قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السادس والأربعون

في منزل تقى عوض الله
إستغلت ناريمان إنشغال الجميع، وتسللت على اطراف أصابعها لتنسحب بحذر من المشهد، وتخرج من المنزل دون أن ينتبه لها أي أحد..
وأسرعت بالنزول ركضاً على الدرج لتهرب قبل أن يفتك بها ممدوح بعدما عرف السر الذي يخص ابنته ليان..
لم تعبأ بالجارة التي اصطدمت بها أثناء هرولتها، ولا بالسباب الذي تلقته منها، فشاغلها الأكبر هو الفرار والنجاة بحياتها..
وصلت عند مدخل البناية، ووجدت حراسة أوس تسد المدخل، فإخترقتهم بتوتر، وبحثت عن سيارتها بنظرات مذعورة..

ثم ركبت السيارة وأمرت سائقها بصوت لاهث ب:
-اطلع أوام منها
هز السائق رأسه إمتثالاً لطلبها قائلاً بهدوء:
-حاضر يا هانم !
تنفست هي بصعوبة، وإرتفع صدرها وهبط من شدة التوتر الممزوج بالخوف..
ثم أمسكت بيدها المرتجفة بهاتفها المحمول، وطلبت رقم زوجها، ووضعت الهاتف على أذنها محدثة نفسها بهلع:
-روحنا في داهية، كل حاجة ضاعت !

إرتجفت شفتيها بشدة، واصطكت أسنانها.. فحاولت أن تأخذ أنفاساً عميقاً لتسيطر على زيادة نسبة الإدرنالين في دمها..
أجاب مهاب على إتصالها ببرود ب:
-في ايه ؟
هتفت فيه بتشنج وهي ترمش بعصبية:
-الحق يا مهاب، في كارثة حصلت !

حدقت تقى - بتعابير وجهها المرتعدة - في إتجاه أوس بنظرات مذعورة، وزادت إرتجافتها مع اقترابه المحتوم منها..
أدركت أنها تخلت عن حصنها الوحيد حينما هبت مندفعة من أجل والدها، ونسيت للحظة أن جلادها يقف بالخارج ينتظر فرصته للإنقضاض عليها..
لم يشعرْ أوس بالإرتياح إلا حينما رأها أمامه.. واعية، مدركة للحياة..
فخفق قلبه بفرحة عجيبة، وإنتفض مسرعاً نحوها حتى وقف قبالتها، ورمقها بنظرات مطولة متفحصة لكل ذرة فيها..
إنفرجت تشنجات وجهه لوهلة، ومد أصابع كفه بحذر ليتلمس وجهها.. حتى يؤكد لنفسه أنه لا يتوهم رؤيتها..
ثم لا شعورياً لف ذراعيه حولها، وإحتضنها بإشتياق عجيب، وألصق صدرها بصدره وهمس لها قائلاً:
-تقى ! مش هاسيبك أبداً، مش هاتبعدي عني للحظة ! إنتي ليا وبس !

إنتبهت فردوس لما يحدث مع إبنتها، واقتراب أوس الشديد منها، فقطبت جبينها بإستنكار، وأرادت التوجه نحوهما، ولكن منعها دفع ممدوح لتهاني عليها بقوة لتعيد تسليط أنظارها عليه وهو يقول بغضب:
-حق إيه يا تهاني، إنتي مالكيش حاجة عندي !
تشنجت تهاني وهي تقول بإحتجاج:
-لأ ليا كل حاجة، ابني وفلوسي وبنتي اللي لسه عايشة.

وعلى ذكر إسم ابنتها، حاد ممدوح بعينيه عن تهاني ليبحث عن ناريمان ليحاسبها عن إخفاء تلك الحقيقة عنه.. فلم يجدها، فإكفهر وجهه أكثر، وهّمّ بالتحرك، ولكن إنقضت عليه تهاني لتفترسه بأظافرها وهي تصرخ فيه بغضب عارم:
-مش هاتهرب قبل ما أحاسبك على اللي عملته فيا، سرقتني ورميتني انت وصاحبك، وخدتوا مني ابني وحرمتوني من بنتي !
كز على أسنانه قائلاً بإنفعال وهو يحاول تخليص نفسه من قبضتيها:
-شيلي ايدك يا مجنونة !

لم يدركْ أوس أن تقى لم تتجاوب لثانية معه، وأنها كانت كالصنم الميت، باردة، جسد خاوي من الحياة.. لا تتحرك.. متجمدة في مكانها، فاقدة للإحساس بكل شيء.. محدقة بذعر أعلى كتفه
أرخى ذراعيه عنها، ورفع كفيه نحو وجهها ليحتضنه، وهز رأسها متابعاً بتلهف:
-احنا لبعض يا تقى، سامعة لبعض !
أفاقت تقى من جمودها المريب على إثر صوته الذي يحمل نفس نبرة التهديد التي عهدتها منه.. ورفعت عينيها الزرقاوتين في عينيه لترمقه بسخط قبل أن تصرخ فيه بإنفعال مخيف:
-ابعد عني، ماتلمسنيش !

اضطرب أوس من إرتجافتها وتشنجها، فأبعد يديه بحذر عن وجهها، وهتف لها بتوسل وهو يرمقها بنظرات شبه خائفة:
-تقى، إهدي واسمعيني، أنا.. أنا مستحيل أذيكي !
صرخت فيه بقوة وهي تشيح بيديه بعيداً عنها، وتتراجع بظهرها للخلف:
-لأ.. مش هاسمعك !
ثم أشارت بإصبعها في وجهه، وهي تتابع بإهتياج:
-إنت أقذر إنسان عرفته، أنا بأكرهك، بأكره كل حاجة فيك، صوتك، نفسك، لمستك، ابعد عني، أنا بأقرف من نفسي وإنت جمبي !

تسمر أوس في مكانه من كلماته الجارحة له.. وأطرق رأسه في خزي.. فهو يستحق عتابها القاسي هذا.. فما فعله بها ليس بالأمر الهين، ولا يمكن نسيانه مطلقاً بين ليلة وضحاها..
ابتلع تلك الغصة المريرة في حلقه، ورفع رأسه ليرجوها قائلاً:
-اديني فرصة آآآ..
هتفت بصوت هادر مقاطعة إياه وهي تهز رأسها بعصبية:
-لألأ !

إتجه عوض الله نحو ابنته، ورمق أوس بنظرات مغتاظة، وصاح به بصوته المبحوح ب:
-إنت مين وعاوز إيه منها ؟
أخذ أوس نفساً عميقاً ليسيطر به على نفسه، ثم قال بهدوء وهو يكز على أسنانه:
-أنا عاوز مراتي، ومحدش هايمنعني عنها
ثم إندفع نحوها، ومد يده ليجذبها من ذراعها، فصرخت بصورة هيسترية مرعبة جعلت الجميع ينظر نحوها بقلق..

مما جعل ممدوح يستغل الفرصة وينجح في التخلص من براثن تهاني، وأسقطها فوق أختها بعد أن دفعها بكل قوته لترتطم الإثنتين بالأرضية.. وركض مسرعاً خارج المنزل وهو يحدث نفسه بزمجرة غاضبة:
-كلكم هاتشوفوا هاعمل ايه !
نزل الدرج وهو يتوعد بالإنتقام من مهاب وزوجته لخداعهما إياه خلال السنوات المنصرمة
رمق أفراد الحراسة بنظرات مغتاظة وهو يتجه صوب سيارته.. وصفق بابها بقوة وهو يتابع بصوت محتقن:
-هاتدفعوا التمن غالي، وغالي أوي كمان !

تجمد أوس للحظة عن فعل شيء، ونظر لتقى بخوف بائن في عينيه، بينما تلوت هي بذراعها محاولة تحريره منه..
وضع عوض الله كف يده المجعد والمرتجف على كتف أوس وصاح به بصوته الوهن:
-سيبها، شيل ايدك من عليها
أدار أوس رأسه في إتجاهه، وحدقه بنظرات مخيفة وهو يجيبه بقسوة تحمل الإصرار:
-محدش هايمنعني عنها !
ثم قبض أكثر على ذراع تقى التي صرخت مستغيثة ب:
-بابا، إبعده عني، خليه يمشي !

إلتفت أوس برأسه نحوها، وصاح بها بقوة:
-مش هاسيبك افهمي بقى..!
-أوس
قالتها تهاني بصوت محتد وهي تتجه نحوه بعدما نهضت عن الأرضية بمعاونة أختها..
أشار هو لها بإصبعه محذراً بعد أن تشنج وجهه، وصرخ بها بصوت مخيف:
-إنتي تسكتي خالص !

إنتاب تقى حالة من الصراخ المرتعد، فجذبها أوس من ذراعها نحوه، لتسقط في حضنه، ثم لف ذراعه الأخر حول وجهها بعد أن كمم فمها بقبضه يده، وألصق ظهرها بصدره، وشَكَل بذراعه درعاً قوياً يمنعها من التحرك أو الهروب منه..
تلوت تقى بخوف بجسدها الهزيل محاولة تحرير نفسها، ووضعت كفيها على ذراعه لكي تزيحه عن فمها، ولكنها عجزت عن إزاحته تماماً..
نظرت له تهاني بهلع، وهتفت قائلة بنبرة شبه قلقة:
-أنا أمك يا أوس، إنت مش عارفني
تشنجت عضلات أوس، وإزداد قوة وصلابة، وتمسك بتقى أكثر، وتحرك بها جبراً في الإتجاه الأخر ليرمق الجميع بنظرات ساخطة، وهتف قائلاً بنزق:
-حتى لو عرفتك فأنتي بالنسبالي موتي من زمان !

نظرت فردوس بذعر إلى إبنتها، وصاحت بضيق:
-بنتي، حوشي ابنك يا تهاني عنها !
لم تصغ لها تهاني، بل جحظت بعينيها في صدمة، وصاحت بعدم تصديق:
-ايه اللي انت بتقوله ده ؟
رمقها بنظراته الجامدة، وهتف بجموح:
-بأقول الحقيقة، أنا ماليش أم !
رفعت كفها في وجهه، وصرخت قائلة بإستنكار وهي تهز رأسها معترضة:
-لألألألأ..

تحرك عوض في اتجاه أوس، ووقف على مقربة منه، وقال بصوت مبحوح وهو يشير بيده:
-سيب البت، ابعد عنها يا جدع إنت !
أحاط أوس بتقى جيداً، ولم يفلتها، وأجبرها على التحرك مع خطواته حتى صار على مقربة من باب المنزل، فصاح بقوة مهددة وهو يسلط أنظاره النارية عليه:
-مش سايبها، وإرجع لورا أحسنلك !
ثم نظر في إتجاه تهاني، وتابع بجموح:
-أمي ماتت يوم ما سابتني لجوزها يعمل اللي عاوزه فيا !

ذرفت تهاني عبراتها عفوياً، فهي لم تتوقع أن يكون ابنها بتلك القسوة في أشد لحظات إحتياجها له.. وإنتحب صوتها وهي تتابع ب:
-إنت.. انت بتظلمني يا ابني، أنا مكونتش أعرف حاجة !
هدر بها قائلاً بقسوة أشد:
-حتى لو عرفتي، مكونتيش هاتعملي حاجة، إنتي كل همك إنك تفضلي في حضن الكلب ده وبس، وهو يعمل اللي يعمله في ابنك، مش هاتفرق كتير، طالما شايف مزاجك !

خدشت تقى كف أوس وساعده باظافرها لعله يرخي قبضته عن فمها، ولكنه كان يزداد إصراراً على عدم إفلاتها أو التخلي عنها...
في حين ابتلعت تهاني ريقها بخزي، وقالت بصوت باكي وهي مطرقة الرأس:
-هو.. هو ضحك عليا واستغفلني !
صرخ هو بها بعصبية وهو يشير بيده نحوها:
-وهو دمرني وخلاني أطلع أوسخ من أي حد، وأبشع منه في كل حاجة !
توسلت له بإسعتطاف وهي تضم يديها معاً إلى صدرها:
-أنا مظلومة
وضع إصبعه المتشنج أمام فمه المتصلب وهو يقول بقوة:
-شششش.. ماتكلميش !

هزت رأسها بإحتجاج لتردف بنفس النبرة الباكية:
-هما خدوك غصب عني، حرموني منك
لم يكف أوس عن الصياح بقساوة ب:
-مش عاوز أسمع منك كلمة، أنا ماليش أم ! ماليش أم
هزت تقى ساقيها بعصبية محاولة ركله، ولكزته في صدره بكوعها، فلم يهتز بدنه، وتحامل على نفسه، وضمها بعند إلى صدره..
تحرك عوض الله بحذر خطوة للأمام، وقال بتوسل وهو يسترضيه:
-سيبها، هي معاملتش حاجة عشان تاخدها غصب.

رمقه أوس بنظرات متحدية، وصاح به بنبرة عنيدة:
-لألأ، تقى مراتي، ومش هاسيبها
توسلت له تهاني قائلة برجاء وهي تنظر له بأعينها الدامعة:
-هي يا بني مالهاش ذنب في أي حاجة، لو.. لو عاوز تحاسبنا، فأنا قدامك أهوو !
إنتفض أوس بجسده متشنجاً، وهدر بصوت قوي ومخيف:
-مش سايبها، سامعين، مش سايبها.

ثم إنحني بجذعه للأسفل قليلاً ليضع ذراعه أسفل ركبتي تقى، ويحملها عنوة.. وظل مكمماً لفمها وملصقاً رأسها بصدره.. فإنتفضت هي بجسدها بخوف وركلت بساقيها في الهواء وهي تحاول الصراخ، ولكن صوتها كان مكتوماً..
ذعرت فرودس حينما رأت ابنتها محمولة بين ذراعيه، وهو على وشك إختطافها، فشهقت بفزع وهي تلطم على صدرها ب:
-بنتي !
ارتكبت تهاني، وخفق قلبها بإرتعاد، وتوسلت له برجاء ب:
-نزلها يا أوس، هي هاتموت من الرعب، إنت متعرفش اللي هي فيه !

رمقها بنظراته المحتدة قائلاً بعناد في لهجته القوية:
-مش هابعد، وهاخدها من هنا، هي ليا وبس !
ثم إنطلق بها خارج المنزل، وركض نزولاً على الدرج حاملاً إياها بإصرار عجيب على ألا يتركها تلك المرة..
خفق قلب تقى بشدة وتنفست بصعوبة من أنفها وهي ترى نفسها عائدة إلى نفس المصير المحكوم عليها فيه بالموت..
إلى السجن الذي إنتهكت فيه برائتها، وأغتصب جسدها بلا رحمة.. ولم تعرف فيه حتى الغفران..

لم تتحمل أعصابها المنهكة أن تخوض تلك التجربة مرة أخرى، فإنهارت على الفور فاقدة لوعيها..
حاولت فردوس اللحاق به وهي تصرخ بذعر:
-بنتي، هاتولي بنتي، سيبها !
ركضت تهاني هي الأخرى خلفه وهي تهتف بتوسل باكي ك
-لألألأ يا أوس، متعملش كده، أوس !
كذلك تحرك عوض الله بخطوات عرجاء محاولاً إنقاذ تلك الصغيرة، قائلاً بصوته الضعيف:
-حد يمسكه يا ناس، حد يلحقه..!

وصل أوس إلى مدخل البناية، فإنتبه أفراد الحراسة الخاصة له، وتبادلوا نظرات حائرة بسبب تلك الفتاة التي يحملها معه، ولكنه قطع صمتهم هذا ب:
-اتحركوا، ومحدش يخرج من هنا إلا لما أنا أمشي
-تمام يا باشا
أسرع أحدهم بفتح باب السيارة الأمامي ليتمكن أوس من وضع تقى زوجته بالداخل، وإنتبه إلى فقدانها للوعي، فإضطرب قلبه، وتحسس وجنتها بقلق.. وهمس لها قائلاً ب:
-هاعوضك عن اللي فات
ثم ثبتها في مقعدها بحزام السيارة، وإعتدل في وقفته، بينما أغلق الحارس الباب، ودار أوس حول السيارة ليركب إلى جوارها..

مد أوس أصابعه ليمسك بكفها البارد المرتخي، ورفعه إلى فمه، وقبله قبلة مطولة وهو ينظر لها بعاطفة قوية، ثم أردف قائلاً بخفوت:
-مش هانسيب بعض أبداً، وهنبدأ من جديد
لمح أوس فردوس وتهاني وهما تحاولان الخروج من البناية واللحاق به، ولكن وقف رجال الحراسة بأجسادهم الضخمة أمامهما، فحالوا دون وصولهما..
أدار محرك سيارته، ورمق الجميع بنظرات متباهية وفمه قد تقوس بإبتسامة إنتصار..

أطلق أفراد الحراسة سراح العجوزتين بعد تأكدهم من رحيل أوس الجندي لتنهار فردوس على ساقيها وهي تصيح وتلطم وجهها بحسرة:
-بنتي، خطفها قصاد عيني، آآآآآه
هزت تهاني رأسها في إستنكار وبكت بحرقة وهي تضيف:
-ليه يا أوس تعمل كده ؟ ليييييه تضيع أخر أمل في نجاتها ؟!
ركب بقية أفراد الحراسة سيارتيهما، وانطلقا سريعاً خلف رب عملهم..
تجمع أهالي الحارة حولهما، وتسائلوا بفضول عما حدث، فيما استمر ندبهما وعويلهما المصحوب بالصراخ والأنين..
جلس عوض على الدرج بعد أن أنهكه النزول.. وتنفس بصعوبة وهو يهتف ب:
-لحقتوها.. آآه..

بدى وجهه شاحباً وهو يحاول إلتقاط أنفاسه.. فرأه أحد الجيران، وركض نحوه قائلاً بتوتر:
-الحقوا عم عوض يا جدعان، ده قطع النفس
رفعت فردوس ذراعيها عالياً في الهواء لتضرب كفيها معاً صارخة بعويل:
-يا نصيبتي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة