قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثامن والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثامن والعشرون

في مشفى الجندي الخاص
تبدلت ملامح وجه فردوس للذعر حينما رأت وجه إبنتها يبرز من بين أحضان شخص ما يحتضنها..
ظنت في البداية أنه طبيب ما يتولى تمريضها، فصرخت بصدمة:
-بنتي!
ثم لطمت بكلا كفيها على صدرها.. وتسائلت بذهول:
-إيه اللي حصلك يا بنتي ؟

لحق بها منسي وأحمد ووقفا على مقربة منها، ولكنهما لم يتمكنا من رؤية تقى بوضوح..
تحشرج صوت منسي وهو يسأل كبيرالأطباء بإستفهام:
-هو مالها يا حالضاكتور ؟
رمقه كبير الأطباء بنظراته الساخطة وهو يرد عليه ببرود:
-اتعرضت ل.. لإغتصاب!
برزت عيني فردوس من محجريهما في رعب، وشهقت وهي تصرخ قائلة:
-يا نصيبتي..!

ثم اجهشت بالبكاء الحار على تلك الفاجعة التي لحقت بإبنتها، وإنتهكت عرضها، وعرضتها للفضيحة..
دار برأسها عشرات الأسئلة، وحاولت أن تتوصل في جزء من الثانية للإجابة عليهم، كيف حدث هذا ؟ ومن فعل هذا بها وشرع بلا رحمة في إنتهاك حرماتها وتركها على حافة الموت ؟ ولماذا ابنتها تحديداً ؟ وهل ستنجو مما حدث لها ؟ وكيف ستواجه الفضيحة في الحارة التي تقطن بها ؟ وكيف ستكون نظرة الجيران والناس لها ؟
إنقبض قلبها أكثر وشعرت بالحسرة والمهانة بعد تلك الكلمة التي فجعت روحها.. هزت رأسها في عدم تصديق، وإنتحبت بنشيج واضح، وظلت تهز جسدها في إستنكار تام لتلك الكارثة..

أصيب أحمد بذهول تام وتشنج وجهه، وفغر فمه قائلاً:
-ايييييه!
لم يتوقف عقله للحظة عن التفكير في تلك الجريمة النكراء التي تعرضت لها تلك البريئة النقية التي أحبها لبساطتها ولرقتها الشديدة، ربما لم يعرفها جيداً، ولكنها أسرت قلبه وخطفت عقله لحظة أن وقعت عينيه عليها.. أرادها أن تكون شريكة حياته إن تهيأت الظروف له لفعل هذا..
ولكن دمر أحلامه أوس – ذاك البغيض الذي يمقته – حينما طرده من عمله، وإعتدى بالضرب عليه، وحرمه منها..
إبتلع منسي ريقه بعدم تصديق، وتشدق قائلاً بصدمة:
-هاه، إغتصاب.

ثم حك رأسه بغلظة، فقد مر بباله ما إعتاد على فعله مع رحمة بإشتهاء، وتخيل تلك الجريمة الوحشية في تقى الخجلة النقية التي تمنى لو كانت زوجته، ولكنه لم يكنْ مستعد مادياً لمتطلبات الزواج، فإكفهر وجهه وإمتعض، فلماذا هي تحديداً ؟ وهي التي يشهد الجميع بحسن أخلاقها وسيرتها الطيبة..

هو يعلم أنه زاني، مرتكب للفواحش، ولكنه لم يكنْ ليعتدي على أنثى رغماً عنها.. وكان يودْ أن تكون هي شريكة حياته، فهي طاهرة، خبرتها قليلة، لم تكنْ لتعارضه أو تعترض على ما يقدمه لها، بل على العكس كانت سترضى بالقليل وتحمد الله، وربما سيكون سهلاً عليه أن يتمتع بحريته ( خاصة في أفعاله الغير أخلاقية ) دون محاسبة، ويطيعها على طريقة معيشته.. لكن كل ما تمناه ذهب أدراج الرياح وأصبح سُدى.. فقد تمتع بجسدها أحد غيره، وأصبحت – من وجهة نظره - لا تصلح له..
نظر لهم كبير الأطباء بإزدراء، ولم يهتم بردة فعلهم الصادمة والممزوجة بالعبرات والنشيج، وتابع بجدية:
-ده التشخيص الطبي لحالتها، وآآآ..

قاطعته فردوس بلهجة حادة - رغم إختناق صوتها - وهي تشير بإصبعها:
-بنتي مش هتستنى هنا لحظة واحدة، كفاية فضايح بقى، كفاية!
أفاق أحمد من شروده، وأومأ برأسه موافقاً إياها وهو يهتف قائلاً:
-ايوه، احنا هناخدها، وهتتعالج عندنا!
ظلت تعابير وجه كبير الأطباء جامدة، ورد بهدوء:
-حالتها حرجة ومش هاينفع آآآ..

أمسك منسي كبير الأطباء من ياقته، وجذبه بغلظة نحوه، وصاح بصوت هادر:
-بأقولك إيه يا ضاكتور، هناخدها يعني هناخدها ؟
حاول كبير الأطباء أن يحرر ياقته من يده، وإعترض قائلاً:
-بس ده آآآ...
تدخل أحمد في الحوار، وهتف بإصرار وهو يلوح بيده:
-محدش هايمنعنا عنها يا دكتور!

أمعنت فردوس النظر داخل غرفة إبنتها عبر الحائط الزجاجي بعد أن مسحت عبراتها بكف يدها، ورفعت حاجبيها في إندهاش عجيب وهي ترى إبنتها في أحضان من ظنت أنه طبيباً، وإزداد إنعقاد ما بين حاجبيها وهي تراه ينحني عليها ويقبل رأسها، فتسائلت بصوت متقطع وهي توزع أنظارها بينهما وبين كبير الأطباء:
-و آآ.. ده.. وده مين اللي معاها جوا ؟

ظن الجميع في البداية أنه الطبيب المرافق لها، والمتابع لحالتها الصحية، ولكن حينما دقق كبير الأطباء النظر فيه، جحظ بعينيه مصدوماً من رؤيته إياه إلى جوارها، وهتف قائلاً بذهول:
-هاه.. أوس باشا!
هتفت فردوس برعب وهي تلطم وجهها:
-يالهوييييي!
صرخ أحمد بعدم تصديق وهو يضع كفي يده على رأسه ب:
-مييييين ؟
نظر منسي إليهما بإستغراب، وسألهما بحيرة:
-مين أوس ده ؟

لم تنتظر فردوس اكثر من هذا، فقد خشيت أن يقتل إبنتها، فهي تعرفه حق المعرفة، ومتأكدة من قدرته على تدمير الأخرين دون أن يبقى أي عقاب، لذا ركضت في إتجاه الباب، وإقتحمت الغرفة وهي تصرخ بصوت مرتفع:
-إبعد عن بنتي..!
إنتبه أوس إلى صوت تلك السيدة ورمقها بنظرات حادة من عينيه الحمراوتين، وهتف محتداً:
-برا
هزت رأسها نافية، ولم تحيد بنظراتها المحتقنة عنه ولا عن إبنتها، وأجابته بإصرار عجيب:
-لأ مش هاطلع برا يا باشا، بنتي وهاخدها غصب عنك!

ضم أوس تقى أكثر إليه، كاد أن يدخلها في ضلوعه حتى يحميها من الأخرين، و أولى فردوس ظهره، وحدجها بنظرات صارمة وهو يهتف بصوت قاتم:
-مش هايحصل!
لحق بها أحمد، ورمقه بنظرات مشتعلة، وصاح هو الأخر بتحدٍ سافر:
-تقى هاتيجي معانا يا.. يا باشا!
نهض أوس من على الفراش وهو يضم تقى إلى صدره، وأحاطها جيداً بذراعيه، وتراجع للخلف وسحبها معه وهو يصرخ بعصبية:
-محدش هياخدها مني، إنتو سامعين، تقى ليا وبس، ليا وبس!

دلف كبير الأطباء إلى الغرفة، وأردف بهدوء حذر وهو يشير بيده:
-إهدى يا باشا، محدش هايعمل حاجة، إنت بس آآ...
قاطعه أوس قائلاً بصراخ عنيف:
-برا، الكل يطلع من هنا، محدش يقرب مننا!
ولج منسي إلى الغرفة، وإشرأب برأسه محاولاً رؤية ذلك الرجل، وإعتلى وجهه الدهشة الممزوجة بالغضب حينما أمعن في تفاصيل وجهه التي حفرت في ذاكرته، وهتف بصوت مرتفع:
-أنا فاكره الجدع ده، هو.. أيوه هو!

إشتعلت عيني منسي، وتلاحقت الدماء الغاضبة في عروقه بعد أن تذكر ما فعله معه من قبل قبل عدة أشهر، حينما إعتدى بالضرب المبرح عليه أمام جيرانه بالحارة، وهز من صورته، وجعله يشعر الخزي لفترة..
كور هو قبضته في غضب واضح، وصرخ بغل:
-و الوقتي جه دوري إن أخد حقي منك
إلتفت منسي لكبير الأطباء ورمقه بنظرات محذرة وهو يهتف فيه بقوة:
-إطلع برا يا ضاكتور
نظر له كبير الأطباء بإندهاش عجيب، ورفع حاجبه وهو يسأله قائلاً
-أفندم! إنت بتقول إيه ؟

-زي ما سمعتني يا ضاكتور
قالها منسي بصوت جاد وهو يدفعه بعنف إلى خارج الغرفة..
نهره كبير الأطباء بإستنكار شديد وهو يقاومه ب:
-إنت أد الحركة دي ؟ إنت عارف أصلاً إنت بتتعامل مع مين ؟
أجابه منسي بعدم إكتراث بعد أن ألقى به للخارج
-لأ مش عارف، ومش عاوز!
ثم صفق الباب بقوة وأوصده، وإستدار بجسده ليواجه أوس ويرمقه بنظراته المشتعلة، وهتف قائلاً وهو يلوح بيده:
-بس أنا هاخد حقي من الكلب اللي هناك ده.

صاح كبير الأطباء بخوف شديد وهو يطرق على الباب الزجاجي:
-إنت مجنون، افتح الباب
صرخت فردوس بعصبية وهي تمد كلا ذراعيها في إتجاهه:
-هات بنتي، سيبها!

لف أوس ذراعاً واحداً حول ظهر تقى ليسندها، وأحكم قبضته عليها.. نظر هو لهم بشراسة بعينيه الحمراوتين، وأشار بيده الأخرى في أوجه المتواجدين محذراً وهو يهتف بصوت حاسم:
-محدش هياخدها مني، فاهمين!
تحرك أحمد خطوة في إتجاهه، وهتف متحدياً إياه:
-مش بمزاجك المرادي يا باشا
أضاف منسي هو الأخر بنبرة تهديد صريحة:
-جه وقت الحساب!

ركض كبير الأطباء في الرواق وهو يهتف بصوت مفزوع ب:
-هاتوا الآمن بسرعة، في مصيبة بتحصل هنا في المستشفى!
كان الرواق شبه خالي من الممرضين والعاملين، فتعصب هو اكثر، وأضاف لنفسه بصوت محتقن:
-هانروح كلنا في داهية لو الباشا أوس جراله حاجة!
ثم صرخ بصوت عالي:
-فيييييين الأمن!

بداخل غرفة العناية الخاصة بتقى
تبادل كلاً من أحمد ومنسي النظرات الغاضبة، وأشار كلاهما نحو أوس وتقى، ثم تحركا في إتجاههما، بينما تنحت فردوس للجانب، وتابعت بتوجس ما سيحدث..
أشار منسي بعينيه لأحمد ليتحرك في الإتجاه المقابل، وحدق بهما أوس بنظرات شبه منزعجة، فهو في حالة صحية منهكة، وتشبث بتقى أكثر، ولم يفلتها منه..
وفي لحظة واحدة باغت كلاهما أوس بالهجوم عليه، وحاول أحمد أن ينتزع تقى من أحضان أوس الذي إهتاج صارخاً:
-مش هاتخدها مني، ده لو على موتي.

نظر له أحمد بنظرات مغلولة، وهتف بإصرار:
-وأنا مش هاسيبهالك يا باشا، هاخدها منك
في حين أمسك منسي برأس أوس، وحاول أن يلوي عنقه، فصرخ الأخير متأوهاً ك
-ابعد يا ****!
لكمه منسي بقوة في وجهه، وهو ينطق بتشفي:
-ده أنا مصدقت أخد بتاري منك، خد يا بن ال *****
-آآآآآآه..

كافح أوس للحفاظ على تقى وبقائها معه، لكنه لم يكن يملك القوة الكافية للدفاع عنها وعن نفسه.. فقد إنهال الإثنين بالضرب المبرح عليه، وأشبعوه من اللكمات والركلات القاسية فلم يعد يشعر بالآلم، فهمه الأكبر بات الإحتفاظ بتقى قدر الإمكان في أحضانه..
سقط أوس أرضاً، وكذلك تقى، فأحاطها بذراعيه، وجثى فوقها، وأولى ظهره للإثنين اللذين لم يكفا عن ركله بإهتياج في جسده، وتحمل الضربات العنيفة عليه من أجل حمايتها..

ظل ينظر إليها ممتعاً عينيه بقربه الشديد منها، لم يعبأ بالآلم الصارخ في جسده، فهو يشعر بأنفاسها تلفح وجهه..
إنضمت فردوس هي الأخرى إلى الرجلين، وقامت بخدش أوس بأظافرها في وجهه وهي تصرخ بصوت محتد:
-كفاية بقى، إبعد عننا، وسيب بنتي في نصيبتها
لم يجبها أوس بل ظل محدقاً بزوجته.. ولكنه شعر بالإختناق فجأة، فقد أطبق منسي على عنقه، وضغط بقسوة على عروقه، فمنعه من التنفس بصورة طبيعية..
ثم عاونه أحمد في جذبه للخلف، وإجتهدت فردوس في تخليص ذراعيه بعيداً عن إبنتها.

نجح الثلاثة في إبعاد أوس عن تقى، فإستغل منسي الفرصة وأوسعه ضرباً.. وسحبه إلى زاوية الغرفة..
نعم.. فقد جاءت الفرصة ليقتص لنفسه، فلكمه تارة في صدره، وتارة أسفل بطنه، فإنحنى أوس متألماً، وكافح ليرد الضربات، ويعود ليأخذ زوجته في أحضانها لكن هيهات، فهو أضعف من تلك المواجهة الغير متكافئة، و لم يتركه منسي إلا وقد طبع أثار قبضاته على مختلف أجزاء جسده..
جثت فردوس على ركبتيها، ورفعت جسد إبنتها الهزيل نحوها، وأسندت رأسها على فخذيها، وهتفت بصوت باكي:
-بنتي! ايه اللي جرالك يا ضنايا ؟ روحتي مني يا حبيبتي!

ثم إنحنت بجسدها عليها، وقبلتها في جبينها، وتابعت بأنين مرير:
-عملوا فيكي ايه ؟ كنتي وردة مفتحة معايا، دبحوكي يا غالية ورموكي، آآآآآه.. يا حرقة قلبي عليكي، آآآآآه، أنا السبب في اللي جرالك، أنا السبب!
إستشاط أحمد غضباً لرؤية تقى على تلك الحالة الحرجة، فإزداد إهتياجه على أوس، وضربه بشراسة أكثر في وجهه حتى طرحه أرضاً.. ثم ركله في معدته بعنف وهو يصرخ بعصبية:
-ماسيبتهاش ليه تعيش حياتها زي بقية الناس، اشمعني هي اللي تاخدها مني ؟ استفدت إيه من اللي حصلها ؟ كنت فين وهي بيجرالها اللي جرى، انطق.. قول كنت فين ؟

جاهد أوس ليفتح عينيه لينظر نحوها، ولكن أغلقت اللكمات جفنيه، وجعلتهما أكثر ثقلاً.. فهمس بضعف شديد:
-ت.. تقى!
ثم حاول أن يزحف في إتجاهها، ولكن أمسك به منسي من قدمه، وجره للخلف، وجثى فوقه بعد أن أداره في إتجاهه، وظل يكيل له بعنف في وجهه حتى نزف فمه وأنفه خيوطاً من الدماء وهو يصر على أسنانه قائلاً بقسوة:
-مش منسي يا باشا اللي يسيب حقه ويدارى زي الحريم، هاه، سامع مش منسي!
كاد أوس أن يختنق بدمائه وهو يكافح للصمود، وحاول لأكثر من مرة أن يدير رأسه في إتجاه تقى، ولكن كانت اللكمات تحول دون هذا..

وصل رجال الآمن إلى الرواق، ومعهم كبير الأطباء، وركض الجميع في إتجاه غرفة تقى..
أسرع أحدهم بمحاولة فتح الباب الموصود من الداخل ولكنه فشل، وأردف بتوجس:
-مقفول يا باشا من جوا!
هتف كبير الأطباء بصراخ هادر ب:
-هو إنت غبي ؟ ما أنا عارف إنه مقفول، إتنيل افتحه!
تدخل حارس أخر بجسده، وقال بجدية:
-حاسب إنت، أنا هاكسره!

نفخ كبير الأطباء بغيظ، وأمرهما بصوت صارم ب:
-اتصرفوا، بس الباشا لازم يخرج حالاً، فاهمين!
عاودت المدبرة عفاف أدراجها حينما يئست من إيجاد الطبيب، وبصحبتها الممرضين، فتفاجئت بالحشد المتواجد أمام باب غرفة تقى، فإنقبض قلبها لوهلة، وأسرعت في خطاها، وحدثت نفسها بذعر قائلة:
-في ايه ؟ استر يا رب!

رأت هي كبير الأطباء وهو يتراجع للخلف، وأحد رجال الأمن يحاول تحطيم باب الغرفة، فتسائلت بخوف:
-هو حصل إيه ؟
أجابها بصوت محتقن وهو يشير برأسه ب:
-في شوية بهايم جوا حاجزين الباشا أوس وبيتخانقوا معاه!
نظرت له بهلع، وصرخت مصدومة ب:
-ايييييه!

بداخل الغرفة
إنتهى الإثنين من النيل من أوس وضربه، فمسح منسي الدماء من على كفه في زي أوس الطبي، ونهض من عليه وقد إلتوى فمه بإبتسامة إنتصار:
-اللعب مع رجالة الحواري خطر يا باشا، وأديك عرفت ده كويس!
في حين إتجه أحمد نحو تقى، وجثى إلى جوارها، ومد يديه نحو كفيها، وربت عليهما، وهمس لها قائلاً:
-تقى، خدنا حقك منه، سمعاني، إحنا انتقمنا منه، إنتي في أمان دلوقتي!

نظرت له فردوس بأعين باكية وهي تجيبه بخوف:
-بنتي! مش بترد عليا!
أرخى أحمد يده عن كف تقى، وربت به على كتف فردوس، ونظر لها بنظرات قوية وهو يجيبها بثقة:
-ماتخفيش يا ست فردوس، بنتك رجعتلك، وانا هاحميها
كتمت فردوس شهقاتها بكف يدها وهي تجيبه بصوت مبحوح:
-بنتي هاتموت، بنتي هاتروح مني!

هز أحمد رأسه معترضاً وهو يرد عليها بإصرار:
-لألألأ.. تقى هاتعيش!
نظر منسي إلى الحائط الزجاجي، فوجد التجمع المتواجد بالخارج، فأردف قائلاً بجدية:
-بيتهيألي احنا عملنا الواجب وزيادة، يالا بينا!
أومأ أحمد برأسه موافقاً، وهو يجيبه بإيجاز:
-ماشي.

وضع منسي يده على كتف أحمد، وأرجعه قليلاً للخلف وهو يقول بصوت صارم:
-عنك شوية
أفسح أحمد له المجال بعد أن نهض من على الأرضية، في حين إنحنى هو للأسفل ليتمكن من وضع ذراعيه أسفل جسد تقى المتراخي، ثم حملها من بين أحضان والدتها، وإتجه نحو الباب..
نهضت فردوس هي الأخرى عن الأرضية، وسارت خلفه وهي تكفكف عبراتها بكفيها...
أشار منسي بعينيه لفردوس قائلاً بجدية:
-افتحي يا ست أم تقى الباب!
-حاضر يا بني!

اقترب أحمد من أوس الراقد أرضاً وهو يتلوى من الآلم، ويصدر حشرجات قوية من حنجرته، ثم إنحنى نحو أذنه بعد أن جثى على ركبته،، وهمس قائلاً بتشفي:
-وعرفت أخدها منك يا باشا، وريني هاترجعها تاني إزاي، هي معمرهاش كانت ليك، ولا هاتكون، تقى مش ليك يا باشا، سامعني مش ليك .!
مد أوس كفه ليمسك بأحمد ويخدشه في وجهه، ولكن أبعد الأخير يده، وركله لمرة أخيرة، وأسرع في إتجاه الباب..

تفاجيء جميع من بالخارج بمنسي وهو يحمل تقى، وتراجعوا للخلف بعد أن هدر بصوت عنيف:
-وسعوا سكة بدل ما أطربأ المكان على اللي فيه، ومش هايهمني أتخن حد فيكم هنا
أضاف أحمد هو الأخر بنبرة مهددة وهو يلوح بذراعيه:
-إرجع لورا إنت وهو.. يالا!

أشار كبير الأطباء للجميع بالتراجع وهو يقول بتوتر:
-الكل يبعد، سيبوهم يمشوا
لقد أثر كبير الأطباء أن يتخلص من تلك الحفنة من البشر حتى يصل إلى إبن رب عمله.. فهو شاغله الأكبر..
راقبت المدبرة عفاف الثلاثة وهم يندفعون في إتجاه الرواق مبتعدين عن المكان بنظرات خائفة، وضمت يديها إلى صدرها، وهمست برعب:
-عملتوا ايه في الباشا وفيها ؟

زحف أوس بجسده المنهك من أثر الضرب في إتجاه الباب ومد يده محاولاً الإمساك بما تبقى من أثر تقى التي رحلت مبتعدة عنه.. وجاهد ليفتح عينيه التي غطتهما الدماء، وصرخ بصوت مبحوح للغاية ك
-تقى.. تقى!
دلف الجميع إلى الداخل فوجدوا الحالة الرثة التي أصبح عليها أوس الجندي، فأسرعوا نحوه، ولكنه رفض أن يمد إليه أي أحد يد المساعدة، وصرخ رغم ضعف صوته ب:
-محدش يجي جمبي، محدش يقرب مني!

رد عليه أحد رجال الأمن بتوجس قائلاً:
-يا باشا، إنت آآ..
كافح أوس للوقوف على قدميه، وترنح بشدة وهو يقترب من باب الغرفة، ولم يكن يرى أمامه بوضوح، فقد كان ينظر بنصف عين..
ركض في إتجاهه كبير الأطباء وهتف بقلق وهو يضع يده على كتفه:
-استنى يا باشا، ده إنت حالتك آآ..

قاطعه أوس بصوته المتحشرج وهو يلكزه في صدره:
-محدش ليه دعوة بيا، وسعوا من طريقي، سيبوني!
سقط أوس أرضاً ولم يتمكن من الوقوف بسبب تدهور حالته، وحالة عدم الإتزان المسيطرة عليه..
شهقت المدبرة عفاف حينما رأت حالته، وقالت بنبرة هلعة:
-آآ.. أوس باشا، مش ممكن!

أصابت أوس حالة من الإعياء الشديد، ولم يعد يشعر بجسده، فقط آلام رهيبة ووخزات عنيفه تجعله يصرخ أكثر..
أشار كبير الأطباء للممرضين بالتدخل فوراً، وحمل أوس رغماً عنه ليتلقى العلاج الفوري..
وبالفعل نفذوا ما طلبه منهم، ووضعوه على التروللي الطبي..

وبالرغم من حالة الضعف الشديدة المسيطرة عليه إلا أن أوس لم يتوقف عن المقاومة، وظل ينتفض بجسده محاولاً النهوض..
حاولت عفاف تهدئته، وجثت إلى جواره، وأدمعت عينيها لرؤيته هكذا.. هدر أوس قائلاً بصوت صارخ قبل أن يحقنه كبير الأطباء بمخدر ما:
-تقى، محدش هياخدك مني، هاوصلك، مش هاسيب الكلاب دي تبعدك عني، أنا راجع تاني، راجع وهاخد من وسطهم، ومحدش هايمنعي، محدش هايمنعني.. م.. م..آآآآ..!
ثم خفت نبرة صوته تدريجياً، وإستكان جسده تماماً، وإمتزجت عبراته بدمائه المراقة على من فارقته اليوم رغماً عنه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة