قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثامن

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثامن

في منزل أوس بمنطقة المعادي
تمطعت تقى في الفراش بذراعيها وهي تحاول النهوض بعد أن فتحت عينيها بتثاقل ..
لم تهتم بالهالات السوداء التي تشكلت أسفلهما، ولا بالشحوب الدائم للون وجهها.. فما يهمها حقا هو أن يمر يومها دون أن تضطر فيه للمواجهة الحاسمة مع من تبغضه ..

حركت رأسها للجانب لترتسم علامات الذعر على قسمات وجهها المتعب ..
حاولت أن تنطق بشفتيها، فخرجت الكلمات مرتعشة:
-م... مين .. مين اللي فتح الباب ده ؟

انكمشت على نفسها، وضمت ساقيها إلى صدرها، وإلتصقت بالفراش وهي جاحظة العينين، وأكملت بنبرة مذعورة:
-أنا .. أنا كنت قفلاه قبل ما أنام

إبتلعت لعابها المرير بصعوبة، ونهضت بحذر من على الفراش لتختبيء خلف باب الغرفة ..
حاولت أن تختلس النظرات من الزاوية المختبئة بها، ولكنها لم تتمكن من رؤية أي شيء ..
حبست أنفاسها مترقبة، وأغمضت عينيها وتمتمت بخفوت ب:
-أستر يا رب ..
كانت تخشى أن يكون أوس بالخارج ينتظرها لينفذ حكم إغتيال برائتها، فحاولت أن تطرد تلك الوساوس من عقلها، وتطمئن نفسها بأنه لا صحة لهذا، وأنها قد غفلت بسبب الإنهاك دون أن تغلق الباب ..

عضت على شفتيها في حيرة، وحانت منها إلتفاتة خفيفة من رأسها ناحية الوسادة، وإزداد إتساع مقلتيها حينما رأت طرف المفتاح يبرز من أسفلها ..
إنقبض قلبها، وتسارعت دقاته .. وحدثت نفسها بخوف جلي:
-مش ممكن، طب .. طب مين فتحه ؟

تنفست بعمق لتضبط نبضات قلبها - ففكرة وجدها بالقرب منه هو الفزع الحقيقي بالنسبة لها – وجاهدت لتستجمع شجاعتها الهاربة حتى تخرج من الغرفة وتتأكد من صحة شكوكها ...

سارت تقى على أطراف أصابعها نحو الخارج، ونظرت حولها ببطء وبريبة وهي تتأمل الرواق داعية الله في نفسها أن يخيب ظنونها ..
تنفست الصعداء حينما وجدت المكان هادئاً كما تركته بالأمس .. وإعتدلت في وقفتها، وسارت بخطوات واثقة نحو الصالة ..
لكن تعالت شهقتها وصرخت مذعورة حينما وجدته جالساً أمامها على الأريكة واضعاً ساقه فوق الأخرى:
-لألأ ..!

إعتلى ثغر أوس إبتسامة شيطانية وهو ينظر لها بتفحص مميت، وتلذذ عجيب، ثم نطق بمكر:
-صحي النوم يا حلوة !
صمت هو للحظة واحدة قبل أن يكمل بنبرة جادة بعد أن أنزل ساقيه، وإعتدل في جلسته ب:
-ده النهاردة .. دخلتنا !

في منزل ممدوح بمصر الجديدة
إنتهت الخادمة من تنظيف المنزل، وإعداد الطعام الظارج لرب عملها، ثم لملمت أشيائها، وتوجهت نحو غرفة مكتبه، ثم طرقت بخفة على الباب قائلة:
-أنا خلصت يا بيه كل اللي ورايا، والأكل جاهز على السفرة، تؤمرني بحاجة تانية ؟

نظر لها ممدوح من أسفل نظارته الطبية، ثم بجدية أجابها ب:
-لأ .. امشي إنتي، وبكرة تيجي في ميعادك

إبتسمت الخادمة في سعادة، ثم أجابته بتلهف:
-حاضر يا بيه
وضعت هي حقيبتها على كتفها، وإتجهت نحو باب المنزل، وقبل أن تغلقه خلفها سمعت صوتاً رجولياً حاداً يأمرها ب:
-إستني

إلتفتت الخادمة نحو مصدر الصوت، فرأت رجلاً مهيباً يبدو عليه الوقار، ولمحات من الشيب تبدو واضحة على فروة رأسه، فتنحت جانباً، واخفضت رأسها للأسفل وقالت بتلعثم:
-آآ.. أيوه يا بيه

حدجها ذاك الشخص بنظرات حادة قبل أن ينطق بصرامة:
-البيه اللي مشغلك موجود

رمشت بعينيها، وسألته مستفهمة ب:
-الضاكتور ممدوح
نظر لها شزراً، وأكمل متهكماً:
-أه هو .. هايكون مين غيره
أومأت الخادمة برأسها، وأجابته بهدوء ب:
-إيوه يا بيه .. هو آآآ..

لكزها بقسوة في كتفها لكي يلج إلى داخل المنزل وهو يقاطعها بصوت محتد ب:
-خلاص .. اوعي من وشي
إندهشت الخادمة من طريقته الفظة، ووقفت تنظر له بإندهاش وهي فاغرة شفتيها ب:
-هاه .. مين ده ياخواتي ؟
هزت كتفيها في عدم إكتراث، ثم أغلقت الباب وإتجهت نحو المصعد ...

تفاجيء ممدوح ب " سامي " يقتحم عليه غرفة مكتبه وهو يصرخ ب:
-عملتها فيا وخلعت

نزع ممدوح نظارته الطبية، وأسندها على مكتبه بعد أن نهض عن المقعد، ثم سار نحوه قائلاً بإستغراب:
-سامي، إهدى بس الأول
لوح سامي بيده في الهواء بعصبية وهو يصدح ب:
-مش هاهدى ولا هارتاح إلا لما تشوفلي حل في المصيبة اللي حدفتني فيها

أشار له بكف يده لكي يجلس وهو يحدثه بصوت هاديء ب:
-حاضر، اقعد بس عشان نعرف نتكلم
زفر سامي بإنزعاج وهو ينظر بحنق في إتجاهه، ثم إقترب من المقعد الجلدي، وألقى بثقل جسده عليه، وتابع بإمتعاض ب:
-استغفر الله العظيم، أديني أعدت، هاتعمل ايه بقى ؟

نظر ممدوح له بإمتنان لإستجابته لطلبه رغم الضيق البادي عليه، ثم تنحنح بصوت خشن، وسأله بهدوء حذر ب:
-قولي بس، إنت.. إنت دخلت إزاي ؟
رمقه سامي بنظرات ساخطة وهو يجيبه بإنفعال ب:
-من الباب !

ضيق ممدوح عينيه في حيرة، ولوى فمه للجانب قليلاً وهو يرد ب:
-بس أنا ماسمعتش صوت الجرس وآآ..
قاطعه الأخير بنبرته شبه المنفعلة ب:
-خدامتك كان خارجة وأنا لحقتها قبل ما تقفل الباب

أرجع ممدوح رأسه للخلف في تفهم، ثم أضاف:
-أها ... قولتلي
صر سامي على أسنانه وهو يكمل بصوته المحتد ب:
-أنا عاوز حل للخساير اللي نازلة زي الداهية عليا
-طيب .. اصبر، أنا هاتصرف وآآآ..

قاطعه مجدداً بنبرة غليظة ب:
-مش هاصبر، إنت وعدتني هاتخرب بيت أوس الجندي، وأنا بيتي اللي اتخرب مش هو !
نفخ ممدوح في ضيق، وحاول أن يسيطر على أعصابه كي لا ينفعل أمامه، وبذل مجهوداً مضنياً ليخرج صوته هادئاً وهو يجيبه ب:
-وأنا كنت هاعرف منين إنه هيسافر ويعمل التوكيل وآآ..

نهض سامي من مكانه وعلى وجهه علامات الغضب جلية فتوقف ممدوح عن الحديث، ثم صاح الأول محتداً ب:
-مش مشكلتي، خسارتي دي إنت اللي هاتتحملها !
ثم ضيق عينيه ليستأنف حديثه بتوعد قائلاً:
-وإلا هاتصرف بطريقتي ... !

تابعه ممدوح بصمت ولم يعقب، فتابع الأخير بصوت متوعد، ونظرات قاتلة ب:
-وصدقني يا ممدوح، أنا طريقتي مش هاتعجب أي حد، ويمكن يطير فيها رقاب !
نهض ممدوح هو الأخر عن المقعد، وسأله بجدية شديدة وهو ينظر مباشرة في عينيه ب:
-إنت بتهددني ؟

هز سامي رأسه بسخط وهو يجيبه مزمجراً ب:
-إفهمها زي ما تفهمها، بس ده أخر ما عندي، سلام !

ثم تركته وإندفع نحو باب الغرفة ليخرج منها وهو يغمغم بكلمات غاضبة تحمل سباباً لاذعاً ..
إنزعج ممدوح من طريقة الحوار الحادة، وسار خلفه محاولاً اللحاق به، لكنه كان قد خرج من المنزل، وصفق الباب بعنف ورائه، فلوى فمه في ضيق، ونطق متذمراً ب:
-أبن اخوك ومش قادر عليه، هاعملك ايه يعني ؟ اتصرف معاه، وخليني أشوف أنا هاخرب بيت أخوك نفسه إزاي !

وصلت لوزة بسيارتها أسفل البناية التي إعتادت الذهاب إليها حيث يوجد منزل أوس ..
مر ببالها ذكرى تمددها على الفراش مقيدة الذراعين، وأوس ينال منها ما يريد، يعذبها بلا رحمة، يمارس ساديته بجبروت مخيف، وهي من أسفله تتأوه وتصرخ بإستمتاع زائف ملبية لرغباته ..
كم عانت لأيام من كدماته الزرقاء، ومن أثار أظافره التي نهشت جسدها .. ورغم هذا لم تأن ولم تشتكي .. فرضاؤه غايتها الأسمى ..

كانت الإهانة الحقيقية لها حينما يفرغ منها ويأمرها بالرحيل بعد أن يلقي في وجهها بالمال وكأنها حشرة لا قيمة لها .. هي حقيقتها المقيتة، لكنها ظنت أنها معه أكثر من هذا ...
هي تعشق قوته المفرطة وسيطرته التامة، ولن تنكر أنه أرضاها، ولكنها أبت أن تظل خانعة للأبد له .. أرادت أن تذيقه من نفس الكأس، لكنه تركها تعاني من إدمان إذلاله لها .. بل من حبها المريض له ..
إعتقدت هي بتلويث شرف أخته ستكسره وتجعله يأتي مهرولاً إليها، لكنها صُدمت بأن ما فعلته أصبح هباءاً منثوراً .. ولم يؤثر فيه على الإطلاق.. بل إنه إبتعد تماماً عنها، ووضع بينهما حاجز وأخر وأخر ...

زفرت لوزة في ضيق بعد أن نفضت تلك الذكريات عن مخيلتها، ومسحت بمنشفة ورقية حبات العرق من على جبينها، وتأملت المكان بنظرات ساخطة، ومالت برأسها للأمام نحو المدخل، وصرت على أسنانها وهي تتحدث ب:
-امسكي أعصابك يا لوزة، اهدي عشان تعرفي هو فين

ثم أمسكت بخصلات شعرها ولفتها حول إصبعيها، وضيقت عينيها الحادتين، وتابعت بتوعد رهيب ب:
-بس وحياة مقاصيصي دول، لهسففك التراب يا أوس لو طلعت لايف على واحدة تانية غيري، مش أنا اللي اكون فاضلة حد، هاطلع القديم والجديد على جتتك، وهاخلص كله منك !

صفت هي السيارة بجوار الرصيف، ثم ترجلت منها، وعدلت من وضعية تنورتها الضيقة والقصيرة، وجابت بأنظارها المكان، ثم سارت بتغنج في إتجاه مدخل البناية...

في منزل أوس بمنطقة المعادي
رمق أوس تقى بنظرات مستمتعة وهو يراها تنتفض برعب أمامه ..
برزت أسنانه الحادة بقوة وهو ينطق بصرامة ب:
-ايه ؟ مفكراني هاسيبك لوحدك كتير .. ده حتى عيبة في حقي !

وضعت كفي يدها على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة، وتراجعت بتوتر شديد للخلف ..
-آآآ.. إنت !
لم تظن تقى أن شكوكها أصبحت حقيقية، وأنه بالفعل موجود معها في المنزل، والليلة هي ليلة ذبحها ..

نهض عن الأريكة بثبات، وسار واثق الخطى نحوها بجسده المتصلب ثم شمر عن ساعديه، ونظر لها بنظرات ذات معنى قائلاً بجمود:
-فستانك هناك أهوو .. قسيه !
نظرت تقى حيث أشار بعينيه، ورأت بالفعل فستاناً – لم تتبين ملامحه - موضوعاً في حافظة جلدية على الطاولة .. فإتسعت عينيها في صدمة وهي تهمس لنفسها بتلعثم ب:
-لأ .. مش ممكن، مش .. مش ممكن !

تقوس فمه بإبتسامة متشفية وقد إستطاع أن يقرأ ما تقوله عينيها بوضوح ..
أخذ هو نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم تابع بصوت جاف ب:
-مقاسك مخدتش مني مجهود عشان أخمنه، وأظن إنك مش هاتحتاجيه اصلاً النهاردة !

هزت رأسها عدة مرات رافضة لما يحدث .. ولم تطرف عينيها من الخوف .. وإستمرت في التراجع بجسدها الهزيل للخلف .. وعقلها مسيطر عليه فكرة واحدة ظلت ترددها لنفسها مراراً وتكراراً:
-إنت .. إنت مش هاتلمسني !

نظر لها أوس بعبث قائلاً ببرود:
-شكلك مش مصدقاني !

لم تتحمل هي نظراته المميتة لها، وشعرت بخدر رهيب يسيطر عليها ..
مجرد التفكير في لمسه إياها أصابها بالإعياء .. وظلت تهمس لنفسها بإصرار:
-مش هاكون ليك .. ده كله كدب .. كدب !

إزداد شعورها بالخدر وتلك المرة لم تقرر مقاومته، فإستسلمت له، وأغمضت عينيها، وإرتخت عضلات ذراعيها، وإنهار جسدها، وفقدت وعيها ..
كادت ترتطم بالأرضية ولكن كانت ذراعي أوس الأسرع في إلتقاطها والحول دون سقوطها ..

تمسك أوس بتقى جيداً، وضمها بذراعيه إلى صدره، ونظر إليها بنظرات مطولة متأملاً الوهن الرهيب الذي تمكن منها قبل أن ينالها هو ..
ثم أخفض ذراعه الأيسر ليحاوطها من خصرها، ومال بجذعه للأسفل ليضع ذراعه أسفل ركبتيها، ثم حملها وأحكم قبضتيه على جسدها، وأحنى رأسه على جبينها، وهمس لها ب:
-مش هاتعرفي برضوه تهربي مني، إنتي ليا وبس ..!

شعر بتشنج قسمات وجهها، فإزدادت إبتسامته شراسة ..
ثم أطلق صفيراً خافتاً وسار حاملاً إياها نحو غرفة النوم الأخرى .. نحو غرفته الخاصة ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة