قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

مالك يامروة طمنيني عليكي؟أنتِ كنتِ كويسة امبارح؟
قالت مروة من بين عبراتها:
خلاص ياسعاد. مبقاش ليا مكان في البيت ده، انا ماشية النهاردة، هرجع القاهرة مع صلاح.
حصل ايه بس خلاكي تاخدي القرار ده؟ والأستاذ ماهر والست كريمة وافقوا على الكلام ده؟
انا مستنية كريمة هانم تصحى عشان استأذنها، لكن البيه التاني ده ملوش دعوة بية. ولو فكر يمنعني مش هيحصل كويس أبداً.

أدركت سعاد ان حالة صديقتها الحزينة وسر قرارها يخص عم صلاح، لابد وانه قام بشيء أحزنها او ربما قال لها شيئاً جرحها، لتقول بهدوء:
طيب قومي كدة اغسلي وشك وبطلي بكا وانا هلبس واجيب تقي ونجيلك واللي أنتِ عايزاه هيحصل بإذن الله.
ماشي ياسعاد هستناكِ.
أغلقت الهاتف ثم تركته وهي تنهض وتتجه لخزانتها كي تبدل ملابسها.

طرقات على الباب جعلتها تترك منشفة وجهها وتتجه إليه لتفتحه، تجمدت في مكانها وهي تطالعه بدهشة بينما وجد نفسه يجول على ملامحها الرقيقة الندية، يشعر ببراءة عيونها مجدداً تجذبه بقوة كأول مرة رآها، لاحظ حزن بهذه العيون اليوم وانتفاخ بسيط جعله يدرك انها كانت تبكي. اللعنة ملاحظته هذه إصابته بغصة في قلبه. تمالكت مروة نفسها وهي تتذكر الليلة الماضية لتقول بانفعال:.

خير يااستاذ ماهر. جاي بنفسك تتأكد اني خلاص همشي من البيت ولا جاي تمنعني اني آخد صلاح لعلمك بقى...
انا آسف.
اتسعت عيناها وفغرت فاهها وهي تطالعه بصدمة، ماهر بدران المغتر بنفسه. الرجل الذي لايري مطلقاً أنه يخطئ جاء يعتذر لها إنه شيء لا يصدقه عقل.
احمم. أنا عارف اني غلط امبارح وزودتها معاكي، مش من حقي فعلاً أتدخل في حياتك الشخصية. وعد مني انها هتكون آخر مرة.

زال غضبها منه بالكامل واحتلت قلبها الحيرة، ماالذي جعله يغير موقفه منها هكذا؟ ولماذا لم يسعدها ذلك؟ استدار ليغادر ولكنه توقف والتفت ينظر إليها قائلاً:
كنت قلت لعماد انك مش هتدي لبنته درس تاني لانه طلبك للجواز، لو حابة تكملي معنديش مانع ولو هترتبطي بيه قوليله يتفضل..
مش هتجوزه. أنا أصلا مش هتجوز أبداً.

كلماتها الحازمة التي قاطعته بها جعلته عاجزاً تماماً عن استيعابها، ماذا تعني بكلماتها تلك؟ليقول بحيرة:
مش فاهم. قصدك إيه؟
اللحظة اللي قررت فيها اني أربي صلاح كانت اللحظة اللي اتخليت فيها عن حلم اي بنت ببيت وشريك تقضي معاه عمرها. تعرف كان كل واحد بيتقدملي يقولي ايه؟
طالعها متسائلاً فاردفت بابتسامة ساخرة شابتها المرارة:.

كان بيخيرني يااما أرجع صلاح لعيلته او أنسى طلبه وكنت طبعاً بنسى طلبه مش لإني وعدت اختي وهي بتموت اني أربيه و آخد بالي منه. لأ. لإني في اللحظة اللي شلت فيها صلاح بين ايدية وبصلي فيها بعيونه البريئة وقعت في الحب. وانا لما بحب حد مستحيل اتخلى عنه ومستعدة اضحي بأغلى حاجة عندي عشان خاطره. والوحيد اللي في قلبي دلوقتي هو صلاح وهيفضل طول العمر صلاح.
عقد حاجبيه بقوة قائلاً:
ومحمد زميلك؟

زميلي وبس. يبقى ابن خالة صاحبتي. راجل بجد وأخلاقه عالية وتتمناه أي واحدة وكان ممكن احبه ويحبني و يقبل بصلاح ويعتبره زي ابنه كمان. لولا انه..
تحفزت كل ذرة بكيانه لمعرفة المانع. لتردف هي بحزن:
بيحب صاحبتي من زمان.
زعلانة لانه بيحبها؟
هزت رأسها نفياً قائلة:
لأ. زعلانة لأنها محستش بحبه وفرقهم القدر. هي اتجوزت وهو عايش على اطلال حبه. مأساة تقطع القلب. مش كدة؟

الدنيا فيها مآسي كتير، لكن مادام كان فيه راجل زي محمد ممكن يقبل حبيبته بطفل، ده معناه ان ممكن تقابلي محمد تاني.

معتقدش. من صغري وأنا منحوسة. مش هلاقي الراجل ده. بس انا ليه حاسة انك فجأة بتشجعني أحب واتجوز، متفكرش اني ممكن أتنازل عن صلاح أبداً ومش طمعانة في فلوسه زي ماانت فاكر تقدر تحرمه من الميراث وبرضه مش هتخلي عنه. هشتغل ليل ونهار وهعيشه كويس، أكيد مش زي هنا بس كفاية اني هكون معاه أعوضه حنان الأم واكون له كل حاجة بيتمناها ومحتاجها.
طالعها بنظرة غامضة أثارت اضطرابها ثم قال:.

وجود صلاح في اي مكان أصبح مرتبط بوجودك وطول ماانتِ متمسكة بيه هو كمان هيتمسك بيكي ومش ممكن يتخلى عنك أبداً مهما حصل. نورتي عيلة بدران يامروة.
مست كلماته شغاف قلبها وسارعت من خفقاتها نبرة صوته حين نطق اسمها، إلى جانب هذه النظرة التي أرسلها إليها قبل رحيله، شعرت بها تحتويها وتضمها بخفة لتنتفض قائلة:.

لأ رايحة فين؟متبقيش خفيفة وكلمتين حنينين يثبتوكي ويعملوا فيكي كدة. اعقلي يامروة واعرفي ده مين وانتِ مين، ده ماهر بدران وانتِ. أنتِ ولا حاجة.
أصابتها هذه الفكرة بالحزن فاغلقت الباب واستندت بظهرها عليه ترفع يدها وتضع كفها على قلبها تربت عليه كما اعتادت دوماً حين تشعر بالألم ينخر فيه، لتطيب جرحه وتزيح عنه الوجع.
أخبار الكاتب إيه؟
انتفضت آيات على صوت ابن عمها لتقول بحنق:.

مش تستأذن يابني آدم انت قبل ماتدخل أوضتي؟
الباب مفتوح هستأذن ليه يعني؟ رخامة؟
دي أوضتي بابها مفتوح او مقفول تخبط وتستأذن قبل ماتدخل. مفهوم ولا لأ؟
طيب طيب. اهدي شوية. مالك؟بقت أخلاقك صعبة قوي، المفروض انك عروسة وفرحانة ولا مش فرحانة.
قالت بنفاذ صبر:
أستغفر الله العظيم. فرحانة طبعاً.
جلس على طرف مكتبها يؤرجح قدمه في الهواء قائلاً:
مقلتليش أخبار الكاتب إيه؟
اسمه طاهر. طاهر الفيومي. كويس ياسيدي.
بتحبيه؟

رغم انه ميخصكش بس آه بحبه. ارتحت؟
وانا مالي ياستي ربنا يهني سعيد بسعيدة. انا بس مستغرب.
عقدت حاجبيه قائلة:
مستغرب ليه بقى؟
أبداً. كنتِ بتقولي مبحبش الخاينين ومش ممكن ارتبط بخاين. غيرتي رأيك بسرعة قوي؟ياعيني عليكي يايويو. صُومتي وفطرتي على خاين.
نهضت قائلة بعصبية:
قصدك ايه؟ متلفش وتدور ياعصام. كلمني دوغري.
استقام يخرج من جيبه ورقة مصورة من مجلة منحها إياها وهو يقول:.

شوفي كلام البيه اللي كاتبه عن حبيبته وقد ايه هي الانسانة اللي حلم بيها طول عمره وماصدق لقاها ومش ممكن ينساها أو يتنازل عنها أبداً ولا يفكر يحب غيرها وأهو نساها وحب غيرها وهيتجوز كمان. رجالة خاينة ملهمش أمان.
قرأت الرسالة التي كتب فيها طاهر اعترافه لمحبوبته ونشرها بهذه المجلة.
لأول مرة أكتب عن نفسي وعنكِ حبيبتي بعد إحجامي.
فأنا رجل ككل الرجال كرهت العشق قبل أن يزور أحلامي.

قالوا عنه عذاب ولوعة فخِفته كخوفي من ذنوبي وآثامِي.
أكفر به بينما أكتب عنه الكلمات ربما في عمل درامي.
حتى عشقتك فصار العشق ديناً أعلن بمحرابك مقامي.
يقولون العشق بأس فوجدته طيب يمحو آلامي؟
أتعلمين صغيرتي؟
ماإن رأيتك حتى قلت فاتنة تعجز عن وصفها أقلامي
بكِ شيء من نفسي حتى صرتِ انتِ نفسي. روحي وغرامي
كشعاع نور أزلتِ عتمة القلب أنرتِ حياتي وبددتِ ظلامي.
عمّرتِ أشلائي، وأعدتِ بناء مدينتي بعد حطامي.

صرتِ شغفاً يطاردني في أحلام صحوي و منامي.
صرتِ حروف عشق تتردد على لساني فيحلو كلامي.
حلمت بكِ طوال العمر وحين وجدتك وجدت سلامي.
عن عشقك لن أتوب أبداً. ولن أنسى.
أعلنها كما أعلنت منذ الميلاد إسلامي.

هل هناك حب في هذا الزمان يحمل مشاعر كهذه التي حملتها رسالته إلى محبوبته؟ لقد نفذت كلماته إلى روحها فاحتوتها مشاعر عديدة، مابين فرح وحزن. حب وصدمة. اعجاب وغيرة. تمنت لو احبها أحدهم كما أحب طاهر محبوبته، تدرك بعد هذه الكلمات أن اهتمامه بها شفقة على حالها بينما تسكن القلب حبيبة غبطتها من كل قلبها تمنت للحظات أن تكون هي حتي أفاقت من أمنياتها حين وصلها صوت ابن عمها يقول بشماتة:
ها إيه رأيك؟

طالعت الورقة للمرة الأخيرة قبل أن ترفع عيناها إليه قائلة ببرود:
المجلة إصدارها ده كان من سنة. يعني قبل مااعرف طاهر. بمعنى تاني ماضيه وهو حر فيه. الماضي بالنسبة لي ميهمنيش اللي يهمني هو الحاضر واحساسه من يوم ماحبني، وبعدين طاهر مبيخبيش حاجة عني و حكالي عنها، هم انفصلوا وقعد فترة رافض الحب لحد ماشافني. وده كفاية علية قوي.
تجهمت ملامح عاصم واكفهرت ثم قال ببرود:.

دي حياتك وانتِ حرة فيها بس حابب أنبهك. طاهر هيديكي مقلب عمرك وبكرة افكرك.
عصام متستفزنيش.
خلاص خلاص انتِ حرة. انا ماشي. سلام.
غادر بينما تابعته بعينيها بحنق قبل أن تقول:
ابتدينا.
زفرت بقوة ثم جلست في مكانها قبل أن تلتقط الورقة مجدداً وتقرأها حتى النهاية، لتجد نفسها رُغما عنها تذرف دموعاً. تتمنى من كل قلبها لو دخلت حياة طاهر قبل هذه الفتاة وأحبها هي.
ولا بنساك ولا ثانيه
وكل دقيقه والتانيه.

بفكر فيك وانا وياك
حبيبى أنت اللي بالدنيا
تفوت أيام وبتعدى
وحبك ليا مش قدى
بحبك حب مش موجود
مالوش وصف وكلام عندى
عارف ايه أحلى حاجه حاصله ليا
إنى منك وأنت برضه بتجرى فيا
أنت اّخر كل يوم باخدك في حضنى
وأنت أول كل يوم شيفاك عينيا.

جلس طاهر يستمع لكلمات مطربه المفضل، يعيش حروف أغانيه فتتغلغل إلى أعماقه وتمس أحاسيسه، تذكره بمحبوبة كان يعشق طيفها فلما اقترب منها زاد العشق واحتدم. يصحوا على صورة أخذها من صفحتها على الفيسبوك وينام محتضناً هاتفه الذي يحمل نفس الصورة. يشعر أنها منه تسري في كيانه لا تغيب وان غابت عن عيونه. رن هاتفه فوجدها هذه النغمة التي خصها بها أسرع بإجابتها قائلاً:
ألو..
كنت نايم؟
لأ صاحي من شوية. انتِ كويسة؟

انا تمام. بس الشغل بدأ.
شغل ايه ده؟!
بيحاولوا يفرقوا بينا، جابلي عصام رسالة حب و َاعتراف اللي نزلتها في مجلة الساعة السنة اللي فاتت واللي بتعترف فيها بمشاعرك لحبيبتك.
صمت من جانبه وقد شعر بالاضطراب. هل عرفت أنها المعنية بكلماته؟ لاشيء بالرسالة قد يلمح لها بذلك. هل ربطت بينها وبين اهتمامه بها؟ هل أدركت انها هي من أحبها دوماً؟
روحت فين؟
معاكِ.
مش هتسألني رديت عليه وقلتله إيه؟
مستني تقوليلي.

قلتله ان ده ماضيك وانت حر فيه وانك حكيتلي عنه. قلتله كمان ان اللي يهمني هو اخلاصك ليا من يوم ماحبيتني.
أفرج عن أنفاسه قبل أن يقول:
خدي بالك دي لسة البداية ومادام دوروا وقدروا يجيبوا الرسالة دي يبقى ناويين يكملوا ويدوروا أكتر.
خايف يدوروا؟
لأ طبعا. معنديش حاجة مخبيها ولا خايف منها، أنا واضح وقولتلك على كل حاجة من اول لحظة.
مقلتليش على كل حاجة.
عايزة تعرفي ايه ياآيات؟

راح كل شيء عن بالها ماإن نطق اسمها بهذا الحنان، حاولت التذكر. نعم نعم. تذكرت.
هي فين حبيبتك دلوقتي يا طاهر؟
موجودة.
مبشوفهاش معاك أبداً. ولا بسمعك بتكلمها. مسافرة؟
لأ. بشوفها وبكلمها ومعايا علطول.
امتى بس؟
بشوفها أول مابفتح عيني وقبل ماأنام.
ترددت قبل أن تقول:
انتوا. متجوزين؟
لأ.
اومال ازاي بتبقى موجودة معاك اول مابتصحي وقبل مابتنام؟
ها. أصلها جارتي.
بتحبها قوي مش كدة؟
قلتلك أكتر من نفسي.
طب ليه مبتتجوزوش؟

لسة الأوان مجاش.
صمتت فقال:
سكتي ليه؟
مش لاقية حاجة اقولها.
خلصتي أسئلتك؟
الأسئلة عاملة زي المية مبت...
بترت كلماتها فاستحثها قائلاً:
ما إيه ياآيات؟
مبتخلصش، أقولك حاجة ياطاهر ومتقولش علية مجنونة.
قولي يامجنونة.
طاهر!
خلاص خلاص. قولي ياستي.
اوقات كتير بحس ان بابا رجع للدنيا من تاني واتجسد فيك. نفس طريقته كلامه معاملته ليا حتى بلاقيني برد عليك بنفس الطريقة اللي كنت برد عليه بيها.
ودي حاجة حلوة ولا وحشة؟

حلوة طبعاً انت متعرفش واحشني قد إيه ووحشني القعاد والكلام معاه
خلاص ياستي كل مايوحشك تعالي اقعدي معايا واتكلمي. من النهاردة اعتبريني بابا طاهر.
بطل هزار بقى.
مبهزرش. وجودي في حياتك بأي صفة شرف ياآيات.
صمتت مجددا وقد أثرت بها كلماته حتى اعجزتها عن التفوه بحرف.
آيات..
انا مضطرة اقفل ياطاهر. ماما عايزانى.
سلميلي عليها وخدي بالك من نفسك.
ماشي سلام.

أغلقت الهاتف فاغلقه بدوره ووضعه جانباً. شعور بالذنب اجتاحه لقولها كم يشبه والدها، يدرك ان السبب هو كتابها الأحمر الذي تحدثت فيه كثيرا عن والدها ليحاول قدر المستطاع ان يكون مثله حتى تفتح له أبواب قلبها على مصراعيهم. خدعها لأنه يحبها. اكتفي بهذا المبرر ليُسكت ضميره، أعاد تشغيل الأغنية وترك كلماتها تطغى على شعوره بالذنب وبالفعل نجح في ذلك
يا أجمل حلم انا حلمته
واحساس غالى صدقته
وأقولك أيه يا أغلى حبيب.

وأجمل حلم حققته
في قلبي هواك معيشنى
بعيش ليك وأنت بتعيش لي
بقيت عشقي ولما تغيب عينيك عني بتوحشني
عارف ايه أحلى حاجه حاصله ليا
إنى منك وأنت برضه بتجرى فيا
أنت اّخر كل يوم باخدك في حضنى
وأنت أول كل يوم شيفاك عينيا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة