قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

بعد مرور عام.
آثرت الوحدة ليس حباً فيها وإنما هروباً من زيف البشر، لأشفي جراحاً عميقة بالروح وأفكر في مجريات أموري، أصحح أخطائي فأعود أنا هذه الفتاة التي عهدتها دوماً من ترى العالم من خلال عيون أبيها صاحب القلب الكبير، الصدر الحانِ الذي ما إن أحتاج إليه حتى أرتمي بين ذراعيه فأجد الملجأ والسكن لأفتخر دوماً أني. ، مُدللة أبي.

تراجع في مقعده يسند رأسه إليه وهو يمرر أنامله على حروفها بحنان، تنهد بعمق مغلقاً ذلك الذي ظنه كتاب أحمر ليكتشف أنه مجلد لذكريات هذه الفتاة التي تعلق بها، تخُط فيه مشاعرها فتسلب قلبه بالكامل كما سلبت لبه من قبل، لقد بات يحفظ كلماتها وكأنها حُفرت بوجدانه، يبحث بينهم عن أي دليل يقوده إليها ولكن لا فائدة. لم يجدها حتى الآن وربما لن يجدها قط، يدرك انه أضاع فتاة أحلامه وأنه لن يرتضي دونها رفيقة لروحه التي تعلقت بها بالكامل وجعلته عاجزاً عن الكتابة حتى، يبحث عنها في كل مكان دون جدوي، لا يبالي بتذمر جلال الذي يطالبه دوما برواية جديدة ولا يهتم لشيء سواها، ربما سيعتزل الكتابة وربما سيظل دوما العازب الأشهر في المدينة ويُغضب جده ولكنه أبدا لن يفقد الأمل في العثور عليها، فتاته الغامضة الرائعة. تري أين هي الآن؟ وماذا تفعل؟

كان تسير شاردة في أفكارها تعتلي ملامحها نظرة حزينة تعبر عن فحوي هذه الأفكار حين أفاقت من شرودها على صوت يناديها توقفت وإستدارت لتتبدل ملامحها على الفور وتعلو ثغرها ابتسامة رقيقة وهي ترى هذا الرجل العجوز الذي يقترب منها وما ان أصبح أمامها حتى قال من بين أنفاسه اللاهثة:
تعبتيني من الجري وراكِ يادكتورة.
أمسكت يده وقادته تجاه مقعد عريض لتجلسه وتجلس جواره قائلة:.

معلش ياجدي، خد نفس الأول. مخدتش بالي والله.
طالعها بنظرة متفحصة تنفذ دوماً إلى أعماقها وهو يقول:
كل ده ومخدتيش بالك، ده انا ناديت عليكِ كتير، أكيد كنتِ سرحانة، ها. قوليلي الجميل سرحان في ايه؟
أبدا مفيش حاجة.
أطرقت برأسها أرضا تدرك أنه سيدرك كذبتها إن إستمر في النظر إليها هكذا وربما بدأت في البكاء لتردف قائلة:
شوية مشاكل بس في الشغل.
وجدت أنامله ترفع ذقنها لتقابل عيناها عينيه العميقتين وهو يقول:.

مشاكل ايه اللي في الشغل تخلي العيون الحلوين دول يدمعوا، انتِ هتخبي على جدو رءوف يابنتي؟
وجدت الدموع تغادر مقلتيها لا إرادياً ليأخذ الجد هذا المنديل الذي لا يفارق جيب بذلته ويمنحها إياه فاخذته تمسح عيونها قائلة بصوت متهدج:
أنا آسفة ياجدي، مش قصدي والله أنا بس مش عايزة أشيلك همي.
ياعبيطة وانتِ لو محكيتيش لجدك رءوف وخرجتي اللي في قلبك هتحكي لمين بس؟
تنهدت قائلة في حزن:.

والله ياجدي وجودك في حياتي هون علية كل حاجة، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه؟
يبقى تحكي من غير مقدمات، إيه اللي مضايقك بالشكل ده؟ رأفت زعلك تاني؟
مطت شفتيها قائلة:
مبقتش أزعل منه خلاص، عمي رأفت بان على حقيقته بالنسبة لي وفهمت كل اللي بيعمله معايا كان عشان إيه؟
عشان الفلوس طبعاً.
هزت رأسها قائلة بمرارة:.

اتجوز ماما بعد وفاة بابا الله يرحمه بحجة انه هيراعيها عشان مرضها ويراعيني وطبعا مينفعش يقعد في البيت من غير رابط رسمي، كان فاكر انه هيقدر يستولي بعدها على الفلوس بتوكيل ماما تعملهوله، مكنش يعرف ان بابا الله يرحمه قبل مايموت كتبلي كل حاجة بيع وشرا وكأنه كان حاسس باللي هيحصل، وطبعا لما عمي عرف بدأ يضايقني عشان اتنازل له وده مش هيحصل أبدا، مهما عمل فية.
ربت رءوف على يدها قائلاً:.

طب مااحنا عارفين كل ده، ايه الجديد بقى؟
طالعته بحزن قائلة:
الجديد انه بعت يجيب ابن عمي من إنجلترا عشان يجوزهولي، وأقنع أمي إني لازم أتجوزه ياإما هفضل طول عمري كدة من غير جواز مستغل طبعا اني رافضة الجواز نهائي بعد مااتخطبت مرتين وطلعوا الاتنين أسوأ من بعض، واحد كان طمعان فية والتاني خاين.
عقد الجد حاجبيه قائلا:
طب والحل؟

مفيش حل زي ماانت شايف، أمي مريضة قلب وتعبت امبارح لما رفضت وزعقت وأنا مش مستعدة اخسرها هي كمان حتى لو اضطريت أتجوزه عشان ارضيها.
قال رءوف بصدمة:
انتِ اكيد اتجننتي، تتجوزي ابن التعبان ده وتضيعي حياتك عشان ترضى أمك؟ هو ابن التعبان هيطلع ايه غير تعبان زيه.
زفرت قائلة:
عصام فعلا حيوان، من صغرنا وانا مبطيقوش ولا هو بيطيقني، ومن سنة كدة شفته واتأكدت انه لسة حيوان زي ماهو.
ولسة مصرة تتجوزيه ياآيات؟

هزت كتفيها بقلة حيلة قائلة بمرارة:
وأنا ممكن اعمل إيه بس ياجدي؟ ماانا حكيتلك ظروفي.
صمت الجد للحظات وظهر على وجهه التفكير لتلتمع عيناه فجأة وهو يقول:
لقيتها.
عقدت آيات حاجبيها قائلة:
هي ايه دي اللي لقيتها؟
الفكرة اللي تنجيكي من فخ رأفت وابنه.
أمسكت بيده قائلة بلهفة:
إزاي ياجدي قولي بسرعة.
طالعها قائلا بتصميم:
تتجوزي حد تاني.
لتتسع عيناها بصدمة.

ربتت مروة على ظهر الصبي بحنان فتجشأ لتبتسم وهي ترفعه عن كتفها فواجهها بعينيه الرماديتين الجميلتين، اتسعت ابتسامتها قائلة:
حبيب خالتو العسل بزيادة، جايب الحلاوة دي منين ياواد انت؟
قابلت كلماتها همهمات من الطفل الذي مد أنامله يمسك وجنتها فقبلت كفه بحنان، سمعت صوت طرقات مألوفة على الباب فأسرعت تجاهه تحمل الصبي وتفتح الباب بابتسامة واسعة وهي تقول:
سوسو حبيبة قلبي وتوتو روحي.

ابتسمت كل من سعاد وطفلتها تقي لتقول الأولي بمرح:
أهي دي المقابلة اللي تفتح النفس، وسعي كدة خليني أحط الأكياس اللي في ايدي وأشيل صاصا وأبوسه.
أفسحت لها مروة الطريق قائلة:
مسمعتكيش مها وانتِ بتقولي صاصا كانت عضتك، لما كنت أسألها عن جوزها و أقولها ايه أخبار صاصا كانت بتديني فوق دماغي. ياريتها كانت عايشة وأنا...

غصت الكلمات حلقها فصمتت بينما نبرة الحزن في صوت مروة أنّ لها قلب سعاد فتركت مابيدها واقتربت من مروة قائلة بحنان:
مها في مكان احسن من هنا صدقيني، ربنا اختارها تروحله هي وصلاح جوزها بس كان رحيم بيكي وسابلك حتة منها. صلاح ابنها. ياروحي عليه قمر ما شاء الله بياخد العقل ربنا يحفظه ويبارك فيه.
رددت مروة قائلة:
يارب.
ثم نظرت إلى الأكياس التي وضعتها صديقتها قائلة بحب:.

تسلميلي ياسعاد، لولاكِ مش عارفة كنت هعمل إيه، ولا هوفق ازاي بين شغلي وصلاح وطلبات البيت؟
ياعبيطة متقوليش كدة احنا إخوات، يلا بقى أسيبك مع العسل ده وأروح مشواري.
انتِ هتروحي لخالتي صفية دار المسنين برضه لوحدك؟ هو لسة الباشا محنش على أمه؟
تنهدت سعاد تنظر إلى تقي التي ابتعدت عنهما تلعب بسيارة الصغير قبل أن تقول:.

أشرف خلاص يامروة المخدرات لحست عقله وخلته يرمي أمه في دار مسنين وميسألش عنها ولو طايل يرميني انا وبنته كمان في الشارع هيرمينا بس مش قادر لإني بصرف على البيت.
وإيه اللي مصبرك عليه ياسعاد؟ ماتسيبيه.

وأروح فين؟ انتِ ناسية لما طردني من البيت آخر مرة وبعدين جالي يرجعني ولما رفضت عمل فضايح قدام البيت، قام بابا جايبهالي على بلاطة وقاللي لو رجعت بيت أهلي تاني غضبانة هيرميني في الشارع هو كمان وان الست العاقلة تحتوي جوزها وتحاجي على بيتها.
يبقى تيجي تعيشي معايا.
أشرف مش هيسيبني وهيفضل ورايا عشان أرجع واصرف عليه. أشرف بقى شراني قوي واخاف يإذيكي يامروة.
لا حول ولا قوة الا بالله. طب والعمل؟

ربنا قادر يحلها من عنده، انا إتأخرت هستأذن دلوقت ولو رجعت بدري هفوت عليكي، يلا ياتقي.
ماتسيبيها قاعدة معايا
وحشت جدتها ونفسها تشوفها. مرة تانية ياقلبي.
مالت تقبل الصغير قبل أن تلوح لمروة بيدها راحلة مع طفلتها لتتابعها عيون مروة بحزن على حال صديقتها.
انت بتقول إيه ياجدي؟ أتجوز؟ لا شكراً. اكتفيت من الرجالة الخاينين في حياتي ومش ناوية أخوض التجربة دي تاني. الحل ده مرفوض نهائي.

ربت الجد على يدها قائلاً بعطف:
مش كل الرجالة خاينين يابنتي وبكرة الأيام تثبتلك.
فتحت فمها لتقول شيئاً ولكنه أسرع مردفاً:
عموماً أنا مبقولش تتجوزي بجد، انا بقول تتخطبي كدة وكدة وتقعدي فترة مخطوبة لغاية ماتقدري تتصرفي. تكسبي وقت يعني.
ومين بس اللي هيقبل يقوم بالدور ده وأكون واثقة إنه مش هيستغل الموقف؟
حفيدي طاهر حسين الفيومي.
عقدت حاجبيها قائلة:.

حفيدك؟ مش ده الكاتب زير النسا اللي فقدت الأمل في يوم انه يتجوز ويجيب طفل يشيل اسم عيلة الفيومي من بعدك.
لتردف بعتاب:
بقى هو ده اللي اخترته يقوم بدور خطيبي ياراجل ياطيب؟
والله ده تاب على ايد واحدة خلته مش شايف غيرها، حبها من كل قلبه والنتيجة انه هيفضل عازب طول العمر.
قطبت جبينها قائلة:
وهو ليه متجوزهاش؟

ميعرفش عنها حاجة الأهبل. اعمل إيه بس فيه؟ مطلعليش. آل إيه كان بيشوفها من بعيد لبعيد، حب روحها اللي حسها توأم لروحه، واختفت قبل مايعرف حتى اسمها.
طب مايدور عليها.
دور عليها كتير. ملهاش أثر ومبقتش كمان تزور المكان اللي اتقابلوا فيه، فص ملح وداب. المهم ان ده هيأكدلك انه مستحيل يخون الاتفاق او يستغل الموقف.
قالت آيات بتردد:
طيب وإيه اللي يخليه يوافق على وضع زي ده؟

طاهر ممكن يعمل أي حاجة إلا إنه يزعلني او يرفضلي طلب.
ماهو رفض يتجوز ويجيبلك حفيد زي ماانت عايز.
شرد الجد قائلاً:
لإني مأمرتوش بالجواز. وأنا مستحيل أعمل كدة لإني اكتر واحد عارف إن الجواز لازم يكون عن حب وإقتناع والنتيجة انه لسة عازب لحد دلوقتي.
ياجدي..
قاطعها قائلا:.

صدقيني هو ده الحل الوحيد اللي قدامك. بكرة الجمعة يوم أجازتك مع الأسف وفي نفس الوقت اليوم الوحيد اللي بيجيلي فيه طاهر. هكلمه. ولو وافق هتقابليه وتتشرطي عليه زي ماانتِ عايزة. قولتي إيه؟
ظهر التردد على وجهها للحظة قبل أن تهز رأسها موافقة، ابتسم بارتياح وكاد أن يقول شيئاً ولكن حضور الممرضة ياسمين قاطعه وهي تقول موجهة حديثها لآيات:
دكتور صديق طالبك في أوضة 7 يادكتورة.

هزت آيات رأسها وإستأذنت من الجد مغادرة بينما تابعها الجد وبقلبه أمنية واحدة ظلت ترددها خفقاته لتنطلق على لسانه وهو يقول:
يارب تكونوا من نصيب بعض يااولادي.
ليخرج صورة حفيده من جيبه يتأملها مردفاً بحنان:
لو هتمنى واحدة ليك مش هتمني غير آيات ياطاهر.
قولتي له إنك جاية تزوريني؟

صمتت سعاد لا تدري أتكذب وتقول لها أنها أخبرته فتحزن تلك السيدة الطيبة لإن ولدها لم يحضر معهما أم تحزنها أكثر إن أخبرتها بما فعله بها حين علم في المرة الماضية أنها كانت تزورها؟
آثرت ان تخفي الأمر قائلة:
أشرف بايت في الشغل من امبارح فمعرفتش اقوله.
ظهر الحزن على ملامح السيدة صفية وبدأت دموعها في التساقط تِباعاً على وجهها وهي تقول:.

لسة ملامحك شفافة ومبتعرفيش تكدبي ياسعاد، أشرف بيشتغل ويبات في الشغل كمان. من إمتى بس؟سبحان الله مش ده أشرف اللي ربيته. منهم لله ولاد الحرام اللي جروه لطريق الشر وخلوه شرب القرف ده وعمل كدة في أمه ومراته وبنته كمان اللي طايلها شره.
ربتت سعاد على يدها قائلة بحنان:
متزعليش منه وإدعيله ياماما ربنا يهديه لعلها تكون ساعة إجابة.
ربنا يهديه يابنتي لأجل خاطرك انتِ وتقى، انا خلاص مبقاليش في الدنيا كتير.

متقوليش كدة ياماما. ربنا يديكي الصحة ويبارك في عمرك.
ربتت صفية على يدها بحنان قائلة:
ويباركلي فيكي يازينة البنات. سامحيني يابنتي، لو كنت اعرف إنه هيعمل فيكي كدة مكنتش دقيت بابكم ولا جيت أطلب ايدك ليه.
رفعت يدها الحرة وربتت على يد السيدة صفية قائلة:
ده نصيبي ياماما متحمليش نفسك فوق طاقتها، وبعدين متقلبيهاش نكد بقى، ده انا جايبالك البسبوسة اللي بتحبيها، امسحى دموعك وتعالي نفتحها وناكلها مع بعض.

نادت سعاد طفلتها التي تلعب بالجوار فلبت الطفلة النداء بينما طالعتهما صفية بقلب شاكر وجودهما في حياتها وإلا لأصيبت بالجنون إثر جحود ابنها الوحيد بكل تأكيد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة