قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والعشرون

في مشفى الجندي الخاص
إتسعت مقلتي المدبرة عفاف في صدمة حقيقية حينما رأت أوس وهو يكافح للحفاظ على إتزانه، ويسير بترنح في إتجاهها..
هتفت بصوت متقطع:
-آآآ.. أوس باشا!
إنقبض قلبها بشدة، وزاغت عينيها وهي تحاول فهم ما الذي حدث له.. فحالته الصحية والجسدية مقلقة للغاية..

تركت حقيبة يدها على المقعد المعدني، وسارت بخطوات أقرب للركض في إتجاهه، ومدت يدها لتسنده وهي تقول بتوتر:
-هات إيدك يا باشا
دفع يدها الممدودة إليه، ونهرها بشدة وهو يرمقها بنظرات حادة من طرف عينه:
-مش عاوز مساعدة من حد!
تراجعت خطوة للجانب، فهي لا تريد إثارة المشاكل معه، فحالته غير مبشرة على الإطلاق.. وربما إذا أثارته يهتاج عليها، ولن تعرف كيف توقف ثروة غضبه التي تعلمها علم اليقين..

بدون أي تردد أجابته قائلة:
-اللي.. اللي تشوفه حضرتك
إنزلقت قدم أوس العارية وهو يحاول الوصول للجانب الأخر من الرواق، فسقط على وجهه..
فشهقت عفاف برعب، وصرخت قائلة:
-أوس باشا
نظر لها بشراسة، ورفع يده في وجهها قائلاً بإصرار:
-متقربيش مني، أنا رايح لتقى!
ثم صرخ عالياً وهو يتلفت حوله:
-هي فين ؟ فييييين ؟

كانت تلك هي المرة الأولى لعفاف التي ترى فيها رب عملها على تلك الحالة الواهنة، هي إعتادته قوياً عنيفاً، لا يعبأ بشيء.. الكل يخشاه، يهابه، واليوم هو لا حول له ولا قوة.. يبدو كالبشر الطبيعين حينما يصيبهم المرض..
صرخ أوس مجدداً بصوت أكثر حدة قائلاً:
-فين تقى ؟ فيييييين مراتي ؟
أفاقت عفاف من شرودها على صوته الهادر، وإبتلعت ريقها، ثم أشارت بإصبعها نحو غرفتها، وأجابته بخوف:
-ه.. هناك!
زحف هو على ركبتيه إلى أن وصل للحائط الأخر، ثم أسند نفسه حتى وقف على قدميه.. وسار في إتجاه غرفتها..

في المصعد
نظر كبير الأطباء بنظرات قوية لهؤلاء الثلاثة ذوي المظهر الشعبي، وأردف قائلاً بصرامة:
-أنا مش عاوز فضايح هنا، دي مستشفى محترمة، وليها سمعتها
أجابه منسي ببرود وهو يرمقه بنظراته الساخطة:
-ماشي يا ضاكتور، واحنا جايين لتقى وبس
تسائل أحمد بإهتمام بالغ وهو مسلط نظراته على كبير الأطباء قائلاً:
-هي كويسة صح ؟

مسحت فردوس عبراتها بطرف كم عباءتها، وقالت بصوتها المختنق:
-أنا مش عاوزة إلا بنتي وبس، خليني أخدها في حضني!
حذرهم كبير الأطباء قائلاً:
-مش عاوز قلق ولا مشاكل!
هز منسي رأسه موافقاً وهو يرد عليه بنبرة ممتعضة:
-ماشي يا ضاكتور، ودينا بس عندها.

تابع كبير الأطباء حديثه بصوت جاد ب:
-عاوز أفهمكم إن احنا طالعين على العناية المركزة، وهناك ممنوع الزيارة فيه
سأله أحمد بقلق واضح في نبرة صوته ب:
-عناية مركزة! هي عندها ايه ؟
وضعت فردوس يديها على صدرها وغمغمت بتوجس:
-سترك يا رب
لم يجيبهم كبير الأطباء بل سلط أنظاره على اللوحة الرقمية التي تشير إلى رقم الطابق..

وضع أوس كفيه على الحائط الزجاجي، وتنهد في إنهاك وهو يسير بتثاقل في إتجاه غرفتها..
تمكن هو من رؤية تقى التي أوصلها لهذا الوضع المأساوي..
زاد إتساع عينيه الحانقتين وهو يراها كالجثة الهامدة من خلف الزجاج..
تشنجت قسمات وجهه أكثر، وهو يقاوم تلك الغصة المريرة في حلقه..
مسح بأصابعه على الزجاج، وهتف بصوت شبه مسموع:
-ت.. تقى!

وقفت عفاف على مقربة منه، وراقبت تصرفاته الغير قابلة للتصديق..
لم تصدق عينيها رغم أنها ترى وتسمع بنفسها ما يفعله..، وتسائلت بإندهاش شديد في نفسها:
-مش ممكن يكون ده الباشا أوس، استحالة يتصرف كده، لألألأ.. أنا مش مصدقة عيني! معقول يكون إتغير، معقول يكون حس بالمصيبة اللي عملها، في حاجة مش مفهومة، طب ليه اتغير ؟ ليييه ؟

لمحت من على بعد بضعة ممرضين وهم يقتربون منهما، فوزعت نظريها بينهم وبين أوس.. وأردفت بتوجس:
-أنا.. أنا لازم أكلمهم، ماينفعش يجوا الوقتي.. دي.. دي فرصة يحس بالندم على اللي عمله معاها!
لمعت عيني أوس بشدة وهو يراها هكذا.. لم يطرأ أي تغيير في حالتها.. فمنذ أن أدرك جرم فعلته معها، وهو يتعذب بذكريات جريمته..
فمتعة التلذذ بها وهي خانعة و تحت طوعه، تلبي رغباته الشاذة والمريضة.. حيث يأخذها قسراً، ويترك أثاره على جسدها.. تلاشت مع رؤيتها كالجثة الهامدة على فراش الموت..

أدرك فداحة جريمته النكراء، وذكرته حالتها بحالته حينما كان في مثل وضعها.. عاجزاً ضعيفاً رافضاً للحياة
هو مر بتجربتها في السابق، والآن يُعايشها مجدداً ولكن من خلالها، وأشد قسوة وآلم..
فاليوم هو الجاني وليس المجني عليه..

سارت المدبرة عفاف في إتجاه الممرضين، وأشارت لهم بكفي يدها وهي تهتف قائلة:
-ثواني كده!
نظر لها أحد الممرضين بإستغراب سائلاً إياها ب:
-في إيه يا مدام ؟
وزعت عفاف أنظارها بينهم، وتسائلت بتوتر:
-إنتو جايين عشان الباشا أوس ؟
أومأ أحدهم برأسه وهو يجيبها بصوت رسمي:
-ايوه.. واحنا عندنا تعليمات ب آآآ..

قاطعته بجدية شديدة وهي تشير بيدها:
-أنا فاهمة شغلكم كويس، بس هو عاوز يكون مع مراته، يفضل جمبها!
رد عليها الممرض الأخر بصوت جاد:
-يا مدام الدكتور مؤنس قايل لازم يكون تحت الملاحظة، لأن تصرفاته ممكن تكون آآآآ..
قاطعته مجدداً وهي تبرر قائلة:
-الدكتور مؤنس مش هايحس باللي حصل ليه ولا لمراته، وبعدين بصوا كده، هو مستسلم خالص، مافيش منه أذى
أردف الممرض قائلاً الثالث بنبرة إصرار:
-بس ال Nurse ( الممرضة ) بلغتنا إنه اتعامل معاها بعنف.

تنهدت في آسى وهي تجيبه بحزن:
-ده عشان عاوز يشوف مراته، وده مطلب إنساني، إنتو مش شايفين هي عاملة ازاي ؟
تجهم وجه الممرض الأول وهو يجيبها بإنزعاج:
-كده إنتي هاتعمليلنا مشكلة مع الإدارة، ومع مدير المستشفى وآآآ..
قاطعته تلك المرة بإصرار واضح وهي تتفحص ثلاثتهم:
-طب أنا جاية معاكو وهاكلمه بنفسي
أشار الممرض بيده وهو يتابع بنبرة رسمية:
-مش قبل ما يرجع أوضته الأول.

نظرت له عفاف بضيق وردت عليه بنبرة شبه محتدة وهي تشير بإصبعها محذرة:
-إنتو كده عاوزينه ينفعل فعلاً ويخرج عن شعوره
سألها أحدهم بإستفهام وهو يلوح بيده:
-يعني المطلوب مننا إيه ؟ مش هانقدر نسيبه، إحنا كلنا مكلفين هنا نكون تحت خدمته!
أجابته بهدوء حذر وهي تهز رأسها:
-ما أنا بأقولكم أنا هاتكلم مع مدير المستشفى.

نظر الثلاثة إلى بعضهم البعض في حيرة، وأردف الأخير بجدية:
-ماشي، واللي يقول عليه هانعمله
تنهدت في إرتياح وهي تجيبه بخفوت:
-أوكي..!
-طيب اتفضلي معانا!
-حاضر
وبالفعل سارت عفاف بصحبتهم تاركة أوس بمفرده ليحظى بفرصة البقاء مع تقى دون أن يمنعه أي أحد...

بخطوات ثقيلة تحرك أوس في إتجاه باب الغرفة، وأمسك بيد مرتجفة المقبض ودلف إلى الداخل..
رأته الممرضة التي كانت تتفقد حالتها، فشهقت في خوف قائلة:
-أوس.. أوس باشا
نظر لها بصرامة وهو يصرخ بحدة:
-برا
هزت رأسها موافقة، وأجابته دون أي إعتراض ب:
-ح.. حاضر
خطت الممرضة إلى خارج الغرفة بخطوات أقرب إلى الركض بعد أن أثرت عدم المجادلة معه.. فهي تعلم مقدار غضبه..

تابعها هو بنظراته المحتقنة إلى أن أغلقت الباب خلفها، فأدار رأسه في إتجاه تقى، وهتف بصوت شبه مختنق:
-أنا.. هنا
سلط عينيه اللامعتين عليها، واقترب من فراشها، ثم جلس على طرفه، ومد يده ليمسك بكفها البارد، وتحدث قائلاً بهمس:
-برضوه لسه بتهربي مني ؟ ما أنا قولتلك مش هاسيبك، ولا هابعد، فوقي وكلميني
إحتضن كفها بين راحتيه، ثم رفعه إلى وجهه، وأسنده على وجنته، وأغمض عينيه وهو يتابع بصوت حزين:
-كان نفسي أكسر الضعف اللي جوايا، أقضي على الكابوس اللي ماسبنيش للحظة، على عجزي وأنا مش عارف أعمل حاجة.

أغمض عينيه ليقاوم عبراته التي تجمعت بكثافة في مقلتيه، ثم أكمل بصوت مليء بالغصة:
-و.. ويوم ما لاقيتك وقفتي قصادي، وواجهتيني من غيري ما تحسي إنك خليتيني أعيش أسوأ حاجة ممكن الواحد يعيشها تاني..
إبتلع تلك المرارة في حلقه وهو يتابع بتنهيدات آسفة:
-فكرت إني لما.. لما أكسرك وأخليكي تعيشي اللي أنا شوفته، هابقى قضيت عليه ودمرته زي ما دمرني
بلل كفها بعبراته الحارقة، وإنتحب بشهيق مكتوم وهو يترك لمخيلته أن تعيد تلك الذكريات المأساوية التي طالما جاهد لنسيانها...

توجهت تهاني إلى عملها تاركة صغيرها بصحبة ذلك الشيطان اللئيم المسمى زوجها..
نظر له أوس بخوف شديد، وركض مسرعاً في إتجاه غرفته، وأوصد الباب عليه..
جلس على فراشه، وضم ركبتيه إلى صدره، وأحاطهما بذراعيه، وظل يهتز بحركة ثابتة..
كان الصغير أوس مسلطاً عينيه الحادتين على باب الغرفة، مترقباً بين لحظة وأخرى إقتحام زوج أمه لها..

مر بعض الوقت وهو على تلك الحالة إلى أن شعر بالإطمئنان.. فتمدد على الفراش، وبدأ يستسلم للنوم.. ولكنه إنتفض مذعوراً على طرقاته الخافتة على الباب وهو يهتف بنبرة أقرب لفحيح الأفعى:
-أوس.. إنت نمت ؟ افتح لأنكل ممدوح يا حبيبي، ده إحنا هنلعب شوية مع بعض.. ايييه ؟ مش بترد عليا ليه ؟ أنا عارف إنك صاحي وسامعني، افتح الباب يا أوس!
جحظ الصغير بعينيه، وإرتجف في مكانه بشدة..
لم ينبس بكلمة، وإنكمش على نفسه أكثر وهو يستمع إلى صوته الخبيث وهو يتابع قائلاً:
-افتح يا أوس، أنا مش هستنى كتير!

ثم إزدادت الطرقات عنفاً على الباب، وكذلك صوته الحاد وهو يضيف بنبرة آمرة:
-افتح، وإلا هاكسر الباب وهدخلك برضوه!
تراجع الصغير أوس على فراشه، وإحتمى بوسائده وظل يهز رأسه رافضاً لتهديداته المخيفة، ولم يكف جسده عن الإرتعاش..
هدأت بعد لحظات طرقاته العنيفة، وساد الصمت لدقيقة قبل أن يستمع لصوت أنثوي غريب يصدح في أرجاء المنزل بطريقة مائعة..
نهض هو بحذر من على الفراش، وسار على أطراف أصابعه في إتجاه باب الغرفة، وأسند أذنه على مقربة منه ليصغي بإنتباه تام لما يُقال في الخارج
لم يتبين الهمهات التي كانت تصدر..

ولكنه إستمع لصوت تأوهات وضحكات رقيعة، وبعدها صراخ خافت مصحوب بأنين مكتوم.. فإرتجف أكثر..
وتراجع مسرعاً ليختبيء أسفل فراشه..
ثم سد أذنيه بكفيه، وصرخ بصوت خافت:
-بس بقى، كفاية! كفاية!
إنتفض فزعاً في مكانه حينما إستمع لصوت الطرقات يعود من جديد على باب غرفته، ولكنها كانت أكثر قوة، ويتبعها صوته المقيت وهو يقول:
-افتح يا أوس! أنا مش هاسيبك، إفتح.

حبس أنفاسه، وإتسعت عينيه في هلع وهو يراقب عقب الباب من أسفل فراشه..
ثم سمع صوت ضحكة مائعة لأنثى وهي تضيف ساخرة:
-خلاص يا دوحة، إنت أكيد خليت الواد يعملها على نفسه من الخوف
رد عليها ممدوح قائلاً بصوت متوعد:
-هو أنا عملت حاجة يا حلوة، ده لسه لما يشوف إيدي عليه، وأنا هاخليه آآآ..
قاطعته وهي تضحك بميوعة:
-طب ما تيجي إنت آآ.. هههههههههههه، إنت فاهم بقى!
أجابها بصوت وضيع ب:
-وماله، نشوف كيفك يا قمر، وبعدين نرجع نظبطه.

سألته قائلة بجدية وهي ترفع أحد حاجبيها:
-على كده إنت مش خايف لأحسن يقول لمراتك على اللي إنت آآ.. ؟
هتف نافياً بثقة واضحة ب:
-ده أجبن من إنه يفكر بس يلمحلها، هو عارف كويس أنا ممكن أعمل معاه ايه
تنهدت بحرارة وهي تسأله بإعجاب:
-أووه، ده إنت واثق من نفسك بقى ؟
رد عليها قائلاً بثقة بالغة:
-طبعاً.. ده أنا ممدوح والأجر على الله
ثم إبتعد صوتهما إلى أن تلاشى تماماً.. فتنفس الصغير الصعداء لرحيلهما.. و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة