قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع والثلاثون

وقعت عيني ناريمان على من لم تتوقع أن تراها يوماً في حياتها..
تلعثم وهي تتحدث أمام الحضور، وبدت كما لو رأت شبحاً أمامها وتلاشت إبتسامتها تماماً.. ولم تحيد بنظراتها عنها..
في حين إكتفت تهاني بالنظر بسخط إليها لتستوعب هي الأخرى تلك المفاجأة الصادمة..
كذلك مر ببالها شريط ذكريات عمرها بأكمله..
فتلك التي تسمي نفسها بسيدة المجتمع الراقي ما هي إلا أفعى خبيثة سعت لتدميرها هي وطليقها السابق..

حاولت ناريمان أن تسيطر على زمام الأمور، وتبدو هادئة وهي تتحدث، ولكن الإضطراب الذي اعتراها فجأة لفت إنتباه الحاضرين..
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تتابع قائلة:
-و..آآ.. وكل حاجة آآ.. هتلاقوها م.. موجودة في ال.. في الفيديو قدامكم
أفاقت تهاني من حالة الذهول المسيطرة عليها، وعادت إلى رشدها..
لقد آن الآوان لتعيد لم شمل أسرتها، وتأخذ بقوة ما أغتصب منها عنوة..
تجهم وجهها، وتبدلت تعابيره للإصرار والقوة، وبدأت تتحرك للأمام نحو عدوتها..

تجمدت الدماء في عروق ناريمان، وهربت الكلمات من على طرف لسانها وهي ترى شبح الماضي المتمثل في تهاني مقبل عليها..
لذا دون تردد تركت المنصة، وهرعت مبتعدة عن الجميع مما أحدث حالة من الهرج بين الجالسين والمتابعين لها..
وتسائلوا عن سبب ذهابها.. فإعتلت هياتم المنصة بدلاً منها، وبدأت في التحدث محاولة جذب إنتباه الجميع مرة أخرى بعد حالة الفوضى المؤقتة التي حدثت..
كانت ناريمان تبدو كالمذعورة وهي تسير بخطوات أقرب للركض، وتعثرت لأكثر من مرة وهي تحاول الفرار، وإصطدمت بعدة أشخاص في طريقها، ولم تعتذر لهم.. فقد كان هدفها الأساسي هو الإختفاء عن أنظار تهاني التي تابعتها بأعين كالصقر وحاولت اللحاق بها وإمساكها..

وبالفعل نجحت في هذا..
وقبضت على ذراع ناريمان، وتشبثت بها قائلة بصوت مرتفع يحمل المرارة والآسى:
-بتهربي مني ليه يا ناريمان ؟
حاولت ناريمان أن تنفض ذراعها بقوة لتتخلص من قبضتها وهي تصرخ بخوف:
-ابعدي عني، سبيني!
غرزت تهاني أظافرها في ذراعها محدثة خدوشاً به وهي تقول بإصرار:
-لأ يا ناريمان، المرادي مش هابعد
إنتبه أحد الصحفيين إلى وجود مشادة كلامية بين ناريمان وإحدى السيدات، فإقترب منهما خلسة، وحاولت استراق السمع وإلتقاط بعض الصور لعلها تفيده في خبر حصري لجريدته الصفراء تحت عنوان ( فضائح مشاهير المجتمع المخملي )..

صاحت فيها تهاني بصوت قاتم وقوي وهي تحدجها بنظراتها الحادة:
-فين أوس ابني يا ناريمان ؟
وضعت ناريمان يدها على قبضة تهاني، وصاحت بصوت مرتجف:
-سبيني يا مجنونة
هتفت بها تهاني قائلة بصوت محتد وهي تحدجها بنظراتها المحتقنة:
-المجنونة دي بقت كده بسببكم، خدتم مني ولادي وفلوسي ورمتوني في الشارع!
تلوت ناريمان بذراعها محاولة تخليصه وهي تهتف بصوت خائف:
-ابعدي عني.

صرخت فيها تهاني بقوة وهي ترمقها بنظرات شرسة قائلة:
-لأ يا ناريمان، مش هايحصل أبداً، أنا رجعت بس عشان أخد منك كل اللي خدتيه مني زمان، وأولهم أوس ابني!
خفق قلب ناريمان بقوة، ودب في أوصالها إرتجافة قوية، فتهديداتها الصريحة كانت جادة للغاية..
ابتلعت ريقها بذعر وهي تقول بعناد زائف:
-اوعي كده سبيني، أنا.. أنا معرفكيش!

نظرت تهاني في عينيها بنظراتها المحتقنة، وصاحت بها بصوت يحمل الآسى رغم قوته:
-لأ إنتي عارفاني كويس، ايييه، عاوزة تفهميني إنك نسيتي تهاني شحاته طليقة جوزك مهاب الجندي، مش معقول، ده أنا حتى مانستكيش للحظة!
تلعثم صوتها وهي ترد عليها بذعر:
-آآ.. أنا.. إنتي كدابة.

كزت تهاني على أسنانها وهي تسألها بصوت متشنج:
-لما أنا كدابة بتهربي مني ليه ؟
-آآ.. هاه
ثم لمحت ناريمان بطرف عينها وجود شخص ما يراقبهما، فتملكها الخوف أكثر، وابتلعت ريقها بصعوبة، فما يحدث الآن يمكن أن يتسبب في فضيحة علنية لها تهدم في لحظة ما شيدته في سنوات.. لذا إدعت القوة، واستجمعت شجاعتها المصطنعة، وعاودت النظر إلى تهاني، وهتفت صارخة بقوة عجيبة:
-سبيني يا مجنونة!

ردت عليها تهاني بنزق:
-ده أنا أبقى مجنونة فعلا لو مخدتش ابني منك الوقتي.

تلفتت ناريمان حولها بنظرات مضطربة، وقالت بصوت مرتفع لتجذب الأنظار إليها عن عمد:
-ابعدوا المتخلفة دي عني!
هتفت بها تهاني قائلة بإصرار وهي تزيد من إحكام قبضتها عليها:
-لأ يا ناريمان، محدش هايحوشني عنك!
خدشتها ناريمان في قبضتها بأظافرها المطلية وهي تصيح بعنف:
-آآآه.. اوعي ايدك!
ثم جابت بأنظارها المكان، وصرخت قائلة:
-فين الأمن اللي هنا ؟

صاحت تهاني بصوت جهوري وهي تهزها من كتفيها:
-ابني فين ؟ رجعيلي ابني أوس!
رأت ناريمان بعض رجال أمن النادي يقتربون من على بعد، فسلطت أنظارها عليهم وهي تصرخ بإنفعال:
-إزاي تسمحوا للمهزلة دي تحصل، وتخلوا للأشكال البيئة دي تيجي هنا ؟!

وبالفعل وصل أفراد أمن النادي عندهما، وتدخلوا للحول بينهما، ونجح اثنين منهما في إبعاد تهاني عن ناريمان والتي لم تكف عن الصراخ قائلة:
-ابني الوحيد مش هاسيبهولك يا ناريمان، سمعاني، مش هاسيبه، هايرجع تاني لحضن أمه الحقيقة، انتي خلاص أيامك بقت معدودة، وأنا هاكشف كل حاجة، ومش هاسكت يا ناريمان، سمعاني مش هاسكت عن حقي..!

أشارت ناريمان بإصبعها وهي ترمق تهاني بنظرات إحتقارية قائلة بصرامة زائفة:
-إرموا الأشكال دي برا
هتفت تهاني بصوت مرتفع صدح في أرجاء النادي ولفت إنتباه بعض المتواجدين قائلة:
-أنا الماضي اللي هايفضل يطاردك يا ناريمان مهما عملتي، مش هاسيب حقي، وهاخد أوس منك، هاخده!

راقبتها ناريمان بنظرات مرتبكة رغم حالة الصلابة المصطنعة التي تدعيها، ثم إستدارت بظهرها للخلف لتجد صحفي ما يصورها، فصرخت فيها بغضب قائلة:
-بتصور إيه انت كمان، اتفضل ابعد عن وشي
تقوس فم الصحفي بإبتسامة مستهزأة وهي يرمق ناريمان بنظرات مهينة، فقد كشف النقاب عن زيف إدعاء مثيلتها للإنسانية والعمل الخيري، بالإضافة إلى حصوله على أخبار مثيرة ستفيد في زيادة توزيع نسخ الجريدة الراكدة..

ألقى فردي الأمن تهاني خارج أسوار النادي، فسقطت على الأرضية الإسفلتية، وهتفت قائلة بقوة:
-مش هاتبعدوني عنها، أنا خلاص معدتش ورايا حاجة إلا ابني وبس، وهارجعه تاني ليا، وهاوصلك يا ناريمان، هاوصلك!
نظر لها أحدهما بسخط وهو يأمرها بقسوة:
-امشي يا ست إنتي من هنا، يالا!

جاهدت لتنهض بجسدها المنهك عن الأرضية الإسفلتية، وقالت متحدية:
-لأ مش هامشي
أردف فرد الأمن قائلاً بتحذير واضح:
-يا ست لو مبعدتيش هنوديكي القسم وهاتتسجني، الناس اللي انتي بتتعرضيلهم واصلين أوي
وقفت قبالته، وقالت بإصرار وهي تنفض يديها:
-محدش هايبعدني عن ابني!

أسند فرد الأمن الأخر يده على كتف زميله، وهتف قائلاً بسخرية:
-باينها مجنونة فعلاً، يالا يا عم نبعد عنها، مش ناقصين وجع دماغ!
أجابه بصوت غير مكترث وهو يوليها ظهره:
-على رأيك!
تابعتهما تهاني بنظراتها المحتدة، وحدثت نفسها قائلة بتوعد وإصرار:
-حتى لو قفلتوا كل الأبواب في وشي، برضوه مش هابعد ولا هاسيب ابني، هاوصله، وهاخده تاني في حضني!
ثم استدارت بجسدها للخلف، وتابعت قائلة بصوت مختنق وهي تسير بخطوات متثاقلة:
-حقي في ابني مش هاضيعه تاني!

في فيلا عدي
أغلق أوس باب غرفة النوم المتواجدة بها ليان، وتحرك مع عدي في الرواق، وبصحبتهما طبيب ما..
دون الطبيب شيئاً ما في ورقة صغيرة، ثم مد بها يده نحو أوس وهو يقول بجدية:
-أتمنى تعرضوها على طبيب نفساني متخصص، حالتها محتاجة متابعة
أومأ عدي برأسه ايماءة واضحة وهو يجيبه بإيجاز:
-تمام
أضاف أوس قائلاً بجدية شديدة وهو يطوي الورقة ويدسها في جيبه:
-أنا هاشوف الموضوع ده.

ابتسم له الطبيب ابتسامة خفيفة، وتابع قائلاً بنبرة هادئة:
-يا ريت يا أوس باشا، عن أذنك، وتحت أمرك في اي حاجة
أشار له أوس بعينيه وهو يرد عليه قائلاً بصوت جاد:
-شكراً..
سار الطبيب نحو الدرج، فإلتفت عدي لأوس برأسه وأردف قائلاً بتلهف وهو يلحقه:
-أنا هاروح أوصله
هز أوس رأسه بإيماءة خفيفة وأشار بإصبعه وهو يتبعهما بحركات ثابتة:
-اوكي، وأنا هستناك تحت
-تمام.

بعد لحظات، كان أوس يجلس في المكتب الموجود بالطابق الأرضي على الأريكة الجلدية العريضة، واضعاً ساقه فوق الأخرى، ومشعلاً لسيجارته الكوبية الفاخرة..
ظل محدقاً في الفراغ أمامه، ولكن عقله كان لا يتوقف عن التفكير في طريقة للإنتقام ممن تسبب في أذية ليان..
انضم له عدي وهو مكفهر الوجه، وأغلق الباب خلفه، ثم جلس على الأريكة الصغيرة المجاورة قائلاً بصوت محتقن:
-شايف اختك جرالها ايه.

ثم سلط أنظاره على أوس متأملاً تعابير وجهه الجامدة، ومحاولاً تخمين ما الذي يدور في خلده، ثم تابع بصوت جاد:
-أنا هأوديها مستشفى نفسي على أعلى مستوى، مش هاسيبها في الحالة دي
رد عليه أوس بصوت جاد وهو ينفض بقايا سيجارته:
-اصبر.. هاشوفلها حاجة محترمة تفضل فيها الفترة الجاية!
كور عدي قبضته، وضرب كفه بها في حنق، وهتف قائلاً بصوت محتد:
-ولاد الكلب لعبوها صح!

تابعه أوس بنظراته النارية ولم يعقب.. ثم ساد صمت متوتر لعدة لحظات قبل أن يقطعه هو بصوته الغليظ:
-أنا هابعت أجيب عفاف تقعد معاها هنا الفترة الجاية!
رد عليه عدي بتلهف وهو يرمقه بنظرات ممتنة:
-اه يا ريت!
أكمل أوس حديثه الجاد قائلاً وهو يشير بإصبعيه:
-عفاف ثقة وعندها ضمير، وهي اكتر واحدة هتاخد بالها منها
هز عدي رأسه موافقاً إياه، ونطق بصوت شبه متوجس:
-ماشي، بس أبوك هيوافق إنك آآ..

قاطعه أوس بصوته الصارم بعد أن إزداد عبوس وجهه:
-مالوش فيها، يخليه في اللي معاه
سأله عدي بحيرة واضحة وهو يحك رأسه:
-إنت هاتقوله إن ليان عندي ؟
لوى أوس فمه قائلاً بتأفف:
-أنا مش عاوزه يعرف، بس لأنه هايقلب الدنيا عليها، فإنت هاتكلمه وتقوله انها عندك وكويسة ومافيش حاجة حصلت!
-يعني من الأخر مقولش على الحالة بتاعتها
-لأ طبعاً!

ثم سأله مجدداً بإستفسار وهو يرمقه بنظرات ضيقة:
-طب ولوزة ؟
نهض أوس من على الأريكة، ووضع يديه في جيبي بنطاله وهو يتحرك للأمام، وأجابه بصوت قاتم وهو محدق أمامه:
-لأ دي بقى هاتعامل معاها شخصياً..!

في منزل تقى عوض الله
وقفت فردوس خلف إبنتها الجالسة على المقعد، وأكملت تمشيط شعرها المبتل بهدوء شديد ونظرت لوجهها الذابل والمنعكس في المرآة قائلة بحنو:
-فاكرة يا تقى، كنت قبل كل عيد أحميكي وأقصلك شوية من شعرك عشان يطول، وإنتي تقوليلي بسرعة ياماما عشان تلبسي هدومك الجديدة و تنزلي مع أبوكي تصلي، فاكرة ؟

لم تجبها تقى بل ظلت صامتة شاردة في عالم أخر..
تنهدت فردوس في حسرة، ونظرت بإشفاق لإبنتها، وغمغمت قائلة مع نفسها بخيبة أمل:
-يا ريتك فضلتي زي ما إنتي عيلة صغيرة، أخري أسرحلك شعرك وأربطلك ضفايرك، لكن حسرة عليا، هافضل شايلة عارك لحد ما أموت!
ثم زادت تنهيدتها حرارة وهي تضيف قائلة:
-مين اللي هايرضى ياخد واحدة آآ.. يا حرقة قلبي عليكي!

ثم سمعت صوت طرقات خافتة على باب منزلها، فربتت على كتفي إبنتها، وقالت لها بجدية:
-أنا هاروح أشوف مين، خليكي مطرحك يا بنتي!
ومدت يدها لتسند المشط على التسريحة المتواضعة، وإتجهت بخطوات متهادية نحو الخارج..
فركت فردوس وجهها بيدها، ثم أمسكت بالمقبض وأدارته لتتفاجيء بأختها تقف أمامها، فجحظت بعينيها وهي تنطق بنبرة مشدوهة:
-ت.. تهاني!

-ازيك يا فردوس
رمشت بعينيها وهي تتأمل هيئتها الجديدة وملابسها النظيفة ووجها النضر، فقد مر وقت طويل منذ أن رأتها على حالتها العادية تلك..
هتفت قائلة بصوت مصدوم ومتقطع وهي محدقة بها:
-إنتي.. انتي آآ..
ردت عليها تهاني وهي تبتسم لها إبتسامة باهتة:
-هاتسبيني واقفة على الباب كده كتير
تنحت جانباً وهي تشير بيدها لها قائلة بنبرة شبه فرحة:
-لأ، خشي ياختي ده بيتك.

دلفت تهاني إلى الداخل وتأملت منزلها بنظرات متفحصة.. فكم إشتاقت للبقاء فيه بصحبة أهلها، والتنعم بدفئه الحقيقي..
فهنا – رغم بساطته وتواضعه – إلا أنه أحب الأماكن وأصدقها إلى قلبها..
وقفت فردوس خلفها، ورمقتها بنظرات متفحصة إياها من رأسها لأخمص قدميها..
حقاً لقد تغيرت تهاني كثيراً عن ذي قبل.. فلم تعد تلك الشمطاء ذات الملابس الرثة ولا الرائحة الكريهة.. بل عادت كما كانت تراها من قبل سيدة منمقة في مظهرها العام..

إستدارت تهاني لتواجه أختها، وأردفت قائلة بنبرة مشتاقة:
-البيت وحشني أوي يا فردوس، أنا حاسة إني بقالي سنين كنت غايبة عنه
أرجعت فردوس رأسها للخلف، وأجابتها بسخرية:
-أها.. ما انتي عقلك كان في راحة!
تنهدت تهاني بإرتياح، ثم ردت عليها بهدوء حذر:
-الحمدلله، كانت فترة وعدت، وأديني الوقتي رجعت زي زمان
مطت فردوس ثغرها وهي تضيف قائلة:
-ربنا يكملك بعقلك!

جابت تهاني أنظارها المكان مجدداً وهي تتسائل بحيرة:
-أومال فين تقى ؟ أنا مش شيفاها ؟
لوت فردوس فمها في حزن، وقالت بإمتعاض:
-تقى!
حدقت فيها تهاني بإستغراب، فقد كانت تعبيرات وجهها الحزينة ونظراتها المنكسرة تشير إلى وجود خطب ما، لذا تشدقت متسائلة بإهتمام:
-ايه مالها ؟ هي مع أصحابها بتذاكر صح ؟ مش هي كانت في اعدادي باين ؟

إبتسمت لها أختها بسخرية وهي ترد بحزن:
-اعدادية ايه بس، دي تقى كانت في المعهد قبل ما آآ.. ما آآ..
قاطعتها تهاني بحماس واضح في نبرتها وهي تبتسم لها:
-معهد، هي كبرت أوام كده
تقوس فم فردوس وهي تهتف قائلة بنبرة متهكمة:
-ما انتي ماكونتيش حاسة بالوقت!

بادلتها تهاني بإبتسامة مجاملة وهي تجيبها بحذر:
-على رأيك، طب هي فين ؟ وهترجع امتى ؟
ردت عليها فردوس بصوت متلعثم وهي تشير بعينيها المنكسرتين:
-هي.. هي جوا
عبست تهاني بوجهها، وهتفت قائلة بنبرة معاتبة:
-وساكتة، ده نفسي أخدها في حضني أوي!

ثم صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بحماس واضح:
-تعرفي يا فردوس لو ابني كان معايا كنت جوزتهاله على طول، معزهاش عليه!
تمتمت أختها بندم مع نفسها وهي تهز رأسها مستنكرة:
-يا ريته كان موجود، كان ستر عليها!
ضيقت تهاني عينيها، وسألتها بإهتمام وهي تضع يدها على كتفها:
-بتقولي ايه مش سمعاكي ؟

ربتت تهاني على كف أختها، وأبعدته عن كتفها وهي تجيبها بفتور:
-مافيش!
-أنا هاخش اشوفها
قالتها تهاني وهي تتجه نحو الغرفة بصوت مرتفع..
إرتفعت نبرة صوتها أكثر وهي تنادي قائلة:
-يا تقى، تقى!
ثم ولجت إلى غرفتهما القديمة فرأتها جالسة أمام المرآة.. فتهللت أساريرها، واقتربت منها، ثم مالت عليها بجسدها المرهق، وإحتضنتها من الخلف وهي تقبل رأسها قائلة بعاطفة قوية:
-وحشتني يا تقى أوي، صوتك دايما كان في دماغي!

ثم ضيقت عينيها لتنظر لها بتمعن أكثر.. فقد طال صمتها ولم تتحرك قيد أنملة من مكانها، فسألتها بإندهاش وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-اوعي تكوني مش عرفاني ؟ ده أنا خالتك تهاني!
ضمتها إلى صدرها، واستنشقت عبير شعرها المبتل، وتنهدت بحرارة.. فوجدت ردة فعل تقى غريبة للغاية..
فهي جامدة، وجهها شاحب، نظراتها شاردة.. بشرتها شبه باردة، فإنقبض قلبها، وسألتها بقلق:
-تقى إنتي ساكتة ليه ؟ ومال شكلك متغير كده ؟
إستندت فردوس على باب الغرفة وهتفت قائلة بجمود:
-هي مش هترد عليكي!

انتصبت تهاني في وقفتها، وإلتفتت برأسها في إتجاهها، وسألتها بإهتمام واضح:
-ليه ؟
ردت عليها فردوس بصوت حزين وهي تشير بيدها نحو ابنتها:
-لأنها على الحال ده وكانت أصعب من كده من ساعة اللي حصل!
سألتها تهاني بتوجس وهي توزع نظراتها بينهما:
-في ايه اللي حصل؟ ما تقولي يا فردوس!

في فيلا عدي
كان أوس قد إنتهى مع عدي من وضع خطة محكمة للإنتقام من لوزة، ورد الصاع صاعين لها..
ورغم صغر دور عدي فيها إلا أنه كان معجباً بتفكير رفيقه، ونطق قائلاً بإعجاب:
-فعلاً، خطة ماتخورش المياه!
نظر له أوس بنظراته الحادة قبل أن يجيبه بصلابة:
-هي تتنفذ بس صح!
سألها عدي بنبرة ممتعضة وهو يشير بكف يده:
-والكلب المرمي في المخزن ؟

أشاح أوس بوجهه للجانب، وأردف قائلاً بسخط:
-ده هيطلعوا عليه القَرَافة ( المقبرة ) قريب!
-تمام
توجه أوس نحو الشرفة الملحقة بغرفة المكتب، وتطلع بأنظاره للحديقة الجانبية.. وبقى صامتاً لبرهة.. فراقبه رفيقه بإهتمام.. ثم اقترب منه، ووقف إلى جواره، وسأله بنبرة مهتمة وهو ينظر له بتفرس:
-المهم، قولي انت احوالك ايه ؟

أخذ أوس نفساً عميقاً، وزفره مرة واحدة وهو يجيبه بإيجاز:
-عادي
رفع عدي حاجبه للأعلى، وسلط أنظاره عليه أكثر ليتابع رده فعله وهو يسألها بفضول:
-والبت إياها ؟
إلتفت أوس برأسه نحوه، وحدق مباشرة في عينيه، ورد عليه بقوة:
-قصدك تقى
هز عدي رأسه قائلاً بجدية:
-ايوه
تجهم وجه أوس، وتشنجت قسماته وهو يسأله بإقتضاب:
-مالها ؟
رد عليه عدي بتساؤل أخر قائلاً بتوجس:
-شيلتها من دماغك ؟

تقوس فم أوس بإبتسامة خفيفة وهو يجيبه بثقة واضحة:
-لأ.. اتجوزتها
اتسعت حدقتيه في صدمة، فلم يتوقع مثل هذا الرد الصادم والجاد، وفغر ثغره مدهوشاً ب:
-ايييه ؟
نظر له أوس من طرف عينه، ثم سلط أنظاره على الحديقة، وهتف قائلاً بصوت قاتم
-زي ما سمعت!

أصيب عدي بحالة من الذهول لفترة من الوقت، فقد كان يظن أن رفيقه يعبث معها فقط، وربما يجدها تحدياً لرجولته، لكن لم يخطر بباله أن يتزوجها هكذا، ودون وجود أي مقدمات.. هي حقاً بالنسبة له مفاجأة بكل المقاييس..
أثارت فعلته تلك فضوله ليعرف أكثر عن كيفية حدوثها، فهتف عدي متسائلاً بإهتمام:
-طب ازاي ؟ وده حصل امتى ؟ وأنا كنت فين ؟
تنهد أوس بحرارة، ونظر أمامه بجمود عجيب، ثم عقد ساعديه أمام صدره، وأردف قائلاً بصوت جاد:
-مش مهم عندي ده كله، أنا اللي يهمني ازاي هارجعها تاني ليا!
سأله عدي بإستغراب وهو مقطب الجبين:
-ليه في ايه ؟

أرخى أوس ساعديه، وإستند بأحد ذراعيه على جانب نافذة الشرفة قائلاً بإنزعاج:
-مش حابب أحكي
مط عدي فمه، ثم أمعن النظر في حالة رفيقه، وتلوى فمه بإبتسامة خفيفة وهو يتابع قائلاً بمزاح:
-مممم.. ماشي.. بس أنا من زمان قايلك إن نهايتك هاتكون على إيد البت دي يا صاحبي
أنزل أوس ذراعه، وحدجه بنظرات محذرة قبل أن ينطق بصرامة:
-ماسمهاش بت، دي بقت مراتي.

تنحنح عدي بصوت خشن، ولوح بكف يده أمام وجهه، وسأله بهدوء حذر:
-سوري! طيب ناوي تعمل ايه معاها ؟
رد عليه أوس بحسم وهو ينظر أمامه:
-هاجيبها عندي، بس أرتب كل أموري الأول، وأجيب مكان جديد نعيش فيه سوا!
تعجب عدي من رده، وسأله بإستفهام أكثر وهو يرمقه بنظراته الحائرة:
-انت مش هاتقعد في البيت اياه ؟

هز أوس رأسه نافياً، وقال بصرامة:
-لأ.. ده ماضي وانتهى بكل ما فيه، وأنا ناوي اشوفله بيعة كويسة
-أها..
ثم مط ذراعيه في الهواء وفرقع أصابع يده وهو يتابع قائلاً بتوعد:
-وتقى هاترجع حتى لو كانوا مخبينها في بطن الجبل
ابتسم عدي قائلاً بمزاح وهو يربت على ظهره:
-اوعى تكون ناوي تخطفها ؟
غمز له أوس بعينه، ثم وضع يديه في جيبي بنطاله، وأجابه بصوت واثق وهو يبتسم إبتسامة مغترة:
-هع.. هو في حد بيخطف مراته يا.. يا عدي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة