستناه..

وقفت هي حائرة للحظة في مكانها محاولة التفكير في حل ما، ورفعت يدها الممسكة بهاتفها المحمول لتنظر في شاشته، فوجدت أن الوقت الخاص بالتوقيع بالحضور قد قارب على الإنتهاء لذا تشدقت ب...
-عاليا بضيق: خلاص بقى أنا مش ناقصة أتكتب تأخير تاني
ثم عدلت من وضعية حجابها الأزرق النيلي، وقامت بجذب كنزتها البيضاء الطويلة للأسفل قليلاً، وسارت ناحية البوابة...

وصلت أيضاً المعلمات اللاتي يعملن بالمدرسة إلى المبنى، وجلست في الغرفة الخاصة بهن، وبدأن الاستعداد لحضور تلك المقابلات التقييمية للمعلمات الجدد، كذلك أكتمل حضور باقي المعلمات الغائبات بعد عودتهن من حضور تلك الدورة التدريبية الخاصة بطريق التقييم الحديثة، وأيضاً العائدات من رحلة المدرسة الترفيهية إلى مدينة رأس سدر، ثم تسألن عن أخر المستجدات في المدرسة عامة وفي قسم رياض الأطفال خاصة، و...

-نشوى مبتسمة ابتسامة خفيفة: حمدلله على السلامة يا مس جانيت
اعتدلت جانيت حنا – معلمة الموسيقى ومسئولة النشاط الطلابي في قسم رياض الأطفال – في جلستها على المقعد الجلدي، و...
-جانيت بنبرة سعيدة: الله يسلمك يا نووشا
-رانيا متسائلة بفضول: اتبسطي يا مس جانيت في الرحلة
-جانيت بنبرة متحمسة: اه أوي، بصراحة كانوا عاملين بروجرام هايل
-فريال وهي تمط شفتيها في إعجاب: كويس والله، أول حد أسمعه.

-جانيت بنبرة رقيقة: بصي هو طبعاً في حاجات كانت مش أد كده، بس at least ( على الأقل ) معظم الحاجة كانت معقولة
أسندت نادية – معلمة اللغة الانجليزية ومسئولة تنسيق الأنشطة ذات الصفات الهادئة، وملامح الوجه الطفولية – حقيبتها الصغيرة على الطاولة، ثم جلست على المقعد الشاغر و...
-نادية بخفوت وهي تشير بيدها: الحق يتقال هما هنا بيهتموا بالنشاط الترفيهي للمدرسين.

-جانيت بإيماءة خفيفة: أه جدا، أنا سامعة انهم ناويين يعملوا رحلة تانية لبورتو السخنة
-فريال بجدية: بس أكيد مش دلوقتي
-جانيت بنبرة عادية: لالالا، قدام شوية
-نادية وهي تمط شفتيها: ممممم...
ثم دلفت إلى داخل الغرفة معلمة أخرى تمتاز بالشخصية المرحة والمحبة للحياة، وقامت بنزع شالها الصيفي عن عنقها، ثم ثبتت الدبوس المتواجد أعلى حجابها، و...
-هبة بنبرة عالية: صباح الخير عليكم.

بادلتها معظم الموجودات التحية، في حين إلتفتت لها سارة و...
-سارة بإبتسامة عريضة: ناموسيتك كحلي يا هانم، كل ده تأخير
-هبة بتنهيدة إرهاق: هاعمل ايه بس، كان ورايا حاجات أد كده امبارح، ونمت على الفجر ومكونتش بصراحة قادرة أقوم ولا حتى أجي النهاردة
-سارة وهي تزم شفتيها: الحمدلله إننا قولنا للأبونية ميعديش عليكي كان زمانا كلنا اتأخرنا.

-هبة بنبرة شبه جادة: طالما مردتيش عليكم، يبقى تعرفوا إني في غيبوبة ومصحتش لسه
-سارة وهي تعيد رأسها للخلف: أها.

فتحت منة رشوان – معلمة اللغة الانجليزية، وخريجة كلية الآلسن – حقيبتها الفاخرة لتخرج منها أحمر الشفاه والمرآة الصغيرة لتضع منه القليل على شفتيها المكتنزتين، ثم رمقت رفيقتها سالي ياسر – معلمة اللغة الانجليزية، ومسئولة الترجمة في القسم - بنظرات جادة قبل أن تردف ب...

-منة بنبرة ضجرة، ونظرات منزعجة: دورة ولا ليها أي لازمة، ما نابنا بس إلا دماغنا اتصدعت، ومخنا ورم من كتر الرغي اللي على الفاضية والمليانة
-سالي بنبرة مازحة: هو انتي بيعجبك حاجة يا سنوفة
-منة وهي تلوي شفتيها في ضيق: وليه أصلاً تعجبني، طالما مش اد كده يبقى لازم أقول رأيي بصراحة..
-سارة مقاطعة بنبرة متشوقة: بس على الأقل شوفتوا وجوه جديدة بدل وش البومة اللي معانا دي.

-منة على مضض: أبداً والله، ده كله يقرف، مافيش حد عِدل
تنحنحت الأستاذة حنان – رئيسة قسم اللغة الانجليزية الخاص بمرحلة الرياض – في هدوء، ثم حدقت في زميلاتها و...
-حنان بهدوء ورزانة: بس استفدنا من الكتب الموجودة في الدورة، بجد هيفرق معانا أوي لو جبناهم هنا
-سارة بعدم اكتراث: يا أبلة حنان كبري دماغك!

مدت سالي يدها داخل حقيبتها الجلدية الصغيرة، ثم أخرجت منها كيس ( قهوة سريعة ) ولوحت به في الهواء، و...
-سالي بنبرة مرحة: مين فيكم بقى يا حلوين هايعملي النسكافيه بتاعي
-ريمان بإعتراض: اكيد مش أنا، توبة من بعد اللي حصل
-سارة غامزة، وبخفوت: صح، ده انتي سلختي الجدع
-سالي متسائلة بعدم فهم: سلخت مين؟
-سارة بهدوء: بعدين هاقولك.

نهضت ميادة عن المقعد، ومدت يدها في اتجاه رفيقتها سالي وأخذت منها كيس القهوة السريعة و...
-ميادة بنبرة هادئة: أنا هاروح أعمل النسكافيه، هاتيه يا سالوكة، حد عاوز تاني معايا؟
وبدأت المعلمات في تناول الإفطار سريعاً، وكذلك إعداد المشروبات الساخنة، ولم تكف أي منهن عن الثرثرة الروتينية..

أمسكت السكرتيرة أية بسماعة الهاتف، وقامت بالاتصال بمكتب مديرتها و..
-أية هاتفياً بنبرة رقيقة: مس اعتماد الكل موجود وجاهز، هنبدأ امتى؟
-اعتماد هاتفياً بنبرة جادة: خمس دقايق مس أية وهاكون موجودة في أوضة ( المالتميديا )، خلي كل ال teachers ( المعلمات ) يروحوا هناك
-أية هاتفياً بهدوء: اوكي يا مس إعتماد.

ثم أنهت المكالمة معها، ووضعت السماعة في مكانها، وانصرفت خارج مكتبها لتبلغ المتقدمات للوظيفة بالذهاب إلى مكان عقد المقابلة..

أصر رامي على إيصال آياز إلى المدرسة رغم اعتراض الأخير على هذا، ولكنه كان يأمل أن يرى تلك الفتاة غريبة الشأن مجدداً، خاصة وأنها ربما تأتي في نفس توقيت الأمس..
ترجل آياز من السيارة – وكذلك فعل رامي – فاستغرب الأول مما يفعله ابن خالته وخاصة أنه كان يتلفت حوله بطريقة مريبة، بالإضافة إلى لحاقه به لذا...
-آياز متسائلاً بنبرة متعجبة: انت رايح فين؟

-رامي وهو يتنحنح بخشونة، وبنظرات مرتبكة: احم، آآ، لأ عادي، أنا بس بفك رجلي
-آياز وهو يلوي فمه في عدم اقتناع: نعم؟ تفك رجلك؟ ليه يعني
-رامي مبتسماً ابتسامة سخيفة: عادي متخدش في بالك، المهم انت وريهم شطارتك، و، و Good Luck ( حظ سعيد )
-آياز وهو يتنهد في قلق: Oh, yeah ( يا ريت ).

قام رامي بمصافحة آياز، ثم استند بظهره على مقدمة سيارته وتابع ابن خالته إلى أن اختفى من أمام ناظريه، فاستدار برأسه في كافة الاتجاهات، وظل يراقب الطريق والمارة بنظرات مترقبة لعله يجد الفتاة المنشودة قادمة..

في غرفة الوسائط المتعددة ( المالتيميديا )،
احتشدت المعلمات بداخل تلك الغرفة، وانضمت بعد ذلك إليهن الأستاذة إعتماد – ناظرة الرياض، وكذلك المديرة سهى، والمديرة رحاب، ومدير المدارس الأستاذ أسامة، ورؤوساء أقسام اللغة الانجليزية بكافة المراحل...
عم الهدوء المكان، وبدأت كل معلمة متقدمة للوظيفة في عرض مهاراتها أمام الموجودين..

حقاً كان الموقف مهيباً للجميع، فالأعين المتربصة بك تجعلك في قمة ارتباكك بالإضافة إلى عدم قدرتك على التركيز..
فشلت بعض المتقدمات في تقديم عرضهن رغم بساطة الفكرة المطروحة و تفوقهن الأكاديمي..

سأل آياز عن مكان غرفة الوسائط المتعددة من حارس البوابة، فأرشده إليها، فشكره بإمتنان، ثم سار بخطوات ثابتة في اتجاه الغرفة..
وطوال الطريق إليها لم يكف آياز عن تنظيم أنفاسه المضطربة، وتهدئة توتره حتى يبدو واثقاً من نفسه أمام المديرة وغيرها من المتواجدين بالغرفة...

توقف آياز في الرواق المؤدي إلى الغرفة وقام بإغلاق زرار سترته الكحلية الداكنة، وعَدل من وضعية التي شيرت الأبيض الذي يرتديه من الأسفل، ثم رمق بنطاله الجينز الأسود بنظرات متفحصة ليتأكد من عدم وجود أي شيء عالق به، ثم وضع حقيبة حاسوبه المحمول على كتفه، وأمسك بالحقيبة الأخرى في يده، واستمر في السير للأمام حتى رأى بعض المعلمات اللاتي ينتظرن دورهن في الدخول، فاقترب من إحداهن و..

-آياز بنبرة رخيمة وهادئة: Excuse me, did they start ( من فضلك، هل بدأوا؟ )
استدارت تلك الفتاة الشابة برأسها للخلف لتجد ذلك الوسيم محدقاً بها، ففغرت شفتيها في إعجاب، وتنحنحت في خجل، و...
-الفتاة بتلعثم: آآ، آآ، اه، قصدي yes, they started ( أيوه هما بدأوا )
-آياز مبتسماً ابتسامة خفيفة: ثانكس ( شكراً ).

ثم أسند ظهره للخلف، وتفقد حقيبة حاسوبه الخاص، وكذلك الحقيبة الأخرى التي معه ليتأكد من وجود ما يريد استخدامه أثناء العرض التقديمي الخاص به..

سمع آياز صوت همهمات جانبية استطاع أن يستشف عما تدور، وكما خمن إنها حوله، وعن سبب وجوده، ورغم نظرات الاستغراب الممزوجة بالإعجاب إلا أنه تحاشى النظر إلى تلك الفتيات، وحاول ألا يعيرهن الانتباه، فوضع نظارته الشمسية على وجهه، وأشاح بوجهه للناحية الأخرى، وظل يحتسب الدقائق المتبقية له لكي يدلف إلى الداخل...

بداخل غرفة المالتميديا،
شعرت معظم المتواجدات بالغرفة بالملل والضجر من طرق المعلمات حديثات التخرج ( التقليدية ) في شرح جزئيات محددة من المنهج، فتلك السن الصغيرة تحتاج إلى وسائل أكثر تشويقاً، ولكن ما يُقدم إلى الآن مجرد شرح رتيب يبعث النعاس على النفس..
أعلنت الأستاذة إعتماد عن تبقي مرشح واحد فقط لكي يقدم عرضه التقديمي، فزفرت معظم الموجودات بالغرفة في تأفف وضيق، وصدرت همهمات جانبية، ثم...

-إعتماد بنبرة رسمية: هانت يا بنات، معدتش إلا هو..!
مالت نشوى على رفيقتها رانيا، وهمست لها ب...
-نشوى وهي تعقد حاجبيها بإستغراب: هو..! انتي سمعتي زي ما أنا سمعت
-رانيا بنظرات جاحظة، ونبرة خافتة: أه..
-نشوى متسائلة بحيرة: هو في راجل جاي يقدم هنا
-رانيا بعدم اقتناع: لأ معتقدش
ثم أشارت الأستاذة إعتماد للسكرتيرة أية بيدها لكي تدلف إلى الخارج وتحضر المعلم الأخير والمتقدم لتلك الوظيفة.

ترقبت جميع المعلمات دخول هذا الرجل إلى الغرفة، وأثار فضولهن جميعاً سبب موافقة الأستاذة إعتماد على حضوره للمقابلة الخاصة بالمعلمات...
حدقت جميعهن في مدخل الباب، وانتظرن بتلهف رؤيته يدلف للداخل..
في حين أخذ آياز نفساً عميقاً، وزفره على عجالة قبل أن يدلف للغرفة ليتغلب على ذلك التوتر الرهيب الذي سيطر عليه..

ارتسمت المفاجأة على وجوههن جميعاً حينما رأين ذلك الوسيم يقتحم الغرفة بعطره المميز، وبملامح وجهه الغربية والجميلة..
راقب آياز نظرات تلك الفتيات له، وكذلك المدراء والأستاذة إعتماد، فأخذ نفساً أخراً عميقاً، و...
-آياز بنبرة رخيمة: Good Morning ladies , I am Ayaz ( صباح الخير سيداتي، أنا آياز ).

ثم قام بإسناد حقيبتيه على الطاولة الصغيرة، وأفرغ محتوياتهما، وبدأ في تنظيم أوراقه، ثم رفع رأسه وابتسم لهن ابتسامة خفيفة ساحرة، و..
-آياز بهدوء آسر: Few seconds and I will Start ( ثواني قليلة وهبدأ على طول )
وكأن على رؤوسهن الطير، لم تتحرك أي منهن قيد أنملة من مكانها أو تحيد بأبصارهن عنه، بل ظللن محدقات به، غير عابئات بنظراته الغريبة لهن، فقد كان شكله حقاً مميزاً، وملفتاً للأنظار..

انتهى آياز من تقديم نفسه في عدة أسطر قليلة، ثم بدأ في شرح ذلك الدرس المبسط بطريقة شيقة جعلت جميعهن متحمسات للمشاركة..
وعلى ما يبدو أن نسبة الأدرينالين قد اعتلت فجأة في الأجواء، فتغير المناخ من رتيب إلى حماسي، ومن ممل كئيب إلى انفعالي تفاعلي..

استطاع آياز بمهارة أن يجذب جميع الأنظار إليه، وبفراسته تمكن أن يرى في أعين المدراء ورؤوساء الأقسام نظرات الإعجاب الممزوجة بالإنبهار مما قدمه، فاكتسب المزيد من الثقة واستمر في تقديم عرضه بشغف..
لم تصدق المعلمات أن هناك رجلاً قادراً على القيام بتلك المهنة التي احتكروها لسنوات طوال في مصر، و...
-عاليا بإعجاب: بجد رهيب
-سارة بنبرة متحمسة: أنا ماشوفتش واحد زيه كده.

-عاليا وهي توميء برأسها: فعلا ً، رغم إني درست رياض أطفال لمدة 4 سنين وبدأت في الدراسات العليا إلا إني مقابلتش راجل عنده الطاقة دي كلها
حدقت ريمان في آياز بنظرات متفحصة، وارتسمت علامات الارتباك على وجهها حينما أيقنت من لهجته وطريقته أنه ذاك الذي لطخته بقهوتها السريعة، لذا أخفضت رأسها قليلاً للأسفل، و...
-ريمان بتوتر وهي بتلع ريقتها: بنات
-سارة بنظرات ضيقة، ونبرة عادية: أيوه يا ريمو.

-عاليا بهدوء: في ايه يا ريمان؟
-ريمان بتلعثم: ده، ده الشاب اللي انا دلقت عليه الكوفي ميكس
رفعت سارة رأسها فجاة للأعلى، ورمقت ريمان بنظرات حادة، و...
-سارة بنبرة عالية قليلاً: نعم، هو ده اللي سلختيه؟!

ساد الصمت فجأة في أرجاء غرفة المالتيميديا، وانتبه آياز لذلك الصوت الأنثوي، واستدار بعينيه في اتجاهه ليجد اثنتين من المتواجدات بالغرفة يتحدثان عنه، وإحداهما مرسوم على وجهها علامات الارتباك، ونظرات التوتر..

ضيق آياز عينيه، وحدجهما بنظرات قوية، فشعرت ريمان بالحرج الشديد من نظراته المسلطة عليها وعلى سارة خاصة وأنها قد رأت ملامح الجدية الممزوجة بالإنزعاج قد ارتسمت على وجهه وبدت واضحة للجميع، لذا أيقنت أنه قد استمع إلى حوارهما، فأجفلت عينيها من الخجل، و...
-ريمان بخفوت شديد: أنا، انا ماشية
-سارة بإندهاش: ريمان انتي رايحة فين؟!

ابتلعت ريمان ريقها مجدداً ثم سحبت حقيبة يدها، ونهضت عن المقعد، وسارت بخطوات مرتبكة في اتجاه آياز لكي تدلف إلى الخارج من باب الغرفة المجاور له
حدق آياز في تلك الفتاة التي مرت من أمامه بنظرات ثابتة دون أن يرمش، وتابعها بعينيه إلى أن خرجت تماماً من الغرفة و...
-آياز لنفسه بضيق: يبقى أكيد هي..!
ثم انتبه إلى صوت الأستاذة إعتماد الصادح ب...
-اعتماد بلهجة رسمية: مستر آياز، حضرتك معانا.

تنحنح آياز في خشونة، ثم اعتدل في وقفته، و..
-آياز مبتسماً بهدوء: sure ( طبعاً ).

ثم استأنف باقي شرح الدرس إلى أن انتهى تماماً من إيضاح كل شيء، فشكرته الأستاذة إعتماد، وكذلك باقي المدراء وروؤساء الأقسام على حضوره ومشاركته، ثم أشارت لجميع المعلمات المتواجدات بالغرفة بالانصراف، ورغم نظرات الامتعاض والتذمر التي سادت فجأة في الأجواء إلا أن جميعهن امتثلن لأوامر ناظرتهن، ودلفن خارج الغرفة، ولم يبقْ إلا آياز والأستاذة إعتماد، وباقي المدراء و...

-اعتماد بنبرة جادة: شكراً مستر آياز على الدرس الشيق ده، وانتظر الرد على الانترفيو الرائع ده
-آياز بإبتسامة خفيفة: أتمنى إني أكون أثبت نفسي قصاد حضراتكم
-اعتماد مبتسمة بثقة: انت أبهرتنا مستر آياز، وأنا متوقعة ليك مستقبل باهر
-آياز بنبرة متفائلة: I hope so ( أتمنى ده )
-اعتماد بنبرة جادة: ان شاء الله خير.

ثم مدت يدها لتصافحه، فنظر لها هو بإمتنان، ومن ثم قام بجمع متعلقاته الخاصة وانصرف من غرفة المالتيميديا...
جلست الأستاذة إعتماد بصحبة المدراء وبدأت المناقشة الجادة لإختيار الأنسب لتلك الوظيفة الهامة..
لم يكن الخيار سهلاً على الإطلاق، فهناك عدة معايير موضوعة لانتقاء من سيتعامل مع تلك السن الصغيرة والحرجة، ولكن الأخطر هو أن يكون الاختيار هو...
-اعتماد بجدية: آياز كامل الشناوي هو المناسب يا مستر أسامة.

-أسامة بنظرات جدية، ولهجة رسمية: بس يا مس إعتماد حضرتك محتاجة مدرسة كي جي، مش مدرس
-إعتماد بإصرار: هو كان أفضل المتقدمين، بالعكس كان أحسنهم
-سهى بنبرة هادئة: بصراحة هو أبهرني، عنده استايل في الشرح والتقديم
-رحاب بنبرة رسمية: الأهم عندنا مصلحة الطفل وسلامته، وتوفير مناخ ملائم للعملية التعليمية
-إعتماد بنبرة متحمسة: أنا شايفة إنه هايكون أكتر حد حريص على ده.

-سهى بقلق: بس هو راجل، وانتي يا مس إعتماد كل اللي عندك بنات، وآآ...
-إعتماد مقاطعة بجدية: ده مش مشكلة بالنسبالي، طالما عنده رؤية ماشية مع فكر المدرسة يبقى ليه لأ، ليه مايخدش فرصة ويثبت نفسه
-أسامة بلهجة جادة للغاية: أظن إن لو وافقنا على تعيينه هنلاقي إعتراض كبير من أولياء الأمور اللي متعودين على إن ال Teacher في الكي جي واحدة مش واحد.

-إعتماد بحماس: ولي الأمر بيعترض على أي حاجة جديدة طالما معندوش فكرة عنها، لكن لو هو جرب وشاف بنفسه إن اختيارنا موفق ساعتها هيشكرنا على اللي عملناه
-أسامة بعدم اقتناع: بصراحة أنا مش مرحب بالفكرة دي، هو ممتاز، بس غير مناسب للمرحلة العمرية دي.

-إعتماد بنبرة جادة تحمل الإصرار: مستر أسامة، إحنا متعودين من حضرتك على تشجيع أي فكر جديد، ودايما حضرتك بتطلب مننا إننا Think out of the box ( نفكر برا الصندوق / نخرج عن المألوف )، وده اللي أنا بأعمله، وصدقني وجود مستر آياز هايعمل فارق كبير معانا
لم تكف الأستاذة إعتماد عن إقناع الجميع بآياز، وبعد نقاش حاد وجاد استمر لما يقرب الساعة، تم حسم القرار ب...

-أسامة وهو يتنهد في إرهاق: على مسؤليتك يا مس إعتماد، هيتم تعيين مستر آياز الشناوي مدرس كي جي، بلغيه بقبولنا ليه
ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرها، وشعرت أن الدموية عادت إليها بعد ذلك الجدال المرهق و..
-إعتماد بنبرة متحمسة: شكراً ليك يا مستر أسامة، وإن شاء الله تتأكد من رؤيتي
-أسامة بنبرة هادئة: إن شاء الله..

في معرض عليوه للسيارات،
ظل آياز يجوب غرفة مكتب ابن خالته رامي في توتر شديد إلى أن ضجر الأخير من حركته الزائدة فتشدق ب..
-رامي بإنزعاج، ونظرات قوية: ارحم خالتي العيانة، كفاية برم، حولتني
-آياز بقلق بالغ: اوووف، الله يا رامي، هاموت وأعرف إيه النتيجة
-رامي بعد اكتراث: باينة زي الشمس، أكيد مش هتاخدها يعني
-آياز بحدة: يا عم متقولش كده، أنا واثق إني آآآ...

قطع حوارهما صوت رنين هاتف آياز المحمول الذي تسمر في مكانه لثانية، ثم ركض في اتجاه المكتب، ومد يده ليمسك به، ثم ضغط سريعاً على زر الإيجاب بعد أن رأى رقم مدارس اللافانيا على شاشته و...
-آياز هاتفياً بتلهف: الووو، أيوه، ها
حدق رامي في وجه آياز بعد أن نهض عن مقعده محاولاً أن يستشف من تعبيراته ما الذي يدور، ولكن كان آياز جامد التعبيرات، ثابت الإنفعالات..

لحظات وانتهى آياز من المكالمة، فدار رامي حول المكتب، ووقف قبالته و...
-رامي بفضول شديد: ها إيه الأخبار؟
أطرق آياز رأسه للأسف في حزن، ثم أخفض عينيه في ضيق زائف، فشعر رامي بإنقباضه في صدره و..
-رامي وهو يلوي فمه في تهكم: أنا كنت متوقع ده، و على رأي سعد زغلول مافيش فايدة
ارتسمت إبتسامة عريضة على وجه آياز، ورفع رأسه للأعلى، وحدق مباشرة في وجه رامي، وأمسك به من ذراعيه و...

-آياز بنبرة عالية مليئة بالسعادة: أنا اتقبلت يا رامي
-رامي ببلاهة: هاه
-آياز بنبرة متحمسة للغاية: خلاص بقيت مدرس كي جي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة