قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

ضغط رامي فجأة على مكابح السيارة ليوقفها، فإندهش آياز مما فعله، وقطب جبينه وهو يسأله مستفهماً:
-وقفت العربية ليه؟
-لحظة بس
قالها رامي وهو يترجل من السيارة ليتحرك نحو غطائها الخلفي، ويسحب منه آلة حادة، ثم ركض في إتجاه عاليا..
تعجب آياز من تصرفه الغير مفهوم، وهتف:
-يا رامي استنى، انت رايح فين طيب فهمني، وأخد معاك دي ليه؟!
وما إن رأت عاليا الكلاب الضالة أمامها حتى صرخت بفزع:
-عااااا، الحقوني!

كشرت الكلاب عن أنيابها، وبدت غاضبة للغاية وهي تقترب منها..
ركضت عاليا كالمجنونة في إتجاه بوابة مبنى الرياض لتحتمي به، فصاح بها رامي بصوت جهوري وهو يشير بيده:
-ماتجريش يا عاليا، هيعضوكي
تمكن أحدهم من اللحاق بها، وانقض على ساقها، وغرز أسنانه الحادة فيها ليعضها بشراسة، فصرخت بصورة هيسترية، وحاولت إبعاده عنها بضربه على رأسه بحقيبتها..

ترجل آياز هو الأخر من السيارة بعد أن رأى ذلك المنظر المروع، وحاول التدخل لإنقاذها...
ركض حارس البوابة ( العم سيد ) في إتجاه مصدر الصراخ وهو يحمل في يده عصا غليظة، وصاح بحدة:
-خلي بالك يا مس عاليا
ركلت عاليا الكلب بساقها بقوة شديدة رغم خوفها، وأسرع رامي نحوه ليبعده عنها صارخاً ب:
-سيبها يا كلب يا ابن ال ***.

سمع الكلب أصوات أقدام تقترب منه، ورأى بعينيه الثاقبتين تلك العصا التي وجهها الرجل نحوه، فحرر ساق عاليا، وظل ينبح بصورة قوية فيه...
هدده العم سيد بضربه بالعصا، وظل يلوح بها في الهواء وعلى مقربة منه، فتراجع للخلف ولم يكفْ عن النباح، بينما قذفه آياز ببضع حصوات إلتقطها من الأرضية، ليتلفت الكلب برأسه نحوه، ثم يركض مبتعداً عن الجميع..
لوت عاليا ساقها، وبكت بصوت متشنج قائلة:.

-أنا اتعضيت، رجلي مش قادرة منها، آآآآه
جثى رامي على ركبته أمامها، وحاول أن يتفحص ساقها، وتشدق قائلاً:
-اهدي، ان شاء الله خير!
هتف الحارس عم سيد وهو يشير بيده:
-هاطلبلك الاسعاف يا مس عاليا، لأحسن دي عضة كلب، يعني آآ...
قاطعته عاليا بصراخ متشنج:
-عا، دي أخرتها، يعضني كلب، كنت فين قبلها يا عم سيد؟
رد عليها بصوت أسف:
-والله بلغنا البلدية، بس محدش عبرنا
أردفت عاليا قائلة بسخرية وهي تبكي:.

-دلوقتي هايجوا رمح بعد اللي جرالي، إهيء..
أضاف رامي قائلاً بمزاح:
-وده وقت تنكيت يا عاليا
نظرت له شزراً من عينيها الباكيتين، وصاحت فيه بصوت منتحب:
-انت! جاي ليه؟ طبعاً تلاقيك اللي بعته ليا!
فغر فمه مدهوشاً من إتهامها الباطل، ودافع عن نفسه قائلاً بنبرة شبه منفعلة:
-أنا! يا شيخة حرام عليكي، ده أنا كنت هاجيبه من ديله وآآ...
قاطعه آياز متسائلاً بجدية وهو ينفض يديه:
-مس عاليا؟ حاسة بإيه الوقتي؟

أجابته بصوت مختنق:
-مش قادرة من رجلي
هتف رامي قائلاً بتوسل:
-طب عشان خطري متعيطيش، اهدي وهانتصرف
أخذت عالياً أنفاساً عميقة متواصلة حتى تسيطر على نوبة البكاء..
بينما حك آياز رأسه ونظر حوله بفضول، ثم تحرك عائداً إلى السيارة دون أن ينبس بكلمة إضافية..
أشار رامي بيده للحارس سيد هاتفاً بضيق بعد أن وجده يقف في مكانه دون تقديم أي مساعدة مجدية:
-هات كرسي يا عم الحاج، مش هاتفضل الأبلة كده ممددة على الأرض.

تنحنح بحرج، ورسم ابتسامة صفراء على وجهه وهو يجيبه:
-أيوه صح، ثواني
ثم تحرك في إتجاه بوابة مبنى الرياض ليختفي داخله..
نظرت عاليا بحنق لرامي فهو دوماً يردد على مسامعها تلك الكلمة المستفزة ( أبلة )، وحاولت الإعتدال في جلستها، ولكنها صرخت متأوهة من الآلم وهي تحرك ساقها..
دقق الأخير النظر في القطع البادي في بنطالها ليتأمل هيئة الجرح الأولية، فإنزعجت هي من نظراته، وسألته بحدة:
-انت بتعمل ايه؟

رد عليها بهدوء حذر:
-بأشوف العضة
عبس وجهها بشدة، وهتفت بنزق:
-نعم!
تابع قائلاً بإهتمام ظاهر على تعابير وجهه:
-مش يمكن تكون حاجة خطيرة
اتسعت مقلتيها اللامعتين بشدة، وأجابته بنبرة فزعة:
-هو، هو أنا هايجيلي داء الكلب من العضة دي؟
هز رأسه إيجاباً ليقول:
-جايز، ويمكن تاخدي 21 حقنة!
حركت رأسها مستنكرة، وهتفت محتجة بصراخ:
-لألألأ، مش عاوزة حقن، مش عاوزة.

أشفق رامي على حالتها البائسة، وحاول أن يهون عليها قليلاً من خطورة الأمر، فأردف قائلاً بإبتسامة عادية وهو يشير لها بيده:
-اهدي، الكلام ده قديم، مش بيحصل دلوقتي
حدقت هي فيه بنفس النظرات الخائفة، وزاد نحيبها، فخفق قلبه أكثر على حالها، وتابع قائلاً بإهتمام:
-بس لازم نروح على مستشفى الكلب عشان يكشفوا عليكي ونطمن
هزت رأسها موافقة ولم تعقب، فحديثه صائب، وليست بحاجة للجدال معه في تلك المسألة الخطيرة..

ورغم أنها كانت لا تحبذ رؤيته إلا أنها حمدت الله في نفسها أنه كان متواجداً من أجلها، وأنقذها من أنياب الكلب المسعور..
وراقبت بحذر نظراته المهتمة بها، وإنشغاله بسلامتها..
أردف هو قائلاً بحذر:
-متحركيش رجلك كتير عشان الوجع، خليها ثابتة على أد ما تقدري.

لم تشعر عاليا بنفسها وهي تطالع رامي بنظرات غريبة عما مضى، فرغم عدائها الدائم معه، وصداماتهما المتكررة، إلا أنه دائماً يقدم لها يد العون، ويكن متواجداً في الوقت المناسب، ولم تنتبه لحديثه لها..
إلتقطتها عينيه وهي تنظر إليه بغرابة، فتعجب منها وسألها مازحاً:
-شكلي حلو من قريب، فوتوجونيك صح؟
توردت وجنتيها بشدة، وأطرقت رأسها محرجة منه..
ابتسم رامي لخجلها، وغمغم مع نفسه بسعادة:.

-حقي أشكر الكلب اللي قرب المسافات بينا!
قاد آياز السيارة، ثم تحرك بها للخلف ليوقفها على مقربة من عاليا، وأخرج رأسه من السيارة ليهتف بقوة:
-تعالي يا مس، هانوصلك للمستشفى
أشار له رامي بإصبعه محيياً إياه، وأضاف بحماس:
-عندك حق يا إيزو، هو ده الكلام! احنا هنوصلها ونطمن عليها بنفسنا، الأقربون أولى!
ارتبكت عاليا، وهزت رأسها معترضة:
-لأ، عم، عم سيد هايطلب الإسعاف وآآآ...

قاطعها بصوت شبه مازح وهو مسلط أنظاره عليها:
-هو في اسعاف في مصر بيجي في ميعاده! ده مش بعيد يوصل على الترم التاني
-هاه
تابع قائلاً بمرح في محاولة منه للتخفيف من صعوبة الموقف:
-هو إنتي مش عايشة في مصر وعارفة؟ الحسنة الوحيدة اللي بناخدها من الإسعاف لما نكون وراه ويفتحلنا سكة وسط الإشارة! ساعتها بنحس بقيمته أوي
لوت شفتيها، وتنهدت متآلمة، وتمتمت بحزن:
-يا منظري وسط الناس لما تعرف إن عضني كلب.

تابع هو قائلاً بسخرية:
-اها، هينزل بوست اكيد على مواقع التواصل، ومش بعيد تلاقي عم الحاج اللي تلاشى جوا ده هو اللي عامل شير للخبر
وضعت يدها على فمها، وهتفت بحرج:
-يادي الفضايح، هاوري وشي ازاي للناس
رفع حاجبه للأعلى قائلاً بجدية:
-ما اللي يعرف يعرف، هو انتي اللي اتعضيتي ولا هما، المهم في الأخر سلامتك
شعر آياز بالضجر لتجاهله، فصاح بنبرة مرتفعة وهو يضغط على بوق السيارة:.

-يالا يا رامي، مش هانفضل كتير كده، الدقيقة ممكن تفرق معاها
تسائلت عاليا بهلع بعد عبارته الأخيرة:
-هي العضة مسمومة؟
هز كتفيه في حيرة وهو يجيبها:
-مش عارف، بس ده مش بيتبول ( نوع كلب ) يعني، ده كلب متشرد بياكل من الزبالة، وبيرمرم وآآ...
قاطعته بنبرة متأففة وهي تغمض عينيها قسراً:
-بس، بس، مش عاوزة أسمع
أشار لها رامي بكفه قائلاً وإبتسامة سعيدة تعلو ثغره:
-طب يالا، هاتي ايدك، أنا هساعدك تقفي.

ضيقت هي عينيها بشدة لتنظر له بحدة، وكزت على أسنانها محدثة نفسها بإنزعاج:
-جيالك على الطبطاب!
ظلت ابتسامة رامي ظاهرة على وجهه، وعينيه ترقصان طرباً من الفرحة لوجوده بقربها، ولكن عبوس وجهها وتجهمه أصابه بالإستغراب..
ضغطت عاليا على شفتيها بقوة لتتابع حديث نفسها بعناد:
- بس أنا مش هنولهالك
رفعت رأسها للأعلى في كبرياء زائف، وردت معترضة:
-لأ شكراً، أنا هاقوم لوحدي
أصر على أسنانه قائلاً:
-مش هاتعرفي تقفي.

ردت بنبرة معاندة وهي تستند بمرفقيها للخلف:
-لأ هأعرف، امسك بس شنطتي!
تناولها منها وهو ينفخ من الضيق:
-هاتي
لم يردْ رامي أن يتجادل معها، وتركها تحاول لتعرف أنه على صواب..
وبالفعل ما إن حركت ساقها حتى صرخت:
-آآ، آآآآآآآه
رمقها بنظرات محتدة، وعاتبها ب:
-مش قولتلك!
ثم مد يده بحقيبتها قائلاً بصوت شبه مازح:
-خدي شنطتك، وأنا هاتصرف، هي أول مرة يعني!
إنعقد ما بين حاجبيها بشدة بعد جملته الأخيرة، وهتفت بنزق:.

-نعم؟ قصدك ايه؟
لف رامي ذراعه بحذر حول ظهرها ليسندها، ووضع الأخر أسفل ركبتيها، ثم استجمع قوته ليحملها، ومن ثم نهض بحذر عن الأرضية...
شهقت مصدومة من فعله، ولم يكن بإمكانها الإعتراض، ولكن وجهه كان كافياً للتعبير عن خجلها الشديد من فعلته..
فهي محمولة أمام مرآى العامة، وعند مقر عملها..

ترجل آياز من السيارة، وقام بفتح باب المقعد الخلفي، وأفسح المجال لرامي ليتمكن من وضع عاليا عليه، وعاونها حتى تفرد ساقها المصابة، ثم تراجع بجسده للخلف، وسألها:
-مرتاحة كده؟
ردت عليه بصوت متحشرج وهي تتحاشى النظر إليه:
-أها..
وضع رامي يده على كتف آياز، وسأله بهدوء:
-يالا يا آياز، هاتسوق ولا أنا أسوق؟
رد عليه الأخير بجدية:
-اركب انت الناحية التانية، أنا هاسوق
-اوكي.

شعرت عاليا بحرارة وجنتيها، وبالتعرق الشديد يصيب جسدها من فرط التوتر...
ركب رامي في المقعد الأمامي، وإستدار برأسه ليتأملها، ثم ابتسم لها قائلاً بخفوت وهو يغمز لها:
-أظن العربية دي شاهدة على آآآ، انتي فاهمة بقى!
احتقنت عينيها من تلميحه المزعج عن موقفها السابق داخل سيارته، وضغطت على شفتيها بشدة..
تحرك آياز بسلاسة بالسيارة في إتجاه المشفى، واستمر رامي في الإبتسام ببلاهة لعاليا، ليغيظها ب:.

-وحياتك نضفت العربية بجركن ديتول! الريحة كانت ايه! مقولكيش
نفخت في وجهه بغضب، ورمقته بنظرات نارية، وكزت على أسنانها لتقول بغل:
-مش انت السبب ولا أنا اللي آآآ...
تابعهما آياز بفضول، ورمق الاثنين بنظرات غريبة، فقد كان معظم حديثهما غامضاً بالنسبة له، فتسائل بإستغراب:
-هو ايه اللي حصل؟
اعتدل رامي في مقعده، وأجابه بمكر:
-مافيش، دي حكاية وراحت لحالها!
أومأ آياز برأسه قائلاً بهدوء:
-مممم، اوكي..

بعد لحظات، خرج الحارس سيد من البوابة وهو يحمل مقعداً خشبياً، وتلفت حوله متسائلاً بإستغراب:
-الله! هي مس عاليا راحت فين؟
هز كتفيه في عدم اكتراث، واضاف ببرود:
-وأنا مالي، طالما الحادثة برا المدرسة يبقى انا في السليم...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة