قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية راسين في الحلال للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

بعد مرور يومين، تزاحمت عشرات الفتيات أمام بوابة مدارس اللافانيا الدولية من أجل ملء طلب الالتحاق بالمدرسة، فقد انتشر الخبر سريعاً عبر صفحات التواصل الإجتماعية عن وجود وظيفة شاغرة لمعلمة رياض أطفال، وبالفعل توافدت الكثيرات من أجل المنافسة والفوز بتلك الوظيفة ذات الراتب المجزي..

شعرت عاليا بالضجر نتيجة الضوضاء العالية والمتسببة من ثرثرة المتقدمات بطلب الالتحاق بتلك الوظيفة، فقد كانت غرفة المعلمين قريبة من الاستقبال، ونتيجة التزاحم اضطرت بعض الفتيات أن تقف في الحديقة الملاصقة للغرفة، فبدى الصوت اكثر إزعاجاً و..
-عاليا بتذمر: اوووف، مش هانخلص، كل يوم دوشة
-ريمان بهدوء: ما انتي عارفة لازم مس اعتماد تجيب حد جديد قبل ما الدراسة تبدأ.

-عاليا بضيق: أنا قولتلها اجيب حد أعرفه من دفعتي بس هي مرضتش، عاوزة يكون متخصص في اللغة
-ريمان بجدية: هي عندها حق، احنا مدرسة دولية، ولازم يكون ال staff على قدر من الكفاءة
-عاليا بإنزعاج وهي ترفع أحد حاجبيها: طب ما أنا البنت اللي هاتقدم شاطرة جداً وآآ...
-سارة مقاطعة بنبرة متأففة: يخربيت كده، شوية متخلفين واقفين برا
-ريمان متسائلة بحيرة: في ايه يا سارسوورة؟ مالك مضايقة من ايه؟

-سارة بزمجرة، ونظرات حادة: يا ريموو البهايم اللي واقفين برا عمالين يتنططوا عليا وأنا بفهمهم ازاي يكتبوا استمارة التقديم، كل واحدة عمالالي انها سفيرة ولا وزيرة وفاهمة، وهي مخها مايفرقش عن ال shoes اللي هي لبساه
-عاليا بنبرة يائسة: بس ياختي عاجبين أبلتك، وطالعة بيهم السنة
-سارة بتهكم: بكرة نشوف هايعملوا ايه في الديمو، وساعتها هتعرف انهم ريش على مافيش!
ضحكت الفتيات على دعابتها الأخيرة، و...

-ريمان بنبرة مازحة: انتي فظيعة، بتجيبي مثل لكل حاجة، يا الله عليكي
-سارة بضيق: سبيني أفك عن نفسي شوية
-عاليا بجدية: بقولكم ايه أنا هاروح أقعد شوية في الكانتين، ماتيجوا بدل الدوشة اللي هنا دي
-سارة وهي توميء برأسها، وبنظرات مشرقة: اشطا أنا معاكي
ثم استدارت برأسها ناحية ريمان، وأشارت لها بيدها و..
-سارة بنبرة متحمسة: يالا يا ريموو، مالهاش لازمة الأعدة هنا
-ريمان معترضة: بس أنا لسه مخلصتش تحضير وآآ...

أمسكت سارة بذراع ريمان، ثم قامت بجذبها عنوة من على المقعد و..
-سارة مقاطعة بإصرار: نبقى نكمله بعدين، لسه اليوم عندنا طويل
-ريمان مبتسمة ابتسامة خفيفة: اوكي، ماشي.

عند منطقة الاستراحة الملحقة بالمدارس،
دلفت فتاة ما نحيفة خارج المقصف المخصص لشراء الأطعمة المغلفة والحلوى وهي ممسكة بحقيبة بلاستيكة ممتلئة عن أخرها بالحلوى والعصائر، ثم تهادت في خطواتها إلى أن اقتربت من طاولة بيضاء مثبت بها مقاعد خشبية على الجانبين، وانضمت إلى باقي رفيقاتها، ثم ناولتهن الحلوى و...
-رانيا بنبرة رقيقة: كل واحد يشوف كان طالب ايه، أنا جبتلكم كل حاجة من عند أحمد.

-نشوى بنبرة عادية: أنا كنت طالبة شيكولاته، وعصير
-سحر متسائلة بجدية: مافيش شيبسي؟
-رانيا وهي تهز رأسها بالنفي: لأ
-سحر وهي تلوي شفتيها في ضيق زائف: اووف، اومال أحمد عنده ايه بالظبط
-فريال بمزاح: معندوش إلا بسكويت ماري للأطفال.

ضحكت الفتيات عالياً على طرفتها، في حين لمحت رانيا من زاوية عينها بعض المعلمين الذكور وهم يقتربون منهن، فانتصبت في جلستها، وبدأت تعبث بخصلات شعرها وكأنها لا تكترث، ولكنهم مروا بهن دون أن يلقوا التحية، فامتعض وجهها، ولوت فمها في استنكار، ثم استدارت برأسها لتراقبهم وهم يدلفون إلى داخل المقصف، ثم عاودت النظر في اتجاه رفيقاتها و..
-رانيا متسائلة بنزقٍ: أومال مافيش رجالة شغالة عندنا في الكي جي ليه؟

-نشوى معترضة بشدة: انتي هبلة! مافيش الكلام ده عندنا
-رانيا بعدم اقتناع وهي تقطب جبينها: ليه يعني؟!
-فريال بنبرة شبه ساخرة: لأن الكي جي عندنا عامل زي ال ( حرملك ) بتاع السلطان، مُحرم علينا وجود أي راجل هناك
-رانيا بنظرات مصدومة، ونبرة متشنجة: نعم! أومال بس مدرسة دولية، ومدرسين، وهانتجوز، وفي الأخر أشتغل مع بنات زيي، أل وأنا اللي كنت معشمة نفسي هاطلع بعريس من هنا.

-نشوي وهي تلوي فمها في استخفاف: يبقى تنسي
-سحر بنبرة جادة: الكي جي عندنا معروف عنه إنه فقر وبيجيب النحس لأي حد، فعشان تتجوزي لازم تطلعي ال grades ( المراحل الأعلى )
اتسعت عيني رانيا في صدمة أكبر، وفغرت شفتيها في ذهول ممزوج بالضيق و...
-رانيا بإحباط: لأ بجد كده كتير، يعني لا جواز، ولا رجالة!

في فيلا سرحان عليوه،
في غرفة آياز بالطابق العلوي،
ألقى آياز بجسده المرهق على الفراش بعد أن قضى يومين في البحث عن وظيفة معلم رياض أطفال، ولكنه لم يوفق على الإطلاق...
تنهد هو في تعب، ثم أغمض عينيه ليتذكر كيف جرت المقابلات مع مدراء المدارس التي تقدم لها، فبالرغم من كونه معلم كفء، وذو خبرة عالية في مجاله، إلا أن الرد كان واحداً له ( حضرتك معندناش وظيفة مدرس كي جي، الوظيفة دي للستات وبس ).

اعتدل هو في نومته، ثم ضرب الفراش بقبضة يده و...
-آياز بحنق، ونظرات مشتعلة: ايه التخلف ده، هما مفكرين إني مش هاقدر أشتغل، ده أنا عامل ماستر فيها، أوووف!
ثم سمع صوت طرقات على باب غرفته، فنهض من على الفراش، وسار في اتجاه الباب، وقام بفتحه، فوجد الخادمة وردة تقف أمامه وعلى وجهها ابتسامة سخيفة و...
-وردة بنبرة متشوقة، ونظرات حالمة: هيييح، أعملك وَكل يا أزاز بيه.

-آياز بعدم فهم بعد أن لفظت اسمه بطريقة خاطئة: نعم؟
-وردة وهي تضع يدها بالقرب من فمها، وبنبرة مهتمة: يعني مام، هام، تاكل يا بيه
-آياز وهو يعيد رأسه للخلف، وبحزم: أها، لأ
-وردة بضيق زائف: ليييه بس، ده أنا عليا نفس في الوكل، بنات البندر كيلاتهم بيحسدوني عليه، دوق انت بس وهتصدق
-آياز بتذمر: فلاور، بليز، أنا تعبان ومش ناقص وجع دماغ
-وردة بإصرار، ونظرات فضولية: طب ما تقولي، مش يمكن أريحك.

-آياز وهو يزفر في ضيق: يوووه، واضح انك Stupid ( غبية ) ومش بتفهمي
-وردة فاغرة شفتيها في بلاهة: هاه
ثم وضعت أصابع يدها على مقدمة رأسها تحكها في عدم فهم، واطرقت رأسها قليلاً للأسفل، فلمحت ( شبشباً ) مقلوباً، فشهقت فزعاً، ولطمت على صدرها و...
-وردة بنبرة مرتعدة، ونظرات مذعورة: يا نصيبتي
استدار آياز برأسه إلى حيث حدقت وردة بعينيها، ثم عاود النظر إليها وعلى وجهه علامات الترقب الممزوجة بالحيرة و...

-آياز بقلق، ونظرات متوجسة: What؟
-وردة بنبرة منزعجة: الشبشب مقلوب، حرام يتساب كِده، ده فال وحش
-آياز بنظرات ضيقة، وصوت خشن: افندم
-وردة وهي تزم شفتيها في قلق: أصلي يا سي أزاز لما حد مننا يشوف شبشب مقلوب لازم يعدله لأحسن يجيله النحس والفقر والغلب وال، آآآ...

لم ينتظر آياز طويلاً لكي تكمل وردة تخاريفها الغير مقبولة بالمرة، حيث صفق الباب في وجهها بعد أن رمقها بنظرات ساخطة، ثم عاد لفراشه وألقى بنفسه مجدداً عليه، وظل يتنهد في انزعاج..
لمح بطرف عينه جهاز الحاسوب النقال الخاص به موضوعاً على الكومود، فمد يده ليمسك به، ثم فتحه، واخذ يتنقل بين صفحات التواصل الاجتماعية المختلفة متفقداً الرسائل الإلكترونية، وأخر الأخبار..

في معرض عليوه للسيارات،
تراجع رامي بمقعده الجلدي للخلف بعد أن أداره ليواجه ذلك الحائط الزجاجي الذي يكشف الطريق من خلفه، وعَدَل من هاتفه المحمول الموضوع على أذنه، ثم اطلق ضحكة عالية من فمه قبل أن يتشدق ب...
-رامي هاتفياً بنبرة متحمسة: يا رودي أنا وعدتك، يبقى وشTrust me
-رودينا هاتفياً بنبرة محبطة: لأ، انت always ( دايماً ) بتشتغلني، وأنا معنتش هصدقك.

-رامي بإصرار: يا بيبي، انتي اللي في القلب، وأنا مستعد أصلح غلطتي، وأعزمك في المكان اللي انتي تختاريه النهاردة
-رودينا وهي تمط شفتيها في دلال: مممم، اوكي، بس بشرط تجيبلي كمان هدية
-رامي بثقة، ونظرات مغترة: شوور ( طبعاً )
ثم أنهى المكالمة الهاتفية معها، وقام بإطلاق سبة، و...

-رامي بإمتعاض، ونظرات متوعدة: بنت ال، هاتشتغلني، مفكراني عيل سوكو بوكو هايف مش فاهم حاجة، ده أنا شائطها من الواد حازم، بالليل هاعمل معاها الصح، وأفضحها قصاد الكل، ماهو اللي زيها لازم يتربى كويس...!
ثم دلف إلى مكتبه والده المهندس سرحان، ذاك الرجل المنمق في ملابسه، وأيضاً في أسلوبه في التعامل مع الأخرين..
عدل المهندس سرحان من وضعية نظارته الطبية الفاخرة، وجلس على المقعد المقابل لمكتب ابنه، و...

-سرحان بصوت آجش: رامي، عاوزك تسافر اسكندرية للمعرض التاني تتابع العمال هناك
-رامي بإستغراب: طب ما تبعت يا بابا أي حد، أنا مش فاضي
-سرحان بجدية، ونظرات حادة: ده معرضنا يا بني، مالنا ولازم نخاف عليه، انت معندكش دم، إزاي اسيبه كده من غير ما أسأل
-رامي بعدم اكتراث: أنا مش فاضي، ورايا مشاغل
-سرحان بحنق: وانت من أمتى بتفضى غير للسبق والمنظرة.

-رامي وهو يزفر في انزعاج: يعني حضرتك عارف إني مش بتسرمح ولا بقضيها، أنا بحب السباق أوي، وعندي رالي عاوز أشترك فيه، فمش هاضيع وقتي في اني اتابع شوية عمال بيبلطوا ولا بيمحروا
نهض سرحان عن المقعد، ثم ضرب سطح المكتب الزجاجي بقبضة يده بقوة، وحدج ابنه بنظرات شرسة قبل أن يردف ب...
-سرحان بنبرة غاضبة: هاتروح غصب عنك، أنا مش بهزر في الشغل.

نهض رامي عن مقعده الجلدي، وقبل أن يفتح فمه للرد على والده، سمع كلاهما طرقات خفيفة على باب المكتب، أعقبها دخول سكرتيرة حسناء المظهر، فاكتفى الاثنين بالصمت، ثم جلس سرحان على مقعده، بينما ظل ابنه واقفاً ومحدقاً في السكرتيرة..
-علا بنبرة رقيقة وهادئة: مستر رامي، ممكن أخذ اذن ساعتين وأرجع
-رامي متسائلاً باقتضاب: ليه؟

-علا وهي تتنحنح في خجل: احم، اصل أختي رايحة تقدم على شغل في مدرسة لافانيا الدولية، وهي كانت أعدة بالبيبي بتاعي، بس مش هاينفع تسيبه لوحده وتنزل، فلو أمكن أروح مكانها لحد ماهي تقدم ال application ( طلب التوظيف )!
لوي رامي فمه، ثم أدار رأسه قليلاً للجانب، ولم يجبْ عليها، فشعرت علا بالحرج من تكرار طلبها مجدداً، فاستدارت برأسها ناحية والده لعله يمنحها الإذن، وأصابت الاختيار حيث بادر ب...

-سرحان متسائلاً بجدية: وهي اختك شغالة مدرسة؟
-علا بنبرة مهتمة: اه يا مستر سرحان، هي خريجة كلية البنات
-سرحان متسائلاً بإهتمام: وهي مدرسة ايه؟
-علا بنبرة متلهفة: انجليش لطلبة اعدادي، بس هي مش فارق معاها تشتغل أي حاجة إن شاء الله مدرسة كي جي
أثارت عبارة علا الأخيرة انتباه جميع حواس رامي، فرمقها بنظرات متفرسة و...
-رامي متسائلاً بجدية: هما عاوزين مدرسين في المدرسة اللي انتي قولتي عليها؟

-علا بإيجاز وهي توميء برأسها: ايوه
-رامي متسائلاً بفضول أكثر: تخصص انجليش ولا كي جي؟
-علا بنبرة هادئة وناعمة: الاتنين
-رامي بحيرة: يعني هما عاوزين مدرسين للمرحلتين
هزت علا رأسها بالنفي، ثم رمقت رامي بنظرات ثابتة قبل أن تتشدق ب..
-علا بحماس: لأ يا مستر رامي، هما عاوزين مدرسة كي جي تكون تخصص انجليش، وبمرتب عالي، واختي شايفة انها فرصة بالنسبالها عشان تقدم يمكن تقبل.

استغرب سرحان من اهتمام ابنه المفاجيء بالسؤال عن طبيعة تلك الوظيفة الشاغرة، ولكنه لم يعقب، استمر رامي في تقصي بعض المعلومات عن طبيعة تلك الوظيفة والمدرسة، ثم في النهاية وافق على إعطائها الإذن..
دلفت السكرتيرة علا خارج المكتب وهي تنظر بإمتنان لرب عملها، في حين رمق سرحان ابنه بنظرات حادة و..
-سرحان بجدية: ممكن أفهم انت بتسأل علا كل الأسئلة دي ليه
-رامي مبتسماً في لؤم: عشان آياز
-سرحان بعدم فهم: آياز!

-رامي بنبرة واثقة: لأنه أكتر واحد هيفرح أوي لما يعرف إن وظيفة أحلامه موجودة
-سرحان بنظرات مصدومة، ونبرة متعجبة: هو آياز عاوز يشتغل مدرس حضانة؟
-رامي بإيجاز: ايوه
-سرحان بإمتعاض، ونظرات استخفاف: اتهبل ده ولا ايه! مايشتغل اي حاجة تانية، ولا هي الوظايف خلصت عشان يشتغل بتاع حضانات
-رامي وهو يلوي فمه في تأفف: عاجباه يا بابا، متمسك إنه يكون مدرس كي جي، أل ايه ده حلم حياته انه يبقى كده.

-سرحان بإستنكار: الكلام ده عنده في أمريكا، مافيش الكلام ده في مصر، الظاهر إنه مفكرها مسألة سهلة وعادية
-رامي بصوت خشن: والله قولتله الكلام ده، وهو راكب دماغه، وبقاله يومين أخدها كعب داير بيدور على شغلانة مدرس في حضانة، ومحدش موافق
-سرحان بهدوء: عندهم حق، هو في راجل يستحمل قرف العيال، عقله انتبس وخليه يجي يشتغل معانا في المعرض بدل التخاريف الفاضية اللي في دماغه.

-رامي بنبرة إحباط: والله أنا غلب حماري معاه، ان قدرت تكلمه يا بابا تبقى عملت فيه وفيا أكبر معروف
-سرحان بنبرة عازمة: انا هاكلمه وهاخليه يرجع عن الفكر الغبي ده
-رامي مبتسماً في مزاح: تبقى معلم بصحيح يا بشمهندس لو عملت كده فعلاً
-سرحان بنبرة ساخطة: اتلم يا وَلَد
-رامي بحماس، ونظرات متفائلة: حاضر، المهم هاسيبك أنا وألحق أروح لآياز أبلغه بالخبر ده، يمكن تضرب معاه.

-سرحان بعدم اقتناع: والله انت أهبل أكتر منه، ده بدل ما تشوف مصالحنا
-رامي بإيجاز: بعدين يا بابا عن اذنك
ثم أخذ رامي سلسلة مفاتيحه، ودلف إلى خارج المكتب بخطوات سريعة..

في غرفة المعلمات بمدارس اللافانيا،
توقفت معلمتين أمام الغرفة وهما ممسكتان ببعض الكتب الدراسية، و...
-ميادة بجدية وهي تنظر إلى محتوى الكتاب: شوفي ده، بيتهيألي هيبقى مناسب
-هناء بنظرات حائرة، ونبرة شله جادة: مش عارفة بصراحة، بس هو مختلف عن بتاع السنين اللي فاتوا
-ميادة بنبرة متحمسة: ده الإصدار الجديد للمنهج، أنا شايفة انه هايكون مفيد أوي.

-هناء بتوجس: بس تفتكري مس إعتماد هتوافق على إننا نبدل المنهج وهو لسه مافتش عليه كتير
-ميادة بنبرة عازمة: والله لو أصرينا على ده ممكن توافق
-هناء وهي تمط شفتيها في امتعاض: معتقدش إنها هتوافق، دي دماغها صعب أوي.

ميادة عبد العزيز هي معلمة كفؤ، ومن أمهر من تولى مهنة التدريس في مبنى رياض الأطفال، ورغم إصرار الإدارة على نقلها للمراحل العليا، إلا أنها رفضت، وفضلت البقاء في مبنى رياض الأطفال كمعلمة أولى للغة الإنجليزية..
لم يحالف ميادة الحظ في الزواج رغم تقدم الكثيرين لخطبتها، ولكنها كانت تبحث عن الشريك المثالي الذي يضيف إليها، وليس ذلك الزوج العادي الذي يصبح – لاحقاً – عبئاً عليها..

بينما زميلتها المقربة هي هناء حافظ، فتاة متخرجة حديثاً، وتعمل بكل جهد لتطوير نفسها، تم خطبتها مرة واحدة، ولكن للأسف لم يكتمل مشروع الزواج بسبب ظروف العريس المادية المتعسرة..

ثم وجدت كلتاهما من تقاطع حديثهما الجانبي، فالتفتا بفزع على إثر صوتها الصارخ ب...
-إعتماد بغضب عارم، ونظرات مستشاطة: ده اسمه إهمال، والكل هيتحاسب على ده
-ميادة بقلق، ونظرات ضيقة: في ايه يا مس اعتماد؟
-هناء بتوجس: ايه اللي حصل يا مس اعتماد؟
-إعتماد بإنفعال شديد: علبة المناديل الخشب الجديدة مش موجودة في مكانها
-ميادة بنظرات جاحظة، ونبرة مندهشة: نعم!
-هناء بنبرة مدهوشة، ونظرات متسعة: هاه.

-إعتماد بعصبية تحمل التهديد: لو العلبة مظهرتش خلال ساعة واحدة، الكل هيتحول للتحقيق...!
-ميادة متسائلة بدهشة: طيب نفهم بس يا مس اعتماد إيه الموضوع عشان نتصرف
-إعتماد بإنفعال شديد: هافضل أعيد في كلامي عشان تفهموا!
-هناء فاغرة شفتيها في ذهول: الله!
ثم تركتهما وانصرفت وعلى وجهها علامات الغضب الممزوجة بالعصبية..
حدقت كلتاهما في بعضهما البعض في استغراب، و...
-هناء متسائلة بتعجب: مالها دي.

-ميادة بجدية، ونظرات ضيقة: الظاهر إن الموضوع فيه سرقة
-هناء بدهشة: سرقة! دي مناديل
-ميادة بنبرة متمهلة: مش عارفة، بس طالما هايتعمل تحقيق يبقى فيه اشتباه في سرقة
-هناء مازحة: طب يا شارلوك هولمز مين بقى اللي سرقها
-ميادة بإيجاز: هيبان، بس لازم نبلغ البنات باللي حصل
-هناء بتنهيدة: اوكي.

انتشر خبر فقدان علبة المناشف الورقية – والمصنوعة من الخشب – في مبنى رياض الأطفال بالمدارس كسرعة البرق، واجتمعت جميع المعلمات في الغرفة الخاصة بهن للترتيب من أجل عملية البحث عنها، وأصبحت أصواتهن عالية وتداخلت بسبب المناقشات والهمهمات الجانبية، فنهضت ريمان عن المقعد، ورفعت يديها عالياً في الهواء لتلوح بهما و..
-ريمان بنبرة عالية: يا بنات، اسمعوني!

انتبه الجميع لها، وبدأت أصواتهن تنخفض تدريجياً، فتابعت هي ب...
-ريمان بجدية: واضح كده إن محدش فينا شاف العلبة دي وآآ...
-عاليا مقاطعة بنبرة جادة: على فكرة ممكن يكون حد من اللي جه يقدم في المدرسة أخدها
-هناء بنبرة عادية: ده وارد برضوه
-ريمان بنبرة مستفسرة: طب واللي هايخدها هايعمل بيها ايه؟
-ميادة بإمتعاض: مش عارفة، بس الواضح إن الموضوع ده مهم أوي عند مس اعتماد.

-عاليا بإستنكار واضح: يعني سابت كل حاجة بتحصل، ومركزة في اللي سرق شوية مناديل، ولا علبة فاضية
-رانيا وهي تلوي شفتيها في استهجان: أنا عارفة، بس أهو جالبلنا الكلام مع اللي ما تتسمى
-نشوى بإنزعاج: ايوه، على رأيك، بوز الإخص دي ما بتصدق تلاقي بلوى وتلبسها لأي حد
تنحنحت سارة بصوت عالي، ثم قامت بتقليد نبرة صوت الأستاذة إعتماد و...

-سارة بنبرة مقلدة: إنتي مقصرة يا مس نشوى، إزاي تسيبي العلبة تضيع، لافت نظر بسرعة، نقول خصم من المرتب، نخليها رفد أحسن
ضحكت الفتيات على طريقة سارة في تقليدها، في حين تابعت ليلة ب...
-ليلة بمزاح: أه لو شافتك يا سارة، هتلبسي وش في الحيط.

تعالت قهقات الفتيات عالياً، وتحول الأمر إلى مزاح هزلي، ثم لمحت إحداهن الأستاذة اعتماد وهي تأتي من بعيد، فأشارت لهن بالهدوء، فإدعين جميعاً أنهن يبحثن عن طريقة لإيجاد العلبة..
وقفت الأستاذة إعتماد أمام باب الغرفة، ثم رمقت الجميع بنظرات متفحصة، في حين ساد الصمت أرجاء الغرفة و...

-إعتماد بنبرة متصلبة، ونظرات جادة: سوري يا بنات، أنا لاقيت العلبة، كانت واقعة ورا الاستاند اللي في الريسبشن، معلش انتو عارفني مش بحب حاجة تضيع، يالا أسيبكم تكملوا شغلكم بلاش عطلة، وضياع وقت على الفاضي...!
ثم تركتهم وانصرفت ببرود مستفز، فتحولت نظراتهن جميعاً إلى سخط ممزوج بالحنق و...
-فريال بضيق: الست دي مش طبيعية
-ريمان بغيظ: دي باردة.

-رانيا بنبرة محتقنة: والله العظيم دي بتستهبل، بقالها ساعتين مأعدنا على أعصابنا، وفي الأخر تقولك لاقيتها
-عاليا بسخط: ده احنا لسه هانشوف من ده كتير
-سارة بإنزعاج: ربنا يصبرنا على ما بلانا
-نشوى بنبرة متشنجة: لأ وجاية تقول كملوا شغلكم، تقولش إحنا كنا بنلعب
-ميادة بضيق واضح: ماهو عتاب السفية اجتنابه
-عاليا بنبرة ساخرة: وعلى رأي المثل خنفسة شافت بنتها على الحيط، قالت دي لوليا بخيط.

ضحكت الفتيات مجدداً، وبدأوا في تقليد الأستاذة إعتماد في عدد من المواقف التافهة، وتحول الأمر برمته إلى مزاح ساخر..
طرقت سحر بقبضة يدها على الطاولة الخشبية في انزعاج، ثم مالت على رانيا بجسدها، و...
-سحر مضيفة بنبرة ضائقة: اوووف، ضيعت علينا أعدة الكانتين، وشباب الكانتين
-رانيا وهي توميء برأسها موافقة: على رأيك، كان زمانا طلعنا بمصلحة
حدجتهما ريمان بنظرات متفرسة، ثم...
-ريمان متسائلة بإستغراب: مصلحة ايه؟

-سحر وهي تتنحنح بحج: احم، آآ، ماتخديش في بالك، أهو أي كلام بيتقال وخلاص
-ريمان بعدم اقتناع: أها.

في فيلا سرحان عليوه،
صعد رامي إلى غرفة آياز، وأخبره عن الوظيفة الشاغرة في مدارس اللافانيا، فتملك الأخير الحماس بدرجة كبيرة، وسار مبتعداً عن رامي، وأخذ يرسم بخياله الواسع أحلامه وطموحاته عن تلك الوظيفة وكيفية تطويرها، في حين تابع رامي بهدوء ردة فعله، ثم جلس على الفراش، وأمسك بهاتفه المحمول وظل يتابع بعض الرسائل القادمة إليه عبر برنامج ( الواتس آب )..

توقف آياز فجأة عن التفكير، و التفت برأسه ناحية رامي وحدجه بنظرات جادة و...
-آياز بنبرة شبه معاتبة: مش كنت تقولي من بدري
-رامي بنبرة استغراب وهو ينظر لشاشة هاتفه: ليه؟
-آياز بضيق زائف: يعني كنت روحت وعملت ال application ( طلب التوظيف ) بالمرة
-رامي بعدم اكتراث: يوم من يوم قريب يا إيزوو
-آياز بنبرة متحمسة: أنا مش هايجيلي نوم لحد بكرة.

ترك رامي هاتفه المحمول على الفراش، ثم انتصب في جلسته، ورمق آياز بنظرات ضيقة و..
-رامي بنبرة ساخرة: ليه يعني! ده انت لو عريس وفرحك بكرة مش هايكون شكلك عامل كده
-آياز بنبرة متشوقة: أصل انت مش عارف أنا بحب شغلي أد ايه، ومستني أثبت نفسي هنا في بلدي، واطبق كل اللي اتعلمته برا على الأطفال هنا
-رامي وهو يمط شفتيه في جدية زائفة: أحب أبشرك إن ده مش هايحصل هنا.

-آياز بإصرار: لالالا، You don t know me ( انت مش عارفني )
-رامي بإستهجان: والله انت اللي مش عارف البلد دي، ولا عيال البلد دي، ولا مدرسين البلد دي، بكرة تشوف بنفسك إنك هاتروح ومش هتلاقي فرصة في المدرسة دي
-آياز بنبرة متحمسة للغاية، ونظرات واثقة: شوف يا رامي الوظيفة هاتكون ليا، ولازم تبقى واثق إن أنا جاي وناوي أعمل انقلاب في التعليم.

-رامي مبتسماً في تحدي: انقلاب مرة واحدة، ماشي هانشوف، والمياه تكدب الغطاس
-آياز بنظرات متفائلة، ونبرة جادة: بكرة هاتعرف مين هو آياز كامل الشناوي، أول مدرس كي جي في مصر...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة