قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

طرقات على الباب أخرجته من المطبخ بسرعة ليري من الطارق قبل أن توقظ هذه الطرقات والدته المريضة وما إن فتح الباب حتى توقف متسمراً بمكانه يطالع بنت خالته سعاد التي فغرت فاهها تتطلع إلى هيئته بمريول المطبخ والسكين في يده لتنطلق منها ضحكة لم تستطع كبحها تضع يدها على فاهها كي توقفها فشعر بكل ذرة في كيانه تغرد على أنغام ضحكاتها، وجد نفسه يبتسم لا إرادياً يرفع كتفيه مفسحاً لها الطريق فدلفت قائلة بمرح:.

غيرت مهنتك من مدرس لشيف ياابن خالتي.
أغلق الباب قائلا:
أعمل إيه بقى؟ وحداني ياسعاد وخالتك تعبانة ولازم أعملها شوربة.
تلفتت حولها وقد زال من وجهها آثار المرح قائلة بقلق:
صحيح هي فين وأخبارها إيه دلوقت؟
إتجه إلى المطبخ قائلا:
الحمد لله أحسن، لسة نايمة من شوية. أخدت أجازة من المدرسة والدروس عشانها، هعملها الشوربة وأصحيها تشربيهالها، مش راضية تاكل أبدا ولما هتشوفك من فرحتها أكيد هتاكل وتشرب.

تبعته للمطبخ قائلة:
طب حاسب كدة. انا اللي هعملها الشوربة بإيدي.
ابتسم وهو يطالعها ترتدي المريول وتُمسك السكين تُكمل تقطيع الخضروات، كم بدت خلابة كما كانت دوما وستظل إلى الأبد، نفض أفكاره عنها فلم تعد من حقه أبدا قائلا:
على فكرة بقى خالتك كدة هتتأمر وهتطلب تاكل من إيدك كل يوم.
توقفت عن تقطيع الخضروات وهي تقول بصوت تسللت إليه بعض المرارة:
ياريت كان بإيدي أجيلها كل يوم وأطبخلها بإيدي. بس للأسف مش هقدر.

صحيح انتِ جيتي هنا إزاي؟
نفضت عنها الحزن قائلة بمرح:
جيت ماشية هاجي إزاي يعني؟
حدجها بنظرته النافذة تلك فأشاحت بوجهها عنه تضع خضرواتها في الطنجرة قائلة:
يعني هكون جيت إزاي يامحمد؟ مقلتش لأشرف طبعا ماانت عارف انه مانعني آجي هنا زي بابا تمام، مش عارفة ليه مبيحبوش خالتي وليه يعني يمنعوني عنها وهم عارفين بحبها قد إيه ومستحيل أسمع إنها تعبانة ومجيش أزورها؟

ربما لا يحب والدك أمي وقطع الصلة بيننا بسببها ولكن زوجك لديه أسباب أخرى فقد أدرك مشاعري تجاهك حين عرفت لأول مرة أنه يضربك، وقتها ذهبت إليه وقد أعماني الغضب وكِلت له بعض اللكمات ثم هددته إن فعلها مجددا فسأقتله. ليمنعك بعدها من زيارتنا كما أخبرتني وقتها متعجبة من قراره المتعنت آنذاك.
محمد يامحمد.
كان قد غرق في أفكاره وذكريات أطلت من الماضي فلم يشعر بالوقت حتي أفاق من شروده على صوتها ليقول مغمغماً:.

اممم. بتقولي حاجة؟
رفعت طبق الشوربة الموضوع على صينية ليكون على مرمى بصره قائلة:
خلصت الشوربة.
ابتسم قائلا:
يبقى تعالي بسرعة نصحيها، مش عايزك تتأخري وتحصل مشكلة بينك وبين أشرف بسببنا.
ابتسمت قائلة:
كل المشاكل تهون قصاد اني آجي وأشوفكم وأقعد معاكم ياابن خالتي، طول عمري برتاح بس هنا. ، وطول عمر البيت ده هو بيتي الحقيقي يامحمد.

قالت كلماتها و سبقته إلى حجرة خالتها بينما تابعها هو بعينيه لا تدري ماذا فعلت به كلماتها وكأنها بثت فيه حياة، تخيلها هنا معه في منزله ليصبح هذا المنزل حقاً منزلها الحقيقي، نفض خيالاته مجددا وهو يدرك الحقيقة الوحيدة. والحقيقة هي انه لا أمل في ذلك مطلقاً وقد صارت ملكاً لآخر حتى وان كان هذا الآخر. ، لا يستحق.
لأ طبعاً مستحيل اعمل كدة ياجدي، شوفلها حد تاني.
قال الجد:
مينفعش، مش هآمن حد عليها غيرك.

نهض(طاهر) قائلاً بحدة:
وأنا مالي ومالها بس هي كانت من بقية أهلي.
انت بتزعقلي ياطاهر؟
أسرع طاهر يقبل يد الجد قائلا:
انا آسف ياجدي مكنش قصدي والله بس انت عارف اللي في قلبي.
اقعد ياطاهر وإسمعني.
جلس طاهر مجدداً فاردف الجد قائلا:
أنا عارف إنك متنيل بتحب ذات الكتاب الأحمر ومش هتتجوز غيرها.

نبرة الجد الساخرة أثارت غيظ طاهر لإستهانة جده بمشاعره ليعود ويعترف أن جده لا يستهين بمشاعر الحب أبداً ولكن جل ما يُثير غضبه هو إصرار طاهر على عدم الزواج بغيرها مما يحول بين الجد وبين الحصول على حفيد في وقت قريب، انتبه من أفكاره على صوت الجد وهو يقول:
ياطاهر انا مبقولكش اتجوزها، انت بس هتخطبها لحد ما يفقدوا الأمل في انهم يجوزوها لابن عمها وساعتها كل واحد فيكم هيروح لحاله.

وهو فيه في أيامنا دي جواز بالإجبار؟ ماترفض تتجوزه وتريحنا.
ماقلتلك عمها ماسكها من ايدها اللي بتوجعها، مامتها المريضة.
تلاقيه بس عايز يخلص من بوزها ونكدها.
مين قالك بس انها نكدية؟
انت مش بتقول عندها 27 سنة ولسة متجوزتش، يبقي اكيد نكدية أو وشها يقطع الخميرة من البيت.
قال الجد متأففاً:
بالذمة دي ألفاظ كاتب! طب لعلمك بقى البنت حلوة قوي ودكتورة قد الدنيا. يعني ألف واحد يتمناها.
عقد طاهر حاجبيه قائلاً:.

أومال ليه قابلة بالوضع ده؟
لإنها رافضة الجواز نهائي، خطوبتين عقدوها من الرجالة.
تجارب فاشلة يعني.
رفع الجد شفتيه بسخرية قائلاً:
زيك تمام، بس هي لسة مقابلتش اللي يغير رأيها زي حضرتك ماقابلت ذات الكتاب الأحمر.
زفر طاهر بضيق قائلاً:
مش كل شوية هتتريأ ياجدي، أنا مش عارف انت مش طايقها ليه وانت متعرفهاش أساساً؟
يعني انت اللي تعرفها؟

أيوة اعرفها، ده انا حتى حاسس اني معرفتش حد قدها في حياتي دي كلها، كلامها قربني منها بشكل لا يمكن تتخيله، انا تقريباً مبقتش أنام غير لما أقرا من كتابها وكأن كلماتها تعويذة بتريح قلبي وبالي.
سيبنا دلوقتي من سيرة أميرة أحلامك دي وخليك معايا في أرض الواقع بتاعنا، ها. قلت إيه. هتقوم بالمهمة الإنسانية دي؟
زفر طاهر قائلاً:
ولو اني معترض ومش مرتاح للموضوع ده كله لكن عشان خاطرك ياجدي أنا هقبل بشرط.

رفع الجد حاجبه فأردف طاهر بسرعة قائلاً:
أقعد الأول وأتكلم معاها.
هيحصل. إيه رأيك في بكرة تيجي تقعد معاها وتتكلموا؟
بكرة كدة علطول؟
خير البر عاجله.
بر إيه ياجدي؟ دي تمثيلية مش جوازة حقيقية.
آه آه طبعا، المهم عايزك تاخد بالك في تعاملك معاها ياطاهر، حركاتك بلاش منها. البنت معقدة وبتكره الرجالة وفاكراهم كلهم خاينين. مش عايزين نزود عقدها.
شرد طاهر قائلا:.

متقلقش ياجدي مبقتش أعمل حركات. انا خلاص وقعت في الحب ومبقتش أشوف قصادي غير صورة حبيبتي وبس.
صبرني ياااارب.
انتفض طاهر على صوت جده نافذ الصبر قبل أن يقول:
بقولك إيه ياجدي ما تنسي آيات دي دلوقتي وقولي مش ناوي تيجي تعيش معايا وتسيبك من دار المسنين دي؟
لا ياخويا انا مرتاح هنا، انت واحد مش فاضيلي وعلطول جوة صومعتك مع كتبك وأبحاثك. لكن الوضع في الدار مختلف. انا هنا ليا أصحاب ومعارف ومرتاح 24 قيراط.

هفضيلك نفسي. اوعدك مش هتحس بالوحدة أبداً. انا مفيش حد عندي أغلى منك.
ولا ذات الكتاب الأحمر؟
جدددي.
ربت الجد بيده على يد حفيده قائلا بحنان:
صدقني انا بجد مبسوط ومرتاح في المكان ده، ولو في يوم حسيت اني متضايق هتلاقيني جاي لوحدي لحد عندك.
أعتبر ده وعد؟
ابتسم الجد قائلا:
وعد ياابن حسين.
ابتسم طاهر بدوره بارتياح فما إن يناديه الجد باسم أبيه حتى يشعر بوجود روحه بالجوار يشاركه لحظاتهم كالأيام الخوالي.

كانت تحرك مهده بروية تهدهده كي يتعمق في النوم حتى تستطيع إنهاء مهامها وتحضير درس الغد، مالت تكاد تقبله ثم خشيت ان توقظه فتراجعت تبتسم ثم تُرسل له قبلة هوائية، تركت الباب موارباً حتى تستطيع سماعه إن إستيقظ واتجهت إلى المطبخ حين سمعت طرقات على الباب. أسرعت تجاهه تفتحه لتعقد حاجبيها حين طالعتها تلك العيون الرمادية في وجه متجهم ينظر إليها وكأنها قد أخذت منه فنجال القهوة خاصته ثم سكبته على بذلته التي تبدو غالية الثمن، أخذت نفساً عميقاً تتمالك به نفسها قبل أن تقول بفظاظة وجدتها رداً مناسباً لنظرته النافرة تلك:.

نعم. أي خدمة؟
مال فمه قليلاً لتبدو كبداية إبتسامة ساخرة مالبثت أن اختفت لتعود البرودة إلى ملامحه وهو يشد من قامته قائلاً بنبرة بدت لها متعالية:
آنسة مروة نصار؟
لم تجبه وقد شعرت بعدم الإرتياح لهذا الرجل تماماً رغم أنها شعرت بأنه يبدو مألوفاً إلى حد ما ولكنها قالت ببرود:
مين حضرتك؟ وعايز إيه؟
أنا هنا بخصوص صلاح صلاح بدران.
عقدت حاجبيها بشدة بينما يردف قائلاً بلهجة ممطوطة الأحرف:.

اما أنا فأبقى عمه. ماهر سعيد بدران.

اتسعت عيناها بصدمة تدرك أمام من تقف الآن. إنه رجل الأعمال قاس القلب الأخ الأكبر لزوج اختها الراحل. الرجل الذي رفض بتعنت زواج أخيه من فتاة فقيرة لا اصل لها ولا عائلة على حد قوله، وهدد أخاه بالحرمان من الميراث فلم يأبه صلاح لتهديده وتزوج اختها ورحل معها إلى الأقصر حيث إلتقاها حين كانت برحلة أثناء عمله هناك ليستقرا بالمدينة حتى آن موعد وضعها فعادت إلى القاهرة كي تضع وليدها ولكن للأسف توفت بالحادث فاضطروا لإخراج الطفل منها بسرعة ومنحوها إياه.

هفضل واقف على الباب كتير؟
أفاقت من شرودها على صوته فقالت بلهجة ممتعضة حملت شعورها نحوه:
مش هقدر أسمحلك بالدخول. زي ماانت شايف انا عايشة لوحدي ووجودك جوة بيتي في وقت زي ده ممكن يضر بسمعتي.
مجدداً تلك الابتسامة الساخرة التي تثير غيظها لتتمني فقط لو صفعته بقوة فتزيلها عن وجهه للأبد. مال بوجهه قائلاً:
بيتهيألي الكلام اللي جاي أقولهولك مش هينفع اقوله على السلم، عموماً لو مش عايزة تدخليني.
هز كتفيه مردفاً:.

عادي مش هتفرق كتير، ممكن ببساطة مكتب المحامي بتاعي يستدعيكي ويبلغك بيه. عن إذنك.
محام وحديث حول الطفل. تباً لم تستعد لهذا اليوم مطلقاً، ترددت للحظة ثم حسمت رأيها في حين كان يستدير مغادراً فاوقفته قائلة:
أستاذ ماهر.
إبتسم للحظة قبل أن يمحي إبتسامته مستديرا يطالعها بهدوء، فأشارت له بالدخول ليشير بسبابته لنفسه قائلاً:
أنا.
وقح ذلك الماهر ومغرور أيضا، تمالكت نفسها قائلة ببرود:
ايوة انت إتفضل.

دلف إلى المنزل يتطلع إليه بنظرة متعالية بينما تابعته بعينيها قبل أن تقول ببرود:
قول اللي عندك بسرعة من فضلك لإني مش فاضية ولازم أحضر درس بكرة قبل ماصلاح يقوم من النوم.
استدار ينظر إليها وهو يمط شفتيه قائلاً:
بتشتغلي مدرسة؟
قالت بنفاذ صبر:
أستاذ ماهر أدخل في الموضوع علطول أكيد مش جاي من اسكندرية مخصوص تسألني بشتغل إيه.
معاكي حق. انا جاي بخصوص صلاح.
عقدت حاجبيها متوجسة وهي تقول:
جاي تشوفه؟

هز رأسه نفياً قبل أن يقول:
لآ. جاي آخده.
اتسعت عيناها قائلة:
تاخده فين؟
حدجها بنظرة نفذت إلى أعماقها فأثارت الرعب في أوصالها مع حروفه وهو يقول بثبات:
هاخده إسكندرية لجدته كريمة هانم الرملي.
لتتسع عيونها في صدمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة