قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

هبت نسمة صيف هادئة لتلفح وجنتي رانيا التي سريعاً ما إلتهبتا لتحمسها لرؤية آياز، وتبدلت ملامح وجهها للإشراق والتفاؤل، وبدأت خيالات وردية تراودها عن حفل خطبة قريب، وإرتداء خاتم مميز في إصبع يدها الأيمن، فأطلقت تنهيدات حارة و خافتة...
في حين نظرت نشوى إليها بإستغراب شديد، ورفعت حاجبيها للأعلى، واستمرت في رمقها بتلك النظرات المطولة والمتعجبة، ثم زمت شفتيها للأمام وهتفت بجدية ب:.

-طب يالا بينا لأحسن الوقت إتأخر
نظرت رانيا إليها خافضة بصرها قليلاً، ثم إرتسم على وجهها تعابير مغترة وواثقة قبل أن تجيبها ببرود مصطنع ب:
-مش قبل ما أسلم عليه واعرفه إن أنا شوفته
هزت نشوى رأسها رافضة ما قالته رفيقتها، ثم إندفعت قائلة بتخوف:
-يا بنتي إنتي مش ناوية تجيبيها لبر
لوت شفتيها في كبرياء، وأردفت بجموح:
-لأ يا نوشا، مع المز ده لأ طبعاً.

ثم تحركت بكل ثقة في اتجاه البنك القابع على الطريق المقابل، وحاولت نشوى أن تلحق بها وهي تهتف عالياً ب:
-يا مجنونة استني، يالهوي عليكي، هتودينا في داهية
لم تهتم رانيا بهاتفات نشوى لها، فعقلها قد أملى عليها ما ستفعله، وبالفعل أخذت نفساً طويلاً، وزفرته في غرور زائد، ثم حدثت نفسها بنبرة واثقة للغاية ب:
-ولو حتى مليون داهية، مش هاسيبه يفلت من إيدي، ده لقطة.

نظرت إلى جانبي الطريق وهي تعبره بخطواتها الراكضة، ولم تعبأ بأبواق السيارات ولا بصيحات قائديها المتذمرين، ولا حتى بنعتها بالغباء والحمق، بل إستمرت في إختراق الشارع بإصرار، ثم توقفت لتلتقط أنفاسها على مقربة من بوابة البنك..
لحقت بها نشوى التي بدت علامات الذعر جلية على وجهها، ثم توقفت هي الأخرى إلى جوارها، وأسندت كف يدها على ظهرها، وقالت بصوت متقطع:.

-منك لله يا شيخة، قطعتي نفسي، وخليتنا ملطشة لكل السواقين
اعتدلت رانيا في وقفتها بعد أن كانت منحنية للأمام، ثم أردفت بعزم واضح ب:
-أوووف، مش مهم!
راقبت هي إيماءاتها، وحاولت أن تستشف ما الذي تريد فعله، ولكن لم يزدْ هذا إلا من حيرتها، فقد كانت نظرات رانيا تشير إلى عقدها النية على فعل أمر ما، فابتلعت نشوى ريقها في توتر، وتسائلت بتوجس ب:
-ناوية تعملي فينا إيه بعد كده؟

ظهر شبح إبتسامة مراوغة من بين أسنان رانيا، وأردفت بهدوء يسبق العاصفة ب:
-إصبري بس أما المز يخرج من جوا، وبعد كده هاشوف هاعمل ايه
هنا أدركت نشوى خطورة الموقف الذي سيتوجب عليها مواجهته، فنظرت حولها بنظرات زائغة، ثم أضافت بخفوت حرج:
-ربنا يستر وماتفضحيناش.

بداخل سيارة رامي،
أمسك رامي بالمقود بيد واحدة، وباليد الأخرى ظل يعبث في مشغل الموسيقى محاولاً إنتقاء ( أغنية ) مناسبة، وفي نفس الوقت كان يختلس النظرات إلى عاليا المنكمشة في مقعدها المجاور له..
ظهر طيف إبتسامة عذبة ومغترة من بين أسنانه، ثم أخذ يصفر بخفوت بلحن شهير، ويدندن بكلمات غير واضحة..

كانت عاليا تحاول النظر إليه من طرف عينها – بالرغم من تسليطها النظر لجانب الطريق البارز من نافذتها المجاورة – فالفضول يقتلها لمعرفة ما الذي يفعله..
ظلت تفرك أصابع يدها المتشبثة بحقيبتها في توتر واضح، وكانت بين الحين والأخر تتنحنح بصوت خافض محاولاً بل حلقها الذي جف تماماً من الإرتباك..

لقد خالفت عاليا أحد أهم مبادئها، وهي الوثوق بشخص لا تعرفه جيداً، وإستقلالها لسيارته دون وعي كاف لمدى خطورة هذا..
حاولت أن تجد لنفسها المبررات الكافية لتقنع نفسها بأن ما فعلته كان بدافع الضرورة وليس تنازلاً عن مبادئها..
لاحظ رامي حالة الشرود المصحوبة بالجمود الظاهرة عليها، فقرر أن يذيب حاجز الثلج بينهما، وتحدث بحماس زائد ب:
-شكلك إندمجتي مع ال View( المنظر ).

لم تلفت هي إليه، فرمقها بنظرات إستغراب من عينيه العسليتين، ثم وضع إصبعيه على طرف ذقنه، وسأل نفسه بخفوت يحمل التعجب ب:
-هي طارشة ولا إيه؟ أعلي صوتي شوية يمكن تسمع
وبالفعل تنحنح بصوت خشن، ثم قال بنبرة مرتفعة:
-إندمجتي مع الفيو
إلتفتت هي برأسها ناحيته، وحدجته بنظرات قوية، ثم هتفت بعصبية وهي تلوح بيدها:
-إيييييه، في ايه، بتزعق كده ليه؟
نظر هو لها بذهول قبل أن يجيبها بحرج ب:
-إحم، آآ، افتكرتك مش سمعاني.

عقدت هي ساعديها أمام صدرها، وظلت تنظر إليه تلك النظرات القوية، ثم تابعت بنبرة جادة ب:
-لأ أنا بأسمع كويس
ثم صمتت للحظة قبل أن تكمل بنبرة تحمل السخط الواضح:
-ومش طارشة على فكرة
تنحنح رامي في حرج، ثم رسم إبتسامة بلهاء على ثغره، وغمز لها وهو يحدثها بتحمس ب:
-الله! ما إنتي حلوة أهوو ومركزة!
أشارت هي له بإصبعها محذرة وهي تنطق بصرامة ب:
-يا ريت تركز إنت كمان في السكة اللي قدامك لأحسن أنا جبت أخري وعاوزة أنزل.

مط هو شفتيه في إنزعاج، وحاد ببصره بعيداً عنها ليتنجب تلك النظرات البراقة التي تصيبه بشيء لا يفهمه، ثم حدث نفسه بنبرة خافتة للغاية ب:
-لو مكنش خُلقك ضيق بس، كان زمان ربنا عدلهالك
رمقته عاليا بنظرات حادة، فكلماته الهامسة تلك تثير حنقها، فهي واثقة بأنه يتعمد السخرية منها كعادته، لذا سألته بوجه عابس ب:
-بتقول ايه سمعني كده؟
-لأ مافيش!

قالها رامي بصرامة زائفة وهو يبتسم لها إبتسامة سخيفة، فإزداد غيظها، ونفخت أمامه، ولكنه ظل صامت، يرمقها تلك النظرات المتفحصة لإيماءاتها وحركاتها العجيبة..
ثم رن هاتفه المحمول، فمد يده ليلتقطه من على التابلوه، ومن ثم ضغط على زر الإيجاب ووضع الهاتف على أذنه، وتحدث بهدوء ب:
-باشا! إزيك، مممم، أها، كله تمام
ثم تابع حديثه على الهاتف بكلمات موجزة إلى أن أكمل ب:
-تمام، تمام، والله ما إتأخرت، دي بس ظروف كده.

هز هو رأسه عدة مرات، ثم هتف بجدية ب:
-ماشي، ماشي، أنا جاي على طول
في نفس التوقيت كانت عاليا تنظر إليه – وهي مقطبة الجبين – بحيرة، وإزداد توترها المشحون حينما أدركت نيته بالذهاب إلى مكان ما، فتوجست خيفة، وأُثير في نفسها عدة تساؤلات، وكأن عاصفة هوجاء قد هبت في رأسها تواً:.

-هو في ايه؟ جاي فين أصلاً؟ يكونش بيعمل نمرة عليا؟ أووف! ده أنا كده أبقى وقعت في مصيبة ومحدش سمى عليا، طب أتصرف إزاي لو كان ناوي آآآ، لألألأ، مش معقول، يا ربي، إيه الهبل اللي أنا عملته ده!
أفاقت عاليا من شرودها على صوته وهو يهتف ب:
-خلاص ماشي، استنوني أنا جاي أهوو، يالا سلام.

أنهى رامي المكالمة، ثم أسند هاتفه إلى جوار ناقل الحركة الخاص بالسيارة، في حين إرجعت عاليا ظهرها للخلف بعد أن جلست للجانب قليلاً، وحدقت فيه بنظرات ضيقة، وسألته بجدية بالغة ب:
-مش إنت قولت هتوصلني لأول الشارع؟
أدار هو رأسه للجانب قليلاً لينظر لها بنظرات عادية، ثم أردف بدبلوماسية واضحة ب:
-أيوه، وأنا عند كلامي، بس أنا اتأخرت على أصحابي وآآآ..
قاطعته هي بنبرة محتدة ومرتفعة وهي تشير بكف يدها أمام وجهه ب:.

-يعني انت كنت بتستغفلني؟
بالرغم من شكوكها حول نوايه إلا أنها صرحت بما يجيش في صدرها دون تردد
لوى رامي فمه في إستنكار صريح، ثم أجابها بصوت شبه مصدوم ب:
-اييه، أستغفلك؟
وظل يوزع أنظاره المنزعجة بينها وبين الطريق محاولاً فهم الدافع الذي جعلها تتفوه بمثل تلك الحماقات..
لم تهتم هي بنظراته المتسائلة لها، بل أومأت برأسها بقوة، وهتفت بقسوة جلية ب:.

-أيوه، كون إنك تقول لأصحابك إنك جاي قبل ما توديني الحتة اللي عاوزاها يبقى انت كداب وبتشتغلني
اتسعت عيناه في إندهاش غير مسبوق، ثم سريعا ما رمقها بنظرات إستهجان، وحاول أن يسيطر على إنفعالاته، فكور قبضتيه على مقود السيارة، وصر على أسنانه وهو يهتف بنبرة حانقة:
-قولتلك أنا مش كداب ولا بأشتغلك
لم تمهله الفرصة لتبرير موقفه، بل إندفعت صارخة فيه بجنون غير معهود ب:.

-لأ كداب، ومليون كداب، طول عمر صنف الرجالة كده، اللي تديهم بالجزمة يحفوا وراها ويريلوا عليها، واللي تعبرهم ما يصدقوا يتنمردوا عليها، ويشتغلوها
نظر هو إليها مشدوهاً بكلماتها اللاذعة، ثم رد بإنفعال غير مسبوق له:
-ايييييه يا بنتي الكلام ده كله، ده إنتي تخلي الواحد يندم فعلاً إنه يعمل معروف معاكي!
رمقته بنظرات إزدراء جعلته يستشاط غضباً من إسلوبها الفظ معه، ثم تابعت بوقاحة ب:
-محدش جبرك على ده.

ضرب هو بكف يده على المقود فألمه، ورغم هذا هتف بشراسة وهو يحدجها بنظرات متوعدة ب:
-تصدقي، أنا كنت ناوي أكمل معروفي معاكي للأخر، بس الصراحة بقى أنا ناوي أعمل معاكي السليمة
مع أخر كلمة نطقها، تسللت قشعريرة إلى خلايا جسدها، فأصابتها بإرتجافة خفيفة، وضغطت على حقيبتها المسنودة على حجرها بأصابعها المرتعشة، وسألته بتوتر شبه ملحوظ:
-أفندم؟ قصدك ايه؟

نظر رامي لها بقسوة، ثم أجابها بنبرة شرسة وهو يضغط على شفتيه، ناظراً مباشرة في عينيها بعينيه المحتقنتين ب:
-هتعرفي يا عاليا
ثم ضغط بقوة على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بسرعة قصوى، و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة