قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الأول

صدح صوت الميكروفون الداخلي في مطار القاهرة الدولي ليعلن عن وصول الطائرة القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية..
وقف أحد الشباب من ذوي البشرة الشرقية السمراء يراقب بأعين ثاقبة جميع الدالفين إلى الخارج، و..
-رامي بنبرة قلقة: يا ربي، ده كله خرج! أومال هو مش باين ليه؟
راقب رامي خروج بعض السيدات، وكذلك الأطفال الممسكين بأيدي أبائهم، وبعض الرجال المهمين، ولكن لم يظهر ذلك الشخص المنتظر..

زفر هو في ضيق، ثم رفع يده لينظر إلى الساعة التي يرتديها في معصمه، و...
-رامي بنبرة منزعجة: ايه اللي أخره ده كمان.

رامي سرحان عليوه شاب في منتصف العشرينات من عمره، يعمل مع والده في التوكيل الخاص بماركة شهيرة لإحدى السيارات، تخرج رامي من كلية ( تجارة انجليش ) بتقدير جيد، فأرادت والدته السيدة سوزان أن يكمل تعليمه مع ابن اختها في الولايات المتحدة، ولكنه رفض وأصر على البقاء في القاهرة، و أصبح ناجحاً في عمله مع والده المهندس سرحان...

لدى رامي خصال طيبة، وتبدو جلية على قسمات وجهه ذو البشرة الفاتحة، ورغم هذا فشخصيته مميزة، أما عينيه فهما عسليتان، وشعره قصير يميل للون البني، لديه قامة طويلة، وجسد نحيف ولكنه مشدود، يعشق رامي سباقات السيارات، ولديه من المعلومات عنها ما سهل عليه تحقيق النجاح مع والده..

لوى رامي فمه في امتعاض، ورفع يده عالياً على شعره ليعبث بخصلاته القصيرة، ثم..
-رامي بنبرة شبه ضائقة: لولا إنك ابن خالتي كان زماني سيبتك ومشيت من بدري...

تحرك شاب ما في اتجاه بوابة الخروج، كانت ملامح وجهه غربية بشكل واضح، فبشرته بيضاء، عينيه زرقاء، وشعره ناعم يميل للون الكستنائي، أما جسده فهو رياضي ممشوق، عضلات ذراعيه تبرز من قميصه السماوي الذي يتناسق مع لون عينيه، بينما تكاد ترى عضلات وركيه تخترقان بنطاله الجينز الأسود..

شعر ذلك الشاب بحرارة العاصمة تلفح جسده، ففتح أزرار قميصه حتى منتصف صدره لتظهر تلك القلادة الفضية التي يرتديها حول عنقه، وتحمل رمز السلام العالمي، ثم رفع يده الممسكة بالنظارة القاتمة ليغطي بها عينيه..
حقاً كان ملفتاً للأنظار، واعتلى وجهه ابتسامة رضا عن حاله حينما لمح نظرات الإعجاب الممزوجة بالانبهار في أعين الفتيات، فهو يعشق أن يكون مميزاً بين الأخرين، وهو واثق من أنه كان كذلك.

سحب حقيبة سفره الكبيرة ذات اللون الأزرق القاتم من مقبضها المعدني، وسار بخطوات واثقة نحو بوابة المطار..
جاب ببصره بين الواقفين باحثاً عن رامي، وظهرت ابتسامة عريضة على وجهه حينما لمحه الأخير..
لوح آياز بيده إلى رامي، ثم سار بخطوات ثابتة في اتجاهه، وقام بنزع نظارته القاتمة، ومن ثم أرخى قبضته عن مقبض الحقيبة ليصافح ابن خالته و...
-آياز بنبرة جادة: Hello dude ( مرحباً بك صديقي ).

-رامي بنبرة متحمسة، ونظرات دافئة: حمدلله على السلام يا إيزوو، كل ده تأخير يا بني، ده أنا فكرتك بتشتغلني، ومش جاي ولا حاجة
-آياز بنبرة هادئة: طالما أنا اديتك كلمة يبقى خلاص، خليك واثق فيا
-رامي بإهتمام وهو ينظر إلى حقيبة السفر: بس الواضح إنك ناوي تطول المرادي
-آياز وهو يمط شفتيه في جدية: احتمال، على حسب الوضع
وضع رامي يده على ظهر آياز، ثم أمسك بحقيبة السفر و..

-رامي مبتسماً، وبنبرة متشوقة: طب يالا لأحسن خالتك نفخاني اتصالات من الصبح
-آياز بنبرة مهتمة: طنط سوزان، وحشاني أوي، صحتها عاملة ايه؟
-رامي بنبرة شبه ضائقة: يعني، يوم كده ويوم كده، ما أنت عارفها عدوة الدكاترة، والأدوية!
-آياز مبتسماً ابتسامة زائفة: انت هاتقولي، يالا Let s Go..

ثم سار كلاهما في اتجاه إحدى السيارات المصفوفة أمام أحد الأرصفة في منطقة الانتظار الملحقة بالمطار، وضع رامي الحقيبة في صندوق السيارة الأسود – ماركة BMW، في حين جلس آياز في المقعد الأمامي، ورمق من حوله بنظرات متفحصة..
دار رامي حول سيارته الغالية، ثم ركب إلى جوار ابن خالته، وأدار المحرك، ومن ثم انطلق بها نحو منزله..

آياز كامل الشناوي، شاب في أواخر العشرينيات من عمره قد وصل تواً إلى الأراضي المصرية بعد فترة طويلة قضاها مع أسرته في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً في ولاية أريزونا، حيث نشأ وتربى في كنف والديه ( صوفيا و كامل ) اللذين أغدقا عليه بالحب والعاطفة منذ نعومة أظافره، أنهى آياز تعليمه الجامعي بتفوق مما جعله مؤهلاً لاستكمال دراساته العليا في جامعة مرموقة هناك، وأيضاً سهّل عليه الحصول على وظيفة مناسبة في مجال تخصصه، حيث درس علم ( رياض الأطفال )، فأصبح من أمهر معلمي تلك المرحلة..

توقفت سيارة فارهة حمراء - موديل ( الفولفو ) - أمام بوابة معدنية خضراء تُحيط بصرح تعليميٍ شاهق، ذو مبانٍ حديثة الطِلاء، ونوافذ زجاجية عاكسة للأضواء، ثم ضغطت سيدة وقور - في أواخر الأربعينات من عمرها - على بوق السيارة، لينتبه أحد الأشخاص إلى حضورها، فنهض مهرولاً من على مقعده المعدني، وركض في اتجاه البوابة، وقام بفتحها على مصراعيها، لتمر السيارة إلى الداخل، ثم أغلق البوابة بعدها وهو يلوح لها و...

-إعتماد بنبرة جادة وآمرة، وهي ترفع أحد حاجبيها: ماتسيبش البوابة يا عم سيد، وإقفلها كويس
-سيد بنبرة رسمية: حاضر يا مِس اعتماد
ثم قادت السيارة في اتجاه الجراج الملحق بهذا الصرح التعليمي الضخم، لتصفها أسفل المظلة التي تحجب أشعة الشمس الحارقة عن السيارات المصفوفة هناك..

ترجلت الأستاذة إعتماد من سيارتها بعد أن جمعت أشيائها وحقيبتها الجلدية الكبيرة من المقعد المجاور لها، وسارت بخطوات ثابتة في اتجاه المبنى الذي تديره..

الأستاذة إعتماد فوزي هي ناظرة مرحلة رياض الأطفال بمدرسة ( اللافانيا ) الدولية، والتي تم افتتاحها مؤخراً لتدخل المنافسة مع باقي المدارس القريبة منها على طريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي، كانت تعمل لسنوات رئيسة لقسم الرياضيات بأحد المدارس التجريبية، إلى أن تم الإعلان عن وظيفة شاغرة في تلك المدرسة الجديدة، فتقدمت إليها على الفور، ونجحت في الحصول على النظارة..

الأستاذة إعتماد هي أم لثلاثة أبناء، شابين، وفتاة صغيرة، تزوج الشابين، وبقيت الفتاة لتنهي تعليمها الثانوي، تُوفي زوجها قبل ثلاثة أعوام، ومنذ وقتها و قد كرست حياتها لتراعي أبنائها، ولتكمل عملها الذي صار شاغلها الأكبر...

مرت الأستاذة إعتماد بإثنتين من العاملات بمبنى رياض الأطفال، ورمقتهما من خلف نظارتها الطبية بنظرات حادة قبل أن تتوقف عن السير أمامهما لتحدجهما بنظرات أكثر حدة و...
-إعتماد بنبرة شبه منزعجة وهي تشير بيدها: الرخام ده يتلمع كويس، والجاردن تتكنس، ومدخل المبنى يتمسح، مش كل يوم هافضل أعيد وأزيد معاكو
-روحية بنبرة مرتعدة: حاضر يا مِس اعتماد.

-ناصرة بنبرة عادية: يا مس إعتماد أنا نضفت الجاردن، بس الهوا هو اللي جاب ال آآ...
-إعتماد مقاطعة بنبرة غاضبة: ده مايخصنيش، أنا كل اللي يهمني ال Image ( صورة ) بتاعة السكول تكون على مستوى، احنا انترناشونال، مش حاجة أي كلام
-روحية وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع: طيب
-إعتماد بلهجة شبه آمرة، ونظرات محذرة: ربع ساعة وهاطلع أشوف اللي أنا قولته اتعمل ولا لأ
-ناصرة على مضض: ماشي يا مس.

ثم تركتهما وانصرفت، فرمقتها العاملتين بنظرات استنكار و...
-ناصرة بنبرة متشنجة: الولية دي مابتريحش نفسها، هاتك يا أوامر، واحنا مش هنرتاح منها أبداً
-روحية بنبرة متعصبة: الله يمسيها بالخير أبلة دولت، كانت زي النسمة معانا، لولا بس الظروف اللي حصلتلها كنا فضلنا زي ما أحنا عايشين في النعيم
-ناصرة بنبرة ضائقة: اه والله، بقالنا سنة في الغلب ده، ومش بنرتاح!
-روحية بنبرة ساخطة: والبعيدة مابتريحش نفسها أصلاً.

-ناصرة وهي تشير بيدها، وبنبرة عادية: طب يالا خلينا نخلص بدل ما نسمعلنا كلمتين في جنابنا منها، والواحد مش ناقص عكننة
-روحية وهي توميء برأسها إيماءة خفيفة: على رأيك
ثم إستأنفت كلتاهما بقية العمل وهما تتغامزان وتتهامسان بكلمات غير مفهومة..

في غرفة للمعلمات ملحقة بذات المبنى،
أرجعت رأسها للخلف وهي تقهقه عالياً، ثم اعتدلت في جلستها لتنظر إلى رفيقتها بأعين دامعة من كثرة الضحك و...
-ريمان بنبرة بشوشة: مش ممكن، انتي رهيبة
-عاليا بنبرة دافئة: عشان تعرفي بس
-ليلة بنبرة ضاحكة: يا بنتي، دي محدش أدها
أخذت ريمان نفساً مطولاً لتسيطر به على نوبة الضحك التي إنتابتها، و..
-ريمان بهدوء مصطنع: ارحميني شوية، هاموت من الضحك.

-عاليا مبتسمة، وبنبرة رقيقة: حاضر، عشان خاطرك بس.

ريمان قاسم هي فتاة مدللة في أوائل العشرينات من عمرها، تخرجت حديثاً من كلية التربية بالمملكة المتحدة كمعلمة للغة الإنجليزية، حيث قضت الخمس سنوات الأخيرة من عمرها بصحبة والدتها هناك لكي تكمل تعليمها الجامعي، وبعد أن تخرجت التحقت بالعمل في أحد المدارس الخاصة هناك لمدة عام، ثم عادت للقاهرة مجدداً لتستقر فيها، ومن ثم بدأت العمل بمدارس ( اللافانيا ) الدولية...

تمتلك ريمان بشرة قمحية تميل للبياض قليلاً، أما عينيها فهما خضراوتان، وذات أهداب كثيفة، في حين كان شعرها أسوداً حريرياً مع بعض التموجات المنتشرة في أطرافه، أما قوامها فكان إلى حد ما رشيقاً متناسقاً مع طولها المعقول...
رفيقتها المقربة هي عاليا راشد، والتي تخرجت من كلية رياض الأطفال لتعمل كمعلمة لمرحلة ما قبل التعليم الأساسي، برعت عاليا في مهنتها كثيراً، وأثبتت جدارتها منذ اليوم الأول..

انتقلت للعمل في مدارس ( اللافانيا ) الدولية عن طريق ما يسمى ب ( الإعارة الداخلية )، فهي تعمل في الأساس في مدرسة حكومية، وفي العام المنصرم أرسلت الإدارة التعليمية طلباً لمدرستها أفادت فيه بحاجة تلك المدارس الدولية لمعلمات رياض اطفال ذات كفاءات مميزة، فقام مدير المدرسة بترشيح اسمها للعمل، وبالفعل انضمت إلى فريق العمل الخاص بتلك المدارس لتدرس للأطفال مادة ( اللغة العربية )..

تمتاز عاليا بأن بشرتها خمرية ناعمة، وعينيها العسلية كالمها، تُحبذ النظر إليهما، وكما يُقال هي تجيد لغة العيون بهما، أما جسدها فهو رشيق، ورغم هذا فهي لا تبرز مفاتنها منه لأنها فتاة محجبة تراعي عند انتقاء ثيابها أن تختار الأنسب لها..

ثم دلفت إلى داخل الغرفة فتاة ثالثة، وعلى وجهها نظرات مرتبكة و..
-سارة بنبرة قلقة: بنات، مس اعتماد جت، خدوا بالكم
-ريمان وهي تلوي فمها في امتعاض: اووف، هي مش بتغيب خالص
-ليلة بتأفف: لأ طبعاً
-عاليا بنبرة استهجان: دي بتنزلنا في أجازة العيد، يعني استحالة تغيب لو الدنيا اتشقلبت حتى
-سارة على مضض: طيب خلاص، وطوا صوتكم لأحسن نبص نلاقيها فوق دماغنا.

-ريمان بهدوء مصطنع: كل واحدة تشوف وراها ايه لأحسن تيجي تعملنا فيلم على الفاضي.

سارة عصام الفتاة المحبوبة التي تآسر القلوب ببساطتها مع الجميع، هي خريجة كلية التربية، قسم اللغة الانجليزية، وقد التحقت بمدارس ( اللافانيا ) بعد تخرجها مباشرة، واستطاعت أن تضع اللمسة الخاصة بها من خلال عملها مع الأطفال..
هي فتاة محجبة، وذات ملامح وجه طفولية بريئة، ولكنها ناضجة في تفكيرها، عينيها بنيتان، وبشرتها بيضاء للغاية، وجسدها إلى حد ما متناسق مع طولها..

أدارت سارة رأسها في كل الإتجاهات بحثاً عن بقية زميلاتها، ثم..
-سارة متسائلة في حيرة: أومال بقية البنات فين؟
-ليلة بنبرة عادية وهي تشير بيدها: في الكانتين، بيشتروا أكل
-سارة وهي تزم شفتيها في تعجب: ممممم، طب هاتجيبوا أكل عشان الفطار ولا آآ...
-ريمان مقاطعة بجدية: أنا لأ، عندي انتفاخ ومحتاجة أخس شوية
-سارة بتهكم: هو انتي فيكي حاجة عشان تخسي!

-ريمان بنبرة اكثر جدية، وهي تضع يدها على معدتها: برضوه، أنا محتاجة أنزل كرشي شوية، مش معقول يبقى جسمي حلو، وطالعلي كرش
-عاليا بنبرة مازحة: ده عز يا بنتي، أي حد يسألك فلوسك بتروح فين، تردي بكل ثقة في كرشي طبعاً
-ليلة بنبرة ساخرة: وكله يهون عشان الكرش.

ليلة الأيوبي – خريجة كلية الآداب، قسم لغة إنجليزية – هي فتاة متواضعة، تعشق الكماليات، وتحبذ انتقاء كل ما هو غريب، ملامح وجهها بسيطة، ولكنها رغم هذا تمتلك شخصية قوية ومتفردة، عينيها عسليتان مليئتان بالدفء والحنان، ورغم قصر قامتها إلا أنها تهتم برشاقة جسدها، ودائماً ترتدي الأحذية ذات الكعوب العالية..

ارتدت ليلة الحجاب مؤخراً، وحاولت قدر الإمكان أن تجعل ذوقها الراقي في انتقاء الملابس يتناسب مع مظهرها الجديد..

ضحكت الفتيات على دعابة عاليا الأخيرة، ثم بدأن بالتحرك عن مقاعدهن، و انتشروا في أرجاء الغرفة ليستأنفن عملهن المعتاد...
ثم دلفت إلى داخل الغرفة فتاة رقيقة تحمل في يدها مفكرة ورقية صغيرة، ومدت يدها لتعدل من وضعية الحجاب المتدلي من رأسها و...
-أية بنبرة هادئة: هاي يا بنات
التفت إليها الجميع، وبادلناها التحية و...
-سارة بهدوء: يويو، منورة ال Staff Room ( حجرة المعلمين )
-ريمان بنبرة رقيقة: هاي عليكي.

-عاليا بنبرة مازحة وهي تلوح بيدها: يا هلا فيكي، إشلونك، شو أحوالك، شو تسوي
ابتسمت لهم أية ابتسامة مصطنعة، ثم..
-أية متسائلة بحيرة: أومال بقية البنات فين؟
-ليلة بصوت هاديء: في الكانتين
مطت أية شفتيها، ثم هزت رأسها قليلاً، و...
-أية بنبرة طبيعية: بقولكم كمان 10 دقايق مس اعتماد هاتعمل اجتماع في أوضة الملتميديا، محدش يتأخر، أوكي
-ليلة وهي تعقد حاجبيها في استغراب: ليه؟

-عاليا بنبرة محتجة: هي مش بتزهق، ما كانت لسه عاملة اجتماع من كام يوم
-أية وهي تتنهد في ارهاق: بصوا أنا ماليش دعوة، أنا ببلغكم باللي هي قالته
وضعت ريمان كف يدها على كتف ليلة، ثم رمقت أية بنظرات جادة، و...
-ريمان بهدوء: اوكي يا أية، احنا شوية وهنحصلك
-أية بنبرة شبه جادة: طيب ماتنسوش تبلغوا الباقي..
-سارة على مضض: طيب، أنا هاتصل بيهم، واخليهم يجولنا على هناك
-أيه بإيجاز: تمام...

في فيلا سرحان عليوه،
مرت السيارة عبر البوابة الحديدية بعد أن قام الحارس بفتحها، وإلقاء التحية على رامي، ثم قادها بحذر في اتجاه الجراج الخلفي الملحق بتلك الفيلا ذات اللون البيج الذي يسر الأنظار..
ترجل آياز أولاً من السيارة، واتجه ناحية صندوقها، ثم قام بسحب حقيبته للخارج، ومن ثم أغلق الصندوق..
أوقف رامي المحرك، وترجل هو الأخر منها، و..
-رامي بنبرة متشوقة، ونظرات ممعنة: ايه رأيك في الفيلا بتاعتنا.

-آياز بنبرة مرحة: أنا لحد الوقتي ماشوفتش غير الجراج، أديني فرصة أدخل جوا، واقول رأيي
-رامي مبتسماً وهو يغمز: اه صح، قولي أخبار مزز بره ايه؟
-آياز وهو يلوي فمه في امتعاض: هما دول بنات
اتسعت عيني رامي في ذهول، وعقد حاجبيه في اندهاش واضح، و..
-رامي وهو فاغر فمه في تعجب: يا شيخ! أما اللي عندك مش بنات، أومال تقول ايه على اللي عندنا؟ دول غفر ولاد عساكر يا إيزوو!

-آياز بنبرة محتجة، ونظرات ضيقة: مش للدرجادي يعني
-رامي بتهكم: واضح إن أمريكا غيرتك أوي، بكرة تشوف أشباه البنات، وتعرف إن أنا عندي حق
-آياز بنبرة غير مهتمة: مش هاتفرق، أنا جاي عشان أشتغل، مش فاضي للهري ده
-رامي بعدم اقتناع: هنشوف..
-آياز بجدية وهو ينظر حوله: خلينا ندخل، مش هانقضيها هنا.

قرع رامي الباب، وظل ملتفتاً إلى آياز يحدثه في بعض الأمور العامة إلى أن فتحت الخادمة الباب، وجحظت عينيها حينما رأت ذلك الشاب الوسيم الواقف إلى جوار ابن رب عملها، فاعتدلت في وقفتها، وظلت ملسطة عينيها عليه و..
-آياز بنبرة هادئة: Sure..
-رامي بصوت آجش: اوكي!
ثم استدار رامي برأسه ليجد وردة الخادمة تسد الباب بجسدها الممتليء، فحدجها بنظرات جادة و..
-رامي بنبرة جادة: وردة، انتي معايا، ولا!

-وردة بنبرة متحمسة: هه، رامي بيه، اتفضل
ظلت الخادمة وردة متسمرة في مكانها، ومحدقة في آياز بنظرات شرهة، فرمقها رامي بنظرات شبه منزعجة، في حين أشاح آياز بوجهه بعيداً عنها، فاعتلت ابتسامة عريضة وجهها و..
-رامي بنبرة شبه ضائقة: طب وسعي شوية يا وردة، ولا هنخترقك عشان نعدي
-وردة وهي تتنحنح في حرج: احم، لا مؤاخذة يا رامي بيه، أصل عقلي مش فيا
-رامي بتأفف: ليه يعني.

-وردة بابتسامة بلهاء: مش كل يوم بنشوف الحلويات دي، ده تقفيل برا يا رامي بيه
-رامي باستغراب شديد: نعم ياختي؟
-وردة بأريحية وهي تغمز بعينها: الشاب ال ( ألافرانكة ) اللي معاك ده
استدار آياز برأسه في اتجاه الخادمة وردة، ورمقها بنظرات حادة قبل أن يقاطع ب...
-آياز بنبرة شبه متشنجة: على فكرة أنا مصري، دي مين دي يا رامي؟!
-وردة بنبرة متلهفة وهي تضع يدها على صدرها: محسوبتك وردة، أنا الهاوس بيكر.

-رامي مصححاً بنبرة شبه ساخطة: هاوس كيبر ( House Keeper ) يا وردة، اتعلميها بقى، خدي الشنطة ووديها أوضة الضيوف
ثم مد يده إليها بالحقيبة، فتناولتها منه، وتنهدت في حرارة، ثم سارت في اتجاه الدرج..
زفر آياز في انزعاج، ثم وضع يده على كتف رامي، و...
-آياز هامساً وهو يشير بعينيه: ودي اتلمتوا عليها منين؟
-رامي بضجر: الحاج سرحان جابها من البلد عشان تخدم هنا
-آياز بعدم فهم: بلد ايه؟ أنا مش فاهم حاجة.

-رامي بنبرة عادية تحمل التهكم في طياتها: انت عارف إن المهندس سرحان غاوي يعمل الخير ويرميه للبحر، الدور ده بقى قال يجبيلنا قنديل البحر عشان يرازي فينا
-آياز بنبرة حائرة: برضوه مافهتمتش.

-رامي بنبرة متأففة: يعني هو حب يساعد بنت واحد من الفلاحين الغلابة اللي من بلده عشان تصرف على عيلتها، فشغلها خدامة هنا، ومن وقتها تقريباً إحنا اللي بقينا شغالين عندها مش هي، النصيبة إنها عاجبة أبويا، وبيقولك لهلوبة، ومالهاش زي!
-آياز بنبرة مدهوشة: غريبة
-رامي بنظرات منزعجة، ونبرة استنكار: أنا لو عليا كنت ( كَرَشتها ) من زمان
-آياز بنظرات ضيقة، ونبرة استغراب: ايه؟

-رامي بضيق: أقصد كنت طردتها، الله يحرقها، أثرت عليا بلكنتها بنت ال، دي!
ثم سمع كلاهما صوتاً أنثوياً مألوفاً يأتي من الأعلى، فرفع الاثنين رأسيهما عالياً و..
-سوزان بنبرة دافئة: إيزووو، حبيبي، حمدلله على سلامتك يا قلب خالتك
-آياز بنظرات حانية، ونبرة ناعمة: طنط سوزان، ازي حضرتك.

نزلت السيدة سوزان من على الدرج بخطوات متريثة، في حين سار آياز في اتجاهها، ثم توقفت أمامه، ونظرت إليه بحنو بالغ، وقامت بفتح ذراعيه لتحتضنه بشدة، ثم ابتعدت عنه و...
-سوزان بنبرة معاتبة: كل ده غياب، أنا زعلانة منك، ومن مامتك، خلاص نستونا
-آياز بنبرة عميقة: سوري يا طنط، انتي عارفة المشاغل هناك، وانا مكونتش فاضي وآآ...
-سوزان مقاطعة بعتاب: عاوز تفهمني ان معندكوش أجازات، لأ أنا مش مصدقة.

-آياز مبتسماً، وبنبرة دبلوماسية: على العموم يا طنط أنا رجعت خلاص، وناوي استقر هنا
-سوزان بنبرة متحمسة: بجد؟ ده خبر حلو أوي، أيوه كده فرحني
-آياز بنبرة متفائلة: اطمني، أنا كمان ناوي أدور على شقة وآآ..
-سوزان مقاطعة بجدية: شقة ايه، انت هاتقعد معانا هنا يا إيزوو
-آياز بإعتراض: لأ مش هاينفع، أنا مش باحب أفرض نفسي على حد أو آآ..
رفعت سوزان يدها في وجه آياز لتجعله يكف عن الكلام، ثم..

-سوزان بصرامة: الكلام ده مش عاوزة أسمعه، انت هاتقعد معانا خلاص، وبعدين عمك سرحان هيفرح أوي لما يشوفك، ولا انت الغربة غيرتك علينا
-آياز نافياً: أبداً، أنا زي ما أنا
-سوزان بابتسامة دافئة: يبقى متفقين، ده بيتك، واتصرف فيه على راحتك
-رامي غامزاً: أيوه يا عم، مين أدك..
-آياز بنبرة مغترة: طبعاً، أنا ماليش زي
-سوزان بنبرة صافية: روح ارتاح انت يا إيزووو، وشوية وهتلاقي الفطار جاهز..

-آياز مبتسماً في امتنان: شكراً..
ثم تركتهما وانصرفت في اتجاه المطبخ، فمال آياز برأسه على رامي و...
-آياز بنبرة إعجاب: مامتك لسه زي ماهي، حنية وطيبة، ماتغيرتش..!
-رامي وهو يوميء برأسه: أيوه، شبه سِتك ( جدتك ) الله يرحمها
-آياز مبتسماً: الله يرحم الجميع
حضرت الخادمة وردة إلى الردهة، ولم تكف عن التحديق في آياز بنظرات عاشقة، في حين لوى هو فمه في انزعاج، و..

-وردة بنبرة متلهفة: أني جهزت الأوضة لسي آآآ، ألا انت اسمك ايه يا حليوة
-آياز بنبرة تحمل السخرية: آياز يا ( فلاور )
-وردة ببلاهة: إزاز
-آياز بضيق: نعم؟
-رامي بنبرة شبه غاضبة: إزاز مين يا هبلة انتي، بقولك اسمه آياز، آياز..!
فتحت الخادمة وردة فمها وكأنها فهمت ما قاله، ثم..
-وردة ببراءة: ياختي حيلوة، وده معناتوه ايه؟
-رامي بسخط: باردة
-وردة وهي تعقد حاجبيها في عدم فهم: لأ أني سُخنة، وحرانة، وعاوزة آآآ...

-آياز مقاطعاً بضيق: ششش، تعرفي تسكتي شوية يا فلاور انتي
-رامي بتهكم: هي فاهمة معنى اسمك لما هتناديها بفلاور
-وردة مبتسمة في سعادة: إنت بتدلعني يا أبيضاني، والنبي طالعة من بؤك اشطا يا أزاز بيه
-رامي بسخط: هي لزقتك في دماغها، مش هانعرف نغيرها ولو عملنا ايه، أنا من الأول قايل دي مخها متركب شمال، تعالى يا أزاز، قصدي يا آياز معايا.

في مبنى رياض الأطفال بمدارس اللافانيا الدولية،
جلست المعلمات متأهبات في غرفة الاجتماعات، وبدأت الهمهمات الجانبية بينهن إلى أن ساد الصمت فجأة في أرجاء المكان حيث دلفت الأستاذة إعتماد بوجهها - دائم التجهم- إلى داخل الغرفة و...
-اعتماد بنبرة رسمية، ونظرات حادة وضيقة: صباح الخير
-الجميع بهدوء: صباح النور مِس إعتماد
سحبت الأستاذة إعتماد المقعد الجلدي، وجلست على رأس طاولة الاجتماعات، و...

-اعتماد بنبرة جادة: فاضل اسبوعين يا بنات على الدراسة، وأنا عاوزة مقترحاتكم ل ( اليوم الأول )، عاوزين نستقبل الأطفال بشكل جديد
-ريمان بنبرة عادية: احنا ممكن نعمل ألعاب ترفيهية ليهم
-ليلة مقترحة بهدوء: ممكن نجيب العرايس الكبيرة زي ( بين تن، ودورا، ومينيون ) والشخصيات المشهورة، بيتهيألي هيحبوها
-سارة وهي توميء برأسها: صح يا مِس اعتماد، الأطفال فعلاً بيحبوا يلعبوا معاهم، وكمان ممكن نجيب هدايا.

-عاليا بنبرة متحمسة: كمان ممكن نعمل يوم رياضي، هاتبقى حاجة خفيفة أوي
مطت الأستاذة اعتماد شفتيها في اقتناع، ثم هزت رأسها قليلاً، ورفعت أحد حاجبيها في جدية و..
-اعتماد بنبرة جادة: تمام يا بنات، مس أية، اكتبي ده كله في ورقة الاجتماعات، وأنا هاعمل تصويت على المقترحات كلها، ونشوف الأفضل ايه ويتنفذ فوراً
-أية وهي توميء برأسها ايجابياً: اوكي
ثم تنحنحت السيدة اعتماد، واعتدلت في جلستها أكثر و...

-اعتماد بجدية: طبعاً كلكم عارفين إن زميلتنا مس ريهام اتجوزت، وقدمت استقالتها، ومكانها بقى فاضي هنا في ال ( كي جي )، فمتوقع إن ينضم لينا زميلة جديدة على أخر الاسبوع
-ليلة متسائلة بنبرة عادية: هو حضرتك هاتعملي انترفيو ( مقابلة )؟
-اعتماد بنبرة رسمية: شور
-ريمان بنبرة طبيعية: ينفع أقول لكام حد أعرفه يجي يقدم
-اعتماد بجدية: مافيش مانع مس ريمان، بس لازم تتأكدي إن مستواه يليق بينا.

-ريمان مبتسمة في حماسة: Of course مس اعتماد
ثم استدارت برأسها قليلاً في اتجاه أية ( سكرتيرة مكتبها )، و..
-اعتماد بنبرة ثابتة: مس أية أتأكدي إن اعلان ال New Teacher ( المعلمة الجديدة ) نزل على موقع المدرسة، مش عاوزين غلطة
-أية بخفوت: اوكي..
-عاليا بنبرة هادئة: أنا أعرف بنت كويسة يا مس اعتماد، ينفع أخليها تيجي الانترفيو؟
-اعتماد بجدية: مستواها ايه يا مس عاليا؟

-عاليا وهي تمط شفتيها في حيرة: ممم، يعني كويسة، زينا تقريباً
-اعتماد بصرامة، ونظرات ضيقة: مافيش حاجة اسمها يعني عندنا، في ممتاز يليق بينا، أو لأ ماينفعش، احنا مدارس دولية مش مدرسة حكومي على الطريق، أظن كلامي واضح...!
لوت عاليا شفتيها في انزعاج، وأطرقت رأسها للأسفل في حرج، بينما أكملت الأستاذة اعتماد باقي جدول اجتماع اليوم..

في غرفة آياز بالفيلا،
تمدد آياز على الفراش، وعقد ساعديه خلف رأسه، ثم..
-آياز متسائلاً بنبرة جادة: ها قولت ايه؟
حدجه رامي بنظرات استغراب، ثم جلس على طرف الفراش، وقام بثني ركبته أسفل منه، و...
-رامي بنبرة معترضة: لأ طبعاً، انت مجنون
-آياز بهدوء: لأ أنا بتكلم جد
-رامي بتأفف: يا عم بطل الهبل ده، محدش هايقبل باللي انت بتقوله، أصلاً مافيش راجل فيكي يا مصر عمل كده.

اعتدل آياز في جلسته، ثم رمق رامي بنظرات متحدية و..
-آياز بنبرة مهتمة: ليه يعني؟ دي حاجة عادية عندنا على فكرة، ورجالة كتير بيشتغلوها، أنا كمان عامل الماستر بتاعي فيها وآآ...
-رامي بجدية: معلش برا حاجة، وهنا حاجة تانية خالص
-آياز بتحدي: وأنا عاوز أثبت نفسي هنا.

-رامي على مضض: صدقني محدش هايقبل باللي انت بتقوله ده، أصلاً مش هتلاقي مدرسة تشغلك، انت عارف لو كنت مدرس أي حاجة تانية هتتخطف خطف، وخصوصاً إن انت معاك جنسية ولغة، يعني فرصة لأي حد
-آياز بإصرار: أنا هادور، وأكيد هلاقي المناسب ليا
-رامي مقترحاً بهدوء: طب ما تشتغل مدرس Science ( علوم ) ولا ماث للعيال الكبيرة، أو حتى بتاع ألعاب، وش هتشتغل.

-آياز بغرور: أنا مدرس كي جي، مش أي حاجة تانية، وكمان أنا مرضهاش لنفسي
-رامي باعتراض، ونظرات ضيقة: ولا أنا أرضهالك..
ثم اقترب رامي منه، ووضع يده على فخذه، وربت عليه في جدية و..
-رامي بنبرة محذرة: يا بني انت وظيفتك هاتبقى عاملة زي الدادة بالظبط
ضيق آياز عينيه في استغراب شديد، ثم...
-آياز بتأفف: افندم؟ دادة!

-رامي بتهكم: أيوه، اومال انت مفكر ايه، معروف في مصر إن مدرسات الحضانة دادات للعيال، لا شغلة ولا مشغلة، أخرتهم يشطفوا وينضفوا ريالة العيال
-آياز باعتراض شديد: انت غلطان، دي أهم وظيفة عندنا في ال US، ومش أي حد بيشتغلها، بالعكس لازم يكون teacher المرحلة دي متخصص أوي، وعامل دراسات عليا وآآآ...

-رامي مقاطعاً باستخفاف: كل اللي انت بتقوله ده حلو بس عندكم، لكن هنا لأ، محدش بيشتغل في الحضانات غير المدرسات السَكَة والتعبانين، لكن ماعمريش الصراحة شوفت راجل شغال مدرس كي جي..!
-آياز بحزم: أنا خدت قراري خلاص، ومن بكرة هاشوف الموضوع ده
-رامي بنبرة إحباط: صدقني مش هتلاقي، أنا واثق من اللي بقولهولك، بلاش تتعب نفسك على الفاضي
-آياز بضيق: سيبني أخد فرصتي.

-رامي بجدية: مش هتلاقي فرصة، طب أنا عندي اقتراح حلو، ما تفكك من جو المدرسة والمدرسين الفقر ده، وتعالى اشتغل معانا في معرض العربيات، والله مافيش أحلى من كده، روقان بال، وحاجة أخر جمال
-آياز باعتراض: مش هايحصل!
ثم نهض عن الفراش، وسار في اتجاه الشرفة، ووضع يده في جيبي بنطاله، وحدق أمامه في الفراغ، و..
-آياز بنبرة عازمة: أنا مش هاكون غير مدرس كي جي وبس...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة