قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

قدم الرائد محمد وردة حمراء إلى المعلمة هناء كتعبير رمزي عن إعتذاره لتصرفه الفظ معها، فإبتلعت هي ريقها بتوتر من حركته الجريئة والتي أصابتها بالحرج، ثم رمقته بنظرات مرتبكة، وردت عليه بنبرة شبه خجلة:
-أسفة مش باخد ورد
ابتسم لها قائلاً بإصرار:
-بس أنا مصر يا مس
هزت رأسها معترضة وهي تقول بجدية:
-لأ مش هاينفع حضرتك
قطب جبينه مندهشاً منها، وسألها متوجساً:
-ليه؟ هو إنتي مش قابلة إعتذاري؟!

ردت عليه بإبتسامة باهتة:
-لا خلاص، حصل خير، بس مالوش لازمة الكلام ده
تابعت رانيا ما يحدث من على بعد بنظرات ثاقبة كالصقر، والتوى ثغرها بسخط جلي، ولكزت نشوى الواقفة إلى جوارها في ساعدها، وأردفت قائلة وهي تجز على أسنانها بغيظ:
-شايفة اللي أنا شيفاه يا نوشة؟!
تلفتت نشوى حولها بحيرة، وسألتها على مضض:
-ايه تاني يا رانيا؟
أومأت بعينيها وهي تجيبها بنبرة مغلولة:
-هناء والراجل اللي هناك.

سلطت نشوى أنظارها عليهما، وتسائلت بإيجاز:
-مالهم؟
ردت عليها بحنق وقد تحولت نظراتها للحقد:
-بيديها وردة
فغرت نشوى شفتيها مصدومة، ورفعت حاجبيها للأعلى، وهتفت بعدم تصديق:
-يا شيخة
غمغمت رانيا بتحسر وهي عابسة الوجه:
-جتنا نيلة في حظنا الهباب، مش بناخد غير الفقر وبس!
أدارت نشوى رأسها في اتجاه رانيا، ورمقتها بنظرات مطولة، ثم أشارت لها بكف يدها وهي تتابع بهدوء:.

-عارفة يا روني إنتي لو تصفي نيتك من جوا ربنا هيكرمك إن شاء الله
تقوس فم الأخيرة أكثر لتجيبها بإزدراء:
-ياختي مصفياها، بس المنحوس منحوس
دنت سالي من هناء وذلك الشاب، وحدجته بنظرات قوية، وتسائلت بجدية:
-في مشكلة حضرتك؟
إلتفت محمد ناحيتها، ورمقها بنظرات جافة وهو يجيبها بفتور:
-بأتكلم مع المس، إنتي في حاجة؟
ردت عليه سالي بنبرة حادة ومحذرة وهي تشير بإصبعها:
-لأ حضرتك اتكلم معانا كويس معانا، إحنا هنا آآ...

قاطعها محمد قائلاً بتنهيدة مسموعة:
-بصي يا مس عشان محدش يفهمني غلط، أنا جاي أعتذر للمس دي
هزت رأسها مرددة بإستفهام:
-أها، مس هناء؟
أضاف محمد قائلاً ببرود:
-وبأقدملها الوردة دي بس هي مش راضية تاخدها
شعرت هناء بالخجل الشديد، واصطبغ وجهها بحمرة شديدة، وهتفت بتلعثم واضح:
-عن اذنكم
ثم تحركت بخطى سريعة مبتعدة عنهما، فصاح بها محمد بنبرة شبه مرتفعة:
-استني بس.

سدت سالي عليه الطريق، وهتفت محتجة وهي ترفع كفها في وجهه:
-لو سمحت يا أستاذ، حتى لو في خلاف، وحضرتك اعتذرت، اوكي احنا هنقبله، لكن تحرج مس هناء بالشكل ده قصاد زمايلها بيبقى الوضع مش لطيف خالص
تنحنح بخشونة، ودس يده في جيب بنطاله، ورد عليها بحرج:
-تمام، في دي عندك حق
ابتسمت له مجاملة وهي تقول بإيجاز:
-شكراً لتفهمك
ثم تركته هي الأخرى وانصرفت في اتجاه الأطفال...

في نهاية اليوم، كانت الناظرة إعتماد تقوم بجولة سريعة داخل مبنى رياض الأطفال مع المعلمة الجديدة لمادة الموسيقى – ليندا – وهي من أصول كندية..
تحمست ليندا كثيراً لبدء العمل والتعرف على فريق العمل، وأبدت الناظرة سعادتها بإستعدادها للتحديات المقبلة، وخاصة أنها تمتاز بالروح المرحة، وبالشخصية المثيرة للإعجاب..

تناقشت الاثنتين على عجالة في خطة العمل القادمة خلال الأيام المقبلة، ووضعت كلتاهما خطوطاً عريضة للبدء منذ الصباح الباكر...
وبالفعل اجتمع الجميع في غرفة المعلمات للترحيب بها..
استطردت الناظرة إعتماد حديثها قائلة بهدوء جدي:
-النهاردة معانا مس ليندا مكان مس جانيت، وهي هاتكمل معانا بقية السنة!
ثم استدارت برأسها نحوها، وتابعت قائلة بإبتسامة صغيرة:
-Welcome on board Miss Linda ( مرحباً بك معنا مس ليندا ).

رسمت ليندا ابتسامة مرحة على ثغرها وهي تقول:
-Thanks
تركتها الناظرة لتتعرف بنفسها على الأخرين، وعادت لتمارس أعمالها الأخرى..
أردفت ميادة قائلة بنبرة عادية:
-هالو، how are you ( كيف حالك؟ )
ردت عليها ليندا بإبتسامة ظريفة:
-أنا كندية بس بابا أصلاً مصري
هتفت هناء مصدومة وهي تردد بإندهاش:
-واو، مصري، وبتكلمي عربي
-أكيد
قالتها ليندا وهي تحرك كتفيها بدلال
أردفت سالي قائلة بإبتسامة متسلية:.

-بصي انتي هاتتبسطي معانا، احنا هنا بنشوف العجب، ومش عاوزين نجيبلك احباط من الأول، بس هتتفاجئي كل يوم بحاجة ممكن تشلك!
ردت عليها لينداً بمزاح:
-ممممم، لأ واضح إني هاتجلط مش هاتفاجيء
هتفت منة بنبرة متحمسة:
-اوه، هاتنجلطي، ده انتي مصرية وش يا ليندا!
هزت رأسها بحركة خفيفة وهي ترد قائلة:
-طبعاً، ويا ريت تنادوني لولو، بلاش ليندا!
ردت عليها منة مبتسمة:
-أوكي، زي ما تحبي.

ولجت سارة إلى داخل غرفة المعلمات وهتفت بحماس وهي تشير بذراعها:
-احنا عندنا أجانب!
ردت عليها سالي بإبتسامة واسعة:
-لأ طلعت أوت المرادي، هي مصرية
رفعت سارة حاجبيها مندهشة، وهتفت بمرح:
-بجد، طب اشطا
تسائلت منة بإهتمام وهي توجه حديثها لليندا:
-هاتبقي ناشونال ولا إنترناشونال؟
ردت عليها سارة بثقة وهي تلف ذراعها حول كتف منة:
-أكيد انترناشونال، جنسية بقى وحركات
هزت ليندا كتفيها في حيرة، وأجابت بهدوء:.

-مش عارفة لسه، بس أنا هادي لكله في الكي جي
-أكيد
أضافت سالي قائلة بجدية:
-يا ريت تبقي ناشونال لأحسن بعيد عنك اللي بيلبس في الانتر بتجيلوه اللعنة
قطبت ليندا جبينها عقب العبارة الأخيرة، ورددت بإستغراب:
-لعنة؟!
لوت منة شفتيها قليلاً، ثم دنت من ليندا، وهمست لها:
-ايوه، لعنة الانتر دي معروفة!
ضيقت ليندا عينيها أكثر، وتمتمت بتعجب:
-مش فاهمة حاجة
تابعت سالي قائلة بهدوء جاد وهي تشير بكف يدها:.

-بصي يا لولو في حفلة السنة اللي فاتت الستارة وقعت على الأطفال، والسنة اللي قبلها النور قطع في نص الحفلة، ولما رجع حصل ماس كهربي
شهقت ليندا مصدومة:
-اوف
إرتسم على ثغر سالي ابتسامة متسلية وهي تستأنف حديثها:
-لأ ده في خبايا كتير، بس هانقولك عليها بالتفصيل
بادلتها ليندا ابتسامة غامضة وهي تقول بخفوت:
-الظاهر إني هاحب المكان ده أوي!
ردت عليها سالي بثقة:
-طبعاً، ده الكي جي!

في غرفة الوسائط المتعددة،
دقت ليلة باب الغرفة بخفة قبل أن تلج للداخل، وبحثت بعينيها عن أيمن فوجدته منكباً على حاسوبه الشخصي..
تنحنحت بخفوت، ثم همست متسائلة:
-ممكن ادخل؟
أشار لها بكفه وهو يجيبها بجدية:
-أه طبعاً
ابتلعت ريقها بحرج، وتسائلت بحياء:
-مشغول، لو هاعطلك أجي وقت تاني؟
-لأ، أنا قربت أخلص
-أوكي
تابع قائلاً بجدية وهو يشير على مقعد شاغر:
-اتفضلي
ابتسمت له مجاملة، وردت قائلة وهي تجلس عليه:
-ثانكس.

عضت على شفتها السفلى بتوتر، ومدت يدها لتخرج من حقيبتها كاميرا صغيرة، وأكملت بخفوت:
-أنا مش هاخد من وقتك كتير
ابتسم لها وهو يطالعها بنظرات متأملة طويلة، ثم أجابها بصوت آجش:
-براحتك
تلمست هي عدسة الكاميرا، وأردفت قائلة بنبرة شبه مرتبكة:
-هو الكاميرا كان فيها مشكلة وآآ...
وضع أيمن يده على كفها، فإرتجفت من لمسته، وتوردت وجنتيها إلى حد ما، وقاطعها قائلاً بجدية واضحة في نبرته، وتعابير وجهها:.

-ليلة، ينفع أكلمك في حاجة كده بعيدة عن الشغل
سحبت يدها من أسفل كفه، ورمشت بقلق وهي تسأله بخجل:
-خير
برزت أسنانه من خلف إبتسامته وهو يجيبها بنبرة مطمئنة:
-إن شاء الله خير، متقلقيش!
أخفضت عينيها، وفرك أصابع كفها بحركة شبه عصبية، بينما أخذ هو نفساً عميقاً، وأخرجه من صدره على مهل، وأكمل بهدوء:
-شوفي يا ستي، أنا مش بأعرف ألف ولا أدور لما أكون عاوز حاجة بأعملها على طول
سألته بتوتر وهي تتحاشى النظر نحوه:.

-أها وبعدين
إستأنف حديثه بصوت جاد ورزين:
-من غير مقدمات كده، أنا مرتاح معاكي
بدت متوترة للغاية من كلماته، وتلون وجهها بالكامل بحمرة ظاهرة..
تلعثمت وهي تحاول الرد عليه:
-هآآ، آآ، انت آآ...
قاطعها بنبرة أكثر جدية:
-مش عاوزك تفهميني غلط، بس أنا بأفكر جدياً في الارتباط بيكي، فإيه رأيك؟
إرتبكت كثيراً، وسيطر عليها حالة من الحرج، فعلقت حقيبتها على كتفها، ونهضت فجأة من على مقعدها، ثم هتفت بصوت متقطع:.

-أنا، آآ، عن اذنك
أسرع في خطواته ليقف قبالتها، ثم سد عليها الطريق، وسألها بتلهف:
-استني بس، رايحة فين؟
ردت عليه بحرج وقد تحول لون بشرتها لثمرة الطماطم:
-ماهو اصل آآ...
استشعر خجلها منه، فلم يضغط عليها، وقاطعها للمرة الأخيرة بهدوء:
-بصي خدي وقتك في التفكير، وردي عليا، لكن عاوز تتأكدي إني جاد في كلامي
هزت رأسها موافقة وهي تتنحنح بصوت شبه متحشرج:
-احم آآ، أوكي، عن اذنك!
سألها بتسلية وهو يغمز لها:.

-طب والكاميرا؟
ردت عليه بإرتباك:
-هه، آآ، بعدين!
تابعها أيمن بنظراته وهي تنصرف بخطوات أقرب للركض، ثم حك فروة رأسه بأصابعه، وتنهد بعمق وهو يقول:
-ربنا يكرم!

انشغل عقل ليلة بالتفكير في الإرتباط بأيمن وخاصة بعد مصارحة الأخير لها برغبته الجادة في هذا..
لاحظت رفيقاتها شرودها أثناء عودتهن إلى منازلهن في سيارة ريمان، وتسائلت هي بفضول وهي تدير عجلة المقود:
-الجميل سرحان في ايه؟
انتبهت إلى صوتها، وأسبلت عينيها نحوها، وردت بخفوت:
-هه
لكزتها سارة في كتفها بخفة، وهمست لها بمكر:
-ده انتي مش معانا من الصبح يا بنتي
سألتها عاليا بجدية وقد أدارت رأسها ناحيتها:.

-في حاجة مضيقاكي؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبهن:
-لأ بس، آآ
هتفت سارة قائلة بمزاح وهي تسحب حجابها للخلف قليلاً:
-شكلك متغير، اوعي تكوني بتحبي
ردت عليها سالي مستنكرة:
-هو احنا أصلاً بتوع حب وغرام، يا بنتي احنا خلقنا للعمل والعبادة
ضحكت الفتيات على دعابة سالي الأخيرة، وتشجعت ليلة لقول:
-هو الموضوع قريب من اللي بتقوله سارة
ساد صمت مريب داخل السيارة لعدةِ ثوانٍ، وتسائلت بعدها ريمان بذهول واضح على تعابير وجهها:.

-ايه ده بجد؟
هزت رأسها بإيماءة خفيفة، وأجابتها بإبتسامة خجلة:
-ايوه
سألتها سارة بنفاذ صبر:
-قولي يا بنتي في ايه؟
عضت على شفتها السفلى، وأطرقت رأسها للأسفل، ثم أجابتها بخفوت:
-أيمن بيفكر يرتبط بيا
سألتها عاليا بجدية وهي قاطبة جبينها:
-أيمن مين؟
هتفت سالي بنزق:
-اوعي يكون المصور اياه
ردت عليهن بهدوء:
-اه، هو
شهقت سالي بإعجاب:
-واو يا ولد!
ابتسمت لها عاليا، وتابعت قائلة بنبرة فرحة:.

-ربنا يسعدك يا لولا، انتي تستاهلي كل خير
بادلتها إبتسامة رقيقة وهي تقول:
-يا رب
هتفت سارة بحماس وهي تطالع ليلة بنظرات سعيدة:
-لالالا، متاخديناش في دوكة احنا عاوزين نعرف التفاصيل
أضافت عاليا قائلة بصوت شبه مرتفع:
-طب قبل ما تحققوا مع ليلة، أنا عندي ليكو خبر
سألتها ريمان بإهتمام:
-ايه؟
وأضافت سالي بهدوء:
-في ايه يا مزة؟
ردت قائلة بتنهيدة مطولة:
-أنا هيتقرى فاتحتي الجمعة الجاية.

شهقت ريمان مصدومة وقد تشكل على وجهها علامات الفرحة:
-بجد يا عاليا!
هتفت سارة بنبرة متحمسة وهي تشير بكف يدها:
-ايه المفاجأة الجامدة دي!
عبست سالي قليلاً بوجهها، ورددت متسائلة بحزن مصطنع:
-انتي بتخبي عليا؟
ردت عليها عاليا مبررة:
-لا والله، بس الموضوع حصل بسرعة
أضافت سارة بنبرة مازحة وهي تلوح بذراعها في الهواء:
-احنا محتاجين نبخر شلتنا لأن الخطوبات عندنا هاتكون بالجملة
وافقتها عاليا الرأي وهي تقول بمرح:.

-اه والله، وأنا هاجيب البخور
تنحنحت سارة بصوت مرتفع، وتشدقت قائلة:
-طب هاقولك أنا كمان على موقف حصل معايا، وأنا شاكة ان فيه إن! وأنتو عارفيني لما بأشك في حاجة
سألتها سالي بإهتمام:
-ايه هو يا شارلوك هولمز؟
ردت وهي تجوب بنظراتها أوجه رفيقاتها:
-عارفين مس حنان
هتفت عاليا بإختصار:
-ايوه
بينما تسائلت ريمان بجدية وهي تضغط على بوق السيارة:
-مالها؟
أخفضت نبرة صوتها، وثبتت نظراتها وهي تجيبهن:.

-شكلها كده بيدبر إنها تخطبني لأخوها
شهقت عاليا وهي تسألها بعدم تصديق:
-بتهزري، مس حنان؟!
أجابتها سارة بثقة:
-لأ والله بأتكلم جد
تابعت سالي قائلة وهي تغمز بعينها:
-معدتش ناقص إلا ريمان
هتفت ريمان بإبتسامة مهذبة:
-أنا؟
أومأت سالي برأسها بهدوء، وهي تجيبها:
-ايوه
وضعت عاليا يدها على كتف ريمان، ورفعت حاجبها للأعلى، ورمقتها بنظرات ذات مغزى، ثم سألتها بمكر:
-ها يا عم، الأخبار معاك ايه مع إن احنا فاهمين كل حاجة؟!

ردت عليها بنبرة متريثة:
-إن شاء الله خير
صاحت سارة بصوت مرتفع وهي ترفع كفيها للأعلى:
-ربنا يكرمنا كلنا ويفرح قلوبنا
ردت عليها بقيتهن:
-يا رب.

في اليوم التالي،
في مسرح مدارس اللافانيا،
استخدمت رانيا عدة أوراق مطوية لتحركها بحركة ثابتة لترطب على وجهها الذي تنبعث منه حرارة شديدة بقليل من الهواء المصطنع..
نفخت من الضيق وهي تتابع إحدى التدريبات المملة لأحد العروض الخاصة بالمراحل العليا..
غمغمت مع نفسها بإنزعاج:
-طب أنا ماليش لازمة في الليلة دي كلها، مقعدني هنا ليه كل المدة دي.

تلفتت حولها، وراقبت الجالسين بنظرات دقيقة، ثم عاودت النظر إلى خشبة المسرح..
-مس رانيا، تعالي من فضلك
قالتها إحدى المعلمات بصوت مرتفع وهي تلوح بذراعها
ردت عليها الأخيرة قائلة:
-جاية أهوو
نهضت عن مقعدها، وتحركت للأمام ولكنها لم تنتبه للمطفأة المسنودة بجوار درجات المسرح، فتعثرت بها، وإنزلقت على وجهها كالخرقاء..
ضحك عليها الجميع، فشعرت بالضيق الممزوج بالغضب، وإستندت على مرفقيها لترفع جسدها عن الأرضية..

اقترب منها أحد الأشخاص، وأردف متسائلاً بهدوء:
-انتي كويسة يا مس؟
ردت عليه بنبرة محتقنة:
-لأ طبعاً
سألها بإهتمام:
-رجلك كويسة؟ عاوزة مساعدة مني طيب؟
ردت عليه بتبرم وهي عابسة الوجه:
-ده العادي بتاعي، أتكفى على وشي زي تملي
تنحنح بخفوت وهو يتابع بنبرته الرخيمة:
-ألف سلامة يا مس!
رفعت بصرها للأعلى لتنظر نحوه، فوجدته شاباً ذو بشرة سمراء، ذقنه حليقه، وإبتسامته بشوشة..
تنهدت بضيق، وتمتمت مع نفسها بتذمر:.

-يا ربي، ويوم ما يجي حد يساعدني يكون أفريقي!
صاحت دينا بنبرة مرتفعة:
-مستر عبد الرحمن، ممكن تساعدني في تعليق اللوحة دي على الستارة
أجابها بإبتسامة مشرقة:
-حاضر
فركت رانيا طرف ذقنها بإصبعيها بعد أن اعتدلت في وقفتها، وحدثت نفسها بفضول:
-حتى بتاعة الأرت طلعت عارفاك يا أفريقي!
لاحقاً انضمت إليهم المعلمة ليندا، وهتفت بمرح وهي تصعد درجات المسرح:
-هاي، إيه الأخبار؟

رحبت بها دينا، وقبلتها من وجنتيها، وردت عليها مبتسمة:
-تمام، انتي جاية هنا ليه؟ عندك بروفة؟!
أجابتها بإبتسامة لطيفة وهي تطالع المسرح بعينين مشرقتين:
-ايوه، المفروض في choir ( كورال موسيقي ) هادربه
-أها، ربنا معاكي.

في نفس التوقيت، انتهى الأستاذ عبد الرحمن من تثبيت إحدى اللوحات البلاستيكية على الخلفية السوداء الخاصة بالستارة، فهبط مرة واحدة من على السلم الخشبي ولكنه لم ينتبه لتأرجحه، فمال بشدة، وسقط كلياً على الأرضية، وارتطم طرفه بمقعد موضوع بجواره فتحول الأخير إلى قذيفة أصابت المعلمة ليندا في ساقيها، فصرخت بفزع، ووقعت مصدومة..

أسرع الجميع نحوها ليطمئنوا عليها، ولكنها أصيبت في ركبتها، فتأوهت بنبرة شبه متشنجة وهي ترد:
-مش قادرة، آآه، دي أكيد مقصودة
جثى عبد الرحمن على ركبته أمامها، وتأسف قائلاً بتوجس:
-أنا أسف يا مس، والله ما خدت بالي إن السلم مش متثبت كويس
همست ليندا لنفسها بخوف وهي تتلمس ركبتها:
-دي لعنة الانتر
سألها بقلق وهو يحاول فحص إصابتها بعينيه:
-بتقولي ايه؟
سألتها دينا بتلهف وهي تمسح على ظهرها برفق:
-مس لولو انتي كويسة؟

صرخت ليندا بصوت متآلم وهي تحاول تحريك ركبتها:
-آآآه، ساعدوني
أردف عبد الرحمن قائلاً بجدية:
-متحركيهاش يا مس، اسندي عليا، وأنا موجود
أومأت برأسها بإيماءة خفيفة، وضغطت على شفتيها متوجعة، ثم مرر هو ذراعه أسفل ركبتيها، وطوق بالأخر خصرها، ثم حملها بحذر عن الأرضية الخشبية، وتوجه بها نحو الكواليس...

جحظت رانيا بعينيها وهي تتابع بذهول عجيب ما حدث أمامها، وإنفرجت شفتيها للأسفل في صدمة واضحة حتى على تعابير وجهها، وهتفت بتذمر وهي تركل بساقها الأرض:
-لأ كده كتير، يعني أنا إتأمرت على الأفريقي واتبطرت عليه، قام شال الكندية ومشى، يا ميلة بختك يا رانيا، هتشال امتى يا ناس؟
وضعت هي يدها على رأسها، وضغطت عليها قليلاً، وتابعت بخيبة أمل:
-مش هانولها باين غير وأنا متشالة على الخشبة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة