قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والعشرون

تنفس الصغير أوس الصعداء لرحيلهما، وإرتخت عضلات جسده الهزيل، وسأل نفسه بخوف:
-ليه بتعمل معايا كده ؟ ليه أنا ؟
وبدأت العبرات تتسرب من عينيه، وكور قبضته بغل وضرب بها الأرضية الصلبة باكياً بحنق:
-مش عاوز أعيش معاه، أنا بأكرهه، بأكرهه، ليه بتسبيني لوحدي يا مامي معاه، ليه ؟!...

في مشفى الجندي الخاص
فتح أوس عينيه المغرورقتين بالعبرات، ونظر إلى تقى بحسرة كبيرة..
سكونها المريب يذبحه بقسوة، أنفاسها الضعيفة تجلده بلا رحمة..
أخذ نفساً عميقاً، وزفره ببطء ليتابع قائلاً بمرارة أشد:
-كنت بأموت في اليوم ألف مرة بسببه يا تقى، كان نفسي أكون قادر عليه وقتها، بس كنت عاجز قدامه، مشلول مش قادر أعمل حاجة!

أخذ نفساً عميقاً وحبسه داخل صدره، وأردف بصوت متشنج:
-أنا لحد الوقتي بأحس بكل حاجة عملها فيا، ولما بأشوفه قصادي بقى نفسي أخنقه بإيدي لحد ما روحه تطلع، بس بأحس إني عاجز قدامه، مش قادر أعمله حاجة!
صمت للحظة، وأخفض عينيه وهو يكمل قائلاً بخفوت يحمل الإنكسار:
-ببان قدامه إني قوي ومحدش يقدر عليا، بس.. بس أنا من جوايا آآ.. ج.. جبان، بترعش منه، ماهو اللي حصلي منه مش قليل يا تقى!

إبتلع ريقه بتوتر شديد، وتلاحقت أنفاسه وهو يضيف:
-أنا كنت زيك كده.. ضعيف مكسور، عمر حد ما كان هيصدقني لو قولت حاجة، هو قدامهم كان ليه جبروت، و هيبة، وأنا.. أنا محدش هيدافع عني قصاده!
إختنق صوته أكثر وأردف ببكاء:
-عارفة يا تقى أنا شوفت فيكي نفسي، شوفت ضعفي جواكي، حسيت بعجزي معاكي!
زاد نحيبه وهو يقول:
-أنا خوفت منك لما لاقيتك قصادي، حسيت إني بقيت مكشوف، الكل هيعرف اللي حصلي!

مسح أوس بأنامله عبراته المنسابة على وجنتيه، وأخذ نفساً عميقاً، وظل صامتاً لعدة دقائق..
أغمض عينيه.. وتنهد بصوت مكتوم..
ثم أطرق رأسه في خزي وهو يتابع قائلاً بصوت مختنق:
-كنت بسأل نفسي مليون مرة ليه بيعمل معايا أنا بالذات كده ؟ ليه بيتبسط لما يلاقيني قصاده عاجز ؟ كنت فاكر إني لو قولت لأمي هتحميني منه، بس هي وقت ما بتكون في حضنه بتنسى كل حاجة إلا عنفه معاها!

إختنق صوته أكثر وإزداد نشيجه وهو يكمل:
-طب ايه المتعة في إنه.. في إنه ينام مع الستات ويضربهم وهما يتبسطوا معاه؟ ايه اللي كان بيلاقيه في تعذيبهم؟ ده حتى.. حتى أمي كانت راضية باللي بيعمله معاها، وبتحبه، وهو كل يوم بيزيد قوة، فإزاي هتصدقني لما أقولها إنه.. إنه بيلمسني، ب آآ..!
أرجع رأسه للخلف، وحدق بسقفية الغرفة، ثم أخرج تنهيدة حارقة تعبر عن تلك النيران المتأججة في صدره..
صرخ بصوت متآلم ب:
-آآآآه.. آآآآآآه.

أخفض رأسه قليلاً، ونظر حوله وهو يتحدث بخفوت:
-هأقولك على حاجة يا تقى محدش يعرفها!
سلط أنظاره عليها، وهمس قائلاً بضعف:
-النار لما كانت حواليا في مكتب ماما، أنا مخوفتش منها، كان ممكن ألحق اخواتي البنات وأنقذهم من الموت، بس خوفت عليهم، خوفت لما يكبروا يعمل فيهم زي ما كان بيعمل فيا، مكونتش هاقدر أحميهم منه.. أنا فرحت إن كلنا هنرتاح منه ونموت!

إلتوى فمه بإبتسامة زائفة وهو يتلفت حوله بريبة، ثم عاود النظر إلى تقى الهادئة أمامه، وتلمس وجنتيها بأطراف أصابعه.. ثم أرخى قبضته عن كفها.. وإنحنى عليها بجذعه ليمد ذراعيه من خلف ظهرها، ثم رفعها إليه وضمها إلى صدره، وأسند رأسه على كتفها، وهمس في أذنها بشجن جلي وقد بدأ جسده في الإرتعاش:
-بس للأسف، هما ارتاحوا، وأنا لأ.. أوس الصغير إندبح على إيده يا تقى، إندبح ومحدش عرف بده!
ثم أغمض عينيه وتشنج وهو يتذكر كيف أغتيلت برائته...

كان الصغير أوس يشاهد الفيلم الكرتوني المعروض على شاشة التلفاز الصغير بغرفته بالمشفى - عقب إنقاذه من حريق مكتب والدته - حينما ولج ممدوح إلى الداخل وعينيه تشتعلان بالغضب الجم..
فإنتفض في فراشه، وإبتلع ريقه بخوف واضح..
أوصد ممدوح الباب من خلفه، ولم يحيد بعينيه الحمراوتين عنه..

أدرك الصغير أوس من نظراته المخيفة المسلطة عليه أنه قاب قوسين أو أدنى من خطر محدق..
إقترب من فراشه ذاك الذي يبغضه وملامح وجهه متصلبة للغاية، ثم نظر إليه بإزدراء قبل أن ينطق بشراسة جلية وهو يكز على أسنانه قائلاً:
-يا ريتك مت مع اللي ماتوا، لكن إنت فضلت عايش، هما اتحرقوا، وإنت اللي بقيت!
إرتعد جسد الصغير وهو يرى علامات الشر تزداد وضوحاً عليه..

كان غير قادر على الحركة، إنكمش على نفسه أكثر، وحاول أن يبدو أمامه صلباً، ولكنه كان يموت رعباً مع كل ثانية تمر وهو بمفرده معه..
كشر ممدوح عن أنيابه وتابع بصوت محتقن وهو ينظر له بنظرات مخيفة:
-بناتي اتحرقوا، لأ وإنت اللي تعيش! مش بعيد تكون إنت اللي عملت ده فيهم!
رأى الصغير أوس في عينيه نظرات الإنتقام، فخشي على نفسه، وتسارعت دقات قلبه، وتلاحقت أنفاسه..

حاول هو أن يتراجع في فراشه ليهرب منه، لذا إستند بكفه على جانب الفراش، وجاهد ليحمل جسده للخلف، ولكن إمتدت يد ممدوح لتقبض على معصمه، وتعتصره بقوة آلمته.. فصرخ متأوهاً:
-آآآآه.. سيب ايدي!
إبتلع ريقه بصعوبة وهو يحاول أن يبدو متماسكاً أمامه رغم حالة الذعر المسيطرة عليه..
صاح ممدوح بغلظة وهو يحدجه بنظراته المميتة ب:
-مش هاتعرف تهرب مني يا أوس!
-ابعد عني
قالها الصغير بصوت شبه متشنج رغم وهنه، وكافح ليخلص قبضته الضئيلة.

اقترب منه ممدوح بشدة، ونظر مباشرة في عينيه، وهتف بلهجة حادة تحمل الوعيد:
-تفتكر أنا ممكن أسيبك عادي كده تفلت بعملتك من غير ما أنتقم منك!
تسربت القشعريرة إلى بدن الصغير أوس، وإرتعد أن يتحول الأمر إلى الأسوأ.. ففكر أن يدافع عن نفسه، فليس أمامه أي مهرب منه..
وبالرغم من نظراته الخائفة، وشفتيه المرتجفتين حاول الصغير أن ينطق بشجاعة زائفة:
-مش أنا اللي موتهم!
جذبه ممدوح نحوه بقسوة من معصمه، وصرخ فيها بهياج قائلاً:
-إنت كداب.. كداب!

هتف الصغير محتداً وهو يحاول تخليص قبضته:
-أنا مش بأكدب
هز ممدوح رأسه معترضاً وهو يتابع بإنفعال:
-لأ كداب، وأمك كانت عارفة إنك معاهم وسيباك تاخد بالك منهم، لكن إنت قتلتهم، حرقتهم!
تحشرج صوت الصغير وهو يدافع عن نفسه قائلاً:
-قولتلك مش أنا!
صر ممدوح على أسنانه بعنف، وضيق عينيه الشرستين وهو ينطق بوعيد:
-مش هاتعرف تضحك عليا يا أوس! مش هاتعرف المرادي!

رأى الصغير أوس في عينيه إصراراً رهيباً على الإنتقام منه في ذنب لم يرتكبه، فإبتلع ريقه في توجس عجيب، وهتف بوهن:
-أنا مش فاكر حاجة
أطبق ممدوح كفه على ذقن الصغير، وإعتصرها بأصابعه القوية، وصرخ فيه بصوت محتد وهو يرمقه بنظراته النارية:
-بس أبوك فاكر وعارف إنت عملت إيه
وضع الصغير أوس يده الضعيفة على قبضته القاسية، وحاول تخليص فكه المتألم وهو يهتف بصوت مختنق:
-ابعد عني.

قرب ممدوح وجهه من وجه الصغير، واخترق بنظراته جسده الهزيل، وهدر قائلاً:
-مش قبل ما أقضي عليك، وللأبد!
جحظت عيني الصغير، وهو يناضل للحفاظ على نفسه من براثنه، فصرخ بذعر:
-هاه، لألأ..!
كانت عيني ممدوح لوحدها كافية للتعبير عما بها من شر مستطر..
وفهم الصغير نواياه الخبيثة تجاهه.. وحاول أن يذود بنفسه، وخدشه بكفه في ساعده، وفي وجهه.. ولكن كانت قوته لا تذكر مقارنة به..
لم تهتز شعرة واحدة لممدوح بعد أن عقد النية على إغتيال طفولة إبن زوجته، وبدأ فعلياً في تنفيذ إنتقامه الشنيع..

حيث إنتزع الملاءة من عليه، وألقى بها بعيداً، ثم أمسك بمعصمي الصغير وضمهما معاً ليتمكن من تقييدهما بكفه الكبير..
وباليد الأخرى إنتزع الزي الطبي الذي كان يرتديه..
صرخ الصغير أوس بإهتياج رهيب، وإزدادت ثورة جسده وإنتفاضته محاولاً الهروب منه
صفعه ممدوح بقسوة على وجهه مما جرح شفتيه الصغيرتين، وهو يصيح قائلاً:
-مش هاسيبك النهاردة، هاعمل اللي كنت خايف منه، هاعمله!

ثم صفعه مرة أخرى بقوة وعنف، وتابع بغلظة:
-محدش هايندجك النهاردة مني، إنت هاتنتهي على إيدي!
أدار ممدوح وجهه للجانب ليرى تلك المنشفة القطنية الموضوع في صينية الطعام على الطاولة الملاصقة للفراش، فإلتوى فمه بإبتسامة شيطانية، وإنحنى بجذعه نحوها، ثم مد ذراعه ليلتقطها، وقام بدسها في فم الصغير ليمنعه عن الصراخ تماماً ريثما ينتهك برائته..
إزدادت إبتسامته شراسة وهو يضيف بسخرية:
-شكلك زي أمك بتحب العنف والضرب!

ثم مد كف يده الوضيع على جسد أوس، وجرده بالفعل من زي المرضى، وكذلك سرواله الداخلي ليكشف عن سوءته .. ونظر له بإستهزاء وهو يهمس بصوت شيطاني:
-هانشوف مين الراجل الوقتي يا.. يا ابن الجندي!
إنتفض الصغير بجسده لأكثر من مرة، وجاهد ليخلص قبضتيه، ولكن جثى فوقه ممدوح بجسده الثقيل ليمنعه تماماً عن الحركة، فبكى هو خوفاً وقهراً، وصرخ رغم إحتباس صوته وجرحه لعل أحد ما ينجده..

إنسابت العبرات من عينيه وهو ينظر لممدوح برعب ممزوج بالإشمئزاز، وقفز قلبه من بيده ضلوعه وهو يشعر بلمساته المقززة على جسده الضعيف..
ضيق ممدوح عينيه بشراسة وصر على أسنانه قائلاً بحنق:
-هاكسرك وهاذلك، هاخليك كلب، عبد، ماتنفعش بحاجة!

نجح ذلك الشيطان الوحشي في تدمير طفولة طفل صغير بسبب ذنب لم يرتكبه بأحط الوسائل القذرة، وألحق من قبل به الأذى النفسي قبل البدني بعباراته وتصرفاته المشينة، واليوم إغتصب برائته بوحشية يندى لها الجبين، وتركه مهاناً ومحطماً من كل النواحي.. نعم هو قتل ما تبقى من طفولته المنتكهة، وتركه بقايا طفل فقد كل شيء أحلامه وآماله ومستقبله لينشأ كشخص سوي.. وأوجد بدلاً منه وحشاً جديداً يدوس بقسوة، وبلا رحمة على من يقف أمامه ليشعر بتلك المتعة الغريبة في قهر الأخرين وخاصة الضعفاء.. نعم فقد أوجد ذئباً لا يرحم، ولا يغفر..

بعد أن فرغ منه ممدوح وأشبع دناءته وأرضى شهوته المريضة، مسح اللعاب المسال من زاوية فمه، وإبتعد من فوقه، وقال بصوت متشفي:
-وأهوو بكده عمرك ما هتنساني يا.. يا ابن مهاب!
إتسعت إبتسامته الوضيعة وهو يتابع بصوت متهكم وقاتم:
-ولو فكرت تحكي لحد مش هتلاقي اللي هايصدقك، ولو لاقيت حتى، هه.. شوف مين اللي هايجيبلك حقك مني
أغلق ممدوح سحاب بنطاله، وتابع بسخط:
-إنت محدش هايعبرك أصلاً، أمك ال **** راحت في داهية، وأبوك زيي واطي طول عمره، مش هايهمه غير مزاجه الوسخ وبس، وأنا عارف إزاي أبلفه تحت باطي، فمش هاتلاقي حد باقيلك إلا أنا.. أنا يا أوس!

اقترب من الفراش، وتلذذ برؤية فعلته بادية على جسد الصغير، وأكلم بصوت قاتم ومخيف:
-إنت جبان وضعيف، سامعني ضعيف، مش هاتقدر عليا أبداً، وهافضل أطاردك في كل وقت وأفكرك باللي عملته، أنا كابوسك اللي عمره ما هينتهي أبداً يا ابن الجندي، أنا اللي هاتفتكرني كل لحظة وإنت بتكبر، أنا اللي هتلاقيني طالعلك في أحلامك، ايوه أنا.. مش هاسيبك
ثم قهقه عالياً بطريقة هيسترية، ورقص مع نفسه مستمتعاً بنشوة إنتصاره المقيت، ثم أسند إصبعيه على مقدمة رأسه، ولوح للصغير مودعاً إياه قائلاً:
-سلام يا بن صاحبي!

لم يجب عليه الصغير أوس، بل تصلب جسده تماماً بعد أن أدرك الحقيقة العارية هو حقاً بمفرده.. لن ينتقم من أجله أبيه ولا حتى والدته..
نعم فبالرغم من سنوات عمره الصغيرة إلا أنه عاش أسوأ التجارب وأحثرها.. فقد رأي ممارسات والده الخاطئة في أحضان نساء عابثات وماجنات، وإستسلامهن التام لنزواته الشاذة.. ورأى إنصياع والدته وخنوعها لزوجها الثاني ممدوح وتمتعها بعنفه المفرط في علاقته معها..
أي أنه رأى كل ما لا يجب أن يراه طفل في مثل سنه الصغير، بالإضافة إلى الطامة الكبرى التي أجهزت على برائته حينما إستباح زوج والدته جسده الضعيف وشرع في تدميره كلياً..

تجمدت العبرات في عيني الصغير أوس، وحدق بنظرات فارغة في سقفية الغرفة، وتوقفت أنفاسه للحظة، وأصبح كالموتى.. خالياً من كل شيء..
حدجه ممدوح بنظرات أخيرة شامتة قبل أن يتجه نحو باب الغرفة وهو يعدل من ياقته ليخرج تاركاً إياه يتلفظ أنفاس طفولته الأخيرة..
وهنا عاهد الصغير أوس نفسه على ألا يترك آلامه تسيطر عليه، أو أن يكون خاضعاً للوحش الذي صنعه.. فسيكون هو سيد نفسه، جلاد غيره، متحجر القلب، لا يعرف الشفقة أو الحب..

ومن يومها تبدل حال الطفل أوس إلى وحش كاسر يزداد شراسة وقسوة بمرور الأيام ليخفي ضعفه الكامن في نفسه العاجزة..
لقد كان ينتقم لنفسه في كل امرأة واقعها بإذلالها أكثر، وكأنه يواجه عجزه عن الدفاع عن نفسه أمام ممدوح بإخضاع من ضاجعهن قسراً، وتحطيمهن جبراً، وذلك ليرى في أعينهن نشوة الإنتصار الزائف على شبح ممدوح الذي كان يلازمه في كوابيسه ويطارده في يقظته، وشيئاً فشيئاً تحولت تلك الممارسات البغيضة إلى عادات آثمة يألفها أوس ويستلذ بها...

عودة للوقت الحالي
أغرقت عبرات أوس كتف تقى، وإنحنى عليها أكثر ليكتم شهقاته في رأسها، وتابع بأنين هامس:
-من يومها وأنا معرفتش طعم الراحة، وأقسمت لنفسي ما هاكون زي ما هو عاوز، هاعذب كل اللي يقرب مني، هاحرق اللي يفكر بس يهددني!
أبعد أوس رأسه عنها، ونظر لها بنظرات غريبة وعينيه تلمعان.. وأردف قائلاً:
-بس إنتي غيرهم يا تقى، انتي قاومتيني، واجهتيني، عملتي 1 % من اللي كان نفسي أعمله فيه، أنا كنت عاوز أحس بالي عمله فيا فيكي، أشوفه مكسور، أنهي كابوسه للأبد..!

صمت للحظة ليسيطر على نوبة البكاء التي إجتاحته، وتابع بمرارة قاسية وهو مغمض العينين:
-كنت بأخدك غصب، كأني بانتقم منه فيكي، كنت عاوز أكسره، بس كنت بأكسر نفسي أكتر، افتكرت إني بعد ما خدت اللي عاوزه منك هرتاح، وهاخلص من شبحه اللي بيطاردني، بس.. آآآ.. بس لاقيتني صورة منه، نسخة زيه ويمكن أوسخ بكتير..!
توقف عن الحديث ليمسح عبراته من على وجنتيها التي تبللت منه، وقال بندم:
-أنا مكونتش عاوز أبقى زيه يا تقى، صدقيني..!

نشج صوته وتقطع وهو يكمل قائلاً:
-هو اللي عملني وخلاني زيه، وأنا معرفتش ده إلا.. إلا لما شوفتك بتروحي مني، عرفت إن أنا مش زيه، مش زيه، أنا ضعيف أوي أوي يا تقى، وجبان، أيوه أنا جبان، أنا كنت خايف حد يعرف باللي حصلي، وقتلت كل إحساس بالذنب جوايا مع اي حد أذيته، إلا أنتي يا تقى، إلا إنتي!
لمس وجنتها بأطراف أنامله، وهمس آسفاً:
-ايوه.. إنتي الوحيدة اللي كشفتيني قدام نفسي، عريتيني من كل حاجة، وعرفت إن أنا مش بني آدم، إني إنسان قذر بشع وسخ، كل العِبر فيا، بس مش نسخة منه يا تقى، مش زيه أبداً..

إحتضنها بذراعيه، وألصقها بصدره أكثر، ونظر لها نادماً، وتوسل قائلاً:
-ردي عليا وقولي إن أنا مش زيه!
أرجع أوس جسدها للخلف، وهزها بقوة وهو يهتف ببكاء:
-ردي يا تقى، قولي أن أوش مش زي ممدوح، سمعاني، ماتفضليش ساكتة كده، ردي وقولي أن أنا مش زيه، مش زيه، ماتسبنيش أتعذب كده!
تنهد بحرقة وهو يعيد ضمها إلى صدره بقوة ليكمل بكائه الآسف وهو يحتضنها بندم حقيقي...

خارج الغرفة
سار كبير الأطباء في الرواق المؤدي إلى غرفة تقى وهو يحذر من معه بصرامة قائلاً:
-مش عاوز دوشة ولا قلق، إنتو هنا في العناية المركزة، واللي بتسألوا عليها موجودة هنا
هزت فردوس رأسها موافقة، وأردفت قائلة بإستسلام:
-حاضر يا بيه، بس دلنا على أوضتها!
أشار بإصبعه نحو الغرفة وهو يجيبها بجدية:
-هي هناك!
ركضت فردوس - رغم ثقل خطواتها – في إتجاه الحائط الزجاجي المطل على غرفتها، وشهقت بفزع وهي تلطم على صدرها:
-تقى! بنتي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة