قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثلاثون

في سيارة المعلمة حنان،
أصرت حنان على إيصال سارة في طريق عودتها للمنزل بعد أن انتهى الجميع من واجب العزاء في منزل الراحلة جانيت...
شعرت سارة بالحرج من وجود ذلك الشاب الذي إلتقته من قبل في السيارة معها، وحدقت في النافذة الملاصقة لها، وبدى على وجهها القليل من الضيق، فهي قد اضطرت أسفة أن تستقل معهما السيارة لعدم توفر أي وسائل مواصلات خاصة بعد إنصراف الجميع وبقائها بمفردها أسفل البناية..

قاد أحمد السيارة بسرعة هادئة، وحدق في المرآة الأمامية ليتمعن أكثر في تفاصيل وجهها..
تنحنح هو بصوت خشن، وأردف قائلاً بجدية:
-أخبار الدراسة معاكي ايه يا مس آآ...
ثم توقف لثانية عن الحديث قبل أن يتابع بمكر:
-مس سارة صح؟
ردت عليه بإقتضاب:
-تمام
أضافت حنان قائلة بحماس:
-مس سارة من الناس المجتهدين جداً عندنا في الكي جي، وبالعكس أي حاجة تكلفها بيها بتنجزها على طول
مط فمه في إعجاب وهو يقول:
-ماشاء الله.

ثم تسائل بفضول:
-وعلى كده يا مس سارة بتحبي الكي جي، ولا كنتي تفضلي تدي لمراحل أعلى؟
ردت عليه بنبرة شبه جافة:
-أنا بأحب التعامل مع الأطفال
تدخلت حنان في الحوار قائلة:
-عارف يا أحمد، مس سارة رقيقة جدا مع الأطفال وبتحبهم أوي، وهما متعلقين بيها جداً
غمغمت سارة مع نفسها بضيق:
-هو الحكاية بالظبط؟ الاتنين عمالين يغنوا ويردوا على بعض، وأنا في النص ما بينهم، الموضوع ده شكله مش طبيعي، في حاجة غلط فيه!

بعد برهة وصل أحمد عند البناية التي تقطن بها سارة، فترجلت هي على الفور من السيارة، لحقت بها حنان، وودعتها بحرارة، وترجل أحمد هو الأخر، وتابع قائلاً بإبتسامة هادئة:
-أتمنى أشوفك تاني يا مس سارة
ردت عليه بإبتسامة باهتة:
-إن شاء الله
تابعت حنان قائلة بنبرة رزينة:
-مس سارة لو عوزتي أي حاجة أنا موجودة، كلمني في أي وقت، احنا مش بس زمايل، لأ انا بأعتبرك اختي الصغيرة وآآ...
قاطعتها سارة بإيجاز:.

-حاضر ربنا يسهل، عن اذنكو
ثم قبلتها من وجنتيها، وودعتها مرة أخرى..
راقبها الاثنين وهي تلج إلى مدخل البناية، فأكمل أحمد قائلاً:
-شكلها بنت محترمة، نتوكل على الله معاها
ردت عليه بحماس كبير:
-جدا يا أحمد، ربنا يجعلها من نصيبك.

تبادلت المعلمات على موقع الواتس آب حديثاً ساخناً حول رحيل زميلتهن وما حدث طوال اليوم...
-ميادة: (( ربنا يعين جوزها، شكله مصدوم يا عيني ))
-منة: (( مش مصدوم، ده مقهور ))
-سالي: (( يا بنتي كان بيحبها أوي ))
-هناء: (( والله واحنا كمان ))
-منة: (( أنا مش عارفة هادخل المبنى ازاي تاني من غير ما أعدي عليها وأشوفها ))
-هبة: (( ربنا يصبرنا، الأيام الجاية هاتكون صعبة علينا كلنا )).

-ميادة: (( تفتكروا هايجيبوا حد جديد، ولا هيكملوا بقية الترم عادي؟ ))
-سالي: (( معتقدتش هايسيبوا الميوزيك من غير أي مدرس، دي كانت بتدي الكي جي كله ))
-منة: (( هو في حد هايكون أصلاً في مهارتها، كله اللي هايجي قلبه مش هايكون على الشغل ولا العيال ولا أي نيلة ))
-هناء: (( يا بنتي الجداد كلهم كده ))
-ليلة: (( الكل بيدور على الفلوس وبس، معدتش حد عنده ضمير في شغله )).

-عاليا: (( مساء الخير يا بنات، معلش أنا مش قادرة أعلق مخنوقة من اللي حاصل ))
-سالي: (( كلنا زيك يا عاليا ))
-ميادة: (( ومين ليه نفس يعمل حاجة ))
-ريمان: (( هاي يا بنات، أنا بس عاوزة أقول حاجة، مس جانيت مش هاتتعوض، بس أكيد الإدارة هاتجيب بديل، مش هاتسيب مكانها فاضي، المشكلة بقى إن اللي جاي هايكون كفاءة وقادر على الشغل ولا هايطلع أي كلام ))
-عاليا: (( هيبان ))
-هبة: (( عاوزين نعمل حاجة تكريم لذكراها )).

-ميادة: (( أنا لسه برضوه كنت بأفكر في حاجة زي كده ))
-ريمان: (( خلاص نتفق يا جماعة ونجيب حاجة مميزة ))
-سالي: (( تمام، وأنا معاكو في الموضوع ده ))
-منة: (( كلنا أكيد مشتركين فيه ))
-ليلة: (( شوفوا هاتعملوا ايه وقولولي ))
-سالي: (( أوكي، ونبلغ الباقي ونشوف هايعملوا ايه )).

وبالفعل اتفقت المعلمات سوياً على تصميم ألبوم صور باهظ الثمن يضم مقتطفات مختلفة ومميزة للراحلة جانيت، وتولت ليلة جمع الصور وطبعها..
فكرت هي في أن تستعين بستوديو ( Creative ) التابع لزميلهم أيمن رشوان لتنفيذ الفكرة...

بعد مرور يومين،
في بلدة ما ريفية،
أُسِندت الصواني المليئة بأشهى وأطيب الأطعمة على موائد خشبية عريضة موضوعة على الأرضية المفروشة بالحصر والسجاد اليدوي، وجلس المهندس سرحان القرفصاء، ثم ربت على فخذ الشيخ الجالس إلى جواره، واستطرد حديثه قائلاً بحماس:
-تسلم ايدك يا شيخ عبدالله، مكنش ليه لازمة التعب ده كله
قطب الشيخ عبدالله جبينه، ورد عليه معاتباً:.

-واه يا بشمهندس، هو احنا عملنا حاجة، ده فضلت خيرك حاجة على ما قُُسم!
نظر له قائلاً بإمتنان:
-يدوم العز يا رب
تسائل الشيخ عبدالله بإهتمام:
-المهم يا بشمهندس، قولتلي رأيك ايه في الموضوع اللي كلمتك فيه؟
رد عليه سرحان بهدوء:
-أنا معنديش مانع، المهم رأي العروسة
تابع الشيخ عبد الله قائلاً بجدية:
-برضك إنت ولي أمرها، وفي مقام أبوها
ابتسم له سرحان وهو يرد:
-الله يكرمك يا رب، وردة دي زي بنتي، ومعزهاش عليك.

أضاف الشيخ عبدالله قائلاً بنبرة فرحة:
-يباركلك يا بشمهندس، خلاص ناخد برأيها، ونشوف هاتقول ايه
هز المهندس سرحان رأسه بإيماءة خفيفة وهو يقول:
-صح كده، واللي فيه الخير يقدمه ربنا.

في غرفة أخرى بالمبنى الريفي،
اتسعت خدقتي وردة في صدمة كبيرة، وإرتفع حاجبيها للأعلى بعد أن أخبرتها السيدة سوزان بمسألة تقدم أحد الشباب لخطبتها..
شهقت بذهول وهي تلطم على صدرها:
-أني أتجوز؟ ليه؟
رمقتها سوزان بنظرات دافئة، وردت قائلة بحنو:
-دي سنة الحياة يا وردة
احتجت وردة قائلة بعد أن زاد عبوس وجهها:
-يا ست سوزان أني مبسوطة معاكو، وآآ...
قاطعتها سوزان بهدوء:.

-كل بنت أخرها الجواز، والشيخ عبدالله طلبك لابنه
تجهمت ملامح وجهها أكثر، وغمغمت بصدمة:
-يوه، لابنه!
تابعت سوزان قائلة بنبرة رقيقة:
-هو انسان كويس ومجتهد، وعاوز يكمل نص دينه
اعترضت وردة قائلة بإصرار:
-بس أني مش عاوزة أتجوز ابنه، أني معرفوش
ردت عليها بنبرة هادئة محاولة إقناعها:
-ما هو في فترة خطوبة، وإنتي هاتعرفيه!
تمتمت وردة مع نفسها بتحسر وقد حل الضيق على تعابيرها ونظراتها:.

-يا سنة سوخة يا ولاد، هاتجوز حد تاني غير سي إزاز، اه يا حوستي يامه
-ها قولتي ايه يا وردة؟
لوت فمها قائلة بإزدراء:
-بندب حظي يا ستي
وضعت سوزان يدها على وجنتها، ومسحت عليها برفق، وتابعت بهدوء:
-بصي يا وردة محدش هايغصبك على حاجة، بس اعرفي إنه شاب كويس ومن أصل طيب، والأهم إنه قادر يفتح بيت ويصرف عليكي، وده صعب في الوقتي اللي احنا فيه.

أدركت وردة أنه لا مفر من تلك الخطبة، وأن أحلامها بالزواج من فارس أحلامها قد ذهبت أدراج الريح، وربما لن يعود لها وجود أبداً، لذا تسائلت بقلق:
-طب، طب أني لو وافقت، هايحصل ايه بعد كده؟
ردت عليها بإبتسامة ناعمة وهي ترمقها بنظرات مطمئنة:
-مافيش هنرتب أمور الخطوبة، وماتشليش هم، عمك سرحان متكفل بكل حاجة تخصك
نفخت وردة بحزن وهي تتمتم بخفوت:.

-بقى دي أخرتها، يا خسارتي في الجواز، مين بعدك يا سي إزاز هايقولي فلاور، آآآه يامه!

في منزل عاليا،
رغم حالة الحزن السائدة على الجميع، إلا أن عقل عاليا لم يتوقف للحظة عن التفكير فيما قاله رامي لها، وإبدائه لرغبته في الإرتباط بها في أقرب وقت..

تقلبت على جانبها على الفراش، وحدقت أمامها في الفراغ، وتشكل على ثغرها إبتسامة صافية، وتنهدت بعمق وهي تتذكر مواقفهما سوياً، منذ أول لقاء جمعهما عند بوابة المدرسة، وإصراره على دفع أجرة السائق، ثم رؤيته عند المطعم، ودفعه للفاتورة، وما تلاها من رؤيته مصادفة على الطريق، وغيرها من المواقف المختلفة..
تنهدت مجدداً، وغمغت مع نفسها قائلة:
-يعني هو بيحبني؟

مطت شفتيها، وأمسكت بخصلات شعرها لتعبث بهم، وتابعت بنبرة حائرة:
-مممم، طب حصل امتى وازاي؟ واحنا كل اللي كان بينا مجرد مواقف!
قطبت جبينها، وضيقت نظراتها، وتسائلت بقلة حيلة:
-لأ، جايز اعجاب لكن حب معتقدش، يوووه، أنا محتارة، طب أقول للبنات ولا أخبي عليهم؟!
زفرت بصوت منزعج، وأكملت بإستياء:
-أوووف، محتارة أوي، مش عارفة أعمل ايه!
نهضت عن فراشها، ولفت ذراعيها خلف ظهرها، وإستأنفت قائلة:.

-طب هاقول لماما ولا أستنى شوية لحد ما أعرف التفاصيل، طب أنا أصلاً معرفش هاشوفه امتى تاني؟!

في مطعم ما،
انتهى النادل من وضع صحون الطعام على الطاولة، ثم بدأ رامي في تناول قطع اللحم المشوية الخاصة به بشراهة، وظل آياز محدقاً به في ذهول خاصة بعد أن أخبره ابن خالته بنيته للإرتباط من عاليا..
فسأله بعدم تصديق:
-إنت بتكلم جد يا رامي؟
أومأ برأسه إيجاباً وهو يرد عليه:
-جد الجد طبعاً
سأله آياز مرة أخرى بإهتمام:
-طب امتى ده حصل؟
هز رامي كتفيه في عدم إكتراث، وأجابه وهو يبتلع قطعة أخرى من اللحم:.

-مش عارف، بس أنا دماغي مش بتبطل تفكير فيها، عاملة زي العفريت، بتطلعلي في كل حتة
رفع آياز حاجبه في إعجاب، وسأله بفضول:
-أها، وايه كمان؟
مد رامي يده ليمسك بكوب الماء، وإرتشف منه القليل، ثم تجشأ قائلاً:
-بصراحة كده أنا متعلق بيها أوي
ضيق آياز نظراته، وسأله بجدية وهو يحك طرف ذقنه
-وناوي على ايه؟
رد عليه بإبتسامة عريضة:
-هاقرى فاتحة ونتخطب ونقرب من بعض أكتر
هز آياز رأسه متعجباً، وتابع قائلاً بجدية:.

-طب افرض طلعتوا مش بتحبوا بعض، أقصد هي مش بتحبك وآآ...
قاطعه رامي قائلاً بصوت شبه حاد:
-بعد الشر
بادله آياز ابتسامة هادئة وهو يقول:
-عموما مبروك مقدماً
تنهد رامي بحرارة وهو يرد عليه:
-الله يبارك فيك
غمز له آياز بمكر:
-عارف أنا كنت متوقع ده
سأله رامي بفضول:
-وايه اللي خلاك تقول كده؟
أجابه بإبتسامة عادية:
-اصلك مكونتش شايف نفسك وانت بتتعامل معاها
حك رامي طرف أنفه بإصبعه، وتابع بحرج:
-هو أنا مكشوف أوي كده.

ثم ضيق نظراته، وسأل ابن خالته بفضول:
-طب انت معندكش حاجة كده ولا كده؟
إرتسمت علامات الجدية على وجه آياز وهو يرد عليه بتساؤل:
-قصدك ايه؟
أجابه بإبتسامة عابثة:
-يعني مزة شاغلة بالك، واحدة بتفكر فيها
-ممم..
حرك رامي رأسه قائلاً بتسلية:
-باين فيه وأنا مش واخد بالي منك!
أخذ آياز نفساً عميقاً، وزفره ببطء، ثم أجابه بتريث:
-بص، مخبيش عليك هو مش إعجاب زيك، بس في توافق فكري بينا
غمز له رامي مرة أخرى، وتابع بحماس:.

-هي بتبدأ بكده في الأول، وبعد كده ربنا بيسهلها
أشار له بكفه قائلاً بهدوء حذر:
-ماتستعجلش الأمور، أما يحصل حاجة هاقولك.

عند ستوديو ( Creative ) للتصوير الفوتوغرافي،
ترددت ليلة في الدخول وهي تطالع بعينين متوترتين لافتة المكان، ولكنها حسمت أمرها بالولوج، فهي من تولت مسألة تجهيز الألبوم، وهي من عليها إنهائه..
ابتلعت ريقها بتوتر، ثم دفعت الباب بيدها، وجابت بأنظارها المكان..
كان الوضع هادئاً بالداخل، نهض أحد الأشخاص من مقعده، وسألها بنبرة رسمية وهو يتجه نحوها:
-أي خدمة؟
إرتبكت، وتوردت وجنتيها وهي تجيبه بتلعثم:.

-من فضلك، أنا، أنا كنت عاوز أقابل مستر أيمن
سألها بهدوء وهو يضيق نظراته:
-جلسة تصوير ولا آآ...
قاطعته بنبرة متوترة:
-لأ، هو الموضوع مش كده، أنا عاوزة اتفق معاه على ألبوم معين
هز رأسه متفهماً، وتابع بجدية:
-طب لحظة، هناديلك عليه من جوا.

في محل ما للثياب الجاهزة،
وضعت ريمان الهاتف على أذنها، وعبث بيدها الأخرى بقطع من الثياب النسائية الفاخرة، واستطردت حديثها بخفوت:
-مش عارفة، بس هو بيتعامل معايا كويس جدا
ردت عليها سالي قائلة:
-يا بنتي يمكن يكون معجب؟!
ضغطت على شفتيها وهي تجيبها بصوت خفيض:
-لا هو مقالش حاجة
تابعت سالي بصوت جاد:
-عامة خلي بالك، النوعية دي من الشخصيات لو حد بيعجبها هاتقول على طول، مش هتلف وتدور
-أها..

سألتها سالي مجدداً بإهتمام:
-بس إنتي مرتاحة معاه؟
أجابتها ريمان بثقة:
-ايوه، طلع عكس ما كنت مفكراه
-أها..
ثم تابعت قائلة بحماس:
-عارفة يا سالي في الأول قولت عليه ده تنك، وشايف نفسه، ومرسوم على الفاضي، لكن طلعت ظلماه، هو بيحب شغله ومجتهد فيه..!
ردت عليها سالي قائلة بنبرة محذرة:
-ربنا يكرمك يا ريمو، بس متحاوليش تحكي كتير في الموضوع ده قصاد أي حد طالما مافيش حاجة حصلت!
هزت رأسها متفهمة وهي تقول:.

-اه ما أنا عارفة، أنا بس بأفضفض معاكي في الكلام
-اوكي.

في ستوديو ( Creative ) للتصوير الفوتوغرافي،
خرج أيمن مسرعاً من الداخل، وعلى ثغره إبتسامة سعيدة، وهتف بحماس وهو يشير بيده:
-مس ليلة، أهلا وسهلاً، اتفضلي، شرفتي الاستديو المتواضع بتاعي
ابتسمت له بخجل وهي ترد عليه:
-ميرسي، سوري إن كنت هاعطلك وآآ...
قاطعها بعتاب زائف:
-لالالا، متقوليش كده!
ثم أشار بيده وهو يتابع بحماس:
-اتفضلي نتكلم جوا
تنحنحت بخفوت وهي تقول:
-هنا كويس
لم تتلاشى ابتسامته العريضة وهو يردد:.

-اوكي اللي يريحك
إتجهت ليلة للجلوس على أقرب مقعد، وجلس هو على المقعد المجاور لها، ثم فركت أصابع كفها بتوتر، وأكملت قائلة بتلعثم قليل وهي تتحاشى النظر إليه:
-بص أنا، انا وصحابي في الكي جي قررنا نعمل ألبوم لمس جانيت
هز رأسه بحركة خفيفة وهو يتمتم بجدية:
-تمام
إستأنفت حديثها بهدوء حذر:
-فطبعاً اخترت شوية صور، بس محتاجة أنفذها بطريقة مختلفة ومميزة عشان نديها إهداء لجوزها
أردف هو قائلاً بحماس:.

-أوكي، وأنا معاكي في الحوار ده
تابعت هي قائلة بجدية بالغة وقد إستدارت برأسها نحوه:
-احنا هنتحمل التكاليف كلها
أشار لها بكفه معترضاً، ورد عليها بإصرار:
-لالالا، مش هانتكلم في فلوس دلوقتي، إنتي بس قوليلي دماغك فيها ايه، وأنا معاكي!
تشكلت إبتسامة رقيقة على وجهها وهي تقول بصوت خفيض:
-اوكي
أخذ أيمن نفساً مطولاً، وزفره على مهل، وأكمل بنبرة متحمسة وهو يرمقها بنظرات ناعمة:.

-عارفة يا مس ليلة، أنا فرحان أوي إنك يوم ما فكرتي تعملي حاجة جيتي عندي
توردت وجنتيها أكثر، وبدى الإرتباك واضحاً على محياها، وردت عليه بخجل:
-ميرسي
نهض عن المقعد، وأشار بيده متابعاً:
-تعالي معايا أوريكي شوية ألبومات تنقي منهم المناسب
هزت رأسها موافقة، وعلقت حقيبة يدها على كتفها، وهمست:
-اوكي.

سيطرت سعادة خفية على المصور أيمن لأن ليلة أثرت التعامل معه في ذلك الموضوع الهام، وبالتالي ستتوطد العلاقات بينهما كثيراً، لأنهما سيتواصلان بصورة مباشرة دون حرج أو تكليف..

على مدار الأيام التالية،
تلقى رامي خبر خطبة وردة بسعادة غامرة، فقد كان يريد التخلص منها في أقرب وقت، وها قد حصل ما تمناه..
وظلت الأخيرة في بلدتها الريفية لتستعد لترتيبات الخطبة، وتدمرت آمالها تماماً في الزواج من آياز..
لم يتأثر آياز بغيابها، فلم يشكل وجودها فارقاً معه، ولكن على الجانب الأخر تعمقت الصلات مع ريمان، ونما بينهما حديثاً من نوع أخر، حديثاً يكتشف جوانبهما الخاصة...

عاد كل شيء إلى طبيعته في مبنى رياض الأطفال، ومع هذا ظل هناك شيئاً ناقصاً..
كذلك أهدت المعلمات زوج الراحلة جانيت الألبوم الذي تفنن المصور أيمن في إخراجه بصورة مميزة مما جعله يبكي فرحاً وتأثراً بما فعلوه من أجلها، وشكر الجميع ممتناً..

أرسلت إدارة مدارس اللافانيا في طلب معلمة موسيقى جديدة تكون على قدر من الكفاءة والخبرة بالإضافة لوجود الروح الإبتكارية وحب العمل الجماعي، وبالفعل تم العثور على واحدة تنطبق عليها الشروط الموضوعة، ووقعت العقد مع مديرة المدارس..
حركت ريمان قلمها الحبر بحركة ثابتة بإصبعيها وهي تحدق في آياز بعد أن جلس الإثنين سوياً في غرفة المعلمات، ثم سألته بإستغراب:
-بتصبلي كده ليه؟

ضيق نظراته ليطالعها بعينين شغوفتين، ورد عليها متسائلاً:
-ازاي يعني؟
ردت عليه بخجل وهي ترسم إبتسامة رقيقة على شفتيها:
-مش عارفة، بس عينيك شكلها غريب
أجابها بخفوت آسر:
-يمكن بتقول عن اللي جوايا
سألته هامسة:
-وإنت جواك ايه؟
أخذ آياز نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم أجابها:
-حاجات كتير
زمت ريمان شفتيها فقد إستشعرت مشاعره نحوها، والتي عبرت عنها نظراته، وكذلك تصرفاته معها مؤخراً..

أعادت خصلة من شعرها للوراء، وسألته بفضول وقد لمعت عينيها هي الأخرى:
-مممم، زي ايه؟
رد عليها هامساً وقد رفع حاجبه للأعلى:
-بصي هو مكانها مش هنا، بس عاوزك تعرفي آآ...
قاطع حديثهما صوت رانيا المتذمر وهي تلج للغرفة:
-استغفر الله العظيم
إعتدلت ريمان في جلستها، وبدأت في جمع أشيائها الخاصة وهي تتمتم بسخط:
-أووف، الغلسة جت
رمقتهما رانيا بنظرات حادة ومتفحصة لهما، وهتفت بتبرم:
-أهلاً، إزيكم؟

ردت عليها ريمان بإقتضاب وهي عابسة الوجه:
-هاي يا رانيا
بينما أجابها آياز بنبرة جافة:
-هالو مس رانيا
إلتفتت ريمان برأسها نحو آياز وسألته بجدية وهي توميء بعينيها:
-انت فاضي الوقتي؟
رد عليها بنبرة رخيمة وهو ينظر في ساعة هاتفه المحمول:
-أه، لسه معايا وقت
نهضت عن مقعدها، وتابعت قائلة بهدوء:
-طب تعالى نروح الكانتين نشتري أكل
ابتسم لها قائلاً:
-اوكي
حدجت رانيا ريمان بنظرات متجهمة، وقالت بسخط:
-هو إذا حضرت الملائكة؟!

ردت عليها ريمان ببرود مستفز وهي تشير بإصبعها:
-خدي راحتك يا مس رانيا، انجوي بال Staff ( غرفة المعلمات ) كله!
راقبتهما رانيا وهما ينصرفان عن الغرفة، ثم كورت قبضة يدها في غيظ، وأكملت بنبرة مغلولة:
-آآآآه ياني، ياما فرساني ومش قادرة عليكي!

انشغلت معظم المعلمات في الترتيب للنشاط الترفيهي الأخير للأطفال..
وتولت هناء بنفسها تنظيم كل شيء..
كان النشاط عبارة عن إحضار الأباء لمشاركة صغارهم في صنع طائرة ورقية، ثم إطلاقها في الهواء لتحلق عالياً..
تحمس الأباء كثيراً لذلك النشاط، وحضر أغلبهم للإستمتاع مع أطفالهم، ومن لم يتمكن من الحضور منهم بسبب سفره أو عدم حصوله على إجازة من العمل أرسل من ينوب عنه...

تابعت هناء الجميع بنظرات مترقبة، فقد كان شاغلها الأكبر هو التأكد من وجود الإشراف في أماكنه المحددة، وكذلك سلامة الصغار وعدم تعرضهم للخطر
-لو سمحتي!
قالها أحد الأشخاص من خلفها بصوت رجولي خشن، فإستدارت ببطء لتراه..
فغرت شفتيها مصدومة، وحدقت فيه بنظرات مدهوشة، فقد كان هو نفس الشخص الذي تشاجر معها من قبل بإسلوب وقح، وعاملها بفظاظة..

أفاقت سريعاً من صدمتها، وحل العبوس على وجهها، وردت عليه بجمود وهي تشير بإصبعها:
-افندم؟ حضرتك لو جاي تتخانق تاني، في إدارة تقدر تروح تشتكي هناك فيها، لكن متكلمش معايا شخصياً ب آآ...
قاطعها الرائد محمد قائلاً بإبتسامة ودودة:
-أنا مش جاي أتخانق على فكرة
نفخت قائلة بنفاذ صبر:
-أومال جاي ليه؟
رفع الرائد محمد كفه الذي يحمل وردة حمراء جميلة أمام وجهها، ورد عليها بهدوء دون أن تختفي إبتسامته:.

-جاي أعتذرلك عن سوء التفاهم اللي حصل بينا، ويا ريت تقبلي دي مني!
رمشت بعينيها غير مصدقة ما حدث تواً، وشعرت بالحرج الشديد من تصرفه الجريء هذا، وتوردت وجنتيها بحمرة خجلة، و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة