قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

الأخير
نهض الجد قائلاً:
الوقت إتأخر. هقوم أمشي عشان ترتاحوا. حمد الله على سلامتك يابنتي.
نهض كل من طاهر وآيات بدورهما لتقول الأخيرة:
الله يسلمك ياجدي.
قال طاهر برجاء:
ماتبات معانا النهاردة، مش لازم ترجع الدار.
قال الجد:
لأ لازم عشان هفوت على صفية في المستشفى أوصلها في سكتي. قاعدة مستنياني في الكافتيريا بعد الكل مامشي.
قال طاهر:
أخبار مرات ابنها ايه دلوقت؟

في العناية، هتبقى بخير بإذن الله، المشكلة في صفية. ابنها ضاع خلاص وحرق قلبها عليه. هياخد إعدام أو أقل مافيها مؤبد.
والله حرام. الست الطيبة دي متستهلش كدة.
ابتلاءات يابنتي. ربنا يصبرها على ابتلائها. بالمناسبة الرائد لبيب قاللي ان المجرمين اللي قبضوا عليهم اعترفوا على عمك وابنه ودلوقت بيصدروا أمر ضبطه وإحضار، الموضوع طلع أكبر من خطفك ومحاولة قتلك. دول طلعوا بيتاجروا في المخدرات.

اتسعت عينا آيات بصدمة بينما قال طاهر بحماس:
قلتلها. والله قلتلها. إحساس الكاتب اللي جوايا لا يمكن يكدب.
هز الجد رأسه موجهاً كلماته لآيات قائلاً بحنان:.

كدة انتِ خلصتي منهم ياآيات وآن الأوان تفرحي يابنتي. متتخيليش فرحتي انك طلعتي البنت اللي كان طاهر بيحبها ونفسه يلاقيها، تعرفي لما طلبت منه يخطبك كدة وكدة. كان نفسي التمثيلية تقلب حقيقة وتنسيه ذات الكتاب الأحمر لاني مكنتش أتمنى لحفيدي واحدة غيرك. طلعتي انتِ هي وحفيدي طلع بيفهم بجد لما قاللي مستحيل هقدر أنساها ياجدي أو أفكر في غيرها لإني أول ما عيني شافتها قلبي قاللي هي دي اللي اتخلقت من ضلعك ياطاهر.

مست روحها كلماته التي قالها لجده، فحانت منها نظرة إليه لتجده يطالعها بعشق، شعرت بالخجل فعادت بعينيها سريعاً إلى الجد الذي ابتسم مردفاً:
ربنا يهنيكم ياولادي.
ثم مال مقبلاً رأس آيات فقال طاهر:
أنا كدة هغير على فكرة.
بس ياولد لآخدها في ايدي وأنا نازل.
أسرع طاهر يمسك يدها يسحبها تجاهه فوقعت في حضنه ليتأمل مقلتيها العشبيتين قائلا بحب:
تاخدها ايه بس؟ ده انا ماصدقت لقيتها.

سحبت نفسها من حضنه وقد شعرت بنفسها تذوب خجلاً فابتسم الجد قائلاً:
بكرة هاجي آخدك من بدري ياآيات تحضري القبض عليهم..
قاطعته قائلة:
لا ياجدي. مش عايزة أشوفهم.
براحتك يابنتي. تصبحوا على خير.
تلاقي الخير ياجدي.
غادر الجد بينما قال طاهر لآيات:
حابة تنامي؟
هزت رأسها نافية فابتسم قائلا:
يبقى نعمل اتنين قهوة تركي ونقعد نتكلم شوية.

ابتسمت فأمسك يدها يسحبها معه تجاه المطبخ وكأنه يأبى أن تبتعد عن ناظريه لثوان، تشعر بحبه لها في كل لحظة فيزداد العشق ثورة في شرايينها، لقد ازدادت حباً لكتابها الأحمر الذي جعل كل ماحلمت به وظنته مستحيلاً حقيقة تعيش تفاصيلها.

كانت بدرية تحمل كيس كبير على ظهرها به ماأمكنها إيجاده في مكب النفايات في الشارع الجانبي، خفيف حملها لا يكفي لتحصيل قوتها هي وأطفالها، تأمل ان تجد في هذا المكب شيء تستطيع بيعه كي تعود إلى أطفالها فقد كلّ البدن من كثرة المشي والبحث. سمت بالله واستدارت حول الصندوق لتتسع عيناها رعباً وهي ترى جثتين ملقيتان على جنب لتنطلق من أعماقها صرخة هزت الحي بأكمله.

كانت تجلس في سريرها قد جافاها النوم، فرغم ان حالة صديقتها مستقرة والطبيب قد أخبرهم أنها ستكون بخير إلا أنها رغماً عنها تشعر بالقلق، تتمنى فقط لو خرجت سعاد من سباتها وتحدثت معها، تعلم أنها مسألة وقت يستعيد فيه الجسد عافيته ولكنها تتعجله ففي رؤية صديقتها تتحدث وتضحك من جديد حياة. تضحك؟ كيف تضحك وقد مرت بأسوأ مايمكن أن يتعرض له المرء؟الخيانة. لقد غدر بها من آمنته على نفسها. تساءلت في حيرة مريرة:.

كيف يستطيع المرء دفن آدميته ليقتل روح خلقها الله؟ كيف يستطيع أن يسلب حياة دون أن يرف له جفن؟ أي شيطان تملكه ليقتل ملاك كسعاد؟ وما الذي فعلته لتستحق رجل مثل هذا الأشرف؟ لاشيء. هو ابتلاء من الله إذاً وقد أنقذها منه. عسى أن يكون القادم خيراً.

تنهدت. ياالله. كم تحتاج وجوده الآن حدها ليربت على يدها ويمنحها الحنان والأمل، أغلقت عيناها لتشعر به يضمها ويربت بيد حانية على شعرها يخبرها أن كل شيء سيكون على مايرام. سمعت صوته يهمس بأذنها. فقط اخلدي للنوم وغدا سيكون أفضل بإذن الله.
صوت رسالة أخذها من أفكارها وجعلها تفتح عيناها لتري هاتفها وتطالع رسالة من محور أفكارها ماهر فحواها.
لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي.

وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ
وجدت ابتسامة تظلل ثغرها تلمس الكلمات بأناملها، جاءها على الفور اتصالاً وارداً منه فأجابته قائلة:
ألو.
إيه اللي مصحيكي لحد دلوقت؟
وإيه اللي مصحيك؟
انتِ.
صمتت فأردف:.

ماتقوليلي بقى ان أنا كمان اللي مسهرك واني وحشتك لدرجة انك مش قادرة تنامي وعايزة ترغي معايا للصبح وان كلمة بحبك مبتفارقش خيالك ولا ثانية ومطيراكي فوق في السما..
قاطعته قائلة:
حيلك حيلك. ايه ده كله؟مش للدرجة دي طبعاً.
قال باحباط:
بقى كدة يامروة؟ده معناه اني بحبك اكتر مابتحبيني.
ابتسمت قائلة:.

وليه متقولش اني عديت المرحلة دي وبقيت بحس انك جنبي لدرجة اني حرفياً دلوقتي في حضنك وبتطبطب عليا عشان أنام وأنا مش راضية أسيب حضنك وأنام.
بجد يامروة؟ انتِ دلوقتي في حضني؟
غمض عنيك. حس بية. أنا أهو. جوة حضنك. سامعة دقات قلبك.
تنهد قائلاً:
كنتِ فين من زمان؟
مستنياك.
اتأخرتي قوي.
المهم اني جيت والنصيب جمعنا.
صمت فأردفت بعد لحظات:
سكت ليه؟
بفكر.
في إيه؟

في صلاح. بعد ماحسيت بالحب الحقيقي اللي قاللي انه لاقاه في مها حسيت بالذنب من ناحيته بيكبر جوايا. تفتكري سامحني؟
أكيد.
اللي بحاول أخفف بيه عن نفسي احساسي بأنه كان سعيد في حياته قبل مايموت.

مها كانت دايماً تقولي عنه جملة مفهمتهاش غير لما حبيتك. قالتلي هتتمني في شريك حياتك حاجات كتير يمكن متلاقيهاش فيه بس هتلاقي ان هو ده وبس اللي كان ممكن تكملي معاه وانك لو رجع بيكِ الزمن واتخيلتي شريك حياتك هتتجسد صورته قدامك. هتبقى عايزاه زي ماهو كدة بعيوبه ووميزاته لان شخصيته دي هي اللي حبيتها ولاقيتيها بتكملك وهو الوحيد اللي هتحسي ان حضنه ملجأك وأمانك وراحتك وقت ماتحتاجيه بس تغمضي عنيكِ هتلاقيه جنبك بيديكي كل اللي تحتاجيه وأكتر حتى لو كان مجرد طيفه.

مروة.
ياعيون مروة.
أنا عايز أتجوزك في أقرب وقت.
سعاد بس تقوم بالسلامة وهنتجوز، من غيرها مش هتكمل فرحتي.
انتِ كدة هتخليني أدعيلها ليل ونهار.
قالت بدلال:
مستعجل؟
أثبتهالك ازاي دي؟أنا مش قادر أبعد عنك ثانية من ساعة ماقلتيلي بحبك. متخلنيش أجيلك البيت حالا.
تجيلي فين يامجنون؟
بيتك ياحبيبتي ما انتِ خلاص ياماما بقيتي مراتي من اللحظة اللي اعترفتيلي فيها بمشاعرك. فاضل بس عقد المأذون وشهادة الشهود.

لما نكتب العقد نبقى نقعد لوحدينا ياشاطر. أصل الشيطان أشطر منك وانت حلو قوي وممكن أستغل الفرصة. أنا بحذرك أهو.
ابتسم قائلاً:
انتِ شايفاني حلو.
ها. لأ. مش قوي يعني. هي عنيك تسحر حبتين. لأ متسحرش ولا حاجة دول حتى مش شبه الممثل كريس ايفانز أبداً.
امم. مش شبه كريس ايفانز، قلتيلي. مروة روحي نامي عشان انتِ فعلا بتزوديها وممكن دقايق وتلاقيني عندك.
لأ. تيجي فين؟ أنا هنام طبعا. أنا نمت خلاص. تصبح على خير.

تلاقي الخير ياحبيبتي.
أغلقت الهاتف تضمه إلى صدرها بحب قبل أن تغمض عيناها على صورته التي تجسدت أمامها تبتسم وقد شعرت بيده تربت على شعرها بحنان ترسلها إلى عالم الأحلام لتضمه أحلامها كما واقعها.

وقف محمد أمام نافذة العناية المركزة يطالع حبيبته النائمة بقلب يتمزق ألماً على حالها، وضع يده على الزجاج يتمنى لو اخترقه ليمسك يدها يخبرها ان تتمسك بالحياة لأجله، فهذه اللحظات التي شعر فيها تضيع منه كانت أسوأ لحظات حياته على الإطلاق. استند بجبينه على الزجاج يناجي روحها.
حبيبتي.
وكأنك تملكين أعماقي.
لايعرفني أحد قدر ماتعرفينني ولا أعرف أحداً قدركِ.

أغترب عن العالم بأجمعه وأكتفي بكِ وكأن الكون أنتِ وأنتِ فقط محوره وكينونته.
إكتفيت بقربك حتى وإن كان عذاباً.
فعذاب قربك يهون ان قورن بعذاب الفراقَ.
وحين صار البعاد واجباً، استبقاني ندائك فصار الواجب حراما.
آه كم أتوق لأري غادرك فأشرب من دمائه وأكسر عظامه.
قد حرمني وصلك بالماضي البعيد وقد كاد يحرمني وجودك فلعنة الله عليه أراه الله لوعة القلب وحرقة الفؤادَ.

نزلت دموعه تباعاً يدرك أنها لن تنضب حتى تقر عينيه برؤية مقلتيها وتطرب أذنيه بسماع صوتها. عسى ذلك أن يكون قريباً.
لا حول ولا قوة الا بالله. أقولها ايه الست الغلبانة دي؟ اقولها ان ابنك راح منك وانتِ روحك فيه.
قال الضابط بعملية:
ياأستاذ رءوف كدة كدة كان رايح، اللي زي أشرف ده نهايته بتبقى معروفة. ياالسجن ياالموت.
أطرق رءوف برأسه قائلا:
انا لله وانا اليه راجعون.

المهم دلوقتي هنحتاج والدته في المشرحة عشان تتعرف عليه بعد تقرير الطب الشرعي. هتقدر تجيبهالنا ولا نستدعيها من الدار؟
قال رءوف بحزن:
لأ هجيبها أنا بنفسي وربنا يستر بقي لما تشوفه.
هز الضابط رأسه فهو يعلم معزة الأبناء في قلوب أمهاتهم حتى وان كان هؤلاء الأبناء كهذا الأشرف.

كانت تطالعه بعيون غشيتها الدموع. تتلمس وجهه بأنامل مرتعشة. يصرخ قلبها من الوجع ويإن من الألم. عقلها وقلبها غير قادران على استيعاب فقدانه. ودت لو صرخت.
طفلي.
فلذة كبدي.
لا أصدق أنها لحظة الوداع
هل توقف قلبك عن الخفقان حقاً؟
هل هو لقاؤنا الأخير؟
أكاد أجن.
أتذكر لحظاتك الأولى حين احتضنتك بين ذراعي
توسمت فيك هناءي وسندي في الكبر
وكبرت تناديني أمي فاكتفيت بها سر سعادتي.
حتى حين جحدتني أملت في توبة.
ماهذه؟
دموع؟

هل ينعيك جسدي وأذرف دموع الفراق؟
هل تقبلت الحقيقة الفاجعة؟
هل رحلت دون وداع؟
دون صفح؟
ألم تأتي وتطلب مني العودة إلى كنفك؟
هل رحلت وقلبي يإنّ من أفعالك؟
رحماك ياالله.
ارحم صغيري.
قد زال الحزن من قلبي فلا أحمل له الآن إلا ذكريات طفولته.
لن أذرف دمعي مجددا منه بل سأذرفه عليه وأبتهل ان تسامحه.
قد عصاك مُجبراً سلب عقله ماحرّمته عليه.
فسامحه من أجل أم أقسمت ان تمنحه السعادة في الدنيا والآخرة.

رضيت ياالله فامنحه غفرانك عسى أن تجمعنا جنتك.
فلا قلبي يتحمل جهنم المصير لولدي حتى ان كان عاصياً فقلبك ياكريم غفور.
تعالي نشيجها تحتضنه بقوة، خشي عليها رءوف من حزنها فحاول ان يثنيها عن ذلك، تشبثت بولدها فسحبها مرغماً يخرجها من المشرحة وما إن خرجت حتى تهاوت على الأرض مغشياً عليها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة