قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

في مبنى الرياض،
أجهشت المعلمات بالبكاء الشديد بعد تلقيهم خبر وفاة رفيقتهم جانيت..
لم يستوعبن الأمر في البداية، فقد كانت الصدمة كبيرة عليهن، فهي كانت معهن حتى الأمس القريب، يتشاركن في كل شيء، ويخططن للأعمال القادمة، وفجأة تتركهن وترحل للأبد عن هذا العالم..
صرخات وشهقات مكتومة صدرت عنهن، وعبوس جلي كان السمة المشتركة على أوجه الجميع..
خيم الحزن على ذلك المكان الذي كان ينبض بالضحكات والمزاح..

وإجتهدت الإدارة في تصريف الأمور بحكمة وروية للتعامل مع تلك الفاجعة..
كما تعطلت الدراسة في هذا اليوم، وتم صرف جميع الأطفال مبكراً..

في معرض السيارات،
حاول رامي الإتصال بإبن خالته منذ وقت مبكر ليلغه بسفر والديه، ولكن لم يجب الأخير على اتصالاته المتكررة، فإمتعض وجهه، وحدث نفسه بضيق:
-مش بيرد ده ليه؟
زفر بصوت مسموع، ثم أضاف:
-طب هاعرف إن كان في المدرسة ولا مشى، ماهو مافيش غدى في البيت النهاردة ولا عشا، ولا أي حاجة!
مرر أصابعه في فروة رأسه، وأكمل بمكر:
-خلاص هاعدي عليه بنفسي، وبالمرة أشوف عاليا
تنهد بحرارة وهو يردد إسمها بين شفتيه..

ثم إلتقط سلسلة مفاتيحه، وهاتفه المحمول، وتحرك إلى خارج مكتبه..

في مبنى الرياض بمدرسة اللافانيا الدولية،
اجتمع فريق العمل في غرفة المعلمات، وظل الجميع يواسي بعضه البعض..
أردف آياز قائلاً بنبرة حزينة:
-للأسف أنا تعاملي معاها كان قليل، بس حقيقي كانت انسانة محترمة
هتفت ريمان بحزن وهي تمسح عبراتها:
-أنا لحد دلوقتي مش قادرة أستوعب إنها ماتت؟!
بكت عاليا بحرقة وهي تردد:
-يا حبيبتي يا جيجي، كنتي أكتر من اختي، ازاي مش هاشوفك بعد كده
أضافت منة قائلة بصوت آسف:.

-ازاي تموت؟ طب، طب هي كانت كويسة ومش بتشتكي من حاجة
ردت سارة قائلة بنشيج:
-أنا كلمتها امبارح وصوتها كان تعبان، بس مكونتش أتخيل إنها أخر مكالمة بينا!
أكملت سالي قائلة بحزن:
-هما الكويسين كده، بيتاخدوا مننا
تسائلت ميادة بصوت خفيض:
-طب احنا المفروض نعمل ايه؟ المفروض نكون مع جوزها نعزيه ولا آآ...
قاطعتها هناء بنبرة حزينة:
-أنا كلمته، هو موجود في البيت ومنتظر اهلها يجوا من اسكندرية.

هتفت ليلة بصوت مختنق وهي تشير بإصبعها:
-اه يا عيني، كانت أعدة معاه هنا، ومالهاش قرايب
إنتحبت عاليا وهي تقول:
-أنا مش مصدقة إن احنا مش هانشوفها تاني، آآآه، قلبي موجوع عليها أوي
ردت عليها سارة بنبرة آسفة:
-صعب تتعوض أو نلاقي حد زيها
استطردت هبة حديثها بجدية:
-كانت انسانة محترمة وأخلاق ومش بتتأخر عن أي حد
أضافت منة بنبرة بكاء عالية:.

-هانعمل ايه من بعدك يا جيجي، كانت بتساعدني دايما، وعمرها ما إتأخرت عني، أنا هفتقدها أوي!
ردت عليها سالي بتنهيدة حزينة:
-اللي زيها قليل في الزمان ده
أضافت ميادة وهي تهز رأسها:
-عندها طاقة وعطاء مالوش حدود
ضغط آياز على شفتيه، وتأثر بكلماتهن المعبرة عن إحساسهن نحو رفيقتهن وزميلتهن في العمل، فهتف بحذر:
-الواحد ملحقش يعرفها أوي، بس وجودها فرق معايا
ثم انضمت إليهم الناظرة إعتماد ووجهها به إنكسارة عجيبة..

انتحبت بصوت خفيف وهي تردد:
-أنا كلمت زوجها، وهو منتظرنا في بيته، ننتهي بس من اليوم الدراسي ونتحرك
أردف آياز قائلاً بهدوء:
-أنا معايا العربية، مين يحب يركب معايا؟
أضافت ميادة بإستياء:
-للأسف مش معايا بتاعتي، بتتصلح!
ردت عليهما الناظرة إعتماد بحزن:
-قسموا نفسكم على العربيات الموجودة، وأنا عندي عربيتي فاضية للي حابب يجي معايا، ونتقابل كلنا هناك، ومتقلقوش الإدارة في المواقف اللي زي دي بتتصرف وبسخاء!

وجلت معلمة الرسم دينا إلى الداخل، وهتفت بصوت أسف:
-البقاء لله يا جماعة، أنا مش عارفة أقول ايه، ملحقتش أتعامل معاها، لكن من كلامكم عليها حبيتها..!
هتفت الناظرة إعتماد بهدوء حذر:
-شكراً مس دينا على شعورك الطيب، وربنا يصبرنا على فراقها.

في الحديقة الملحقة بالمبنى،
جلست كلاً من رانيا ونشوى على المقاعد الخشبية الموضوعة بالحديقة، ومسحت نشوى على ظهر رفيقتها بحنو وهي تواسيها قائلة بخفوت:
-خلاص يا بنتي، ماتعيطيش، احنا كلنا زعلانين عليها
كفكفت راينا عبراتها بالمنشفة الورقية، ثم ردت عليها بحرقة:
-أنا مقهورة يا نشوى، كانت بتظبطني في كل حاجة
مطت نشوى شفتيها، وأكملت بإستغراب:
-وأنا والله مضايقة للي حصل، بس مش بالشكل ده.

أشارت لها بكفها وهي تقول بضيق:
-اسكتي، ده أنا نحس، حتى الحفلة اللي كنت هاقولها تخليني فيها اشراف مع المز مش هاتتعمل
عاتبتها نشوى قائلة بسخط وهي عاقدة ما بين حاجبيها:
-وده وقته، احنا في ايه وانتي بتتكلمي عن ايه
بكت بصوت مسموع وهي تقول بتحسر:
-ما هو نحس من كله، إهيء!
تنهدت نشوى بإستياء، فهي متيقنة من فشل تلك العلاقة بينهما، لذا تشدقت قائلة بضجر:.

-لا حول ولا قوة إلا بالله، يا بنتي إنتي مالكيش نصيب معاه، افهمي ده بقى!
أجهشت رانيا ببكاء أشد وهي تضيف بتذمر:
-بأحبه يا نوشة، بأحبه
ثم على صوت نحيبها وهي تدفن وجهها بين راحتيها
ردت عليها نشوى بنبرة متريثة وقد تهدل كتفيها:
-ده مش حب، ده اسمه تعلق، انتي عشان حطاه في دماغك وبتفكري فيه عمال على بطال فمفكرة إنه حب، لكن هو لا بيعبرك ولا حتى بيبصلك، ومالكوش كلام مع بعض، يبقى منين ده حب؟!

رمقتها رانيا بنظرات حادة وهي تصيح بتهكم:
-عا، انتي بتبكتيني، ده بدل ما تقفي جمبي؟!
ردت عليها نشوى بهدوء وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-أنا بانصحك لأني شايفة الوضع عامل ازاي
ضاقت عيني رانيا، وظهر منهما لمعان غريب، وهمست بصوت متحشرج:
-انا بس لو خدت فرصة معاه ه آآآ...
قاطعتها نشوى ببرود:
-صدقني برضوه مش هاتجيب نتيجة
-كمان
بررت نشوى حديثها ب:
-بصراحة كده هو، هو حاطط عينيه على اللي شبهه.

اتسعت مقلتي رانيا في صدمة، وهتفت بنزق:
-قصدك آآ...
هزت نشوى رأسها بإيماءة مجيبة إياها:
-ايوه هي! ففرصتك معدومة قصادها
لمعت عيني رانيا بشراسة، وضغطت على شفتيها بقسوة وهي تردد بصوت شبه حانق:
-يا بنت المحظوظة يا ريمان، جيالك على الطبطاب في كل حاجة
نهرتها نشوى بسخط:
-يا بنتي ارحمي نفسك، والله انتي الخسرانة في الأخر، ومحدش هايعبرك ولا حتى بواب في مدرسة
لكزتها رانيا في كتفها بعنف وهي تصيح بنبرة شبه غاضبة:.

-قومي يا نشوى من جمبي، سبيني أهري وأنكت في نفسي لوحدي!

خارج مبنى الرياض،
صف رامي سيارته بجوار الرصيف، ثم ترجل منها، وتحرك صوب بوابة المدرسة الخلفية..
إشرأب بعنقه ليبحث عن فرد الأمن، فلم يجده، ولكنه لاحظ وجود شيء مريب..
فهناك تجمعات كثيرة للمعلمين، ووجوه عابسة..
هز كتفيه في عدم إكتراث، ثم تحرك للداخل دون أن يوقفه أحد..
استمع هو إلى صوت نحيب خافت، فأدار رأسه ناحيته فوجد عاليا وهي مستندة برأسها على كتف ليلة..

انقبض قلبه، وركض ناحيتها، ثم وقف خلفها، وسألها بتلهف:
-مالك يا عاليا؟حصل حاجة؟
رفعت رأسها لتنظر نحوه بإندهاش، ثم مسحت عبراتها بكفها، وردت عليه بصوت مختنق:
-انت بتعمل هنا ايه؟
راقبتهما ليلة بنظرات متمعنة، ولم تقاطع حديثهما..
رد عليها رامي بصوت لاهث:
-أنا جاي لابن خالتي، بس شوفتك بتعيطي فإتخضيت وآآ...
قاطعته عاليا ببكاء:
-مس جانيت ماتت
سألها بعدم فهم وهو قاطب جبينه:
-مين دي؟

أجابته بحزن واضح في نبرتها، وقد بدأت تترقرق العبرات مجدداً في عينيها:
-مس الميوزيك
سألها بإهتمام وهو يتابعها بنظرات قلقة:
-هي كانت تعبانة؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبه:
-لأ
-مس ليلة!
قالها أيمن بصوت شبه مرتفع وهو يتجه نحوهم
تنحنحت هي بخفوت وهي تقول:
-احم، ثواني بس يا عاليا هاشوف مستر أيمن!
قاوم رامي ظهور شبح إبتسامة سعيدة على ثغره لحصوله على فرصة للحديث مع عاليا على إنفراد، فهتف بنزق:.

-خدي راحتك، أنا موجود معاها
رمقته عاليا بنظرات حادة، بينما تحركت ليلة نحو أيمن الذي استطرد حديثه قائلاً:
-البقاء لله يا مس ليلة، أنا عرفت الخبر من شوية، وجيت بنفسي أعزي
ردت عليه بحزن وهي ترمش بعينيها:
-شكراً يا مستر
سألها بإهتمام واضح في نبرته ونظراته:
-انتي عاملة ايه؟ وبقية الناس هنا؟
تنهدت بعمق وهي تجيبه:
-والله حالتنا النفسية وحشة أوي
تابع قائلاً بهدوء:
-أنا اسمع انها كانت انسانة محبوبة بين الكل.

أضافت ليلة قائلة بآسى:
-دي اتربى على ايدها أجيال من المدرسة
هز رأسه بإيماءة خفيفة، وأكمل بهدوء:
-أها، ربنا يصبركم ويصبر أهلها
-يا رب
سألها بجدية وهو محدق بها:
-طيب هاتعملوا ايه؟
ضغطت على شفتيها قليلاً، وأجابته بنبرة رقيقة:
-احنا المفروض هانروحلها الوقتي
استطرد حديثه متابعاً:
-طب تحبي أوصلك، قصدي أوصلكم يعني؟
هزت رأسها نافية وهي تجيبه:
-لأ مافيش داعي، إحنا هنتصرف
أردف أيمن قائلاً بإصرار:.

-أنا موجود وفاضي، أرجوكي ماترفضيش
هزت كتفيها في حيرة قائلة:
-مش عارفة
تابع أيمن بجدية وهو يشير بيده:
-بصي في الظروف دي لازم كلنا نقف جمب بعض، وبعدين دي زميلتنا، يعني واجب علينا نكون معاكو
ابتسمت له إبتسامة باهتة وهي تقول:
-ميرسي على ذوقك
فرك أيمن فروة رأسه بأصابعه قائلاً:
-متقوليش كده.

تابع رامي متسائلاً بهدوء:
-ازي رجلك الوقتي؟
عبست عاليا بوجهها، ورفعت حاجبيها مستنكرة، وردت بنبرة حادة:
-وده وقته؟ بأقولك صاحبتي ماتت وانتي تقولي رجلك
أشار لها بكفيها، وبرر قائلاً:
-مقصدش والله، أنا بس بأطمن عليكي، ده غرضي!
تنهدت بإرهاق، واعتذرت بهدوء حذر:
-معلش سامحني، أنا روحي في مناخيري، ومش عاوزة أتكلم مع حد
إبتسم لها قليلاً وهو يقول:
-أكيد مسامحك، وعاذرك
هتف آياز بصوت مسموع من على مسافة قريبة:.

-رامي، إنت بتعمل ايه هنا؟
إستدار رامي برأسه للخلف، ولوح له بذراعه وهو يجيبه:
-أنا كنت جايلك، بأطلبك من بدري مش بترد وآآ...
قاطعه آياز بجدية:
-أها، حصل ظروف هنا وآآ..
قاطعه رامي تلك المرة بهدوء:
-ما أنا عرفت خلاص، ومقدر الوضع
إلتفت آياز برأسه نحو عاليا، وسألها بنبرة جادة:
-طب هاتعملوا ايه يا مس عاليا؟
مط شفتيها وهي ترد عليه:
-هاشوف بقية البنات
أشار بإصبعه للخلف مكملاً بهدوء:.

-عموما أنا منتظر برا، ومعاكو في أي حاجة
أومأت عاليا برأسها وردت عليه:
-اوكي، وأنا هابلغهم
تدخل رامي في الحوار قائلاً بحماس:
-أنا موجود برضوه لو عوزتوني
رمقته بنظرات حادة، وهتفت بإقتضاب:
-شكراً
ثم تحرك رامي مع آياز نحو البوابة، وتبادل الاثنين حديثاً خافتاً بينهما حول سفر أبويه للبلدة الريفية..

لاحقاً أوقف آياز سيارته أمام بوابة المدرسة، وانتظر قدوم المعلمات لإيصالهن إلى منزل زميلتهم الراحلة جانيت..
أصر رامي هو الأخر على البقاء معه، ومساعدته في هذا الواجب، فتعجب ابن خالته من تصرفه الغريب هذا، وتأكد أن وراءه غرض أخر، ولكنه لم يجادله أو يطلب منه أي تفسير، فالظرف غير مناسب للمناقشة..
أحضر كذلك أيمن سيارته عند البوابة، ثم ترجل منها، وذهب لمصافحة آياز وتعزيته..

تبادل الإثنين حديثاً مقتضباً، ثم إستأذن أيمن بالإنصراف ليستعد أمام سيارته..
خرجت المعلمات من البوابة على هيئة مجموعات، واحترن في اختيار من يوصلهن..
أسرعت منة وهناء في خطواتهما نحو سيارة ريمان للركوب معها، ولحقت بهما سالي..
تعطلت سيارة ريمان، فلم تتمكن من استخدامها، وزمت شفتيها قائلة بسخط وهي تضرب المقود:
-أوووف، ده وقتك!
تسائلت منة بضيق:
-في ايه يا ريمو؟
ردت عليها ريمان بتبرم:
-العربية مش شغالة.

هتفت منة بإنزعاج:
-أوبا
تسائلت هناء بحيرة وهي تتلفت حولها:
-طب هانعمل ايه؟
تهدل كتفي ريمان للأسفل، وأجابتها بضجر:
-مش عارفة
صاحت سالي بصوت جاد وهي تعلق حقيبة يدها على ذراعها:
-خلاص يا بنات، تعالوا نشوف هانركب مع مين الوقتي
عضت ريمان على شفتها السفلى، وهتفت معتذرة:
-بجد I m so sorry ( أسفة جداً )، مش بإيدي!
هزت هناء رأسها متفهمة، وردت عليها بفتور:
-احنا عارفين
لوحت منة بذراعها في الهواء، وهتفت قائلة:.

-يالا يا جماعة
اقترب آياز من سيارة ريمان، وتسائل بإهتمام وأنظاره معلقة بها:
-ايه المشكلة يا مس ريمان؟
ردت عليه بتنهيدة منزعجة وهي تغلق باب سيارتها:
-العربية فيها حاجة، مش راضية تشتغل
أشار للجميع بكف يده وهو يقول بنبرة مرتفعة:
-أها، طب تعالوا معايا أوصلكم
إعترضت ريمان قائلة وهي عابسة الوجه:
-بس عربيتك مش هاتقضي
رد عليها آياز بهدوء:
-أنا معايا ابن خالتي، هيوصلكم هو كمان
هتفت منة بإمتنان:.

-بجد احنا مش عارفين نقولك ايه
بينما أضافت هناء برقة:
-انت انسان ذوق ومحترم
رد عليهما آياز بهدوء:
-احنا كلنا زمايل وعيلة واحدة
هتفت منة بإختصار وهي تغلق حقيبة يدها:
-أكيد
تسائلت سالي بجدية وهي تتلفت حولها:
-بنات حد هايركب مع مس اعتماد؟
ردت عليها هناء وهي توميء بعينيها:
-اه، هبة وحنان ونادية
زمت سالي فمها وهي تتمتم بإيجاز:
-تمام
هتف آياز بنبرة شبه آمرة وهو يتحرك صوب سيارته:
-طب يالا يا جماعة.

وبالفعل قسمت المعلمات أنفسهن على السيارات المتاحة، فركبت ريمان مع آياز، وانضم لهما سالي، ومنة وهناء
بينما ركبت عاليا سيارة رامي بعد إلحاح شديد منه، ولحق بهما نشوى ورانيا وسارة
بينما ركبت ليلة مع أيمن ومعهما ميادة ودينا وأية..

في سيارة آياز،
حدقت ريمان في الطريق أمامها، وتحاشت النظر تماماً نحو آياز، خاصة بعد أن جلست على المقعد المجاور له..
بينما اختلس هو النظرات نحوها، ورسم إبتسامة هادئة على ثغره..
فبرغم مآساة اليوم المؤلمة، إلا أنه ظفر بشيء بسيط أسعده وهو اصطحاب ريمان في سيارته..
قطعت سالي الصمت السائد قائلة بجدية:
-مش عاوزين نطول هناك، هنعمل الواجب ونتوكل على الله
ردت عليها منة بصوت شبه محتد:.

-ما احنا أكيد مش هنبات، بس ماينفعش نجي ونمشي في ساعتها، المفروض نقعد شوية
أضافت هناء قائلة وهي تشير بيدها:
-هي تقصد يا منون نسيبهم على راحتهم، مانبقاش كابسين على عيلتها
تسائلت منة بإهتمام:
-هما على كده هايعملوا ليها قداس هنا ولا في اسكندرية؟
ردت عليها سالي بإقتضاب وهي تنفخ في ضيق:
-معرفش لسه
مال آياز بجسده ناحية ريمان، وسألها بهمس:
-انتي مش بتشتركي في الحوار ليه معاهم؟
أجابته بخفوت حرج:.

-يعني، مش حابة أتكلم
هز رأسه متفهماً:
-أها، تمام.

في سيارة الناظرة إعتماد،
سلطت الناظرة إعتماد أنظارها على الطريق، وراقبت الإشارات المرورية بحرص، ثم تسائلت بجدية:
-الطريق كده صح؟
ردت عليها حنان بصوت خافت:
-ايوه يا مس اعتماد، احنا ماشيين صح
أردفت أية قائلة بنبرة رقيقة:
-أنا بأتكلم مع البنات، وهما قالولي إن بيتها مش بعيد
هزت رأسها بحركة خفيفة وهي تقول:
-اوكي!
أخرجت حنان هاتفها المحمول من حقيبتها، ثم عبثت به لتهاتف أخيها، ووضعته على أذنها، وهمست بحذر:.

-ايوه يا أحمد، احنا توكلنا على الله ورايحين عند بيت مس جانيت، تعالالي على هناك، هستناك!
صمتت للحظة قبل أن تكمل بصوت خفيض:
-هي ساكنة جمب ((، )) عارفه؟ الطريق مايتوهش!
ساد صمت حذر لثوانٍ، ثم تابعت:
-اوكي يا أحمد، في رعاية الله، مع السلامة!
ثم أنهت المكالمة معه، ووضعت هاتفها بداخل حقيبتها..
تسائلت ميادة بهمس وهي تميل برأسها على أية:
-انتي هاتعملي ايه بعد كده؟
ردت عليها أية بصوت خفيض:.

-أكيد هاروح البيت، أنا مش قادرة أعمل حاجة
أكملت ميادة بصوتها الهامس:
-تمام، أصلاً محدش فينا ليه مزاج لحاجة
-بالظبط.

في سيارة رامي،
لاح شبح إبتسامة راضية على ثغر رامي بعد أن وافقت عاليا على أن تستقل سيارته..
ما أزعجها هو ركوب رانيا ونشوى معها، فهي لا تحبذ التواجد معهما في أي مكان، وخاصة رانيا بسبب مواقفها وردودها الوقحة..
تحركت سارة في المقعد الخلفى، وهتفت بتذمر:
-حاسبي شوية يا رانيا، أخدة المكان كله!
لوت رانيا فمها، ورمقتها بنظرات حادة، ثم هتفت بسخط:
-يعني أروح فين؟ ما هو المكان ضيق
صاحت نشوى بنبرة شبه مرتفعة:.

-ضمي عليا شوية يا روني!
إستدارت عاليا برأسها للخلف، ورمقتهن بنظرات حادة، وصرت على أسنانها قائلة:
-عيب يا بنات، دي مش عربيتنا عشان نتخانق هنا قصاد الغُرب
عاتبها رامي قائلاً بحزن مصطنع:
-هو أنا غريب يا أبلة عاليا؟
ضيقت رانيا عينيها، وحدجت عاليا بنظرات غامضة، ثم إستندت بإصبعيها على طرف ذقنها، وغمغمت بخفوت مع نفسها:
-هو الحكاية فيها أبلة كمان؟ ده الموضوع باينه كبير، وأنا مش واخدة بالي!

ضغطت عاليا على شفتيها، وحذرته بجدية:
-مستر رامي، خلي بالك من الطريق أحسن!
هز رأسه بحركة خفيفة وهو يقول بإيجاز:
-حاضر!
ثم تمتمت عاليا مع نفسها بضجر:
-إنت لازم تتسحب من لسانك وتكلم قصاد دي، هو أنا ناقصة لسانها!
نفخت سارة بضيق، ثم حدقت في النافذة الملاصقة لها، وهمست:
-ربنا يهون بالأعدة دي، بنت ماتطقاش، يتفاتلها بلاد!

في سيارة أيمن،
مد أيمن يده ليعدل من وضعية المرآة الأمامية، ثم حدق في إنعكاس صورة دينا، وتسائل بإهتمام:
-هو حضرتك مدرسة جديدة؟
أجابتها بنبرة خجولة:
-ايوه، أنا مس دينا، مس الأرت، ومبقاليش يومين هنا
رد عليها مجاملاً:
-أها، حضرتك نورتي المدرسة، وإن شاء الله تتبسطي معانا
ابتسمت له إبتسامة ممتنة وهي تقول بإيجاز:
-ميرسي
سألها مجدداً بفضول:
-وعلى كده حضرتك إشتغلتي في مدارس قبل اللافانيا؟
أجابته بصوت رقيق:.

-ايوه، بس مش هنا
سألها بإهتمام أكبر:
-حاجة برا القاهرة؟
ردت عليه بنبرة متريثة:
-ايوه، في دولة الإمارات
أومأ برأسه بحركة خفيفة وهو يقول:
-أها، ده النظام أكيد مختلف عن هنا تماما
تابعت دينا موضحة:
-يعني مش أوي، كل مدرسة وليها السيستم بتاعها
-عندك حق
شعرت ليلة بضيق قليل لم تستطع تبريره، ولكن أزعجها حديثه المسترسل مع غيرها، فعبست بوجهها، وظلت تفرك كفي يديها بعصبية..

إلتفت أيمن برأسه نحوها، ورمقها بنظرات متعجبة، وسألها بإهتمام:
-انتي كويسة؟
ردت عليه بحنق موجز:
-ايوه
-أنا مقدر الوضع، المدرسة كلها بتتكلم عن مس جانيت وآآ..
قاطعته بنبرة غليظة:
-والله فراقها هيأثر معانا إحنا مش معاك إنت!
قطب أيمن جبينه متعجباً من أسلوبها الفظ معه، وعاتبها بهدوء:.

-لأ هايفرق يا مس، أنا كنت متعود أسلم عليها وأقابلها واحنا داخلين المدرسة، أو واحنا خارجين، فعلى الأقل هافتقد إبتسامتها الرقيقة، وأسلوبها اللطيف في التعامل
أطرقت رأسها، وضغطت على شفتيها قليلاً، وأخذت نفساً عميقاً لتضبط به إنفعالاتها..

أدى الجميع واجب العزاء في منزل المعلمة جانيت، وحاولوا التهوين على زوجها الذي كان متأثراً للغاية لرحيلها المفاجيء، وتحدثوا عن روحها المرحة وحماسها الدائم للعمل، كذلك أشادوا بتفانيها وإخلاصها في كل ما له علاقة بالأطفال..
ساعدت تلك الكلمات الصادقة زوجها في الشعور بمدى أهمية زوجته، وتعلق الجميع بها، فشكر بإمتنان حقيقي المتواجدين، وأثنى على وقوفهم إلى جواره..

بعد برهة إستأذنت الناظرة إعتماد بالإنصراف، ولحق بها فريق العمل..

تشكلت مجموعات صغيرة من المعلمات أسفل البناية التي تقطن بها الراحلة جانيت، وتحدثن بينهن عن مصير الأنشطة بدونها..
راقبت المعلمة حنان الطريق بتمعن، فقد كانت في إنتظار وصول أخيها، وإرتسم على ثغرها إبتسامة ماكرة وهي تراه يقترب من على بعد..
خطت بخطوات سريعة نحوه، وهتفت بصوت لاهث:
-كويس إنك جيت، احنا كنا ماشين دلوقتي
سألها أحمد بنبرة جافة وهو يشرأب بعنقه للأعلى:
-هي واقفة فين؟

أدارت رأسها للجانب قليلاً، وأجابته:
-هناك
سألها مجدداً بجدية:
-طيب، أنا المفروض أعمل ايه؟
ردت عليه بنبرة متريثة:
-بص أنا هاكلمها على جنب، وانت تجي علينا، وتعرض توصلها، وأهي فرصة تدردش معاها شوية، تمام؟
هز راسه إيجاباً وهو يردد بإختصار:
-ماشي
تحرك حنان عائدة إلى المجموعة المتواجدة بها سارة، ثم وضعت يدها على كتفها، فإنتبهت الأخيرة لها، وضغطت عليه قليلاً وهي تقول:
-معلش يا مس سارة ممكن أقولك حاجة.

التفتت سارة بجسدها كلياً نحوها، ورددت بهدوء:
-اتفضلي يا مس حنان
رمشت لها بعينيها وهي تهمس بجدية:
-لأ لوحدنا
تحركت سارة معها قائلة بنبرة ناعمة:
-أوكي يا مس حنان، تعالي نقف هنا!

أصر رامي على الحديث مع عاليا للحظات بعيداً عن رفيقاتها فقد خشي أن تضيع الفرصة عليه دون أن يفاتحها في مسألة الإرتباط بها، ولكنها رفضت طلبه، وتعللت قائلة:
-مستر رامي مافيش بينا كلام
زفر رامي قائلاً بضجر:
-يا أبلة عاليا أنا مش هاعطلك، ده بس كلام على السريع
عقدت ساعديها أمام صدرها، وسألته بإختصار وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-خير
إرتبك للحظة، وبدى متوتراً وهو يرد عليها بتلعثم:
-هو مش ينفع أقوله هنا.

ضاقت نظراته وهي تسأله:
-ليه؟
ألح رامي قائلاً بتوسل:
-معلش، خديني على أد عقلي
نفخت بنفاذ صبر وهي ترد عليه بإمتعاض:
-أووف، طيب، اتفضل
ابتسم لها قائلاً:
-ماشي
وقفت عاليا إلى جوار سيارته، وإستند بكفها على بابها، وسألته على مضض
-ايه الموضوع المهم اللي عاوزني فيه؟
تنحنح بصوت خشن، وحرك ساقه بعصبية، وركل الأرض قليلاً، ورد عليها بتوتر:
-هو، هو أنا كنت بأفكر في اآآآ..
قاطعته بنبرة شبه حادة وهي تشير بيدها:.

-قول يا مستر رامي، أنا مش قدامي اليوم كله، واظن إنت شايف الجو عامل ازاي، واحنا كلنا في حالة صعب
رد عليها بحذر:
-أنا فاهم ده كله، بس بأحاول أشوف هافتح معاكي الموضوع إزاي
رمقته بنظرات مطولة محاولة سبر أغوار عقله، وسألته بإندهاش:
-للدرجادي هو صعب؟
تنحنح مرة أخرى، وأجابها بتلعثم:
-لأ، بس، بس أنا متوتر شوية
زفرت عاليا بإرهاق، وهتفت بتبرم:
-مستر رامي، بليز.

لم يجد رامي بداً من الدخول مباشرة في صلب الموضوع معها، فقد إستشعر ضيقها، لذا هتف بنزق:
-أبلة عاليا، أنا، أنا بأفكر أرتبط بيكي
فغرت عاليا شفتيها مصدومة من عبارته الأخيرة، ورمشت بعينيها عدة مرات، ورددت بلا وعي:
-نعم؟!
إزدرد ريقه، وتابع بحذر:
-أنا مقصدش حاجة وحشة، أنا غرضي شريف، يعني، عاوز أتعرف عليكي أكتر، ونقرب من بعض وآآآ..
قاطعته بلهجة حادة وهي ترمقه بنظرات قوية:.

-ده لا وقته ولا الظروف تسمح بالكلام اللي بتقوله ده
رد عليها بإبتسامة باهتة:
-أنا فاهم، بس محتاج أعرف رأيك على الأقل
زاد عبوس وجهها، وأجابته بصوت حاد:
-وأنا معنديش حاجة أقولها الوقتي
سألها وهو محدق مباشرة في عينيها:
-يعني موافقة نرتبط ولا لأ؟
كزت على أسنانها قائلة بحنق:
-أقول ايه بس؟
توسلها بإصرار وهو يرمقها بنظرات متعشمة:
-ريحيني، أنا مش عاوز أكتر من كده
هتفت بإقتضاب:
-هارد عليك بعدين.

دنا رامي منها قليلاً، وتابع برجاء وقد لمعت عينيه:
-أرجوكي، مش هاقدر اصبر، هي كلمة بس، متبخليش عليا بيها
شعرت عاليا بالحرج من اقترابه منها، وخشيت أن يظن بها أي أحد السوء، فهتفت على عجالة:
-ماشي
انفرج فمه غير مصدقاً ما قالته تواً، وسألها بتلهف:
-يعني إنتي موافقة نرتبط؟
أشارت بإصبعها محذرة وهي تنهره بخفوت:
-ششش، وطي صوتك
بدت السعادة واضحة على محياه، وإعتذر قائلاً بحماس جلي:.

-سوري، مخدتش بالي، بس الفرحة مش سيعاني
ابتلعت ريقها فقد استشعر قلبها صدق نواياه، ولكن أربكها نظرات المارة بالطريق
عبثت هي بطرف حجابها، وأضافت قائلة بجدية مصطنعة:
-طب خلاص، نتكلم بعدين يا مستر
عبس بوجهه عبوس زائف، وأردف قائلاً بمزاح وهو يشير بيديه:
-ما بلاها كلمة مستر دي، إنتي شيفاني ماسك تباشيرة وبشاورة
رمقته بنظرات غريبة، وردت عليه بضيق:
-إيه الجو القديم اللي انت فيه ده، اسمه ماركر!

ابتسم لها قائلاً وهو يحرك رأسه للجانب:
-ماشي اللي انتي شايفاه، ماركر، ماركر، بس قوليلي رامي من غير تحابيش!
غمزت له بعينيها وهي تعترض:
-لأ، وعن اذنك خليني أشوف أصحابي
دس رامي يديه في جيبي بنطاله، وتابعها بنظراته وهي تبتعد عنه، وهمس لنفسه:
-طيب، اللي يريحك يا أبلة!
راقبت رانيا بنظرات متربصة ما يحدث من على بعد، وأثارها الفضول لمعرفة ما الذي يدور بينهما..

لكزت هي كتف رفيقتها نشوى، وكزت على أسنانها بقوة وهي تقول:
-خدتي بالك يا نوشة من اللي حاصل هناك!
تلفتت نشوى حولها بنظرات حائرة، وتسائلت قائلة:
-هو في ايه؟
أردفت قائلة بحنق:
-انتي مش مركزة
هزت رأسها نافية، وتمتمت بعدم إكتراث:
-لأ، هو في ايه؟
أجابتها بنبرة لئيمة وهي تهز حاجبها الأيمن:
-عاليا والراجل اللي معاها
-مالهم؟
أضافت قائلة بخبث:
-عمالين يتودودا من الصبح، وفي الأخر قالها هنرتبط.

شهقت نشوى مصدومة، وهتفت بعدم تصديق:
-هاه، هنا؟ والوقتي؟!
مطت رانيا شفتيها، وضيقت عينيها لترمق عاليا بنظرات مغلولة، ثم نفخت بصوت مسموع، وضغطت على أسنانها، وأكملت قائلة بغيظ:
-أرزاق، كل واحدة عمالة تظبط في التاني، وأنا واقفة محلك سر، ماهو ناس ليها جوازات، وناس أخرها تمشي في جنازات...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة