قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والثلاثون

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
جثى أوس على ركبته أمام فراش ليان المنخفض بعد أن رأى حالتها النفسية السيئة، وأمسك بكف يدها، وضغط عليه قليلاً بأصابعه، ومسح بيده الأخرى على وجنتها، وهمس لها قائلاً:
-ليان، أنا أوس
ذرفت عبراتها الحارقة، ولم تجبه، فمسحها بأنامله برقة، وأضاف قائلاً بتوعد:
-انا هاجيبلك حقك ماتقلقيش.

حركت ليان رأسها في إتجاهه، ونظرت له بأعينها الدامعة، وقالت بتشنج:
-جاي ليه ؟ عشان تشمت فيا ؟ قولي ؟
ابتلع تلك الغصة في حلقه، فحالتها البائسة ذكرته بتقى التي كانت تشبهها كثيراً في حالة الضعف والعجز وقلة الحيلة..
هو لم يكنْ يوماً شقيقاً حقيقياً لها.. بل مجرد صورة زائفة.. وربما يكن له ضلعاً - بطريقة غير مباشرة – فيما حدث لها..
تنفس بعمق ليسيطر على غضبه، ونطق بصوت شبه مختنق:
-ليان، اهدي!

صرخت فيه بصوتها المتشنج قائلة بعصبية:
-انتو كلكم زي بعض، أنا ماليش أهل أصلاً!
ضيق عينيه في عدم فهم، وسألها بجدية:
-ايه الكلام الغريب اللي بتقوليه ده، أنا عرفت اللي حصل كله، وهاجيب حقك من ابن ال آآ..
قاطعته بصراخها الحاد وهي تسحب يدها من كفه قائلة:
-بسسس، مش عاوزة أسمع حاجة منك، انت السبب، انت السبب!
أمسك بكفها عنوة، وأسند رأسه على جبينها، وأردف قائلاً بصوت نادم وآسف:
-شششش.. ماتكلميش!

هزت رأسها بعصبية وهي تتابع قائلة بنشيج:
-محدش فيكم حاسس بيا، وليه هاتحسوا ؟ إنتو مش أهلي، مش أهلي، أنا مش أعرفكم!
سألها أوس بإهتمام واضح بعد ترديدها لتلك العبارة لأكثر من مرة فأثارت حفيظته قائلاً بفضول:
-ليه بتقولي كده ؟
نظرت له بعينيها اللامعتين وأجابته بصوت مهتاج:
-عشان دي الحقيقة
فغر فمه في عدم فهم، وهتف قائلاً بجدية:
-حقيقة، أنا مش فاهمك!

أشاحت بوجهها عنه، وتشنجت أكثر وهي تضيف قائلة ببكاء مرير:
-أنا مش بنتها، ولا هي مامي، هي مش بتحبني، أنا بنت مين؟ مين ؟
جلس عدي على طرف الفراش، وجذب يد ليان من قبضته، واحتضن كفها براحتيه، وهتف قائلاً بقلق:
-ليان، اهدي يا حبيبتي!
ثم نظر في إتجاه أوس وسأله بخوف واضح في نبرة صوته وملامح وجهه:
-مالها يا أوس، هي بتقول ايه ؟
مط فمه للأمام وهو يجيبه بصوت شبه محتد:
-أنا مش فاهم حاجة منها، وبأحاول قدامك أهوو!

ثم مد يده ناحيتها، ووضعها على طرف ذقنها ليدير وجهها في إتجاهه، وأردف قائلاً بإستفهام:
-ليان بصيلي، بنت مين ؟ في ايه اللي بيتقال ؟
أجابته بصوتها الباكي بعد أن أغمضت عينيها قائلة:
-مش بتحب ولاد تهاني، مش بتحبهم، هي مش مامي اللي أنا أعرفها، مش مامي!
تسائل عدي بحيرة واضحة وهو يوزع أنظاره ما بين ليان وأوس قائلاً:
-تهاني مين دي ؟ هه ؟
اتسعت مقلتي أوس في صدمة واضحة وهو يردد بصوت قاتم:
-ايييه! تهاني!

في منزل أم بطة
تمددت بطة على الفراش، وغطتها والدتها بالملاءة، ومسحت على وجهها، وتلفتت حولها قائلة بنبرة ممتنة:
-كتر خيركم يا نسوان على اللي عملتوه مع بنتي
في حين أغمضت إبنتها عينيها، وأصدرت أنيناً مكتوماً.. وتكورت على نفسها في الفراش..
أردفت إحداهن قائلة بجدية:
-اطلبي ضاكتور يجي يشوف مالها
فغرت أم بطة فمها بتوتر، فهي تعلم أن حمل إبنتها زائف، وبدأت تستوعب ما حدث حينما غمزت لها بطة بطرف عينها وهي تدلف معها لداخل الغرفة لتؤكد لها شكوكها..

أفاقت سريعاً من شرودها، وردت عليها بتلعثم محاولة إخفاف إرتباكها:
-هاه.. اه ما.. آآ.. ما أنا هاعمل كده
هتفت سيدة أخرى قائلة بضيق:
-منها لله اللي كانت السبب
ردت عليها أم بطة قائلة بحزن زائف:
-ربنا مطلع وشايف!
صاحت إحداهن قائلة بإمتعاض وهي تلوي فمها:
-إنتي غلطانة يا أم بطة تدي بنتك لواحد مايصونهاش
تنهدت في إنهاك وهي تجيبها بآلم زائف:
-أعمل ايه بس.. يالا الحمدلله!
ثم أخذت نفساً عميقاً، وزفرته على مهل، ونظرت لهم بجدية قائلة:
-معلش البت محتاجة ترتاح!

قالت إحداهن بصوت متأفف وهي تحرك فمها للجانبين:
-ايوه
بينما قالت أخرى بصوت جاد:
-وماله ياختي.. ربنا يطمنك عليها
في حين تابعت أم بطة حديثها بتلهف:
-وأنا هابعت أجيب أم نجاح تشوفها وتطمني
أضافت سيدة ثالثة قائلة بنبرة متفائلة:
-ربنا يريح بالك ويطمنك!
ثم اصطحبتهن أم بطة إلى خارج الغرفة، في حين إلتوى فم إبنتها بإبتسامة خبيثة وهي تحدث نفسها قائلة بفخر:
-اشربي بقى يا ولية لما يعرف المحروس ابنك باللي عملتيه!

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
ظلت كلمات ليان الأخيرة تتردد في أذني أوس.. تهاني .. هذا الإسم الذي حفر في ذاكرته منذ أمد بعيد، وتسائل مع نفسه بحيرة عجيبة عن سبب إنهيارها الكبير هذا..
فلماذا تقول أن ناريمان صرحت بأنها ليست إبنتها ؟ وأنها تبغض رؤية وتربية أبناء تهاني ؟ كيف تقول هذا على ابنتها الوحيدة إن لم تكن حقاً من أنجبتها..

هناك حلقة مفقودة في هذا الحوار.. وهو لن يمرر الأمر مرور الكرام، بل عقد نيته على التحري بدقة وكشف الحقيقة كاملة، فهناك شكوكاً تساوره حول هوية ليان، ويخشى أن تكون صحيحة..
إحتضن عدي زوجته وأسند رأسها على صدره، ومسح على ظهرها برفق، وهمس لها قائلاً:
-هانتقم من الكلب اللي وصلك للحالة دي
ثم أبعد رأسها للخلف لينظر لملامح وجهها الذابلة، وتابع ثائلاً بإختناق:
-حقك هايرجع يا ليان.

وكأن وعود عدي لزوجته أيقظت إحساس أوس بتقى أكثر، فقد اشتاق لرؤيتها وللمسها، ولإحتضانها وتعويضها عما اقترفه في حقها..
تنهد بضيق، وأولاهما ظهره ليخفي تلك العبرات التي تسربت إلى مقلتيه..
فالآلم يعتصر قلبه بشدة، هو لم يكفر عن ذنبه بعد مع تقى، ودائماً يذكر نفسه انه قبل أي شيء كان ذئباً همجياً يعاشر النساء بصورة غير سوية من أجل امتاع نفسه وإشباع رغباته..

أقاق أوس من تفكيره المشحون على صوت عدي وهو يهتف قائلاً بجدية:
-أنا هودي ليان على الفيلا عندي
هز أوس رأسه موافقاً وهو يرد عليه بهدوء حذر:
-يكون أفضل برضوه، وعاوزين نشوفلها دكتور يتابعها
سأله عدي بإهتمام واضح:
-نكلم حد من عندكم في المستشفى ؟

غمز له أوس نافياً، وأردف قائلاً بصوت جاد للغاية:
-لأ.. انسى المستشفى عندنا خالص، أنا هاكلم حد ثقة أعرفه
-تمام، والكلب اللي آآآ...
قاطعه أوس بصوت متصلب، وهو ينظر له بنظراته القاتلة قائلاً:
-اطمن، هاندمه على انه اتعرض لليان، المهم هاتها ورايا، وأنا هابلغ الأمن يجيب العربية من المدخل اللي ورا
-اوكي

في منزل أم بطة بالحارة الشعبية
لكزت أم بطة ابنتها في الفراش لتجبرها على النهوض وهي تصرخ فيها بصوت متوتر:
-قومي يا مزغودة، ايه اللي هببتيه ده ؟
نفخت بطة بصوت متذمر وهي تجيبها بضيق:
-بالراحة يامه، في ايه ؟
لوحت والدتها بيديها أمام وجهها قائلة بإنفعال:
-يعني مش عارفة النصيبة اللي عملتيها
ضربت بطة على فخذيها مجيبة إياها بضجر:
-الله يامه، مش احنا متفقين.

لوت أم بطة فمها في إستنكار، وهزت حاجبها وهي ترد عليها:
-لأ يا روح أمك إحنا ماتفقناش على خراب البيوت
زفرت بطة بضيق، ثم قالت بإحباط:
-أعمل ايه يعني، قرفت من الولية الشر اللي هناك دي!
سحبت والدتها الملاءة من عليها، وتابعت بصوت جاد وهي تعيد طيها:
-انتي كده هتخربي بيتك بإيدك، وانا مش ناقصة هم فوق القرف اللي عندي.

نهضت بطة من على الفراش، وإتجهت ناحية خزانة ملابسها القديمة، ثم إستدارت لتواجه والدتها وهي تضيف قائلة بإختناق:
-يامه انا اللي بتعامل مع الولية دي كل يوم، ولو مكونتش عملت كده كانت هتسوق فيها معايا!
وضعت والدتها إصبعها على جبين إبنتها، وضربتها بخفة وهي تحذرها قائلة:
-ومخك ده اللي هايوديكي في نصيبة!

وضعت بطة ذراعها في منتصف خصرها، ورفعت إصبعها على جبينها، وقالت بثقة:
-لأ مخي ده اللي هايخلي أم أربعة وأربعين دي تتعامل معايا عدل
أسندت والدتها كفها على طرف ذقنها، وهتفت بنزق:
-مش خايفة الواد عبده يعرف ويطلقك.
إلتوى فم بطة بإبتسامة ماكرة وهي تجيب:
-لأ مش هايعرف، أنا فكرت في كل حاجة!

ثم أخذت نفساً عميقاً، وزفرته على مهل لتكمل حديثها قائلة بثقة:
-وبعدين أنا فضحتها قصاد الحتة كلها، يعني هي اللي هاتطلع غلطانة قدامهم
تنهدت والدتها في إنهاك، وردت عليها بتوجس قائلة:
-والله ما أنا عارفة مخك ده هيوديكي لحد فين
هتفت بطة بصوت محتد وهي ترمق والدتها بنظراتها المعاتبة:
-يامه انتي اللي جوزتيني غصب منه، فخلاص سبيني أتصرف معاهم براحتي!
نظرت هي لها بحنو أمومي وهي تحذرها بجدية:
-أنا عاوزة أحميكي يا بت، انتي كده آآ..

قاطعتها بطة بإصرار واضح وهي تشير بكفها ب:
-خلاص يامه.. انتي ملكيش دعوة، أنا المسئولة في كل حاجة، وخليني بقى أكمل التمثلية دي
سألتها والدتها بحيرة وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-انتي هاتقولي انك سقطتي ؟
إرتسمت ابتسامة لئيمة على ثغرها وهي تجيبها:
-اه طبعاً، وابعتي أم نجاح تيجي، وأنا هاحينها ( أعطيها ) باللي فيه النصيب
أشارت أم بطة بكفيها في الهواء بحركة قلقة وهي تضيف قائلة بتوتر:
-ياخوفي أم نجاح تقول لأحسان على سرك!

أخرجت بطة قميصاً نظيفاً من ضلفتها بالخزانة، وإستدارت قائلة بهدوء:
-مش هاتعمل ده، هي ليها مصلحة معايا
تنهدت أمها في خوف قائلة:
-ربنا يسترها، ويكملها على خير

في مخزن الجندي القديم
فُتح الباب على مصرعيه ليقف على عتبته كلاً من أوس وعدي وعلى وجهها نذير شر..
توقف الحرس المرافق لأوس في الخارج، و انضم إليهم الموظف المسئول عن إدارة المخزن وكذلك حارسه..
وظل الجميع باقياً على مسافة قريبة، ولكن تجوب أنظارهم المكان.. وخاصة الحراسة الأمنية..
كان فارس مُلقى في أحد الأركان المظلمة بالمخزن، ووجهه مغطى بكيس قماشي.. ويديه وقدميه مكبلتين..

اقترب أوس منه، ونظر له بإحتقار متأملاً حالته المزرية بعد أ، تكفل حرس الشركة بضربه ضرباً مبرحاً
كاد عدي أن يتجاوز أوس لينقض على فارس ويفتك به صارخاً بإهتياج:
-هادفنك يا كلب، ومحدش هيعرفلك طريق جرة عشان تعرف مين هما أسيادك!
ولكن أوقفه أوس بذراعه قبل أن يهجم عليه قائلاً بصرامة:
-مش هايموت قبل ما نعرف منه اللي احنا عاوزينه.

قاومه عدي وحاول أن يندفع في إتجاه فارس ليبرحه ضرباً صارخاً بإنفعال:
-سيبني يا أوس أموته
نظر له أوس بصرامة قائلاً بصوته الغليظ:
-اهدى!
انفجر عدي غاضباً، وصرخ قائلاً بعد أن تراجع خطوة للخلف:
-أنا كنت مفكر ليان بتشتغلني وبتسرح عليا، ولما شوفت صورها مبعوتة هنا قولت بس جت لحد عندي الفرصة أعوض اللي فات!
إحتدت نظرات أوس وهو يسأله بعدم فهم ب:
-صور ايه ؟

بصق عدي في إتجاه فارس، ثم قال بصوت متشنج وهو يشير بإصبعه:
-ابن الكلب ده مصورها صور وهي في أوضاع زبالة وعريانة وآآآ..
قاطعه أوس سائلاُ إياه بإستفهام:
-وانت عرفت الكلام ده إزاي ؟
إرتبك عدي للحظة، ومط فمه قليلاً، ثم أجابه بصوت متلعثم:
-ماهو.. ما هو الصور كانت جيالك، بس أنا استلمتها وشوفتها!

احتقن وجه أوس، واشتعلت عينيه أكثر، وصاح قائلاً بقوة:
-وإزاي ماتقوليش الموضوع ده
أجابه عدي بصوت شبه هاديء:
-أنا.. أنا كان غرضي ألم الموضوع قبل ما تكبر الفضيحة
حدجه أوس بنظرات مخيفة وهو يسأله بجموح:
-ازاي يا عدي تخبي عني حاجة زي كده ؟
ابتلع ريقه وهو يجيبه بتوجس:
-ما أنا.. ما فكرت إنها كانت على علاقة بيه برضاها
استشاط غضباً وهو يتابع قائلاً:
-برضوه كنت تقولي، إزاي تبقى عارف ده وتخبيه.

هتف عدي قائلاً بضيق:
-ماهو أبوك وأمك كانوا عارفين وآآآ...
قاطعه أوس بصوت هادر وهو يلوح بإصبعه:
-ماتقولش أمي، الولية دي مش امي ولا تعرف للأمومة حاجة!
ثم نفخ في ضيق، ووضع يده في منتصف وسطه، وفرك بيده الأخرى وجهه المحتقن من الغضب..
أطرق عدي رأسه في خجل، وأردف قائلاً وهو يوليه ظهره:
-وأنا طلعت واطي زي الكلب ده واستغلتها!
وضع أوس يده على كتف عدي وضغط عليه قائلاً بجدية:
-مش وقت كلام في اللي حصل!

ثم سلط أنظاره الشرسة على فارس، وتابع قائلاً بتوعد:
-يهمنا الوقتي ننتقم من اللي عملت ده، ونعرف ال **** ده هو غلط مع مين!
اقترب أوس من فارس، وركله بقسوة أسفل معدته، فصرخ الأخير بصوت مكتوم بسبب تكميم فمه..
ثم إنحنى بحذعه لأسفل لينزع الكيس القماشي عن وجهه، وجثى على ركبته لينظر له بإزدراء قبل أن يمسك بفكه ويعتصره بشدة..
صر على أسنانه وهو ينطق بشراسة:
-هاتحكي كل اللي حصل من أول ما مخك الوسخ ده وزاك عليا!
هز فارس رأسه مستسلماً وهو ينزف دماءاً من أنفه..

في النادي الشهير
تسابق العاملون في النادي في رص المزهريات ذات الورود البيضاء على الطاولات ليكملوا وضع اللمسات النهائية الخاصة بالحفل السنوي للجمعية الخيرية التي ترأسها ناريمان..
كذلك وقفت عضوات النادي في مجموعات متقاربة ليتبادلن أحاديثاً جانبية عن أخر الأخبار الإجتماعية التي تتعلق بصفوة رجال ونساء المجتمع..
أمسكت هياتم بورقة في يدها، وطالعتها بإهتمام كبير لتتأكد من وجود كل شيء في محله..

ثم نظرت حولها باحثة عن مديرة دار المسنين، فلمحتها تقف مع عضوات الدار على مسافة بعيدة.. فسارت بخطوات سريعة نحوهن..
وكانت من بين الحاضرات تهاني التي إرتسم على ثغرها ابتسامة رقيقة وهي تصغي بإنتباه لحديث الطبيبة رجاء الشيق..
أشارت مديرة الدار للطبيبة بيدها وهي تهتف قائلة:
-دكتورة رجاء، تعالي معانا شوية
ابتسمت لها رجاء وهي ترد قائلة بخفوت:
-حاضر.

-عن اذنك يا تهاني
هزت تهاني رأسها بإيماءة خفيفة، وهي تقول بإيجاز:
-اتفضلي
ثم وقفت هي بمفردها وظلت هي تتأمل المكان بإعجاب واضح..
فالحديقة التي يُقام فيها الحفل الخيري على قدر من الجمال الطبيعي..
-مدام تهاني!
إلتفتت تهاني برأسها للخلف بعد أن سمعت صوتاً أنثوياً ينادي اسمها، فوجدت هياتم تقترب منها وعلى ثغرها ابتسامة عريضة..

أخذت هي نفساً عميقاً لتعيد ضبط أنفاسها اللاهثة وهي تقول بحماس:
-إن شاء الله رئيسة الجمعية هتنورنا، وأنا حابة أعرفك بيها، وأوريها المستوى العلاجي اللي وصلتي ليه من خلال الدار، ده إن مكنش يضايقك
-عادي
تابعت هياتم حديثها بنبرة متلهفة وهي تنظر لها بنظرات جادة:
-انتي فاهمة ان أصحاب الجمعيات الخيرية بيحبوا من وقت للتاني يشوفوا نتيجة التبرعات على أرض الواقع وآآ..
قاطعتها تهاني بصوت هاديء قائلة:
-مافيش داعي للتبرير، بالعكس أنا المفروض أشكركم على اللي عملتوه معايا
إبتسمت لها مجاملة وهي تردد:
-شكراً ليكي على ذوقك
ثم تركتها وإنصرفت لتكمل باقي عملها..

في المخزن القديم التابع لشركات الجندي للصلب
فرغ أوس من إعتدائه الوحشي على فارس، وعرف منه بأدق التفاصيل خطة لوزة للإيقاع به وإذلاله عن طريق النيل من شرف ليان..
لم يتحمل عدي هو الأخر ما سمعه، فإنهال بالركلات الموجعة والضربات المؤلمة على أنحاء جسده..
نفض أوس يديه، وإعتدل في وقفته، وهتف قائلاً بغلظة:
-بنت ال ***** هاطلعه على جتتها بالحيا
أطلق عدي هو الأخر سبة وهو يرد عليه بصوت محتد:
-دي طلعت مَرَة ****.

برزت علامات الإحتقان الشديدة من عينيه وهو يصر على أسنانه قائلاً بصوت أكثر قتامة:
-مش أنا اللي يضحك عليا، مش أنا!
سأله عدي بصوت منزعج وهو يقف خلفه:
-ناوي على ايه ؟
إلتفت نحوه ليرد عليه بصوت يحمل التهديد وهو محدق في الفراغ بنظراته النارية قائلاً:
-هاتعرف..!

في النادي الشهير
ولجت ناريمان إلى داخل الحديقة المقام بها حفلها السنوي وهي متألقة كعادتها..
ارتدت فستاناً أسود اللون من الحرير - يتناقض مع سنها - وصدره مطعم بالفصوص الصغيرة السوداء اللامعة، و يبرز مفاتنها بصورة مستفزة.. ورفعت شعرها للأعلى، وزينته بتاج من الآلماس.. ووضعت حول عنقها عقداً ماسياً ذو فص أسود بارز في المنتصف..
سارت بخيلاء بين الحضور، ولاقت نظرات استحسان من رفيقاتها، ونظرات استهجان من أخريات حيث رأينّ أن ما ترتديه لا يناسب سنها، وشعرن بالغيرة منها..
في حين داعبتها عدسات الكاميرات الخاصة بالمصورين، وإلتقطت لها صوراً مميزة..

ثم جلست هي في مقدمة الصفوف، ووضعت ساقاً فوق الأخرى بعد أن إنتصبت في جلستها، ونظرت لمن حولها بإستعلاء بائن..
صعدت هياتم على المنصة، وابتسمت للجميع بإبتسامة عريضة قائلة بصوت مرتفع:
-أهلا وسهلاً بحضراتكم في الحفل الخيري السنوي اللي بتنظمه جمعيتنا الخيرية..
بدأت هي في الترحيب بالضيوف، وفي سرد ملخص مختصر لأهم إنجازات الجمعية خلال العام المنصرم.. وأشارت بيدها إلى شاشة عرض جانبية حيث تم عرض مقتطفات مسجلة لأهم الأعمال التي ساهمت فيها الجمعية..
ابتسم معظم الحاضرين في فخر، والبعض الأخر أومأ برأسه بإعجاب..

تنهدت هياتم بخفوت، ثم أردفت قائلة بصوت حماسي:
-والوقتي معادنا مع السيدة الفاضلة صاحبة الدور الرائد في العمل الخيري مدام ناريمان شوقي عشان تقول كلمتها نيابة عن الجمعية!
ثم إبتسمت لها، وأشارت بيدها وهي تتابع بنبرة متشوقة:
-اتفضلي يا مدام ناريمان.

صفق الحضور لها، فنهضت بكبرياء من على مقعدها، وإلتفتت بجسدها قليلاً للخلف، لتلوح بيدها بحركة خفيفة لهم.. ثم خطة بثقة نحو المنصة..
كانت تهاني تقف في الخلفية تتابع بإهتمام واضح ما يُقال، وإسترعي إنتباهها ذلك الإسم ناريمان شوقي .. فإقتربت بخطوات محسوبة من المقاعد الأمامية لتنظر بتفحص شديد إلى وجه صاحبة هذا الإسم..

في نفس الوقت اعتلت ناريمان المنصة برشاقة، ورسمت على وجهها إبتسامة مغترة وهي تنظر للجميع.. ثم بدأت تتحدث بصوت ناعم في الميكروفون..
أصحبت تهاني على بعد مسافة قريبة منها.. واتسعت عينيها في صدمة كبيرة حينما رأت تلك الملامح التي تحفظها عن ظهر قلب متجسدة في تلك السيدة التي تتحدث بتفاخر أمام الجميع، فحدثت نفسها بإندهاش قائلة:
-مش ممكن.. مش معقول، ن.. ناريمان، هي.. أيوه هي!
وبحركة عفوية جابت ناريمان بنظراتها أوجه الحاضرين، فإلتقت عينيها بوجه تهاني المذهول، فقفز قلبها رعباً بين ضلوعها و...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة