قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والخمسون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والخمسون

في قصر عائلة الجندي
ظل مهاب يلف قلمه الحبر على أصابع يده وهو يتابع حديثه في هاتفه المحمول قائلاً بغموض:
-تمام، وأنا زي ما قولتلك، اللي هايخلص هياخد مليون جنية !
رد عليه المحامي نصيف قائلاً بحماس:
-اطمن يا باشا، ده أنا تلميذك
مط فمه للجانب، ونظر أمامه وهتف قائلاً بهدوء مثير:
-مش هاوصيك، عاوزها تبان طبيعي يا نصيف، وإنت عارفني مش بأحب شغل الهواة !

تابع نصيف قائلاً بثقة:
-يا مهاب باشا، من وقت ما امرتني أحط ممدوح تحت عيني ساعة ما رجع القاهرة، وأنا ماسبتهوش يغيب عني لحظة، ولبسنا المدام الليلة معاه، وقريب هايبقوا الاتنين ذكرى، فمتقلقش على الأخر، ده أنا نصيف الدحلان، بس تقدر مجهودي يا باشا
أخذ مهاب نفساً عميقاً، وزفره ببطء ليكمل ب:
-ال 5 مليون بتوعك اتحطوا في حسابك زي ما اتفقنا، والمليون جنية هايكونوا عندك الصبح، بس أسمع خبره الأول
هتف نصيف قائلاً بنبرة شيطانية:
-اقرى عليه الفاتحة من دلوقتي !

رد عليه مهاب قائلاً بنبرة ساخرة:
-هاقراها وأطلع عليه القرافة كمان !
ثم أطلق ضحكة عالية وهو ينهي المكالمة، وحدث نفسه بزهو ب:
-وكده أبقى نضفت القذارة القديمة كلها..!
إتجه مهاب نحو باب مكتبه، وهتف بصوت مرتفع:
-الشنط جهزت ؟
أجابته خادمة ما بنبرة رسمية:
-ايوه يا فندم، وفي العربية، والسواق منتظر سيادتك
رد عليها بإبتسامة ماكرة:
-عظيم، إمشي إنتي !
تنهد مهاب في إرتياح وهو يحدث نفسه بصوت مسموع:
-كده أقدر أسافر يومين أغير جو من غير ما حد يشك في حاجة، والله يرحمك يا.. يا ممدوح ! أما انتي يا ناريمان، فإنجوي بسنين سجنك اللي جاية !

في الملهى الملحق بالمنتجع السياحي
اقترب ماركو بخطوات شبه متثاقلة من تقى و بصورة أغضبت أوس على الفور، وجعلت الدماء تغلي في عروقه.. وخصوصاً حينما رأها منزعجة مما يحدث، لذا دون أدنى تأخير منه تحرك نحوه وهو ينتوي شراً له..
هز ماركو رأسه للجانب وهو يتابع التغزل في جمال تقى بكلمات غير مفهومة.. فأجفلت هى منه بخوف شديد، فقد كان غير طبيعياً في تصرفاته، وفي حالة عدم إتزان..

أمسكت بكفها حافة الشرفة لتتمكن من الإبتعاد عنه قدر المستطاع رغم الآلم المسيطر على قدمها..
تجهم وجه أوس للغاية بعد أن رأى تعبيراته المستفزة، وصاح بصوت غاضب:
-ماركو !
توقف الأخير في مكانه متفاجئاً من حضور زوجها، ورسم إبتسامة سخيفة على وجهه وهو يتمتم بصوت متثاقل:
-أوه، سينيور أوس !
وقف أوس قبالته متصلباً بجسده محدجاً إياه بنظرات نارية قاتلة..
فغر ماركو فمه ليتحدث بلكنة عربية وهو يشير بيده:
-أنا أرحب ب سينيورا !

كز أوس على أسنانه وهو يهتف بصرامة:
-ابعد عن مراتي !
للحظة شعرت تقى بالأمان لوجود أوس معها في هذا الوقت، فرغم كرهها له، إلا أن حضوره يضفي جواً من المهابة والقوة على الحاضرين معه.. ويجعلهم يهابون بطشه وغضبه..
تنهدت في إرتياح، وبدأت تلتقط أنفاسها بهدوء نسبي..
لم تختفْ الإبتسامة السخيفة من على وجه ماركو وهو يتابع ببرود:
-سينيور أوس.. Calm down ( إهدأ ).

ثم أضاف بلكنة عربية وهو يسلط أنظاره على تقى:
-أنا أعبر عن إعجابي بالسينيورا
أمسك به أوس من تلابيبه بحركة مباغتة، وهتف قائلاً بصوت متشنج:
-مش مرات أوس الجندي اللي يبصلها أي حد حتى لو كنت إنت !
إتسعت عيني ماركو في صدمة، وهتف قائلاً بغضب حاد:
-Hey ! Watch out ! You'll pay for this ( إنت ! إحذر، وإلا ستدفع الثمن غاليا )
تقوس فمه بإبتسامة باهتة وهو يجيبه ببرود:
-مش هاخاف منك !

ثم دفعه للخلف بقوة، فكاد أن يفقد توازنه، ويسقط على ظهره، ولكنه إستند بكفه على حافة الشرفة المعدنية ليحول دون حدوث هذا، وإعتدل ببطء في وقفته..
إغتاظ ماركو من إهانته أمام الحسناء الشرقية، فأراد إستفزاز أوس أكثر، فأردف قائلاً بنزق:
-You won't stop me from saying what I want ( لن تستطيع منعي من قول ما أريد )
ثم سلط أنظاره على تقى متحدياً أوس، ورفع حاجبه للأعلى في عدم إكتراث من قوته..
تحولت مقلتي أوس إلى جمرتين من النيران، وصاح بصوت هادر يحمل التهديد:
-ده أنا أدفنك قبل ما عينك بس تبصلها !

تابعتهما تقى بنظرات مذعورة وخائفة، فكلاهما على الأرجح في حالة عدم وعي..
كذلك لم تستطع إخفاء إرتجافة جسدها، ولا إصطكاك أسنانها..
ربما ساعد هواء البحر البارد على تأجيج هذا الإحساس بها..
وحدثت نفسها قائلة بتوجس:
-استر يا رب وعديها على خير !
تحرك ماركو خطوة للأمام في إتجاه أوس، ثم وجه إصبعه نحوه، ولمس به صدره قائلاً بلكنة غريبة:
-سينيور أوس، إنت You made a big mistake ( إرتكبت خطأ فادح )، هاتخسر كل حاجة !
رمقه أوس بنظرات قوية وهو يجيبه بعدم إكتراث:
-ولا يفرق معايا.

ثم باغته بتسديد لكمة مفاجئة وقوية في صدغه وهو يضيف بشراسة:
-دي بقى عشان تفكرك إن اللي يخصني محظور على غيري !
تأوه ماركو من الآلم، فلم يتوقع أن يهجم عليه أوس، فصاح بغضب:
-آوتش، You hit me f***** ( أنت تعتدي عليّ )
إنتفضت تقى مذهولة في مكانها، وشهقت برعب وهي ترى زوجها يضربه بقسوة..
هتف أوس قائلاً بتحدٍ سافر:
-لأ، وأموتك كمان !

ثم سدد له لكمة أخرى في وجهه ولكن أكثر قوة، فإستشاط ماركو غضباً، وفرك صدغه بعصبية، ثم إندفع نحو أوس ليهجم عليه وهو يسبه باللغة الأسبانية..
تصدى له الأخير بمهارة عالية، وأمسك به من ذراعه، ثم لواه خلف ظهره، وضغط عليه بقوة ليزيد من آلمه، فصرخ ماركو قائلاً:
-No.. No
قام أوس بلف ذراعه حول عنق ماركو، وبدأ في خنقه بشراسة، ومال عليه برأسه،وهمس له قائلاً بصوت قاتم:
-مرات أوس الجندي خط أحمر !
بدت علامات الإختناق جلية على وجه ماركو.. ورغم هذا لم يتركه أوس، بل إستمر في الضغط على عنقه أكثر..
خشيت تقى أن يتطور الوضع للأسوأ..

فهتفت قائلة بصوت مذعور:
-سيبه، هايموت في إيدك !
تجهم وجه أوس أكثر، وإزداد عبوساً بعد عبارتها الأخيرة، وأدار رأسه في إتجاهها محدجاً إياه بنظرات حادة أخافتها.. فتابعت بتلعثم وهي توزع نظراتها بينه وبين ماركو:
-إنت.. إنت متعرفش غير تأذي الناس وبس !
إحتقنت مقلتيه بشدة، وزدات عروقه الغاضبة بروزاً وأجابها بصوت متشنج:
-إنتي مش عارفة كان بيقول إيه عنك !

هتفت قائلة دون إكتراث وهي تنظر لوجه ماركو الشاحب:
-يقول اللي يقوله، أنا راضية ! سيبوه
زادت نظرات أوس شراسة لها، فإرتجفت منه.. وتسارعت أنفاسها بتوتر ملحوظ..
كز على أسنانه وهو مستمر في حدجها بنظراته المحتدة، ثم أرخى قبضته عن ماركو ليشهق الأخير بصوت مختنق بعد أن تحرر منه..
إنحنى ماركو للأمام وهو يبتعد بخطوات مرتعدة عنه، ونظر له بحدة هو يسعل، وغمغم بخفوت لاعناً إياه..
إستدار أوس بجسده كليةً نحو تقى، وحدق بها بنظرات مشتعلة وهو يصيح بصوت منفعل:
-وأنا مأقبلش ولا حتى أرضى حد يقرب منك أو يفكر فيكي !

إنتفض جسدها من صراخه، وسألته بصوت مذعور:
-إنت عاوز ايه مني ؟ جايبني هنا ليه ؟
أخذ نفساً عميقاً، ونفخه وهو يجيبها بإقتضاب:
-قولتلك شغل !
صاحت بصوت متشنج وهي تشير بيدها:
-شغل ! ولا جايبني هنا عشان تذلني وتهيني قصادهم !
لوى فمه قائلاً بتهكم وهو يرمقها بنظرات متعجبة:
-أذلك !
هتفت دون تردد ب:
-أيوه
قطب جبينه بضيق، وأجابها بصوت حاد:
-نعم ! إنت فاهمة كلامك كويس ؟!

تنهدت بحزن وهي تحاول كبح عبراتها التي لا تعرف سبب إنسيابها تلك المرة.. ولكن آلمها شعور رؤيته بصحبة غيرها وإعتبرته إهانة قوية لكبريائها.. وزاد من ضيقها رؤيته يستجيب لحركاتها اللعوب.. فصاحت بغضب مفصحة – دون وعي – عما يدور في عقلها ب:
-أنا تعبت من كل حاجة وآآ..
إتسعت مقلتيها مذعورة بخوف واضح وهي ترى ماركو يندفع بسرعة في إتجاه أوس وحاملاً في يده زجاجة فارغة ليضربه بها على رأسه، فصرخت بجنون وهي تشير بيدها:
-حاسب !

إلتفت سريعاً للخلف ليرى ماركو مقبلاً عليه، ورافعاً يده بالزجاجة للأعلى، فإنحنى بحرفية للخلف ليتفاداه، ثم أمسك بقبضته، وإنتزعها منه سهولة، وقربه من وجهه ليحدجه بنظراته القوية مردفاً بشراسة مخيفة:
-نهايتك على ايدي النهاردة
دب ماركو إصبعه في عين أوس اليسرى ليرخي الأخير قبضته عنه صارخاً من الآلم وقد إنحنى للأمام ب:
-آآآآه يا بن ال *** !

تراجع ماركو للخلف، وهتف بكلمات أسبانية لاذعة، ثم أدار رأسه في إتجاه تقى التي كانت تقف على بعد خطوتين منه، وباغتها بدفعها من كتفيها بقوة للخلف منفساً عن غضبه فيها.. فصرخت مرتعدة من هجومه عليها:
-لألألأ .!
إعتدل أوس في وقفته، وخفق قلبه مذعوراً على صراخها، ونظر لها بنصف عين وقد تشنجت قسمات وجهه رعباً عليها..

ترنح جسد تقى من قوة الدفعة، وسقطت ناحية الحافة المعدنية للشرفة، ولكنها لم تستطع الحفاظ على إتزانها، وفلتت قبضتها الممسكة بالحافة، وأوشكت على السقوط من الطابق العلوي..
كان أوس الأسرع في ردة فعله، حيث أمسك بقبضتها قبل أن تنزلق هاتفاً برعب، متجاهلاً آلم عينه:
-تقى !

تراقص جسد تقى في الهواء، وبرقت عينيها الزرقاوتين بخوف واضح، وتسارعت ضربات قلبها بدرجة مخيفة، وصرخت بذعر وهي تركل بساقيها:
-ماتسبنيش ! م.. ماتسبنيش
أجابها بصوت مرتعد وهو يرمقها بنظراته الخائفة والصادقة:
-مش هاسيبك يا تقى، مش هاسيبك !
ثم مال بجسده الأخر للأمام، وصاح بصوت متصلب:
-مدي إيدك التانية لفوق عشان أسحبك
أجابته بصوت مرتجف وهي محدقة به:
-مش عارفة ! ه.. هاموت !
هتف قائلاً بصوت حاسم:
-لأ مش هاتموتي، أنا معاكي !

دقق أوس النظر بعينيه – رغم آلم العين اليسرى – لتقدير المسافة، وإطمئن نوعاً ما لصغرها ولأن الأرضية مليئة بكثبان رملية، وبالتالي لن تسبب هلاكها في حال إفلاتها، ربما رضوض بسيطة في جسدها، ومع هذا جاهد ليحافظ عليها معه.. وحاول أن يبث شعوره لها قائلاً بثبات:
-ماتخافيش، مش هايحصلك حاجة !
جحظت تقى بعينيها في هلع أكثر حينما رأت ماركو يقف خلفه، حيث قام بضربه بقوة بالزجاجة الفراغة على رأسه، فتأوه أوس صارخاً:
-آآآآآه..!

ورغم الوجع الرهيب إلا أنه لم يفلت زوجته من قبضته..
إستجمع ماركو كامل قوته ليدفع أوس للأمام أكثر ففقد الأخير إتزانه، فصرخت تقى أكثر، وسقط كلاهما من الشرفة، وإرتطم جسديهما بالأرضية الرملية..
نظر لهما ماركو من الأعلى بتشفي، وتلفت حوله بريبة، ثم إبتعد عن المكان بسرعة رهيبة...

في سيارة عدي
سرد عدي لتهاني بتفاصيل دقيقة ما حدث مع إبنتها ليان منذ لحظة خداعها وإيقاعها في فخ الزواج الزائف، ثم زواجه هو منها، وما إكتشفته هي لاحقاً من حقيقة زيف نسبها لأمها.. وسوء حالتها النفسية، ومحاولتها الإنتحار ثم إيداعها في المشفى النفسي
وأكدت المدبرة عفاف حديث الأخير حينما ذكرتها بمقابلتهما اليتيمة في الفترة الأخيرة..
بكت تهاني بحسرة على مصير ابنتها.. وهتفت قائلة بصوت مختنق:
-ذنبك ايه يا بنتي يتعمل فيكي كل ده ! منكم لله يا بُعدة، ضيعتوا ولادي وحرقتوا قلبي عليهم !

رد عليها عدي بنبرة جادة قائلاً:
-مش هايفيد نتكلم في اللي فات، المهم ليان دلوقتي
ضربت بيدها على صدرها وهي تتابع بصوت باكي:
-آآآه يا بنتي !
تأملت عفاف صدق مشاعر تلك الأم المكلومة، وشعرت في قرارة نفسها أنها الوحيدة القادرة على إنقاذ ابنتها مما تعانيه دون أن تنتظر مقابل..
تنهدت بحرارة، ومطت شفتيها وهي تقول:
-ربنا يشفيها يا رب !

أكمل عدي حديثه بإهتمام وهو محدق بها:
-أنا مش عارف وجودك هيأثر معاها ولا لأ، بس عندي أمل إنك تقدري تقفي جمبها، لأنك أمها الحقيقية، واكتر واحدة هاتكون خايفة عليها بجد، وهايهمك مصلحتها !
ردت عليه تهاني بإصرار عجيب في نبرتها:
-وأنا مش هاسيب بنتي حتى لو كان أخر يوم في عمري..!

في الملهى التابع للمنتجع السياحي
أغمضت تقى عينيها، وسكنت تماماً على ظهرها فوق الرمال الناعمة..
بينما سقط أوس على جانبه، وتشنج بوجهه من شدة الآلم..
فتح عينيه بصعوبة محاولة إزاحة الرمال العالقة بعينه الملتهبة.. ثم رفع قبضته قليلاً فوجد أصابعه لا تزال قابضة على كفها.. سلط أنظاره عليها، وهو يحرك كفه بحذر هامساً لها ب:
-تقى ! إنتي كويسة ؟ تقى !

مد يده الأخرى ناحيتها، وتلمس وجنتها وتابع بهمس قلق:
-ردي يا تقى !
إقشعر بدنها من تلك اللمسات، وفتحت عينيها فجأة، وظلت محدقة للحظة في الفراغ، ثم رفعت ذراعها بحذر للأعلى، وتحسست بأناملها الرقيقة وجهها.. ونزلت على جسدها بكفها لتتفقده قائلة بذعر:
-أنا عايشة، ماموتش !..
-لأ لسه !

قالها أوس بتنهيدة إرتياح وهو يراقب حركاتها العفوية بتمعن، وإرتسم على ثغره إبتسامة رضا، وحاول أن ينهض بحرص ليطمئن على حاله هو الأخر..
رفعت تقى ذراعها الأخر، فتفاجئت بإستمرار إمساك أوس برسغها، فأدارت رأسها نحوه، وضيقت عينيها متسائلة بصوت خافت:
-إنت لسه ماسك إيدي ؟
رمقها بشغف وهو يجيبها مبتسماً:
-ما أنا وعدتك مش هاسيبك !
أشاحت بوجهها بعيداً عنه لتتجنب نظراته التي تربكها بشدة، و أغمضت عينيها مجدداً مستسلمة لشعورها بالأمان.. هذا الإحساس الذي إفتقدته لفترة طويلة وحل محله الخوف والرعب..

تابعها أوس بإهتمام كبير، وإعتدل في جلسته، وتمطع بذراعيه، وزفر بقوة وهو يتلفت برأسه محاولاً إستدعاء أي مساعدة..
وأردف متسائلاً بحنق:
-هو مافيش حد هنا ولا ايه ؟
تنهدت تقى في راحة عجيبة.. ثم شعرت بوخزة في قدمها، فتشنج وجهها قليلاً وهي تهمس:
-آآه.. مش وقتك خالص
قطب أوس جبينه، وسألها بإهتمام وهو محدق بها:
-في إيه ؟

ردت عليه بإيجاز وهي تحاول النهوض:
-مافيش !
إعتدلت في جلستها، وضغطت على شفتيها بقوة وهي تحاول مد ذراعها لترى حالة قدمها المتورمة..
ولكنها صرخت مذعورة وهي تهز رأسها ب:
-لألألأ
إنتفض أوس في مكانه، واقترب منها أكثر وجثى على ركبته ناظراً لها بهلع، ثم تسائل متوجساً:
-في ايه ؟
ردت عليه تقى بصوت شبه حزين وهي تحاول إنتزاع الحذاء من قدمها:
-كعب الجزمة اتكسر !

نظر لها مصدوماً، وعجز عن الرد عليها لوهلة، ثم إنفرج ثغره للأسفل مطلقاً ضحكة عالية جعلته يجلس لعدم سيطرته على نفسه..
رمقته هي بنظرات إندهاش، وظنت أنه يسخر منها.. فتلونت وجنتيها بحمرة غاضبة، وعبس وجهها كثيراً..
توقف أوس عن الضحك بصعوبة حينما رأى الضيق بادياً على وجهها، وبرر قائلاً:
-بصراحة إنتي كل يوم بتفاجئيني
رمقته بنظرات ساخطة، ثم لوت شفتيها بضيق، وغمغمت بكلمات مبهمة، فسألها أوس بإهتمام:
-بتقولي ايه ؟

لم تجبه، بل حدثت نفسها بضجر وهي تستند بكفيها على الرمال لتنهض:
-كفاية كده عليا النهاردة، أنا مش حِمل كل ده !
وقفت تقى على قدميها، ولكنها لم تتمكن من السير بهما، فقد آلمتها بشدة قدمها المتورمة، فأطلقت صرخة مكتومة وهي تضع يدها على فمها:
-آآآه
هب أوس واقفاً وهو ينظر لها بقلق متسائلاً بتلهف وهو يضع يده على ظهرها:
-مالك ؟
لم تتحمل تقى الآلم الجسدي، ولا وخزات قدمها، فأجهشت بالبكاء وهي تجيبه قائلة:
-رجلي.. مش قادرة منها !

ثم قامت بثني قدمها التي تؤلمها للأمام قليلاً..
جثى أوس على ركبته ليتفقد قدمها.. بينما إستندت هي بكفها على كتفه، فرفع أوس عينيه نحوها متعجباً من تصرفها المفاجيء هذا..
رقص قلبه طرباً لحركتها العفوية تلك.. فهي لم تعد تخشاه بدرجة كبيرة كما كان الوضع من قبل..
عاود هو تسليط أنظاره على قدمها وإبتسامة سعيدة ترتسم على ثغره..
مد أصابعه نحو مقدمة قدمها، وما إن لامسها حتى صرخت قائلة بنشيج:
-آآآه، لأ.. ماتلمسهاش، آآآه !
وضغطت بأصابعها على كتفه..
رفع عينيه نحوها، وحدق بأصابعها للحظة، ثم سلط أنظاره عليها، وسألها بجدية:
-ايه اللي عمل فيها كده ؟

أجابته بصوت مختنق وعينيها مغرورقتان بالعبرات:
-إنت !
نظراً لها مدهوشاً من ردها الصادم، فتابعت قائلة بصوتها الباكي:
-وإنت بتجرني وراك، لويتها !
صر على أسنانه في ضيق واضح من نفسه، وأجفل عينيه مضيفاً بأسف:
-سوري يا تقى، مكونتش أقصد أذيكي !
ثم زفر بحرقة أشد ليحدث نفسه قائلاً بندم واضح في عينيه:
-صعب أسامح نفسي على اللي عملته فيكي قبل ما إنتي تسامحيني !
أردفت تقى قائلة بصوتها المبحوح وهي تمسح عبراتها:
-أنا عاوزة أمشي من المكان ده.

إعتدل أوس في وقفته، ونفض يديه من الرمال العالقة بهما، ثم حدق بفي عينيها بنظرات عميقة، ورد عليها بهدوء:
-حاضر، هانرجع الفيلا !
رمقته بنظرات قوية قائلة بنزق:
-لأ.. أنا عاوزة أرجع لبيتي، ولحياتي !
ظل أوس محدقاً بها ولم يجيبها، فإغتاظت من صمته، وهتفت محتدة وقد لمعت عينيها بشدة:
-أنا تعبت من وجودك في حياتي، من العذاب اللي بأشوفه معاك كل يوم، من كل لحظة بأقضيها وأنا خايفة تعمل فيا حاجة، من الإهانة اللي بأشوفها معاك !
ضم أوس وجهها براحتيه، وحدق بها بنظراته الصادقة قائلاً بجدية:
-أنا مستحيل أذيكي، ليه مش عاوزة تصدقيني ؟

ردت عليه بصوتها المختنق ونظراتها المرتجفة محدقة بعينيه القاتمتين:
-إزاي أصدقك وإنت معيشني في خوف مستمر، وآآ..
قاطعها بإصرار واضح في نبرته:
-تقى مش هاسيبك قبل ما ترجعي زي الأول، وتسامحيني !
ثم لف ذراعه حول ظهرها، وانحنى ليضع الأخر أسفل ساقيها ليحملها وهو يضيف بهدوء يحمل المزاح:
-وهبدأ برجلك، و.. وعيني.. !

في السجن العمومي
بداخل مرحاض السجن
إنحنى ممدوح برأسه للأمام أمام الحوض ليغسل وجهه بالمياه الباردة، ثم نفخ في ضيق قائلاً بصوت منزعج:
-حتى المياه ريحتها تقرف هنا !
اعتدل في وقفته، ونفض يديه من المياه، لكنه تفاجيء بمن يهجم عليه من الخلف ليشل حركته، وبشخص أخر ملثم الوجه يلف حول عنقه سلكاً رفيعاً للغاية، ويخنقه به..
تشنج ممدوح بجسده محاولاً الإفلات منهما، ولكنه عجز عن فعل هذا.. وبدأ وجهه في التحول للون الأزرق..

وإزدادت حركة عضلاته بعصبية شديدة محاولاً لفظ أنفاسه قبل أن يختنق..
مال عليه الشخص الذي يخنقه برأسه قليلاً ليهمس له بصوت أشبه بفحيح الأفعى ب:
-مهاب باشا باعتلك السلام !
إتسعت مقلتي ممدوح بدرجة رهيبة حتى كادت كلتاهما أن تخرجان من محجريهما عقب تلك الكلمات الأخيرة
بينما استمر الشخص الملثم في خنقه بقسوة متابعاً بشراسة:
-وبيقولك مش بالساهل يسامح في حقه !
شحب لون وجهه بدرجة مخيفة وهو يكافح لإلتقاط أي نفس، ولكن أبى جسده أن يستمر أكثر في المقاومة، وتوقف قلبه عن النبض، وتدلى لسانه خارج فمه، وإرتخت أطرافه تماماً..
فنظر الشخص الملثم لزميله وسأله بصوت خافت:
-ها خلص ؟

أجابه زميله بصوت خشن وهو يعتدل في وقفته:
-إتشيع خلاص
هتف الشخص الأول قائلاً بصوت آمر وهو يشير بعينيه نحو نافذة علوية:
-علقه بقى على القضبان اللي هناك دي
هز رأسه موافقاً ليجيبه بصوته المتحشرج:
-على طول
ثم تعاون الاثنين معاً في حمله، ثم تسلق أحدهما الحوض الموضوع على مقربة من النافذة، وهمس بجدية:
-ارفعهولي !
رد عليه زميله بصوت منزعج وهو يشير بعينيه:
-أربط السلك الأول فوق !

أضاف الأخر قائلاً بضيق:
-ماشي
هتف زميله قائلاً بضجر:
-انجز قبل ما حد يجي
أجابه الأخر بهدوء وهو يعقد طرفي السلك في القضيب الحديدي:
-أنا مأمن المكان، ماتقلش !
لوى زميله فمه بإمتعاض وهو يقول:
-الحرص واجب يا خفيف
-حاضر !
إنتهى الاثنين من مهمتهما، وقاما بتعليق جثمان ممدوح على قضبان النافذة الحديدية بواسطة ذلك السلك الرفيع ليبدو وكأنه أقبل على الإنتحار فشنق نفسه عمداً...

عند شاطيء المنتجع السياحي
سار أوس حاملاً تقى بين ذراعيه بالقرب من الشاطيء بعد أن قرر العودة إلى الفيلا..
نفخت هي بضيق لأكثر من مرة بسبب تلك الوضعية المحرجة لها، وكذلك لإلتصاقها الشديد بصدره..
وحاولت جاهدة ألا تنظر له.. وألا تنبس بكلمة..
تعجب هو من صمتها المريب، وفسره بشعورها الطاغي بالبغض والنفور منه.. فزفر بإنزعاج وقرر أن يجبرها على الحديث معه، لذا تشدق قائلاً:
-ساكتة ليه ؟

نظرت له بطرف عينها، ومن ثم حدقت أمامها وهي تتنهد بيأس..
إغتاظ أوس من جفائها معه، فتوقف عن السير، ونظر لها بحنق.. فأدارت رأسها نحوه لتلتقي عينيها الزرقاوتين - التي تحمل العتاب واللوم له - بعينيه العميقتين.. وسألته بصوتها الخافت وشبه المضطرب:
-وقفت ليه ؟

ثم فغرت شفتيها لتشهق بخوف حينما أرخى أوس ذراعه فجأة عن ركبتيها، فتشبثت هي بعنقه بذراعيه ظناً منها أنه سيلقي بها على الرمال، ونظرت له برعب، بينما ثبت هو ذراعه الأخر حول ظهرها ليضمها أكثر إلى صدره، وتأملها بنظرات مطولة وقد إلتوى فمه بإبتسامة عابثة..
احتقنت وجنتيها بحمرة غاضبة من فعلته تلك، ونهرته بحدة قائلة:
-ابعد عني، أنا بأكرهك، سامع بأكرهك !
إبتسم لها متسائلاً بتسلية وهو يعمق نظراته اكثر:
-ها، وايه كمان ؟

تشنجت تعابير وجهها، وإرتفع حاجبيها للأعلى وهي تسأله بغضب جلي في نبرتها:
-إنت.. إنت ليه بتعمل فيا كده ؟
تنهد بعمق، وظل محدقاً بها بنظرات استغربتها ووترتها إلى حد ما، فقد إعتادت على تصرفاته الوقحة والفظة.. لكن سكونه المريب في تصرفاته يثير جنونها أكثر..
لذا صاحت بصوت محتد وهي تحاول دفعه من صدره بعيداً عنها بكفيها:
-سيبني أمشي، ولا مكافكش الإهانة جوا، عاوز تكملها هنا.

لف ذراعه الأخر حول ظهرها، وألصقها أكثر بصدره، وإلتوى فمه بإبتسامة ثقة.. فقد ضمن عدم فرارها من أحضانه، فرمقته بنظرات حادة وهي تهتف بضيق:
-إنت بتتبسط لما بتلاقيني ضعيفة قدامك، مش قادرة أصدك، بتحس بقوتك وبجبروتك، صح ؟ ده شعورك اللي بيحسسك بقيمتك ؟ رد عليا !
ظل يبتسم لها مستفزاً إياها، فهدرت بصوت حاد
-دافع عن نفسك، رد !
أجابها بخفوت وهو يمتع عينيه بتأملها:
-مش عاوز !

تلونت وجنتيها بحمرة الغضب، وصرخت فيه بإنفعال بعد أن فشلت في التحرر منه:
-بتعمل فيا كده ليه ؟ لييييييييه
أسند ذقنه على رأسها، وأردف قائلاً بحذر:
-ششش.. اهدي !
نشج صوتها وهي تتابع بنحيب:
-أنا تعبت منك، معنتش قادرة أتكلم ولا أقاوم تاني، ارحمني وسيبني !

صر على أسنانه قائلاً بضيق وهو يبتلع غصة مريرة في حلقه:
-مقدرش أسيبك يا تقى، اطلبي مني أي حاجة إلا ده، على الأقل الوقتي، أنا مصدقت إنك معايا وفي حضني !
ردت عليه بصوت باكي ب:
-مش عاوزاك، مش عاوزة أكون معاك !
تنهد بحزن من إصرارها على النفور منه، ولرفضها إعطائه أي فرصة للبدء من جديد..
ومع هذا لم ينكر سعادته وهي تجادله، وتعبر عن مكنون قلبها ناحيته..
فقد ذاب حاجز الجليد بينهما بدرجة معقولة.. وبات بينهما مناقشة ومعاتبة.. وهي نقطة هامة قد وصل لها معها..

أرخى ذراعيه قليلاً، وأرجع رأسه للخلف لينظر لها برومانسية وهو يتابع بشغف صادق في صوته:
-تعرفي، أنا ببقى مبسوط وانتي بتتكلمي كده معايا، ومش خايفة مني، حقيقي أنا حابب اسمع صوتك، احس بمقاومتك ليا زي زمان، ماقصدش زي ما حصل بينا، بس أنا مش عاوزك تخافي مني، عاوز تثقي فيا وتسمعيني بقلبك، وتسامحيني، وتديني فرصة أعوضك عن اللي فات !
هزت رأسها بإستنكار وهي ترمقه بنظراته المشمئزة، وردت عليه بجمود:
-قلبي ! ده على اساس إن اللي زيك عنده قلب وبيحس بغيره ؟

ثم صمتت لثانية قبل أن تتابع بقسوة شرسة:
-قولي موقف واحد بس في حياتك عملته وكنت بتحس زي الناس الطبيعيين ! ماظنش عملت ده أبداً !
اعتصر الآلم قلبه وهي تذكره بمساوئه، وأفعاله المشينة.. فهي قد أصابته في مقتل.. هو لم يقدم على فعل أي شيء خير في حياته..
تابعت هي حديثها القاسي وهي تنظر له شزراً ومشيرة بإصبعها:
-إنت يا باشا مش بتحب إلا نفسك وبس، بتدوس على غيرك من غير ما ترحمه أو حتى تغفرله غلطه، كنت على الأقل سامحت أمي في ذنب هي معملتهوش، كنت غفرت ليا مقاومتي ليك، لكن إنت لا بترحم، ولا بتغفر ! ودمرتنا كلنا معاك !

احتضن وجهها بكفيه، وهتف لها بصوت مرير وقد لمعت عينيه بشدة:
-تقى أنا مش زي ما إنتي فاكرة، أنا الظروف أجبرتني أكون كده، حياتي كانت غلط من البداية، بس بأحاول أغير من نفسي !
وضعت يديها على قبضتيه، وأبعدتهما عن وجهها، وهي تهتف بحدة:
-ظروف ايه اللي خلت واحد زيك عنده كل حاجة يكون بالشكل ده، يا باشا ده انت عندك جيش خدامين تحت رجليك، وموظفين تحت ايدك، يعني تؤمر تجاب، وجاي تقولي ظروف !

أطرق رأسه في خزي، وأجابها بصوت شبه منكسر:
-إنتي مش عارفة حاجة عني، ماتعرفيش حاجة !
صاحت بصوت هادر يحمل القوة:
-ولا عاوزة أعرف، عارف ليه لأن أنا بيعاك يا أوس باشا، سامعني بايعاك.. !
ثم أجهشت بالبكاء، وجثت على الرمال لتدفن وجهها بين كفيها، وظلت تنتحب بصوت مختنق
وضع أوس إصبعيه على مقلتيه ليمسح العبرات العالقة بهما، وتنهد بحرقة، ثم أخذ نفساً عميقاً وحبسه في صدره، وأولاها ظهره وأضاف لنفسه بصوت متحشرج:
-وأنا هافضل شاريكي.

ابتلع ريقه المرير، وإستدار نحوها ليضيف بصوت مختنق:
-هاكلم السواق يجي يوصلنا على الفيلا..!
كم كان يريد أن يأخذها في أحضانه، يضمها إلى صدره، ويمسح عنها عبراتها، فترى صدق نواياه نحوها، وتشعر بحبه لها، وأنه تغير فقط من أجلها، ولكنها دوماً تضع حاجز ما حدث بينهما أمامه، فتزيد من عذاب ضميره، و روحه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة