قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والخمسون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والخمسون

في الملهى الملحق بالمنتجع السياحي
نظرت تقى إلى المشروب الموضوع أمامها بحيرة شديدة، وترددت في شربه، ولكنها راقبت من حولها بتعجب، فوجدتهم يرتشفون ما طلبوه بإستمتاع غريب.. ضغطت على أصابعها في توتر، ثم تنهدت في إستسلام، ومدت يدها لتمسك بالكأس..
قربته من شفتيها، وحاولت تذوقه بحذر.. فكان طعمه إلى حد كبير لاذعاً، وتشنج وجهها منه..
وتسائلت مع نفسها بإستغراب:
-هو طعمه مزز كده ليه ؟!

ثم أخذت نفساً عميقاً، وزفرته على عجالة، وبدأت في إرتشاف ما به بتأفف بادي على تعابير وجهها..
راقب أوس حيرتها وإرتباكها بإستمتاع واضح، وحاول أن يخفي إبتسامته المتسلية وهو يمتع عينيه برؤيتها على سجيتها، ولكنه لم يستطع..
ولكن حينما وجد الأمر قد إتخذ معها منحنى جاداً، فقرر أن يتدخل فوراً، فهو لا يريد أن يضعها في موقف محرج.. خاصة أن المشروب الذي طلبته كان أحد أنواع الخمور المشهورة..
لذا إنحنى بجسده للأمام نحوها، وهمس لها في أذنها - وشفتيها ملتصقتين بالكأس - متسائلاً بمزاح:
-ها، الخمرة حلوة ؟

تجمدت تعابير وجهها لوهلة محاولة إستيعاب جملته الأخيرة.. فتابع قائلاً بتسلية:
-أصل سيادتك طلبتي كوكتيل فودكا على آآآ..
لم يكمل أوس جملته الأخيرة حيث تفاجيء بها تبصق ما ظل عالقاً في حلقها قبل أن تبتلعه أمامها بطريقة مقززة قائلة بذهول:
-لألألألأ...!
وكذلك شرقت لمحاولتها الحديث فجأة، فسعلت لعدة مرات، و أرخت أصابعها عن الكأس فسقط فوراً على الأرضية وتناثر جزء من محتوياته على بنطالها الواسع وحذائها بالإضافة إلى الأرضية..

صُدم الجميع مما فعلته تقى، ونظروا لها بنظرات إستغراب، وأخرى مشمئزة..
في حين ظلت إبتسامة أوس المتسلية بادية على وجهه.. وزادت غبطته حينما رأها لم تعاند في أمر كهذا، فهي لا تزال نقية محافظة على برائتها رغم تصرفها الطائش هذا، فلم تتهور لمجرد معاندته..

نهضت تقى مذعورة من مقعدها، وظلت تسعل محاولة لفظ ما إبتلعته من مشروب مُسكر..
تسائل ماركو بإستغراب وهو محدق بها بلكنة عربية غريبة:
-ما الأمر سينيورا ؟
لم تجبه تقى، بل أولته ظهرها، وأكملت سعالها..
نهض أوس هو الأخر من مقعده، ووقف خلفها، وأسند يده على ظهرها مربتاً عليه، وقائلاً بهدوء:
-خلاص يا تقى، ماحصلش حاجة.

نظرت هي له شزراً وهي تزيح يده عن ظهرها، ومدت يدها لتمسك بمناشف ورقية لتمسح لسانها وفمها من بقايا المشروب..
في حين رمقتها المرأة المثيرة بنظرات إحتقارية، وأطلقت سبة باللغة الإنجليزية مهينة إياها..
ولكن إلتفت أوس برأسه نحوها، وحدجها بنظرات حادة مضيفاً بغلظة وهو يشير بإصبعه محذراً:
-Hey ! Don't you dare ( إنتي ! إياكي أن تجرؤي على إهانتها )
إبتلعت المرأة المثيرة ريقها، ونظرت له بتوجس وهي تجيبه ب:
-I didn't mean.. ( لم أقصد أن آآ.. ).

تجاهلها أوس، وعاود النظر إلى زوجته قائلاً بجدية:
-في حمام في الأخر، تعالي هوديكي عنده !
لوت تقى فمها وهي ترد عليه بضيق:
-أنا م..آآ..
لم تتمكن من إتمام جملتها حيث تفاجئت بقبضة أوس على ذراعها، ثم جذبها معه بعيداً عن الطاولة، فلم ترغب في إثارة مشكلة أمام الجميع، خاصة وأنها رأت في عينيه نظرات غضب جلية.. فخشيت أن تكون تسبب في إثارة حنقه، وهو يريد تعنيفها على ما حدث..

نظرت له بتوجس ممزوج بالرعب وهي تحاول اللحاق بخطواته السريعة والحفاظ على إتزانها أثناء السير، ولكنها لم تنجح وتعثرت، وكادت أن تسقط على وجهها، ولكنها إستندت على ظهر أوس بكفها، فإستدار سريعاً للخلف ليمسك بها من ذراعها الأخر، وحال دون سقوطها، ثم زفر في ضيق وهو يهتف بصوت محتد:
-وأما انتي مش عارفة تمشي فيه، لبستيه ليه من الأول، ولا هو عِند وخلاص !

إلتوت قدم تقى بشدة، ولم تردْ إخباره بالآلم الرهيب الذي تشعر به فيها، فأدمعت عينيها عفوياً، وزادت حمرة وجهها.. وأطرقت رأسها للأسفل، فظن أوس أنها شعرت بالحرج مما حدث، لذا تابع قائلاً بضيق:
-خلاص مش قضية عشان نقلبها مناحة !
عضت هي على شفتها السفلى، وقالت بصوت مختنق:
-أنا عاوزة أروح الحمام لوحدي، مش محتاجة مساعدة منك
زفر في إنهاك من الجدال الغير مُجدي معها..

ومع هذا لم ينكر أن رؤيتها وهي خجلة تماماً ومحرجة من فعلتها الطفولية أغرته بشدة لضمها إلى صدره، وإحتضانها بين ذراعيه، وطمأنتها.. وكذلك تلمس وجنتيها الخجلتين بأصابعه، والشعور بحرارتهما عليهم..
جاهد نفسه ليصرف عن عقله تلك الأفكار المتأججة والجامحة حتى لا يتهور ويرتكب أي حماقة، وتنهد في ضيق زائف..
ثم أشار بيده للأمام قائلاً بنفاذ صبر:
-أوكي، هو هناك !

ردت عليه بإيجاز وهي تعتصر قبضتها:
-طيب
أومأ بعينيه قائلاً بجدية وهو يتأمل إضطرابها الغير مفهوم:
-يالا، روحي !
هتفت قائلة بصوت شبه محتد:
-لما تمشي الأول
زم فمه قائلاً بغيظ:
-حتى في دي !
ثم نفخ بصوت مرتفع من عِنادها المستمر، وفرك طرف ذقنه وهو يضيف بيأس:
-اعملي اللي تحبيه، وأنا مستنيكي هناك !

ثم أولاها ظهره، وإتجه عائداً إلى الطاولة.. بينما تحركت هي بحرص شديد نحو المرحاض وهي تصر على أسنانها مقاومة شعور الآلم الرهيب الذي أصاب قدمها..
رأها مدير الملهى وهي على تلك الحالة، فأسرع نحوها وهو يهتف بتوجس:
-خير يا هانم ؟ في حاجة حصلت
رفعت تقى عينيها الدامعتين لتنظر له وأجابته بإقتضاب:
-مافيش !
تابع مدير الملهى قائلاً بقلق واضح في نبرته:
-بس حضرتك.. آآ.. يعني رِجل سيادتك تعباكي ؟

ردت عليه تقى بصوت منزعج وهي تتحرك ببطء:
-مافيش حاجة
أردف هو متسائلاً بإهتمام وهو يشير بيده:
-تحبي أبلغ الباشا، واطلب مساعدة ؟
هزت رأسها معترضة، وأجابته بإصرار:
-لأ.. متقولش حاجة، أنا كويسة !
تشنج وجهها من الآلم، وأطلقت صرخة مكتومة وهي تحاول السير.. فهتف مدير الملهى قائلاً بتوجس:
-لحظة بس !

ثم فرقع بأصابعه لنادلة ما تقف على مقربة منهما، وتابع قائلاً بنبرة رسمية:
-مع الهانم بسرعة
اتجهت النادلة نحو تقى، ومدت يدها لتمسك بها، وعاونتها في السير نحو المرحاض، وسألتها بهدوء:
-هو رجل حضرتك بتوجعك ؟
أجابتها تقى وهي تعض على شفتها من الآلم:
-آآآه.. أوي
أشارت النادلة بعينيها نحو مقعد قريب، وهتفت قائلة بإهتمام:
-طيب حضرتك ارتاحي هنا، وانا هاجيبلك تلج عليها
-ماشي
تنهدت تقى في إرتياح لأنها وجدت من يساعدها دون اللجوء إلى أوس..
وجلست بحذر على المقعد، وإنحنت بجسدها للأمام لتفرك قدمها المتألمة، فصدرت منها تأوهات مكتومة..

جلس أوس على مقعده، وأسند ساقه فوق الأخرى، وأشار بعينيه لنادل ما قائلاً بجدية:
-نضف اللي وقع هنا
نظر النادل إلى حيث أشار، ورد عليه بهدوء شديد:
-على طول يا فندم !
نفخ أوس بإنزعاج من تصرفات تقى المعاندة معه، وإستدار برأسه للجانب ليحدق بنظرات فارغة في المرقص.. فباله مشغول على زوجته، وخشي أن يكون سبب لها هذا إحساساً بالإنزعاج والحرج، وأفسد الليلة دون داعي.. بالرغمن من عدم أهميته..

حاول ماركو أن يتجاذب معه أطراف الحديث، ولكن ردوده كانت مقتضبة للغاية وفاترة.. فتطرق المترجم الجالس إلى جواره إلى حديث أخر غير العمل لجذب إنتباهه،وسأله عن زوجته قائلاً بفضول:
-أخبرني سينيور أوس كيف تعرفت إلى زوجتك ؟
حدجه أوس بنظرات قوية، وسأله بصرامة:
-وده هايفيد في الشغل بينا ؟
رد عليه المترجم بحذر ب:
-لا سيدي، ولكنه فضول
رمقه أوس بنظرات محذرة وهو يجيبه بصوت متصلب:
-وأنا مش بأتكلم عن اللي يخصني مع أي حد !

أحضرت النادلة كيساً بلاستيكياً موضوعاً بداخله مكعبات الثلج، ثم جثت على ركبتها، ووضعته بحذر على مقدمة قدم تقى..
تشنجت تقى بخوف، وأصدرت أنيناً مختنقاً، ثم نظرت للنادلة وأردفت بإمتنان:
-معلش، تعبتك معايا
إبتسمت لها النادلة بإطراء، وأجابتها بخفوت هاديء:
-تعبك إيه يا فندم، أنا هنا في خدمتك !
-كتر خيرك
قامت النادلة بتحريك الكيس بحركات دائرية لتضمن توزيع البرودة على كل الأجزاء التي تؤلمها..

كتمت تقى تأوهاتها لأكثر من مرة، وعضت على شفتيها السفلى لتمنع خروج أي صوت رغماً عنها..
وتشبثت بطرفي المقعد بكفيها، وإزدادت حمرة وجنتيها بدرجة واضحة..
أضافت النادلة بجدية:
-ماتدوسيش عليها كتير، ولو الآلم مخفش بعد شوية يبقى حضرتك لازم تشوفي دكتور متخصص لأنه جاي يكون حصل تمزق
نظرت لها تقى بذعر وهي تقول:
-هاه
-وألف سلامة على حضرتك
قالتها النادلة بإبتسامة وهي تعتدل في وقفتها.. ثم تركتها وإنصرفت لتكمل عملها..

زفر تقى بضجر قائلة:
-كنت ناقصة ده كمان
أخذت نفساً عميقاً، وحبسته في صدرها لتنهض بحذر شديد من على المقعد.. ثم داست على قدمها بحرص واضح، ولكنها مازالت تؤلمها..
فكرت في أن تعتذر عن إكمال السهرة، وتعود إلى الفيلا لتستريح، فلا داعي لوجودها.. فهو لن يضيف شيئاً، وغيابها لن يؤثر في الأمر..
والعقبة الوحيدة أمامها هي رفض أوس لرحيلها، وإصراره على جلوسها معهم..
ومع هذا صممت على تنفيذ رغبتها.. فمن هو ليمنعها عما تريد..

إنتصبت في وقفتها.. وحدقت أمامها بثبات، وسارت رافعة الرأس – رغم آلمها – بعزيمة واثقة نحو الطاولة..
ولكن سريعا ما تلاشت شجاعتها الزائفة في أقل من ثانية حينما لمحت المرأة المثيرة وهي تحرك جسدها بحركات لعوب، وبطريقة مغرية، لتداعب أوس بأسلوب فج خالي من الحياء.. فتسمرت في مكانها، وحدقت بهما في ذهول..

هي إعتادت وقاحته، واسلوبه الجريء معها ومع غيرها.. ولكنها المرة الأولى في حياتها التي تراها فيه يتجاوب مع غيرها.. فشعرت بإهانة أشد، وبإذلال نفسي أعمق.. وظنت أنه يتعمد التحقير من شأنها، ولكن بطريقة غير مباشرة.. نعم فهي الفقيرة الغريبة التي جاء بها إلى أرقى المناطق وأغلاها ليؤكد لها على قوته وسلطته، وقدرته على فعل المستحيل..

ابتلعت غصة مريرة في حلقها، وضغطت على أصابعها قائلة بحزن واضح:
-هو جايبني هنا عشان يذلني اكتر، يعرفني إني ماسواش حاجة..!
أطرقت رأسها في خزي، وأضافت بنبرة أشد بؤساً:
-لا ده كان مكاني من الأول، ولا إحنا ننفع نكون مع بعض
تنهدت بحرارة وهي تتابع:
-كفاية عليا أخلص منه وأرجع لحضن أبويا وأمي.. مش عاوزة أكون في العالم الفالصو ده، آآآه.. ربنا يهونها عليا !

أشاحت بوجهها للناحية الأخرى حينما رأت المرأة اللعوب تضع يدها على فخذ أوس.. وأغمضت عينيها لوهلة لتمنع نفسها من البكاء أسفاً على حالها، وأخرجت من صدرها تنهيدات خانقة..
رأها مدير الملهى وهي تقف مكانها، فأسرع نحوها وهو يهتف بتوجس:
-في حاجة مضيقاكي يا هانم ؟ البنت عملت آآ..
قاطعته بصوت متحشرج وهي تنظر للأمام بكبرياء:
-مافيش حاجة.

-بس يا فندم، حضرتك باين عليكي مش تمام
تنهدت بحرارة وهي تضيف بمرارة:
-أنا بس مخنوقة من هنا، حاسة إني مش عارفة أخد نفسي
رد عليها المدير بتلهف وهو يشير بيده:
-في Open Area ( منطقة مفتوحة ) هنا، بتطل على البحر، والأعدة فيها لطيفة وهادية، كمان ال View ممتاز !
نظرت له تقى بأعينها اللامعة، وسألته بنبرة حائرة:
-أنا مش فاهمة اللي بتقوله !

ثم مسحت بأناملها تلك العبرات العالقة بأهدابها، وتابعت بإصرار:
-أنا عاوزة أطلع من هنا !
رد عليها بإهتمام وهو يشير بكفيه:
-أنا أقصد يا فندم إن في مكان مفتوح زي التراس كده هنا، بيطل على البحر، الهوا فيه منعش، وهايعجب حضرتك أوي
أومأت برأسها متشدقة ب:
-ماشي، وديني هناك !
ابتسم لها المدير إبتسامة مجاملة وهو يقول:
-اتفضلي يا هانم، هو من هنا !
سارت تقى بصحبته – وهي تكتم شعورها بآلام قدمها – ببطء وحذر في إتجاه الشرفة..

على الجانب الأخر، راقبت المرأة المثيرة أوس بإعجاب واضح من حالة الغموض المثيرة التي تحيطه.. ومسحت على شفتيها بطرف لسانها، ثم مالت نحوه وهي ممسكة بكأسها، وأردفت قائلة بنبرة ناعمة:
-I think you're so stressed ( أعتقد أنك مضغوط بشكل واضح )
ثم وضعت يدها على فخذه، وغمزت له قائلة بنبرة مغرية:
and need a massage- ( وتحتاج إلى مساج ).

حدجها أوس بنظرات عميقة وغامضة فقد أدرك نواياها نحوه بسهولة، بينما أكملت هي قائلة بلؤم:
-I am here for you ( أنا هنا لأجلك )
ثم تعمدت الضغط بأصابعها عليه لتثير رغبته، ولكنه أمسك برسغها بقبضته القوية، وإعتصرها قائلاً بجمود وهو يرمقها بنظرات شرسة:
-I don't care ( أنا لا أهتم )
ثم دفعها للخلف، وحدجها بنظرات نارية وهو يلوي فمه بسخط..
إحتقن وجهها بالغيظ، ورمقته بنظرات مغلولة وهي تفرك رسغها من أثار أصابعه الغليظة..

في نفس التوقيت، كان ماركو عائداً من المرحاض حينما لمح تقى وهي تتجه للشرفة، فإعتلى ثغره إبتسامة لئيمة، فقد أعجبه كثيراً جمالها الشرقي الممزوج بالغربي، وأراد أن ينفرد بها دون أن يراه زوجها حتى يتمكن من تذوق حُسنها على راحته ودون إزعاج من أحد..
ألقى بالمنشفة الورقية بعد أن جفف يديه في السلة القريبة، ثم غير وجهته، وسار خلفها..
وقفت تقى مستندة بكفيها على حافة الشرفة المعدنية وهي تتأمل المكان بنظرات إنبهار..
فقد صدق مدير الملهى حينما أخبرها أنها ستجد الجمال والهدوء هنا..

أثلج هواء البحر المنعش صدرها المختنق قليلاً.. وإستمتعت برؤية الأمواج تتلاطم بتناغم عجيب..
ولكن إخترق سكونها المؤقت صدى كلمات أوس لها، وخاصة " بنت خالتي " والتي رددها على مسامعها صبيحة اليوم، فأثارت ضيقها بشكل واضح، وزفرت لأكثر من مرة بإنزعاج من تلك الحقيقة البغيضة التي أقرها لها..
فإن كان رابط زواجهما سينتهي عاجلاً، فرابط الدم لن ينقطع بينهما أبداً..

كم أرهقها التفكير في إحتمالية رؤيته بعد أن يحدث الإنفصال بينهما.. فحاولت أن تنفض عن عقلها أي شيء مزعج حتى تستمتع بتلك الأجواء الساحرة..
قطع تفكيرها المتعمق صوت ماركو وهو يقترب منها متحدثاً بعبارات أسبانية غير مفهومة بالنسبة لها..
ضيقت عينيها في حيرة، وقطبت جبينها وهي تسأله بضجر:
-إنت جاي هنا ليه ؟

تابع ماركو حديثه لها وهو يرمقها بنظرات جريئة متفحصة جسدها بتأمل شديد..
رأت هي نظراته الوقحة المسلطة عليها، فإنكمشت على نفسها في خوف، وجذبت طرفي سترها إلى صدرها، وهتفت قائلة بتوتر:
-إنت.. إنت عاوز ايه، روح للباشا بتاعك هو أعد هناك
تحرك ماركو ناحيتها مشيراً بيده نحو جسدها، فزدات رجفتها منه، فقد فهمت تلك النظرات التي رأتها من قبل في عيني أوس، فشعرت بأنها في خطر قريب إن ظلت باقية بمفردها معه..

تناست آلم قدمها، وتراجعت بحذر للخلف وهي تحذره بإصبعها:
-لو.. لو فضلت تقرب مني هاصوت !
رد عليها بكلمات أكثر غموضاً فلم تفهمها على الإطلاق، ولكن تعبيرات وجهه، وإبتسامته الماكرة التي تبرز من خلف أسنانه الصفراء أربكتها حقاً..

إنتاب أوس حالة من القلق لعدم عودة تقى إلى الآن من المرحاض، ونظر في ساعته، ثم نفخ بضيق، وظل يهز ساقه بعصبية واضحة.. وتسائل مع نفسه ب:
-ايه اللي أخرها أوي كده ؟!
طرأ بباله أن تكون قد فكرت في الهروب منه، فإنتفضت جميع حواسه، وحسم أمره بالذهاب إليها..
نهض عن مقعده قائلاً بجدية شديدة:
-Excuse me , I will back ( معذرة، سأعود بعد قليل )
ثم إتجه نحو المرحاض بخطوات سريعة، ولكن أوقفه صوت مدير الملهى وهو يهتف قائلاً:
-أوس باشا، باشا ! من فضلك لحظة !

إلتفت أوس برأسه نصف إلتفاتة، ورمقه بنظرات حادة وهو يسأله بإقتضاب:
-في ايه ؟
وقف قبالته، وأضاف قائلاً بتوجس:
-الموضوع يخص الهانم
هتف أوس دون وعي ب:
-تقى، مالها ؟
رد عليه وهو يشير بيده نحو الشرفة قائلاً:
-هي واقفة في ال Open Area، وحصلت إنها آآ..
أدار أوس رأسه في إتجاهها، وتحرك صوبها ليرى زوجته من على بعد وهي تتراجع للخلف وتشير بيدها بطريقة مريبة، وبدى على تصرفاتها الإنزعاج، فوجه أنظاره نحو من تشير له، فصُدم حينما تأكد من هويته..

في سيارة عدي
نفخت عدي لأكثر من مرة في ملل، وأدار رأسه في كافة الإتجاهات محاولاً رؤية تهاني بوضوح في حالة عودتها..
نظرت له عفاف بإرهاق وهي تقول:
-كفاية يا عدي باشا، الظاهر إنها مش جاية النهاردة
هز رأسها نافياً قائلاً بإعتراض:
-لأ، مش هامشي من هنا قبل ما أقابلها وأتكلم معاها
زمت عفاف فمها قليلاً لتضيف قائلة:
-بس أختها قالت إن مالهاش مواعيد
تجهمت تعابير وجهه وهو يتابع بنبرة ضجرة:
-ماليش دعوة بيها الست دي، أصلاً الواحد روحه كانت في مناخيره وهو بيكلمها، حاجة فظيعة !

إبتسمت قليلاً وهي تهز كتفيها قائلة:
-في ستات كده كتير !
نظر لها بضيق قائلاً بنزق:
-يا ساتر، كويس إن النوعية دي مش بأقابلها كتير
إستدارت عفاف برأسها للجانب لتلمح طيف إمرأة يأتي من على بعد، فدقق النظر فيها، فعرفتها من ملامحها المحفورة في ذاكرتها على الفور، وهتفت قائلة وهي تشير بإصبعها نحوها:
-بص يا باشا، تهاني أهي !

نظر عدي حوله بحيرة وتسائل بتلهف:
-فين ؟
حركت إصبعها نحوها، وأضافت قائلة:
-اللي جاية هناك دي
أمعن عدي النظر في هيئة تلك السيدة المسنة، وتأكد من تشابه ملامح وجهها مع ليان، فأردف دون تردد وهو محدق بها:
-أنا نازلها
أضافت عفاف قائلة بجدية:
-أنا جاية معاك يا باشا
ترجل الإثنين من السيارة، وسارا نحوها.. ثم هتف عدي قائلاً بصوت مرتفع:
-ست تهاني !

تسمرت الأخيرة في مكانها، ورفعت رأسها نحوه ناظرة إليه بحزن بادي في مقلتيها.. ولم تجبه..
وقف عدي قبالتها، ورسم على ثغره إبتسامة هادئة وهو يقول ك
-إنتي متعرفنيش، بس أنا آآآ..
لم يكمل عدي جملته حيث هتفت هي مقاطعة إياه بصوت حاد:
-إنتي !
نظر لها عدي بإستغراب، في حين تابعت تهاني حديثها وهي تتجه نحو عفاف قائلة بنشيج:
-دليني على ابني، هو بعد عني وانا ماليش ذنب في أي حاجة حصلت، أبوس ايدك وصليني ليه.

أمسكت بها عفاف من ذراعيها، ونظرت لها بحنو وهي تجيبها بصوت هاديء ومطمئن:
-حاضر يا ست تهاني، هاعمل كل اللي انتي عاوزاه !
ثم صمتت للحظة لتتابع بهدوء وهي توميء بعينيها:
-بس الأول الباشا عاوزك في حاجة أهم
ضيقت تهاني عينيها في عدم فهم، وسألتها بتوجس:
-باشا مين ؟
أردف عدي قائلاً بصوت جاد:
-أنا معرفتكيش بنفسي، أنا عدي، جوز بنتك ليان !

حدقت تهاني فيه بإندهاش وهي تهتف بصدمة:
-هاه، ليان !
أومأ برأسه بخفة قائلاً:
-أيوه !
ثم أمسك بكف يدها، فزادت دهشتها من تصرفه، وأجفلت عينيها للأسفل للحظة، وعاودت النظر إليه بإرتباك، فتابع قائلاً بنبرة جادة دون أن تطرف عينيه:
-وهي محتاجة إنك تكوني معاها الوقتي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة