قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل السابع

في دار رعاية المسنين
تجمع أعضاء الدار من المسنين والمسنات في الحديقة الغناء الواسعة حول بعض الطاولات المرصوص عليها أطعمة صحية، ووقفت على مقربة منهم مديرة الدار، ونظرت إليهم بنظرات فخر وإعتزاز، ثم أردفت بنبرة عالية تحمل الحماسة:
-ممكن أخد من وقتكم لحظات

إنتبه الجميع إلى صوتها الصادح، فإبتسمت لهم بإمتنان ثم تابعت بثقة قائلة:
-النهاردة هينضم معانا للدار الدكتورة شروق وهتساعد الدكتورة رجاء في شغلها، وأتمنى أنكم تتعاونوا معاها الفترة دي
راقبت مديرة الدار الجميع بتمعن فوجدت نظرات إستهجان ونظرات إستحسان، فتنحنحت بصوت خافت، وأكلمت بصوت حماسي:
-أنا عارفة إنه مش من السهل الواحد يجرب حد جديد، بس صدقوني دكتورة شروق خبرتها واسعة وهتستفيدوا من نصايحها وآآآ...

جلست تهاني بين الحاضرين، وتنهدت في إحباط وهي تشيح بوجهها بعيداً عن مديرة الدار، فحديثها الأخير أصابها باليأس، فهي قد إعتادت التنفيس عما يكبت صدرها لتلك الطبيبة المهارة، فكيف ستثق بسهولة بمن لا تعرفه ..
شبكت أصابع يدها معاً، وظلت تفركهم بحركات عصبية، ثم أصدرت أنيناً مكتوماً وهي تلوم نفسها قائلة:
-كله حاجة بتروح مني، كل حاجة بتضيع .. ليه بياخدوا كل حاجة مني ؟ ليه ؟ ليه !

أدمعت عينيها بشدة، ولم تقاوم رغبتها في البكاء.. وإنتحبت أمام الحاضرين.. فقد مر ببالها ذكرى تسلل ناريمان إلى حياتها لتقتنص الفرصة وتسلب رغماً عنها كل شيء يخصها ..
لقد فقدت عائلتها بالكامل في غمضة عين، وأصبحت مشردة مطرودة لم تعرف لها أي مأوى سوى بيت أختها القاسي ..
هي تذكر حب تقى - تلك الصغيرة نقية القلب - ومعاملتها الطيبة معها، لكنها لم تكن إحدى إبنتيها الراحلتين لتغدق عليها بعاطفة الأم الغير متناهية أو حتى بحنو الخالة .. لقد كانت جافة المشاعر، متحجرة القلب بسبب ما مرت به ..
وبعد فترة من العلاج أدرجت أنها وقعت أسيرة قوقعة الذكريات الآليمة التي دمرت علاقتها بمن تبقى لها ..

رأتها الطبيبة رجاء، فأسرعت نحوها بخطواتها الرشيقة، ثم جلست على المقعد الشاغر بجوارها، وأسندت يدها على فخذها لتنتبه لها، وبنبرة حانية تشدقت ب:
-مالك يا مدام تهاني ؟ ليه بتعيطي ؟
رفعت تهاني وجهها الباكي للأعلى، ونظرت لها بإستعطاف قائلة:
-كده تسيبني بعد ما إتعودت عليكي ؟

إبتسمت لها برقة، ثم هتفت بجدية:
-ومين قالك إني هامشي
قطبت تهاني جبينها، ورفعت حاجبها في تساؤل قائلة:
-أومال الدكتورة دي جاية ليه ؟

أجابتها الأخيرة دون تردد وبهدوء ب:
-دي هتساعدني بس .. في حالات كتير موجودة وأنا مش قادرة عليها لوحدي وخصوصاً إن إستجابتهم للعلاج بتاخد وقت طويل، وأنا محتاجة حد يكون عنده ضمير يساعدني وآآ..
قاطعتها تهاني مجدداً بتوتر ملحوظ في نبرة صوتها ب:
-وأنا ؟

أمسكت الطبيبة رجاء بكف يدها، وضغطت عليه قليلاً، وقالت لها بصوت هاديء:
-إنتي طبعاً معايا، إطمني، وإن شاء الله نكمل العلاج للأخر
ظلت الطبيبة تطمئنها بكلماتها العذبة، فنظرت لها تهاني بإمتنان، وتنهدت في إرتياح .. فأعصابها لم تعد تحتمل تكرار تجربة خوض الماضي من جديد ..

في أحد الملاهي الليلية
تمايلت الفتيات الماجنات بأجسادهن العارية على ذاك المسرح الدائري ليلهبن مشاعر هؤلاء السكارى، ومن ثم يسلبن عقولهم قبل أموالهم ..
ضحكت إحداهن بطريقة خليعة، في حين وضع ضاب ما يترنح ذراعيه حول كتفها، ثم همس لها في إذنها بشيء جعلها تزداد مياعة معه ..

كان يتابعهما من على بعد " لوزة " التي كانت تمسك بأحد الكوؤس المليئة بالخمر .. ثم تجرعت ما به في رشفة واحدة، وأسندته بعنف على الطاولة الرخامية فكاد أن يتحطم، فنهرها " فارس " الذي كان يجلس بجوارها ب:
-بالراحة يا مزة، في ايه مالك !
حدجته من زاوية عينها بنظرة قاتلة قبل أن تجيبه بحنق ب:
-يعني مش عارف مالي

نفث دخان سيجارته التي أشعلها في الهواء، ثم بنبرة باردة تحدث ب:
-يا لوزة كبري دماغك بقى، ما احنا عملنا كل حاجة عشان نخرب بيت سي زفت بتاعك بس ولا الهوا
حدقت لوزة في نقطة ما بالفراغ أمامها، ثم ضيقت عينيها المحتقنتين للغاية، وأجابته بسخط واضح:
-وده اللي هايموتني

مسح هو بلسانه على مقدمة أسنانه، ثم تجرع من الكأس رشفة صغيرة، وأردف بإهتمام:
-أصل زي ما يكون مافيش حاجة حصلت
فكرت هي لوهلة فيما حدث من قبل، وحاولت أن تجد تفسير منطقي لتأخر ردة فعل أوس على تلك الكارثة التي إرتكبتها بحق أخته، ودار برأسها أنه ربما يجهل بكل شيء .. ولم يصل الأمر إلى مسامعه، لذا إعتدلت في جلستها، وصرخت بإندفاع:
-مش يمكن معرفش

هز فارس رأسه نافياً، ثم تحدث من زاوية فمه بجدية ب:
-إستحالة، ده أنا بنفسي اللي مسلم الظرف في الشركة عنده !
إزداد إحتقان عينيها بالدماء الغاضبة، وتلون وجهها بحمرة ملتهبة، ثم صرخت بإنفعال ب:
-يعني عاوز تفهمني إن قلبه ما اتحرقش على اخته

أجابها ببرود وهو يدخن سيجارته ب:
-مش عارف بصراحة، بس إنتي عارفة إنها هتتجوز
ضربت بقبضة يدها على الطاولة الرخامية، وأمسكت بالكأس بقبضتها ألخرى وضغطت عليه، ثم نطقت بصوت محتد ب:
-وده هاينقطني كمان، تعبنا راح على الفاضي
-أه والله .. هيييح ..
قالها فارس وهو يطلق تنهيدات حارة من صدره الذي كان يتحسسه بأصابعه، ثم تابع بصوت متحمس:
- خسارة وربنا، ده البت إيييييه، كانت جامدة طحن، ماكنة على حق !

تشنجت لوزة بطريقة عصبية قائلة:
-ما تتلم يا فارس، ولا عاوزني أطلع جناني عليك
أشار هو لها بكفيه حتى تهدأ، ثم بادر بجمود زائف ب:
-خلاص .. بالراحة بس .. ده إنتي الأصل يا مزة

لوحت هي بقبضتها في الهواء، وقالت بإحتقان:
-ياما كان نفسي ألوي رقبتك يا أوس تحت إيدي
أشار فارس للعامل بعينيه لكي يملأ كأسه مجدداً، ثم إلتقط " زيتونة " من صحن المقبلات، وإبتلعها في جوفه، وتسائل بنبرة شبه مهتمة ب:
-بس حاجة غريبة إنه مش باين خالص اليومين اللي فاتوا دول في أي مُكنة

أومأت لوزة برأسها موافقة، فهي متيقنة أن إختفائه الغريب هذا لن يكون بدون سبب مقنع خاصة وأنه عاشق متيم لرغباته، ولا يمكن أن يؤجل تلك المسألة التي تستهويه لأكثر من عدة أيام ...لذا لابد أن يكون الدافع قوياً لكي يختفي فجأة ..

إنتبهت هي أن فارس مازال محدقاً بها، فتنحنحت بصوت عالي، ثم قالت بيأس:
-أيوه، وأنا مش عرفاله طريق جرة
حك هو رأسه، ثم أضاف بجدية:
-يكونش لسه مسافر

رمقته هي بإستهزاء، وأجابته بسخط:
-إنت أهبل .. استحالة، هو ميقدرش يغيب كل ده عني إلا إن .. آآ.. إن كان شافله شوفة تانية
نظر لها بإهتمام وهو يقول:
-قصدك إنه رمى الهِلب على بت شمال ؟!

لوت شفتيها في ضيق وهي تجيبه ب:
-جايز، واحدة فهمت دماغه وعرفت تظبطه صح !
رفع حاجبه في إندهاش، وحدق بها بإستغراب، ثم قال بنبرة تحمل الإستنكار:
-واحدة غيرك !

تجشأت لوزة من أثر الخمر الذي لم تكفْ عن إرتشافه، وأكملت بإنزعاج:
-اه .. أومال يعني هايكون مخفي فين عني ؟ ده كان اخره يغيب اسبوع، ويرجعلي تاني عشان أركع تحت رجليه، وآآ..
عضت على شفتيها ولم تكمل عبارتها حيث تذكرت كيف كان يتلذذ بتعذيبها، وهي التي كانت تتفنن في إرضائه حتى ينال غرضه منها

لم يهتم فارس بصمتها، بل إرتشف من كأسه، ثم أردف بسخط:
-يعني هي لهفت القرشين منك
رمقته بنظرات مميتة، وكورت قبضة يدها بغيظ، ثم كزت على أسنانها وهي تصرخ بعنف ب:
-ده أنا أدبحه وأدبحها، مش بعد اللي عمله فيا يفلت مني قبل ما أجيبه مذلول تحت رجلي
-طب هاتعملي ايه ؟ ماهو موضوع المزة اخته فكس مننا !

سلطت أنظارها على زجاجات الخمر المرصوصة أمامها، ثم قالت بتوعد:
-هاشوف الأول هو فين، وأجيب أراره، وبعد كده هاتصرف معاه !
إنتهى فارس من إرتشاف كأسه، ثم تابع بنظرات شهوانية إحدى الفتيات التي تتراقص بفجور جلي، فنهض عن مقعده، وقال بفتور:
-إعرفي ديته إيه معاكي، وأنا رقبتي سدادة طالما هتشوفيني بالمعلوم

لاحظت هي أنظاره المشدودة ناحية تلك العابثة، فنهرته بحدة ب:
-إنت معايا يا أبو الفرس ؟!
تنحنح بصوت خشن وهو يجيبها ب:
-إحم .. آآ.. اه طبعاً، أنا دايس في أي حاجة طالما هأقبض .. عن إذنك أما أدوس هناك لأحسن الخمرة إشتغلت
ثم تركها وتوجه ناحية تلك الفتاة، ولف ذراعه حول خصرها، وجذبها إلى صدره،وظل يعبث بأصابعه على مفاتنها، وهي تتمايل بطريقة مثيرة أمامه ..

كانت ليان مشغولة بالتجهيز لحفل عرسها - الضخم - الذي تم تحديد موعده في نهاية الأسبوع الحالي ..
لم تشعر بفرحة العروس التي تسيطر – في الغالب - عليها قبل أيام قلائل من زفافها .. بل على العكس تماماً كانت الدمية التي يحركها الأخرون وفق رغباتهم .. ولم تبدْ أي إعتراض .. فقد تحدد مصيرها، وسيتحمل معها جريمتها ذاك الذي إرتضى بها زوجته ..
ولم تنفك ناريمان هي الأخرى عن إدعاء سعادتها الغامرة بزفاف صغيرتها أمام رفيقاتها حتى لا يتضح لهن حقيقة الأمر ..
وتجاهلت عن عمد الإجابة عن أي أسئلة تخص مسألة تلك الزيجة السريعة، وإكتفت فقط بالرد الدبلوماسي:
-(( بينهم قصة حب كبيرة من فترة، وعدي مش قادر يستنى أكتر من كده، هههههه، ما إنتو عارفين هو جاهز من كله، ومش محتاج، وأنا مش هاقف قصاد سعادة بنتي ))

ورغم هذا إهتمت بكافة التفاصيل الصغيرة الخاصة بالحفل .. حيث طلبت إحضار فستان الزفاف من أتيليه مصمم عالمي .. وكذلك إقامة حفل الزفاف في أحدث القاعات ذات الصيت الواسع في الشهرة ..
وأوكلت تلك المهمة لمحترفي تصميم حفلات الزفاف لينتهوا من أدق التفاصيل والتي شملت تنفيذ تصميم مبتكر وجديد ل دعوات الحضور الخاصة بالحفل، نوعية الطعام الفاخر المقدم، الديكورات الخاصة بالقاعة، فقرات الحفل، المطربين المشاركين فيه .. برنامج الحفل النهائي ..
بالإضافة إلى دعوة عدد من مشاهير المجتمع من رجال الأعمال والفنانين والأثرياء للحضور، وأيضاً محرري صفحات المجتمع في الجرائد والمجلات المعروفة ..

تابع مهاب ما يحدث بإنزعاج، ولم يشارك في أي شيء .. اكتفى فقط بالمشاهدة والنظر إلى ليان بسخط والتي كانت مدركة لمشاعره القانطة نحوها ..
توالت التهنئات عليه من المقربين منه، ومن العاملين بالمشفى .. فكانت ردوده عليهم جافة مما دفعهم للشك والتساؤل، لكنه لم يهتم بأرائهم، وأجابهم بهدوء غريب ب:
-نركز في الشغل أحسن ...!

كذلك رتب مهاب لحضور مؤتمر طبي في دولة النمسا عقب فرح ليان مباشرة ليهرب مما يحدث، ويحظى بوقت خاص به ( ولكن من نوع أخر ) ..

توالت الأيام على تقى وهي في حالة نفسية سيئة .. كما إزداد نحول جسدها .. وذبل وجهها للغاية .. هي كانت تقتات ما يجعلها تصمد للحياة
ظلت هي حبيسة ذاك المنزل الذي باتت جدرانه خانقة لأنفاسها .. لم يأتْ أوس لزيارتها، فقط تركها تعاني من إرهابه المقيت بتخيلها مجيئه للإنقضاض عليها وسلبها أعز ما تملك ...

لم تعرف كيف تتصرف، توقف عقلها عن التفكير، فقد أرهقتها الظروف، وأنهكها التفكير في مصيرها المحتوم ..
كانت تقضي يومها البطيء قابعة في تلك الغرفة الصغيرة، متكورة على نفسها .. تخشى الخروج منها حتى لا تتفاجيء به موجوداً أمامها .. لساعات كانت تنتحب على الأرضية بأنين مكتوم وهي تدعو الله أن ينجيها مما هي فيه ..
لم يعد لديها أي أمل في الحياة سوى رؤية عائلتها .. والبقاء في كنفهم .. ولكن للأسف حتى هذا الأمل باتت محرومة منه ...

كانت تشعر بأنها مراقبة منه بالرغم من أن باب الغرفة موصود في غالبية الوقت، والمفتاح موضوع أسفل وسادتها ..
لكن إحساسها بوجودها في منزله جعلها تهاب من أي شيء يخصه خاصة في الليل .. حيث تظل متقدة الحواس، مسلطة أنظارها على الباب، ومتمسكة بذعر بالملاءة إلى أن يغلبها النعاس من شدة الإرهاق .. فتغفو والخوف مسيطر عليها ..

استمر أوس في مباشرة أعماله خلال الفترة الصباحية .. والتردد على القصر لتبديل ثيابه، ولم يعبأ بما يدور من ترتيبات لحفل العرس الذي بات وشيكاً ..
كما لم يعدْ يتواجد بمقر شركته لفترات طويلة، فقط الإجتماعات والأمور الهامة هي التي ينتهي منها بنفسه، والبقية يتركها للمدراء المعنيين ..
أما حينما يأتي المساء، كانت له متعة من نوع خاص .. حيث ينتظر في سيارته إلى أن يتأكد من إطفاء تقى للأنوار، فيصعد إلى منزله، ويراقبها بتمعن شديد ..
في البداية تفاجيء من أنها توصد الباب عليها، ولكنها كانت ساذجة فبنزعها للمفتاح من موضعه، يسهل عليه الأمر في فتحه بالمفتاح الأخر الذي معه ..
إلى أن حانت اللحظة الحاسمة، فقرر أن يترك لها علامة أكيدة على وجوده بالقرب منها ..
دلف إلى الغرفة بخطوات متهملة، لم يشعل الإضاءة، إكتفى فقط بالإنارة الخارجية الخافتة التي تنبعث من مصابيح الرواق ..

اقترب أوس من الفراش، ثم عقد ساعديه أمام صدره ..
وتابع سكونها للحظات .. وتأمل إرتجافة جفونها، وإنفراج شفتيها الذابلتين بتلذذ عجيب ..
تقوس فمه للجانب قليلاً في إشتهاء وهو يحدث نفسه ب:
-أول مرة هاكون فعلا مبسوط بجد باللي هاعمله فيكي ..!

إنحنى أوس بجذعه للأمام، ومرر يده ببطء على الملاءة التي تدثر أسفلها، وشعر بدفيء ينبعث من جسدها ..
ثم تلمس بحذر جبينها ووجنتها بأنامله، وتابع بخفوت هامس ب:
-مش هاتخلصي مني أبداً
وضع أوس إصبعه على شفتيها، وتحسسها برفق شديد ..
لمعت عينيه ببريق غريب وهو يرى تلك الإلتواءة عليهما .. فإبتسم بخبث قائلاً:
-كان لازم تفكر مليون مرة قبل ما تيجي ناحيتي !

تنهدت في نومها، فشعر بأنفاسها الحارة على أصابعه، فسرت قشعريرة غريبة في جسده أثارته، وأغمض عينيه ليستمتع بهذا الشعور الغريب .. وكاد أن يستسلم لأفكاره بإفتراس ضحيته، وإلتهامها بلا تردد، ولكنه سيطر على نفسه .. فأبعد يده عنها، وإعتدل في وقفته ..
ثم سار مبتعداً عنها، وتعمد أن يترك باب الغرفة مفتوحاً ليوصل لها رسالة معينة تحمل من الذعر والرعب ما يجعله يزداد إنتشاءاً برؤيتها على تلك الحالة .. فقد أزف الوقت !

كلفت لوزة فارس بالذهاب إلى المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب في محاولة يائسة منها لتقصي أي معلومات عنه ..

وبالفعل توجه هو إلى هناك، وكان على قدر كبير من الحذر كي لا يتم كشف أمره ..
سار فارس بخطوات مرتبكة ناحية الإستقبال .. وتلك المرة تعمد أن يغطي وجهه بلحية زائفة، وكذلك نظارات سوداء كي يخفي ملامح وجهه ..
طرق بيده على السطح الرخامي، فإنتبه الموظف له، ونظر لها بتمعن وهو يسأله بنبرة جادة ب:
-أيوه يا فندم

إبتلع فارس ريقه، ونظر حوله بريبة، ثم أجابه بإرتباك ب:
-أنا .. أنا كنت عاوز أشوف الباشا أوس
نظر إليه الموظف بنظرات شبه إحتقارية، ورد عليه ببرود ب:
-في ميعاد سابق ؟
-إحم .. آآ.. لأ
-يبقى مش هاينفع يا فندم، لازم يكون في ميعاد عشان تقابله

ثم إدعى الموظف إنشغاله بكتابة بعض الملاحظات على حاسوبه الخاص، وتجاهل فارس تماماً ..
زم الأخير فمه للجانب، ووضع يده على لحيته الزائفة ليتأكد من ثباتها، ثم قرب رأسه ناحية الموظف، وسأله بخفوت حذر:
-لامؤاخذة يا أخ، هاعطلك شوية

نظر له الموظف بإنزعاج، وسأله بنبرة حادة
-في ايه تاني ؟
لوح فارس بكف يده بحركات دائرية في الهواء، ثم تابع بصوت منخفض ب:
-بالراحة، ده إحنا شباب زي بعض، واخوك مزنوق كده في كام حاجة، ويا سيدي مش هأخرك ده هو سؤال بس ؟

رمقه الموظف بنظرات إستهجان وهو يسأله على مضض ب:
-ها ؟
-يعني .. يعني أنا عاوز بس أعرف هو الباشا موجود ولا لأ ؟
حدجه بنفس النظرات المتعالية قبل أن يجيبه بإيجاز ب:
-لأ
-طب هو مسافر، ولا جاي كمان شوية ؟
-لأ

لم يفهم فارس رده الموجز هذا، فسأله بإستفسار ب:
-لأ إيه بالظبط ؟!
نظر له الموظف بضيق وهو يجيبه بسخط ب:
-يعني هو مش متواجد الأيام دي
إزدادت حيرة فارس، فتنحنح بصوت خشن، وسأله بإهتمام ب:
-ليه ؟

رد عليه الموظف بنبرة شبه محتدة ب:
-معرفش !
إبتسم له فارس بسخافة، ثم سأله ببرود مستفز ب:
-حاجة حصلت عنده ؟
هنا ترك الموظف ما في يده، وحدجه بنظرات حادة وهو يسأله بجدية شديدة ب:
-إنت بتسأل ليه ؟

ارتبك فارس، وحاد ببصره عنه، وأجابه بتلعثم ب:
-هاه .. آآ.. لأ عادي، خ.. خلاص هابقى أحدد ميعاد وأجيله تاني
رد عليه الموظف بصوت حاد ب:
-يكون أفضل
نظر له بإستهزاء، ثم إبتعد عنه، وهو يحدثه بتهكم ب:
-طيب .. سلام يا .. يا ريس !
إشتعلت مقلتي الموظف بالغضب، ولكنه تمالك أعصابه كي لا يفقد رونقه مع أمثال هؤلاء الأغبياء ...

خرج فارس من مقر الشركة وهو يزفر بإرتياح، فقد نجا بإعجوبة من أن يتعرف عليه أي أحد، ولكن إزدادت حيرته، فهو لم يعرف أي معلومات تفيده يمكن أن يبلغ بها لوزة ..
بصق هو على جانب الطريق، ثم قال بسخط:
-هو يوم فقر زي وش أمه العكر !

بحثت لوزة هي الأخرى عن أوس في الأماكن التي إعتاد التواجد فيها من أجل إنتقاء من تناسبه من العابثات ليمارس عليهن ساديته، ولكن لم يكنْ له أي أثر .. ولم يظهر على الساحة في بعض الملاهي الراقية والمعروف عنها طبيعة روادها .. فالكل ينكر رؤيته لأسابيع متصلة ..

إستشاطت هي من الغضب بسبب إختفائه الغريب، وحدثت نفسها بحنق ب:
-مش هاتعرف تزوغ مني يا أوس ال ***، برضوه هوصلك
ثم أضاء عقلها فجأة بشيء ما، حيث تذكرت أمر منزله المخصص للملذات والرفاهية، فهتفت بحزم:
-كان تايه عن بالي إزاي، أكيد هايكون هناك، أنا رايحاله ..!
ثم سارت بخطوات أقرب إلى الركض في إتجاه سيارتها، وركبت خلف عجلة القيادة، وإنطلقت بها نحو منزله...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة