قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

نعم يااختي بقى جايباني على ملا وشي عشان في الاخر تقوليلي ما انا كويسة اهو ياسوسو ايه بس اللي يخليني اسيب البيت؟! أمال مين اللي كانت بتعيط من شوية وبتحلف انها مش هتعيش ثانية واحدة في البيت ده وهتاخد صلاح وترجع القاهرة؟
مش أنا طبعاً. أكيد كنتِ بتحلمي. ابقى اتغطى ياسوسو وانتِ نايمة.
بت انتِ هتجنيني؟ انطقي لأديكي علقة ترجع عقلك اللي اتلحس ده لنافوخك.
ضحكت مروة تقول من بين ضحكاتها:.

لأ خلاص من غيز عُلق ياأبلة. انا فعلا كنت بعيط ومش طايقة اقعد في البيت ثانية واحدة، بس الوضع اتغير دلوقت.
وايه يااختي اللي غيره؟
اعتذار ماهر وكلامه.
عقدت سعاد حاجبيها بحيرة قائلة:
الأستاذ ماهر اعتذرلك بنفسه. واعتذرلك بقى عن ايه ياست مروة؟
عن كل حاجة ضايقتني منه، تعرفي قاللي ايه كمان؟قاللي ان وجود صلاح أصبح مرتبط بوجودي واني طول ماانا متمسكة بيه هيتمسك بية ومش ممكن يتخلى عني أبداً.
قالت سعاد بصدمة:.

مين اللي مش هيتخلي عنك. ماهر؟
لأ طبعاً. صلاح. ماتركزي ياسعاد.
مركزة والله بس فسري انتِ كلامك ووضحيه. يعني خلاص مش هتسافري؟
لأ طبعاً.
وانتِ دلوقت كويسة ومبسوطة.
جداً.
أمال ليه حسيت أول ماجيت ان عنيكي مليانة دموع وانك مش مبسوطة؟
انا مبسوطة بجد ياسعاد لكن..
صمتت فاستحثتها سعاد قائلة:
لكن إيه؟
أشارت لقلبها قائلة:.

قلبي مش مريحني، فاكرة لما قلتلك ان احنا الاتنين معرفناش يعني ايه دقة قلب تهز الكيان وتصحى المشاعر. معرفناش يعني ايه القلب يكون متلخبط ومش على بعضه ودقاته من سرعتها توجع لما يكون في حضرة شخص معين. أنا لقيت الشخص ده. وحسيت بكل الأحاسيس دي.
والشخص ده يبقى مين؟
لا تقولي محمد. بالله عليكِ لا تفعلي.
ماهر. ماهر بدران.
فغرت سعاد فاهها ببلاهة وهي تطالع صديقتها لتقول مروة بتنهيدة:.

انا زيك مكنتش مصدقة لغاية النهاردة الصبح. كنت فاكرة لما بيدق قلبي بسرعة وأحسه مليان بالمشاعر في حضرته ان السبب خوفي منه وكرهي ليه. بس كل ماكنت بعرفه كنت بحس ان كرهي ليه ملوش مبرر وان جواه شخص تاني بيشدني لكن فضلت مشاعري دي غريبة وملهاش تفسير، لحد ماجالي واعتذرلي وقاللي كلمتين حلوين وكأني كنت مستنية ايده تطبطب على قلبي وتقولي انا زي ماانتِ شايفاني. أنا حد كويس أستاهل قلبك اللي حافظتي عليه طول عمرك.

بس ده ماهر بدران يامروة. اللي رفض جواز أختك من أخوه وشافكم اقل من مستواهم وخلي مامة صلاح تخرجه من البيت. انتِ نسيتي ولا إيه؟ نظرته ليكي مش هتبقى مختلفة عن أختك وكلامه ليكي متفسريهوش بطريقة تانية والا هتنصدمي بجد.
نكست مروة رأسها بحزن قائلة:.

مش ناسية وفاكرة هو عمل ايه كويس بس هو اعترفلي بنفسه انه غلط لما عمل كدة. أما كلامه فمش مفسراه على أنه اهتمام خاص منه وعارفة اني مش في دماغه أساساً بس قلبي هو اللي اتأثر وحب من غير ماأحس والنهارده بس اعترف بمشاعره.

مش عارفة أقولك ايه يامروة؟ خايفة أشجعك وتلاقي في الآخر طريقك مسدود وخيالك وأحلامك أوهام. بس عارفة ان الحب مش بأيدينا ومش بكلمة هيختفي. كل اللي هقولهولك حاولي تقاوميه ومتديلوش فرصة يكبر. إن كان لك نصيب معاه وقتها سيبي قلبك براحته وان مكنش يبقى الجرح مش هيكون كبير.
رفعت مروة عينيها لسعاد قائلة:
تفتكري فيه فرصة ولو واحد بالمليون انه يحبني؟
انتِ أصلا تتحبي ولو محبكيش يبقى عبيط واهبل والخسارة ليه طبعاً.

اوقات كتير بحس باهتمامه لكن برجع وأقول ده اهتمام باسم العيلة مش أكتر. تعرفي انه رفض عريس متقدملي من غير مايقولي. صاحبه اللي أديت لبنته الدرس من يومين.
وايه اللي خلاه يرفض؟
قلتلك اسم العيلة.
وهو اسم العيلة هينضر في ايه لو اتجوزتي؟ لأ ده كدة يبقى فعلا مهتم بيكي.
لأ ماهو رجع وقاللي وسابلي حرية الاختيار.
حيرتيني يامروة.
انا كمان احترت. وده اللي تاعب بالي وقلبي.

بقولك ايه تعالي ننزل الجنينة نقعد شوية مع صلاح وتقى. القعدة مع الأطفال بتروق البال وتسعد القلب وتبعد التفكير.
صحيح مقلتليش محمد مجاش معاكم ليه؟
عند ذكره دق القلب وهز الكيان لتصحو المشاعر. وأصابت القلب حيرة حتى ان خفقاتها من سرعتها تسبب الألم. تماماً كما وصفته صديقتها. لا. مستحيل أن يكون الحب. عليها أن تبعد عن بالها هذه الأفكار.

صحيت الصبح لقيته سايبلي رسالة في الريسيبشن. رجع القاهرة لان المدير بتاعه لغى أجازته فجأة لنقص في عدد المدرسين.
لم يستطع وداعك إذاً..
تبا للهوى حين يصحبه الألم والعذاب، فرفقاً ياالله بالمحبين إنهم لم يأثموا وإنما استسلموا فقط لسلطان الحب.

رنين هاتفها بإسمه جعلها تنتفض، لقد كانت تفكر فيه للتو. تدرك بكل قوة أنها تقع في غرامه، كما تدرك أيضاً انه واقع بغرام أخرى، لماذا هي سيئة الحظ بالحب؟ ماان تقع في غرام أحدهم حتى يصبح خائن او متصيد ثروات وانتهى بها الأمر مع رجل مغرم. توقف رنين هاتفها، انها المرة العاشرة التي يتصل بها اليوم ولم تجب اي من اتصالاته، وضعت جبهتها على سطح مكتبها تغلق أهدابها على دموع ترقرقت في عيونها، كانت هذه التمثيلية خطأ منذ البداية كان عليها أن تتحدث مع والدتها، توضح لها كل شيء بدلا من هذه الورطة التي وجدت نفسها في متاهتها.

رن هاتفها مجددا فرفعت رأسها تطالع شاشته. انه هو مجدداً. من الأفضل أن تظل صامدة و لا تجيب فكلما تحدث عزفت كلماته على أوتار قلبها وأغرقتها في لُجة من المشاعر، أشاحت بوجهها عن حروف اسمه ثم مالبثت ان عادت بنظرها إلى الشاشة قبل أن تمد يدها وتسحبه مجيبة إياه فبادرها على الفور في لهفة قائلاً:
آيات أنتِ كويسة؟
ايوة كويسة.
زفرة منه ثم قال:.

الحمد لله. انا كنت هتجنن واجيلك حالا البيت اطمن عليكِ، عدم ردك على التليفون قلقني قوي.
شعرت بالذنب لأنها أصابته بالقلق متناسية الخطر الذي يحدق بها ومايمكن أن يظن ان هي لم تجب هاتفها. لذا قالت بندم:
معلش ياطاهر أنا آسفة، الموبايل كان سايلنت ومخدتش بالي.
المهم ان انتِ بخير. آيات.
نعم.
خدي بالك من نفسك. انتِ مش عارفة غلاوتك عندي. قصدي عندنا كلنا.
شعرت بكلمات تنفذ إلى أعماقها فتصيبها برعشة، تنحنحت قائلة:.

احمم. متخافش علية ياطاهر طول ماانا في البيت مش هيقدروا يإذوني عشان متحومش حواليهم الشبهات، انت بنفسك قلت كدة.
عارف بس غصب عني قلقت وخصوصاً انك مكلمتنيش عشان أوديكي المستشفى ولما مردتيش كلمت جدي وقالي انك خدتي أجازة النهاردة.
متأسفة مرة تانية ياطاهر، مكنش قصدي اعمل كدة، انا بس محسيتش اني هقدر أشتغل وأنا في الحالة دي.
طب إيه رأيك تطلعي معايا رحلة؟
رحلة؟!

الحقيقة هي مش رحلة ترفيهية بالنسبة لي قد ماهي رحلة عمل، رايح إيطاليا، هزور كذا مكان هناك عشان أقدر أوصف البيئة هناك كويس وأوصف سكانها كمان في الرواية الجديدة بتاعتي، لو حبيتي تطلعي معايا هكون سعيد جداً ولو رفضتي هأجلها طبعاً لاني مش هينفع أسيبك لوحدي وأسافر.
مش هينفع تأجلها ده شغلك متحسسنيش بالذنب.
مش مهم الشغل، المهم انتِ. انا ممكن أضحى بكل حاجة عشان خاطرك.

صمتت والحيرة تأخذها في دوامتها، ان كان يحب أخرى لماذا إذا تصلها كل هذه المشاعر من خلال كلماته واهتمامه. وجدت نفسها تترجم حيرتها إلى سؤال ملح:
ليه ياطاهر؟
ليه إيه؟
ليه مستعد تضحي بكل حاجة عشاني؟ انا لا أختك ولا حبيبتك.
صمت للحظات احتبست فيها أنفاسها ليقول بعدها:
انتِ أمانة في رقبتي آمني عليها جدي وانا لازم احافظ على الأمانة دي حتى لو هضحي بأي حاجة.

واجب إذاً هي بالنسبة إليه، نفضت هذه الغصة بعيداً عن قلبها وهي تقول:
وانا مش مستعدة تضحي علشاني بأي حاجة، هتروح رحلة إيطاليا وهتكمل روايتك.
مستحيل أنا مش هروح من غي...
قاطعته قائلة:
أنا جاية معاك.
بجد يا آيات؟
أيوة. انا محتاجة بريك من الضغط العصبي اللي انا عايشة فيه. هقول لماما اني رايحة أحضر مؤتمر في إيطاليا وانك هتكون معايا ومفتكرش هتمانع.

يبقي حضري نفسك، هحجز التذاكر بكرة ونسافر الصبح على أول طيارة وهنزل دلوقتي أخدلك أجازة طويلة من المستشفى.
متتعبش نفسك هكلمهم في التليفون.
كدة كدة هروح عشان أسلم على جدي قبل ماأسافر.
تمام سلملي عليه.
هيوصل، سلام مؤقت.
سلام.
اغلقت الهاتف ووضعته جانباً ثم تنهدت، كلما أرادت الإبتعاد عنه وجدت نفسها تقترب أكثر، لا تدري حكمة القدر ولكنها ستستسلم لها في الوقت الراهن.

كان يجول كليث جريح في هذه الحجرة التي منحوه إياها بالمستشفى، يتفصد جبينه عرقاً ويرتعش كيانه باكمله، يؤلمه جسده كما لو كان هناك من يدس به الإبر الحادة، امسك راسه بكلتا يديه يإن بصوت مسموع وقد كاد رأسه ان ينفجر من الألم، اتجه إلى الباب وطرق عليه بقوة ينادي بألم:
افتحولي الباب، مش قادر هموت ياناس. أنا رجعت في كلامي. ارحموني وخرجوني من هنا. انتوا ياعالم يااللي برة. حد يخرجني من هنااااااا.

فُتح الباب فكاد ان يهرب منه ولكن دلف رجلان كتفه أحدهم بينما الآخر أعطاه حقنة ليتشنج جسده بالكامل ثم يرتخي بين ذراعي الرجل الذي أسرع الآخر بمساعدته بحمل أشرف حتى السرير يضعانه عليه ثم يخرجان كما دلفا ويغلقان الباب بالمفتاح. يأسفان كالعادة على بشر استسلموا لمخدر لعين حتى صار ادماناً يسري في دمائهم يجعلهم عبداً له يفعلون من أجله كل الموبقات.

والله يا كريمة هانم مش عارفة أشكرك ازاي على اليوم الجميل ده اللي قضيته وياكم، بس حقيقي مضطرة امشي لاني اتأخرت.
ياريت تشرفينا تاني ياسعاد قبل ماترجعي القاهرة، انبسطنا بجد بوجودك معانا النهاردة أنتِ والأمورة الصغيرة تقي.
أكيد ياهانم. عن اذنكم يلا ياتقي.

أسرعت تقي تقبل الجميع متتابعين، السيدة كريمة ثم الصغير وأخيراً مروة قبل أن يغادرا توصلهما الأخيرة إلى الباب فوجدت ماهر بالباب قد وصل للتو، هز رأسه لسعاد والصغيرة محيياً، فقالت تقي بانبهار:
هو ده حسين فهمي ياماما؟
نهرتها سعاد قائلة بإحراج:
بس ياتقي. معلش ياأستاذ ماهر أول مرة بس تشوف رجل عيونه ملونة فافتكرت انك الممثل حسين فهمي.

هل أرادت تصليح الموقف؟ حسنا لقد زادته سوءاً بكل تأكيد، بينما كتمت مروة ضحكتها ووجنتي سعاد يكتسبان حمرة خجل قانية بينما قال ماهر بهدوء:
ولا يهمك. محصلش حاجة.
لينزل على ركبتيه يواجه الصغيرة يمد لها يده قائلاً:
انا مش حسين ياحبيبتي، أنا اسمي ماهر. ماهر بدران. وانتِ اسمك إيه؟

هل وجب عليه ان يكون بهذا اللطف مع الصغار؟ تباً انها تزداد حباً له مع كل لحظة تكتشف فيها كما كانت مخطئة بحقه حين ظنته مغروراً انانياً.
تقي. انت عم صلاح الصغير؟
اومأ برأسه فمدت يدها تسلم عليه قائلة:
يبقى من العيلة وممكن أسلم عليك. ماما قالتلي مسلمش على غريب.
انا بقول كفاية كدة ويلا نمشي.
نهض مستقيماً يقول برصانة:
معاكِ عربية يامدام..
صمت فقالت:
سعاد. لأ هاخد تاكسي.

مينفعش يامدام سعاد، الوقت متأخر و السواق بتاعي هيوصلك اتفضلي معايا.
ظهر التردد على وجه سعاد للحظة قبل أن تهز رأسها موافقة وتخرج ولكن قبل أن تختفي استدارت تنظر إلى مروة تهمس دون صوت:
جامد.
اكتفت مروة بابتسامة بينما تختفي سعاد عن ناظريها، ثم أسرعت بالتوجه إلى حيث السيدة كريمة والصغير حين تناهي إلى مسامعها صوت بكاؤه.
بتتكلمي جد ياماما؟ أشرف دلوقتي في مصحة لعلاج الإدمان؟
آه والله يابنتي ده اللي حصل.

انا مش قادرة أصدق. اشمعني دلوقتي احنا ياما اتحايلنا عليه. معقولة اللي حصل لتقي فوقه؟
مازلتي طيبة صغيرتي وطيبتك تطغى على تفكيرك، ان لم يهتم لأمه سيهتم لصغيرته؟ لا أظن. هو فقط رأي انه المستفيد ان فعل فقد وعده الحاج رءوف بعمل ذا عائد يفوق الخيال. انه المال اللعين ما حث ولدي على العلاج وليس العاطفة صغيرتي.
طيب مش هنزوره ياماما ولا نشوفه لو محتاج حاجة نجيبهاله؟

أصيلة يابنتي والأصيل في الشدة بيبان. بس مش هينفع نزوره دلوقتي. هو في فترة كدة سي رءوف قالي عليها مينفعش فيها حد يزوره. هنطمن عليه بالتليفون وبس.
فترة إنسحاب. نعم. تسمع عنها بكل تأكيد.
ربنا يشفيه ويعافيه ويخلصه من السم اللي بيجري في دمه عشان يرجعلنا بألف سلامة.
ايوة يابنتي كدة ادعيله، هو مش محتاج غير دعواتنا.

بدعيله ياماما في كل وقت مش عشان خاطري والله. لأعشان خاطر بنته وعشان خاطرك. انتِ مش عارفة وجودك في دار المسنين وانتِ ليكِ بيت وابن عامل فية إيه.
متشيليش همي ياسعاد، أنا كويسة قوي هنا، الله يباركلها دكتورة نجاة بنت سميحة صاحبتي اللي اتوسطتلي أقعد هنا بحكم شغلها من غير ماأدفع حاجة. بقالي عيلة تانية بيخافوا علية ويهتموا بية، زيك وزي تقي بالظبط. صحيح أخبارها ايه دلوقت؟

اتحسنت قوي الحمد لله وبإذن الله يومين ونرجع.
ترجعوا بالسلامة يارب.
مش عايزة حاجة ياماما أبعتهالك؟
عايزة سلامتك ياضنايا. خدي بالك انتِ من نفسك ومن تقي.
حاضر ياحبيبتي. لا إله إلا الله.
محمد رسول الله.

أغلقت سعاد الهاتف ووضعته جانباً، وجدت ابتسامة تتسلل إلى ثغرها وأمل في القلب ينبعث مع معرفتها بوجود زوجها الآن بمصحة لعلاج الإدمان، تدعوا الله أن ينجح في التخلص من تلك السموم، فربما وقتها تعيش حياة حلمت فقط بها وكانت مستحيلة والآن صارت بالإمكان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة