قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

كان يجلس منتشياً بروح قد أصابها جليد قاس فجمدها يطالع جثة صديقه الغارق بدمائه. وجد نفسه يضحك بهستيرية. ثم ينهض مترنحاً وهو يشير إليه:
تستاهل ياسعيد. مش انت اللي بخيت السم في وداني و حرمتني منها يبقى تستاهل كل اللي يجرالك.
ليتجمد واقفاً وعيناه تملؤها الحسرة قبل أن تُغرقها الدموع وهو يقول:.

لأ مش انت السبب. أنا السبب. ضعفي السبب. وجودي وسطيكم هو اللي خلاني اعمل كدة. خلتوني أشرب طبعا ماهو لو مشربتش مبقاش راجل. وهو الراجل برضه يضيع حياته ومستقبل ويإذي مراته ويضربها لأتفه سبب؟ الراجل يرمي أمه في الشارع فمتلاقيش ملجأ ليها غير دار مسنين؟ أمه اللي عاشت عشانه طول عمرها وضحت بكل حاجة حتى نفسها. مستني ايه من واحد اتحلست دماغه بسبب الهباب اللي بنشربه ده. أكيد في الاخر هيقتل حد بيحبه بسبب أوهامه ومش بعيد يقتل نفسه. أصل خلاص مبقاش فيه حاجة أعيش عشانها ياسعيد. أمي وأكيد كرهتني ومراتي وابني ماتوا بايدية حتى بنتي هيحرموني منها لاني قتلت أمها يبقى هعيش ليه ياسعيد. بتقول ايه؟الدنيا حلوة. لأ الدنيا وحشة قوي ولازم أنساها. آه لازم أنساها وأنسى اللي شفته فيها. أروح أشرب كمان يمكن أنساها وأرجعلك نكمل كلامنا ماشي. متمشيش. ها؟

ذهب يفتح هذا الدرج الخفي الذي رأي مغاوري يخرج منه أكياس المخدرات ليسحب كيساً آخر، اقترب من الطاولة مترنحاً ووضعه عليه ثم استنشقه كاملاً قبل أن يرجع ظهره إلى الخلف ويرفع وجهه إلى السماء.
جبتنا هنا ليه ياماهر ومروحتنيش علطول؟انا حقيقي تعبانة ومحتاجة أنام.
مكنش ينفع تعدي الليلة قبل ماقلبي يرتاح واقول كل اللي جواه.
وايه اللي جواه؟
بحبك.

تسارعت خفقاتها كأنهم في سباق واضطرب جسدها بالكامل، مع حروف تسمعها لأول مرة طربت لها آذانها وتمنت أن تسمعها مراراً وتكراراً ولكنها فجأة تذكرت عليّة ليظهر الحزن على وجهها وهي تطرق قائلة:
وعليّة والتزامك ناحيتها وخوفك عليها...
قاطعها قائلاً:
بصيلي.
رفعت عيونها تجاهه فقال بحنان:.

اوعي تخبي عيونك عني تاني، عيونك هم اللي سحروني وخلوني أحبك. نظرة البراءة اللي جواهم. قوتهم لما حد بييجي عليكِ. شغفهم بالحياة. فرحتهم وحزنهم. عيونك هم مراية قلبك واللي بيعرفوني كل حاجة عنك.
تعلقت عيناها بخاصته تتيه في جمال أحرفه ومشاعر غمرتها تلقاء سماعها هذه الكلمات حتى أنها نسيت كل شيء حال بينهما ليذكرها هو قائلاً:.

أما بالنسبة لعليّة فمش هنكر اني بحبها بس زي أختي، التزامي ناحيتها ثابت بس هيتغير من التزام الخطيب لالتزام الأخ. هي بنفسها اللي طلبت مني ده وحذرتني من اني أضيعك من ايدية لأنك نصي التاني وحبي الحقيقي.
طالعته بعيون لا تصدق ماتسمعه فأردف قائلاً:.

مروة انتِ لازم تعرفي ان رفضي لجواز أختك من أخويا زمان كان غصب عني، كنت متأثر بتجربة مرة، حبيت فيها واحدة زميلتي في الكلية. مهمنيش هي مين. أصلها فصلها. المهم اني حبيتها وخلاص، بعدها اكتشفت قد ايه هي طماعة وخاينة وده جرحني قوي. جه أخويا اللي المفروض خاطب بنت عمي وعايز يتجوز باسم الحب وانا كنت كفرت بالحب وفي عينية كل الستات كانوا طماعين، بيدعوا الحب عشان يوصلوا لرصيد الراجل في البنك، رفضت وقلتله عليّة أولى بيك، من دمك وعيلتك ومش طمعانة فيك. صمم واتجوز مها. وقتها عليّة انهارت ودخلت المستشفى وحاولت تنتحر، كرهت اختك لأنها كانت السبب في كل ده وصممت أكتر اني أرفض العلاقة اللي بينها وبين أخويا. جمعني بعليّة الجرح هي انجرحت من أخويا ومبقتش تآمن للحب وأنا كمان انجرحت من نفين وحرمت الحب علي قلبي وكان لازم نرتبط عشان تكمل وتلاقي دافع تعيش عشانه، كنت عايش مرتاح وشايف اني اخترت صح. لحد مااخويا مات وبدأت ثوابتي كلها تنهار ولما شفتك قضيتي على آخر ثوابت كانت واقفة بتقاوم قدام قلبي، قدرتي تسكنيه غصب عني ورغم كل محاولاتي لصد حبك عنه. قدرتي تملكيه بكونك أنتِ مروة البنت الرقيقة القوية اللي ضحت بكل حاجة عشان طفل وجت دلوقتي بتضحي بالطفل اللي حبيته من كل قلبها عشان خاطر سعادتي. عشان متفضلش قدامي وتضعفني. عشان تقويني وتخليني أكمل مع عليّة رغم ان ده بيدبحها. مش كدة؟

هزت رأسها وقد تساقطت دموعها ليمد يده ويمسح هذه الدموع بحنان قائلاً:
وتفكري ممكن أتخلى عن واحدة بحبها بالشكل ده وبتحبني بالهبل ده؟
ماهر.
قلب ماهر وعمره كله.
أنا. أنا..
قوليها بقى. مستنية ايه؟
أنا مش مصدقة اللي بسمعه.
طالعها يرفع حاجبه فأطرقت برأسها خجلاً وهي تقول:
وبحبك. بحبك قوي.
بصيلي.
رفعت عيناها إليه فأردف قائلا وهو يتأمل ملامحها بحب:
قلتلك متخبيش عيونك عني. قولي بقى الكلمة دي تاني.
بحبك.

تعرفي عايز دلوقت أعمل إيه؟
إيه؟
آخدك على أقرب مأذون ونتجوز. بس عارف ان فرحتنا مش هتكمل من غير حبايبنا وعشان كدة مضطر أأجل جوازنا لحد ماصاحبتك تبقى بخير و نعمل الفرح اللي يليق ب..
قاطعته قائلة:
عيلة بدران.
هز رأسه يقول بابتسامة:
لأ. يليق بيكِ ياأميرتي.
ابتسمت بدورها بحب ليمد يده ويمسك يدها يقربها إلى ثغره ويقبلها بحب ملك جوارحها وجعل خفقاتها تردد اسمه بجنون.

ياسميرة قعدتنا هنا ملهاش لازمة انتِ سمعتي الدكتور قال ممنوع الزيارة. قومي بينا أروحك البيت..
قاطعها قائلة بحزن:
مبقاش ينفع أرجع البيت أصل توفيق خيرني بينه وبين بناتي واخترت بناتي ياجليلة.
أخيراً فقتي.
أطرقت برأسها قائلة:
فقت بس بعد ايه؟النهاردة كان ممكن أخسر واحدة فيهم وعشان ايه؟ واحد عمره ماشافني وكان آخدني وسيلة ينتقم بيها من أختي.
لترفع عيناها المغروقتان بالدموع قائلة:.

كان فيكي ايه ياجليلة مش فيا. ليه مقدرش ينساكي ويحبني؟
جلست جليلة جوارها تمسك يدها قائلة بحنان:.

مكنش فيكِ أي عيب. بالعكس كنت الزوجة اللي بيحلم بيها أي راجل بس هو كان معمي بنار الانتقام. رجولته اللي اهانتها واحدة لما رفضته وفضلت واحد تاني عليه. أصعب حاجة في الدنيا لما الانتقام يسيطر على تفكير حد أول مابيضيع بيضيع صاحبه ياسميرة وأهو انتِ شفتي خسر ايه توفيق. بناته واصحابه وشغله والوقت كمان خسرك. فاضله ايه يعيش عشانه؟
هزت سميرة رأسها تمسح دموعها قائلة:.

صحيح هو الخسران. خليه كدة قاعد لوحده ياكل في نفسه وانا هدورلي إن شا الله على أوضة أسكن..
قاطعتها جليلة قائلة:
تدوري على أوضة وبيت أختك موجود. ده اسمه كلام برضه؟
أنا مش عايزة أتقل عليك...
قاطعتها مجدداً قائلة باستنكار:.

كلام ايه ده اللي بتقوليه. ده بيت أختك ياهابلة يعني بيتك. قومي بينا ناخد البنات اللي ملهمش ذنب دول في القعدة دي. نروح البيت. ناخد حمام وناكل لقمة ونغير ونريح شوية وبعدين نتكلم للصبح، وحشتني القعدة معاكِ والكلام ياأختي.
وسعاد؟
قلتلك في العناية وممنوع الزيارة. ده غير أن محمد قاعد معاها ومش هيمشي زي ماقالنا. يبقى يلا بينا احنا ومن الفجرية نيجي تاني.

هزت سميرة رأسها باستسلام. تنهض لتنهض جليلة بدورها تستدعي الفتيات نهال وتقي اللتان بدا عليهما الإرهاق من كثرة البكاء، ثم تخبر محمد برحيلهم ليصر على توصيلهم ثم العودة إلى المشفى فالوقت متأخر ولن يأمن أحد سواه عليهم.
قال طاهر لجده وهو يراقب المخزن من خلال نظارته الليلية المعظمة:
مكنش لازم تيجي بنفسك ياجدي، كان كفاية تبعت فريق الشركة الأمني، انا مش هعرف أركز على المهمة وأنا قلقان عليك.

ياابني ده انا حاربت في 73 وعديت خط بارليف. خايف عليا من حتة مخزن زي ده وشوية عيال زي دول؟خاف على نفسك انت ومتقلقش عليا.
ماشي ياجدي. الوضع زي ماانت شايف. مش عارف ليه جامع كل رجالته في المكان ده وكأنهم بيحرسوا حاجة أكبر من آيات.
وهو فيه حاجة أكبر وأغلى من الروح ياابني؟
عندهم الأرواح رخيصة وملهاش تمن. عموما هنهجم زي مااتفقنا، ماتسمع كلامي ياجدي وتخليك هنا.
طالعه بنظرة جعلته يقول بسرعة:.

خلاص خلاص اللي يريحك.
نهض يشير للرجال فتقدموا تجاه المخزن بخفة، يضع كل رجل عيناه على هدفه، يتسللون في الظلام مستغلين نظاراتهم الليلية وعنصر المفاجأة يدركون أن الغلبة لهم لا محالة.

تطلعت آيات من خلال نافذة المكان الذي تجلس فيه كسجينة إلى السماء، تتأمل نجومها للمرة الأخيرة ربما، فمن يعلم قد لا ترى ليل آخر وقد استطاع عمها خطفها يهددها اما أن تتخلى عن ثروتها بإرادتها أو تتخلى عنها جثة هامدة، وماأبقاها الليلة حية سوي قبولها التنازل عن أملاكها في مقابل إطلاق سراحها، ليخبرها بأنه سيحضر لها الأوراق لتمضيهم في الصباح.

اغروقت عيناها بالدموع ثم انتفضت على صوت نيران كثيفة من جهة الغرب تتجه نحو الرجال ربما لجذب انتباه الخاطفين، حدقت في الخارج بقوة آملة أن يكون هو من جاء لإنقاذها، رأت من جهة الشرق قوة هجومية متسللة حاصرت الخاطفين، نيران كثيفة وسقوط بعض الضحايا، تنهمر الرصاصات من جميع الاتجاهات تحصد الرجال، غمامة كبيرة ورائحة دخان غمرت الجو، تراجعت إلى داخل المكان. لحظات ووجدت الباب يُفتح ويظهر علي بابه طاهر يوجه سلاحه لأحد رجال عمها وماإن رآها حتى شملها بنظرة اشتياق وراحة أطاحت بثباتها، ضرب رأس الرجل بكعب سلاحه فوقع مغشياً عليه جريا تجاه بعضهما البعض تلقى آيات بنفسها في حضنه فضمها إليه بحنان قائلاً:.

مش مصدق انك بين ايديا بجد.
أنا قلت مش هشوفك تاني وده خوفني أكتر من موتى.
أخرجها من حضنه ومد أنامله يتلمس ملامحها الرقيقة بينما تعلقت عيناها بخاصته قائلاً:
بعيد الشر عنك ياحبيبتي. قلتلك طول ماأنا عايش وفيا نفس متخافيش
أغمضت عيناها هامسة:
بحبك ياطاهر.

ترددت حروفها في أذنه فثارت خفقاته. كاد أن يلثم كل إنش بوجهها ولكن التقطت أذناه صوت اقتراب بعض الأرجل من المكان، فقام بالتنحي معها جانبا ثم إطلاق نيران مسدسه ما أن ظهر الرجل على الباب ليخر أرضا، انتفضت بوجل فقال لها بسرعة:
لازم نخرج من هنا. المكان زي مايكون ترسانة أسلحة وحاطط عليها عمك جيش يحرسها.

أسرعا بالخروج يتجهان للباب ليتوقفا وقد وجدا ثلاثة رجال في نهايته حاولا التقهقر وقد حوصرا لتوقن آيات أنهما على وشك الموت ولدهشتها لم تخشاه هذه المرة وهي تدرك انها ستموت معه وبين يديه.
أما هو فشعر أن وجودها جواره يمنحه قوة بلا حدود.

لم تكن جملة فارغة بل كانت حقيقة، لن ييأس حتى اللحظة التي يلفظ فيها أنفاسه الأخيرة، تطلع حوله يبحث عن مخرج، انطلقت رصاصة مرقت بينهما فوجه طاهر سلاحه يطلق رصاصة أصابت يد الرجل فأطاحت بسلاحه ثم صوبه تجاه زجاج نافذة قريب قائلاً:
احمي وشك.

أطلق رصاصته فتحطم الزجاج، ثم قفز من النافذة يسحبها معه إلى الخارج تتبعهما رصاصات المجرمين فقام بعض رجال جد طاهر بالقضاء عليهم وهم يؤمنون طريقه، اشتبكوا مع آخرون بينما تنحي طاهر بها في طريق جانبي متجهين إلى سيارته. كادا ان ينجحان بالفرار ولكن قاطعهما وجود احد رجال عمها امامهما، يوجه سلاحه تجاههما وما ان أطلق الرصاص حتى انتفضت آيات لتزفر براحة وسلاح الرجل يعلن عن فراغه من الطلقات، القاه جانبا وهو يتخذ وضعاً قتالياً، لينحي طاهر حبيبته جانباً ويتخذ بدوره وضعاً قتالياً، هاجمه الرجل أولاً فتفاداه طاهر بمهارة، عاود الرجل هجومه بشراسة يكيل لطاهر لكمة تلقاها ببساطة على ساعده ثم اندفعت قبضتاه بتتابع تكيل للرجل اللكمات في مختلف انحاء جسده حتى سقط بالنهاية فاقداً للوعي، ضاقت حدقتا طاهر وهو يبحث عن سيارته حتى وجدها فاندفع إليها، يفتح الباب لآيات فدلفت إليها ثم أسرع يقفز برشاقة إلى الجانب الآخر يقود السيارة بسرعة مغادراً المكان وهو يأخذ جده في طريقه آمراً الرجال بالتقهقر. بينما يدوي في المكان صوت سيارات الشرطة.

أهو ده بالظبط اللي مخليني باعد عن سكة الهباب اللي بنبيعه ده. شفت يامطاوع آخرة المخدرات. عرفت ليه منعت رجالتي يقربوا منها؟أهو وبعد ماكان راجل صنايعي وكسيب ومحدش زيه. بسببها قتل صاحبه وخاني وطمع في جرعة زيادة فقابل وجه كريم.
ليبصق على جثة أشرف قائلاً:.

يلا كلب وراح. صحيح خير تعمل شر تلقى. خدوهم وارموهم في اي صندوق زبالة وابعت حد ينضف الدم ده. هروح مشوار وأرجع ألاقيكوا خلصتوا. مفهوم؟ انا ورايا سهرة النهاردة في البيت هييجي من وراها شغل عالي قوي. يلا مستني ايه؟ مش طايق أشوف خلقته قدامي.

أسرع مطاوع مع رجاله يحملون الجثتين بينما غادر مغاوري المكان يشعر بأنه على وشك التقيؤ وقد أثار هذا المشهد ضميره الذي دفنه منذ زمن بعيد، يسرع بخطواته تجاه بيت عشيقته توحة علها تنسيه بأنوثتها كل شيء، حتى بقايا ضميره.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة