قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

كانت تجلس إلى جواره مطرقة الرأس تفرك يديها في حجرها نادمة على الحضور إلى هذا الحفل مالها ومال حفلات الأغنياء تلك؟ الجميع مشغولون بالحديث عن الأعمال أو يرقصون بينما هي لا تفعل هذا أو ذاك، جلس ماهر جوارها صامتاً بدوره بينما ذهبت عليّة لترقص ربما للمرة العاشرة منذ جاءت للحفل.
تسمحيلي بالرقصة دي؟

رفعت رأسها وطالعت هذا الرجل الذي توقف أمامها يمد لها يده، هزت رأسها رافضة بأدب فارتاحت خفقات مرافقها للمرة التي لا يدري عددها فقد توقف عن العد وهو يدرك كم جذبت مرافقته أعين الجميع وحازت على اعجابهم فلم يتوقف الرجال عن التقدم للرقص معها رغم رفضها لهم جميعاً.
مش عايزة ترقصي ليه؟
طالعته بعيون قالت الكثير كعادته.
أترغب في أن أرقص معهم؟
لا
تريد أحد غيرك أن يضمني بين ذراعيه؟
لا
يلمس خصري ويدي وتلفحني أنفاسه؟

كفى كفى. بالطبع لا.
اذا لماذا تسأل؟ أترغب في سماعي أقولها لك دون مواربة. أنا امرأة رجل واحد لا أسمح لغيره بالاقتراب، أضع الحدود دوماً فإن تخطاها أحد غير من أحببت طعنته برفضي فأردي كبريائه ولا أهتم. ألا يرون اسمه الموشوم على وجهي وقلبي؟ لا، اذا يستحقون.
أحبك.
وأنا أيضاً أحبك ولكنك وكلتني مهمة رفضك فأضحي القبول مستحيلاً.
توقف حديث العيون فأطرقت برأسها قائلة بصوت خافت:
مبحبش أرقص.
ماتقولي انك متعرفيش.

صوت عليّة الساخر والتي جاءت للتو جعلها ترفع رأسها قائلة بكبرياء:
لأ بعرف. بس أخلاقي بتجبرني مسمحش لحد غريب يحط ايده علية.
أفكارك متخلفة جداً.
دي مش أفكار ده دين وأخلاق.
طالعوا جميعا صاحب العبارة الأخيرة الذي لم يكن سوي صاحب الحفل مراد النجيري يردف بإعجاب:
شابو ياآنسة مبقاش فيه في الزمن ده بنات كتير زيك.

قبض ماهر يده بقوة وهو يرى نظرات مراد إليها، بينما ارتسمت ابتسامة خجولة على شفتي مروة. على حين أمسكت عليّة يد ماهر تسحبه لينهض قائلة بسخرية:
تعالي ياماهر احنا نرقص.
تبعها مرغماً لا يرغب في ترك مروة بمفردها معه، بينما قال مراد:
تسمحيلي اقعد؟
أشارت برأسها موافقة فجلس على الفور يقول بابتسامة:
انتِ منين ياآنسة مروة؟
من القاهرة.
بتشتغلي؟
كنت بشتغل مدرسة لغة عربية بس دلوقت في أجازة.
رفع حاجبه بدهشة قائلة:.

لغة عربية! غريبة.
اشمعني؟
كنت مفكر مدرسات اللغة العربية مكورين وبنضارات مش قمرات بالشكل ده.
أطرقت بخجل فأردف قائلاً:
اتفرجتي على اسكندرية؟
رفعت رأسها تهزها بصمت ليردف بدهشة:
ازاي تيجي اسكندرية ومتلفيش فيها؟ انا هكلم ماهر..
قاطعته قائلة:
لأ ارجوك أستاذ ماهر مش فاضي انت عارف المكتب والشغل وكدة يعني.
بس انا فاضي ويشرفني آخدك جولة في مدينتي.
ليسحب هاتفها ويتصل بهاتفه مردفاً:.

ده رقمي سيفيه وانا كمان هسيفه وبكرة هتصل بيكِ عشان نحدد الميعاد المناسب.
قالت بتردد:
أيوة بس..
من غير بس احنا بقينا أصحاب ومتقلقيش مني ياآنسة مروة. اسألي عني طنط كريمة هتقولك اني من العيلة أساساً. ها ايه رأيك؟ موافقة؟
ظهر التردد على وجهها للحظات قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة هادئة وهي تهز رأسها بالايجاب فابتسم بدوره.

على مسافة قريبة كان هو هناك يرقص معها على أنغام موسيقية هادئة بينما عيناه عليها يراقب كل انفعالاتها، كاد أن يموت من الغيظ حين رآه يمسك هاتفها، وكاد أن يترك عليّة ويذهب إليها يسحبها ويغادر من الحفل، ولكن بأي حق قد يفعل ذلك؟ لقد سلب نفسه كل حق له عليها حين طلب منها أن تبتعد عنه، حين حرم نفسه الحب فصار غريباً عنها وهي أقرب إليه من نفسه. كان خطأه احضارها معه الليلة وسط كل هؤلاء الرجال دون أن يفكر أنها لابد وأن تجذب أحدهم وقد جذبت أكثر رجال الحفل ثراءاً وجاذبية.

يوووه ياماهر، مش تاخد بالك دي خامس مرة تدوس على رجلي، مش عارف ترقص كنت قوللي.
معلش ياعليّة اصلي تعبان النهاردة ومش مركز، تعالي نقعد شوية.
اتجهت معه إلى طاولتهم قائلة:
لأ انا مش جاية اقعد، انا عايزة أرقص للصبح.
وصلوا الي الطاولة فقالت عليّة بتذمر:
هو انت يامراد مش عامل الحفلة دي عشاني؟
تأمل مقلتيها الخضراوتين قائلا بابتسامة ساخرة:
أيوة عشانك وانتِ ماشاء الله مش سايبة حد مرقصتيش معاه. عايزة ايه تاني؟

سحبته من يده قائلة:
أرقص مع صاحب الحفلة.
سحب يده من يدها قائلاً:
مش حابب ارقص.
يلا بقى ميبقاش دمك تقيل والله هزعل وأمشي.
هز رأسه بيأس واعتلت ثغره ابتسامة وهو ينهض يهز كتفيه لمروة وماهر قبل أن يتجه لحلبة الرقص مع عليّة. ليبادرها ماهر على الفور قائلاً:
مراد أخد رقمك ليه؟
فاحت الغيرة من نبراته فأثلجت قلبها المحترق لمرأي عليّة بين يديه منذ قليل، لتجيبه ببرود قائلة:
بقينا أصدقاء والطبيعي انه ياخد رقمي.

غلي الدم في عروقه ليقول بحنق:
الطبيعي! يعني انتِ شايفة انه طبيعي تبقوا أصدقاء وانتِ لسة شايفاه النهاردة بس؟
طالعته قائلة:
مش بالوقت ياماهر بيه، أوقات بنعرف ناس طول العمر وكأننا معرفنهمش وأقات بنعرف ناس لمجرد دقايق ونحس ان احنا عرفناهم عمر بحاله. الأرواح لما بتتآلف مبتهتمش بالوقت.
ومن اكثر مني ادراكاً لما تقولين ولكن هل تقصدين بكلامك روحينا أم روحك وروحه هو؟
قبل أن ينطق قالت هي بهدوء:.

ياريت لو معندكش مانع تطلبلي تاكسي يوصلني البيت لاني تعبت قوي ومحتاجة اروح ارتاح.
هوصلك مش هآمن تروحي في وقت متأخر زي ده لوحدك.
وعليّة؟!
مراد هيوصلها. يلا بينا.
مرة أخرى يثلج قلبها باهتمامه بها حتى أنه ترك خطيبته لأجلها، فرحة عابرة ماتلبث ان تنطفئ حين يخبرها عقلها أنه حتى وان أحبها هي فبالنهاية سيتزوج عليّة ويترك لها جُرح الفراق يؤلمها إلى الأبد.

ماتهدي. مالك كدة مش طايقة نفسك من ساعة ما ماهر قالك انه هيوصل مروة وطلب مني أوصلك. للدرجة دي بتحبيه وبتغيري عليه؟
مش مسألة حب. انت عارف اني محبتش طول عمري غير صلاح، وان ماهر بالنسبة لي كان الأخ الكبير اللي لغاية دلوقتي بغلط وبقوله ياأبيه وان ارتباطنا رغبة من الأهل كتعويض ليا عن اللي عمله فيا صلاح.
لتردف بمرارة:.

قهرني لما بكل بساطة سابني وهو عارف قد ايه بحبه وراح اتجوز أخت البني آدمة دي، مفكرش فيا وفي مشاعري اللي انهارت بسببه ودخلتني مستشفى الأمراض النفسية والعصبية اللي فضلت أتعالج فيها سنة بحالها.
لا داع لتذكريني فقد دأبت على زيارتك هناك، أراكِ ضعيفة خائرة القوي يكاد الجنون ان يصيبك حزناً على هاجرك، لا أدري لمَ أحببته هو فأعماكِ الحب عن رجل جل ماكان يبغاه هو أنتِ.

تعرف ايه اللي قهرني انه فضّل بنت لا ليها أصل ولا فصل عليا أنا عليّة بدران اللي رجالة الدنيا اترموا تحت رجليها وفضلته عليهم كلهم، وجاية أختها الجربوعة دي عشان تكمل الحكاية وتاخد ماهر مني، مبقاش بنت عيلة بدران ان سمحتلها تعمل كدة.
تغيرتي كثيراً يافتاة حتى كدت لا أعرفك.
انت بتبصلي كدة ليه؟
اقولك الصراحة ولا هتزعلي؟اقولك بلاش لأنك هتزعلي.
ماتتكلم علطول يامراد، ايه الرخامة دي؟

انتِ شايفة بتتكلمي ازاي؟ لا بقى على لسانك حدود ولا تصرفاتك أو حتى لبسك بقوا شبهك، بقيتي واحدة تانية خالص معرفهاش، مش دي عليّة اللي اتربت وسطينا وعرفناها، بتحاول تثبتي ايه بده كله. قوليلي؟
طالعته قائلة بعيون اشتعلت بلهيب الغضب:
مبقتش عاجباك مش كدة، مش مهم المهم اني عاجبة نفسي وعاجبة ماهر.

لو فاكرة انك ممكن تعجبي ماهر وانتِ بالشكل ده يبقى حسبتيها غلط، ماهر مش هتعجبه واحدة استهترت حتى بنفسها ولا نسيتي نفين؟ ماهر لو هتشده واحدة وتخليه يحبها يبقى هتشده واحدة زيك زمان وزي مروة دلوقت. واحدة هيشوف فيها مراته مش عشيقته.
رفعت يدها لتصفعه فأمسك يدها قبل أن تصل لوجهه وضمها إليه فلفحتها أنفاسه الغاضبة وهو يقول:
صراحتي وجعتك مش كدة؟ ياريت تفضل واجعاكِ زي ماوجعني حالك واللي وصلتيله ياعليّة.

الألم والتيه في عينيها الي جانب ارتعاشة ثغرها جعلوه يود لو أخذها في حضنه يحتويها ويبث فيها من حبه وحنانه فيعيدها إلى كينونتها التي أحبها بالماضي، ظهرت مشاعره في مقلتيه فاشتعل جسدها بنيران لم تستطع تحليلها بالوقت الحالي، هل هي تأثرا بكلماته الغاضبة ام نظراته التي اخبرتها بالكثير، وجدت صوتها بصعوبة لتقول باضطراب:
سيب ايدي.
تركها على الفور فالتقطت حقيبتها تتحاشي النظر إليه قائلة:
انا لازم امشي.

استنى هجيب مفاتيح عربيتي عشان أوصلك.
انا هاخد تاكسي.
قال بصرامة:
قلت هوصلك مفيش بنت محترمة تروح في الميعاد ده لوحدها ده غير اني وعدت ماهر يعني بقيتي أمانة في رقبتي.
قال كلماته واتجه الي حجرة المكتب تتابعه بعينيها وشتي المشاعر تتصارع بداخلها. قبل أن يعود ويشير إليها لتتقدمه فتقدمته باستسلام وروح منهكة.
انت اسمك مسعود مش كدة؟
أومأ مسعود برأسه وهو يفرغ الدواء بيد أشرف كي يتناوله، ليردف أشرف قائلا:.

أخبار بنتك ايه ياراجل ياطيب؟لسة تعبانة؟
طالعه الممرض بدهشة قائلاً:
انت عرفت منين؟
سمعتك بتتكلم مع الممرض التاني.
تنهد الرجل قائلاً:
آه افتكرت. ربنا يشفيها ويعافيها.
يارب فكرتني ببنتي، هي كمان تعبانة. أهو انا مش عايز أتعالج غير عشان ارجعلها هي وبس. الضنا غالي قوي.
قوي. ربنا مايورينا فيهم مكروه.
تظاهر أشرف بالحزن قائلاً:
نفسي بس أشوفها بس مانعين عني الزيارة مش قادرين يفهموا حب الأب لبنته.

ناس معندهمش قلب أهم حاجة عندهم الفلوس وسمعة المكان.
لو على الفلوس مفيش أكتر منها عند عمي اللي شفته ده، بس الضنا ميتعوضش، لو بس اقدر أشوفها ولو لساعة واحدة اطمن فيها عليها.
لو تحب أسجلك فيديو تسلم عليها فيه وتديني العنوان اروح أديهولها.
وهو التليفون ده يشبع قلب الأب لبنته، الأب مبيرتاحش غير لما ياخد بنته في حضنه ويتأكد انها بأمان جواه.
والله عندك حق، ربنا يشفيك وترجعلها بالسلامة.
يارب يامسعود يارب.

عن إذنك بقي هروح أدي المريض اللي في الأوضة اللي جنبك علاجه، عقبالك قرب يخرج ويرجع لأمه.
ادعيلي ياراجل ياطيب.
ربنا يشفيك يارب.
خرج الممرض من عنده فارتسمت على وجه أشرف ابتسامة وقد أدرك انه نجح في كسب تعاطف الرجل لينتقل غداً للخطوة الثانية في خطته كي يخرج من هذا المشفي، فليذهب علاجه والعمل لدي هذا الرجل وكل المال الذي سيجنيه إلى الجحيم ان كان سيمر بهذا العذاب كل ليلة لينالهم.

كانت تطرق برأسها منذ قدومها تتظاهر بتناول طعامها بينما كل ما أكلته بضع لقيمات، ترك ملعقته ينوي قطع هذا الصمت قائلاً:
طلبتي تقابليني ليه ياسعاد؟
رفعت إليه عيناها ترى في عينيه رغبته بصراحة مطلقة من جانبها لتترك الملعقة بدورها جانباً، تقول بهدوء:
طلبتك عشان محتاجة أفهم حاجات كتير حصلت في الماضي قبل ماتسافر.
تراجع في مقعده قائلاً:.

وياتري هتستفيدي ايه لما تقلبي في اللي فات؟نصيحة مني سيبي الماضي في حاله اعتبريه صفحة واتقفلت، التقليب في الماضي مش هيجيب غير وجع في الرأس والقلب.
الوجع موجود يامحمد. والجهل هيزوده لان التفكير بيودي ويجيب ويخترع كمان لكن الحقيقة بتريح حتى لو بتوجع كفاية انك بتحس انك شايف مش أعمى العين والبصر.
طالعها للحظات قبل أن يتنهد قائلاً:
عايزة تعرفي إيه؟

موضوع خطوبتك ليا وليه بابا بيكره باباك بالشكل ده. مش معقول عشان بس اترفض من طنط جليلة؟

لأ عشان كدة بس. موضوع أهالينا ده كبير في عين عم توفيق، ابتدي لما كانوا أصحاب زمان وباباكِ حب أمي لكن هي حبت بابايا واتجوزته، فضلته على عم توفيق اللي اتجنن وقتها وشافها غلطة كبيرة من امي تستاهل العقاب والعقاب بالنسبة له كان جوازه من أختها، حب يوريها هي خسرت ايه من خلال جوازه من طنط سميرة، كان بيدلعها وبيصرف عليها وبيسفرها في كل حتة، افتكر انه كده هيغيظ أمي ويكيدها مكنش فاهم ان الحب اللي بين والدي ووالدتي كان اكبرمن فلوس الدنيا كلها، السعادة اللي كانوا عايشينها كانت باينة للكل، سعادة مقدرش يتقبلها توفيق وقادت في قلبه نار وخصوصا لما جيت أنا للدنيا وفرحتهم بية كثمرة حبهم الوحيدة، بعد ماتعبت أمي في ولادتي وشالت الرحم افتكر توفيق ان ده هيقلل من حب والدي لوالدتي خصوصا انه من الصعيد والولاد عندهم عزوة وتوقع انهم يفترقوا بس حب بابا مقلش بالعكس زاد واكتفي بابن واحد من حبيبته احسن من عشرة من واحدة مبيحبهاش ولما جيتي للدنيا وكنتِ بنت زاد غله في قلبه لانه كان عايز ولد يكيد بيه والدي ولما جت اختك الغيرة والحقد كبروا جواه والكره عمي قلبه فاعتبر والدي عدوه وانا كمان اكيد لاني من صلبه.

كانت تطالعه بصدمة، تفسر الآن قسوة أباها الغير مبررة تجاهها وتجاه اختها وأمها ونفوره من الخالة وزوجها.
أما بالنسبة لمشاعري فأيوة طول عمري وانا بحبك بس عارف ان والدك مش ممكن يوافق على ارتباطنا، اول مالاحظت امي مشاعري حكيتلي وطلبت مني أنساكي عشان معذبش نفسي بس خلاص كنت حبيتك واللي بيحب بجد صعب ينسى، حتى لما في مرة اكدتيلي احساسك من ناحيتي، و قلتي عني اخوكي اللي كنتِ بتتمنيه.

كنت غبية. سامحني، لم أدرك مشاعري حتى الفترة الأخيرة.

حتى مشاعرك الاخوية ناحيتي مقدرتش تخليني أتخلى عن أملي في انك تكوني ليا، لما قالولي متقدملك عريس كنت هتجنن، قررت اروح لوالدك ويحصل اللي يحصل، طردني وكتب كتابك تاني يوم علطول. وقتها لأول مرة يإست وبعدها بيومين كان أصعب يوم مر عليا في حياتي، اليوم اللي اتأكد فيه انك بقيتي ملك واحد تاني، مقدرش جسمي يستحمل وجع قلبي وانهرت، وفضلت تعبان أسبوع بحاله بين الحيا والموت ولما فقت قررت انسى بس القرار شيء وتنفيذه شيء تاني، لما شفتك بعد كدة مشفتش جوة عنيكي فرحة بالعكس شفت حزن خلاني متأكد من انك مش سعيدة في حياتك، قررت اكون قريب منك عشان اخد بالي منك واكون مطمن عليكِ، شايفاني اخ هكون بس المهم منفترقش، ومفترقناش كنت دايماً جنبك لما بتحتاجيني بتلاقيني. بس خلاص مبقتش قادر اكون الأخ اكتر من كدة، قربك عذاب ياسعاد زي فراقك تمام. خصوصا بعد ماعرفتي. و عيونك اللي بقيت بشوف فيهم عذاب وحيرة ولخبطة كل ماأبص فيهم.

صمت وقد غص حلقه فقالت بصوت متهدج:
كل ده خبيته جواك طول السنين اللي فاتت دي يامحمد؟
أطرق برأسه قائلاً:.

وأكتر كمان، عمر ما حد حبك قدي ياسعاد لكن الجواز قسمة ونصيب وعشان أرضى ضميري اللي بقى بيوجعني قوي وهتلاقيه لو فضلت بيوجعك أنتِ كمان كان لازم أسافر، انتِ مش سعيدة في حياتك وهتلاقي في مشاعري طوق نجاة ليكِ غصب عنك هتتعلقي فيه وطبيعتك متعرفش تخون، هتجلدي نفسك وفي النهاية هتبقى ضحية ودي حاجة مش ممكن أسمح بيها.
تظن انني لم أحبك بعد؟وأنك ان بقيت سأحبك لأنك تحبني؟آه لو تعلم أني أحببتك حبيبي منذ الصغر.

تباً لغشاوة أحاطت مشاعري فظننتها أخوية بينما هي مشاعر أنثى لرجل كان لها كل شيء واليوم سيفترق عنها تاركاً لها ذكريات تتمنى لو انها كانت كافية لتعيش عليها في سنوات الفراق.
هتسيب خالتي لوحدها؟
فترة صغيرة لغاية ماتستقر أموري وبعدين هبعتلها تجيلي.
هزت رأسها ببطئ تتمنى لو طلبت منه البقاء ولكن ربما الأفضل لو رحل كما قال، نهضت تمد يدها إليه قائلة:
تروح بالسلامة يامحمد وخلي بالك من نفسك.

نهص بدوره يرفع يد مترددة إليها ماان ضمت أناملها حتى ارتعشت الكفوف، وجدت عيونها تتعلق بخاصته وهو يقول:
خلي بالك انتِ من نفسك ياسعاد وطمنيني عليكِ.
تحدثت العيون..
أفتقدك وقد وجدتك للتو.
كالنورس أهفو لمستقر ولكن أجدني راحلا أتنقل بين جنبات السماء ليس حباً بالترحال وإنما مُجبر على الهرب.

كانت هي أول من قطعت اتصال روحيهما حين أبعدت أناملها عن انامله ليشعر بالهجر يشمله منذ الآن تلسعه نيران الفراق ليتساءل وهو يراها تغادر ساحبة معها روحه.
كيف السبيل إلى النسيان والروح تتبع طيف الحبيب في كل مكان؟
نكس رأسه وغادر بخطوات بطيئة بينما توقف رجل على مقربة من المكان يقول بشر:.

بقى الراجل مرمى في المصحة عشان خاطر مراته ومراته بتخونه. لو كان بإيدي كنت خلصت عليها وشربت من دمها بس هستني الكبير لما يخرج عشان ياخد بتاره ويشفي غليله.

كانت تجلس جوار المدفأة تطالع النيران التي تأكل الحطب بشرود، مشاعرها تتعلق بطاهر أكثر فأكثر، تكاد تطلق على مشاعرها حباً بل انه حقاً حب تغلغل إلى كيانها فصار في تكوينها، تفكر به دوماً وتزداد خفقاتها حين تكون معه، بل انها في بعض الأحيان تغلق عينيها فيأتيها صوته يهمس جوار أذنها بإسمها بصوت ناعم محب يزلزل خفقاتها ويبعث الحياة في روحها.
آيات.
نعم مثل الآن تماماً.
البلاك كوفي ياآيات.

فتحت عيونها فرأته يجلس جوارها تعتلي ثغره ابتسامة حانية جذابة بينما يمنحها كوبا من القهوة بيد ويحمل الكوب خاصته بيده الأخرى، أخذته منه بارتباك لا تدري فيم يفكر الآن؟ وهل فطن إلى أفكارها المتعلقة به؟
ارتشفت من قهوتها فاعتلت ملامحها الدهشة قائلة:
قهوة تركي هنا؟ ازاي؟
اتسعت ابتسامته قائلاً:
جايبها معايا من مصر، بن أرابيكا المحمص الغامق بيجيلي مخصوص من تركيا.

رهيب يشبه القهوة اللي بروح مخصوص الكافيه عشانها، ولما هي معاك من أول يوم، ليه دلوقت؟
عشان القعدة الحلوة دي لازم تكمل، دفاية وجو حلو ووجه حسن يبقى ناقص القهوة.
مسمعتكش حبيبتك كانت علقتك.
وأنا عملت ايه يعني؟ قربت منك في اللحظة دي ومسكت ايديكي زي كدة.
وجدته يترك كوبه بينما يتحدث ويمسك الكوب خاصتها يضعه جانباً ثم يمسك يدها بينما يستطرد قائلا:
او بصيت جوة عنيكِ وقلتلك انك أجمل ست شافتها عينيا.

تعلقت بناظريه وهو يقول بصوت تهدجت مشاعره وهو يقول:
أو غمضت عيوني وفي خيالي ضميتك ولمست شفايفك بشفايفي...
وضعت كفها على ثغره تقاطعه قائلة بصوت ضعيف هامس:
طاهر!كفاية عشان خاطري.
قلب طاهر وعمره وحبه الأول والأخير.
أمسك كفها الموضوع على ثغره يبعده وهو يقول:
مش عايزك تخافي مني، حتى لو ضعفتي فأنا لا يمكن أضعف لإني مش ممكن أأذي حبيبتي.

نهض مغادراً المكان ومتجهاً إلى الخارج بخطوات سريعة بينما ظهر الحزن بعينيها ممتزجاً بعشق نحوه، قد غمر قلبها إعجابها بحبه وإخلاصه لحبيبته رغم انه كان من الممكن أن يحصل عليها وقد أضعفها حبها وهذا الجو الدافئ المحيط بها، لا تدري انها هي هذه الحبيبة التي ارادها بكل ذرة في كيانه ولكن ماحال بينهما هو ادراكه أنها لحظة ضعف ستؤذيها وتؤذيه بدوره، ورغم أنه يعدها منذ اللحظة الأولى زوجة له إلا أنه لن يقترب منها حتى تصبح له شرعاً وقلباً، تطالبه بالاقتراب فيلبي ندائها على الفور.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة