قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخمسون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخمسون

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
إعتلت الدهشة وجه كلاً من أوس وعدي حينما رأيا مهاب الجندي يدلف إلى المكتب في سابقة لم تحدث منذ سنوات..
وقف الأخير في مكانه بثبات، ورسم على محياه إبتسامة سخيفة، وأردف قائلاً ببرود:
-ايه يا أوس ! مش هاتقول لأبوك اتفضل !
دس أوس يديه في جيبي بنطاله، ونظر لوالده بوجه خالي من التعبيرات، وهو يرد عليه بفتور:
-ما إنت موجود فيه، مش محتاج أقولك.

زم فمه للأمام، وأضاف قائلاً بهدوء مستفز:
-ممم.. عندك حق ! مكتب ابني هو مكتبي !
ثم سار بخطوات واثقة في إتجاهه إلى أن وقف قبالته، فسأله أوس بنبرة جافة ب:
-جاي ليه يا د. مهاب ؟
رد عليه مهاب وهو يرسم تلك الإبتسامة السخيفة على ثغره ب:
-عشان أزورك
لوى أوس فمه متهكماً، وهتف قائلاً بإستهزاء:
-تزورني ؟ وده من إمتى ؟

عبس وجه مهاب قليلاً، وقال بنزق وهو يرمقه بنظرات حادة:
-جرى ايه يا أوس ؟ مالك مستغرب أوي من زيارتي، عادي أنا أبوك وجاي اطمن عليك
أومأ أوس رأسه بعدم إقتناع، ثم مسح أسنانه بطرف لسانه، وأردف قائلاً بنبرة جافة للغاية:
-أها.. ولا وإني مش مصدقك، بس أوكي، هاعديها
حك مهاب ذقنه، ثم هز رأسه بحركة خفيفة وهو يتابع قائلاً بجدية:
-ماشي، المهم أنا عاوز أتكلم معاك على إنفراد !

هنا شعر عدي بالحرج، فتنحنح بصوت خشن، وهتف قائلاً بتلعثم وهو يشير بكفيه:
-إحم.. أنا هاروح أشوف بقية ال.. آآ.. الصفقات، وآآ.. والملفات وآآ..
قاطعه أوس بصوت متصلب وهو يرمق والده بنظرات شرسة:
-استنى يا عدي، لو دكتور مهاب عاوز يقول حاجة، يقولها قصادك إنت مش غريب
ابتلع عدي ريقه، وتشدق ب:
-يا أوس مافيش داعي، أنا كده كده آآآ..

قاطعه أوس مرة أخرى بجمود وهو يسلط أنظاره القوية على والده ب:
-أنا قولت اللي عندي !
إحتقن وجه مهاب قليلاً، وكز على أسنانه قائلاً بضيق:
-إنت مش عاملي إعتبار خالص، ولا شايف منك إحترام !
نظر عدي إلى أوس بضجر، وهتف بتوتر:
-خلاص يا أوس، أنا ورايا شغل، هابقى أجي بعدين
أمسك به أوس من ذراعه، وقبض عليه بشدة، وصاح قائلاً بصوت محتد ولم تطرف عينيه القاتمتين للحظة:
-استنى هنا، إنت عارف إني مش بأعيد كلامي مرتين !

نظر له عدي بنظرات راجية، وهمس قائلاً بهدوء:
-معلش المرادي بس، حقيقي أنا عندي شغل !
ثم وضع يده على قبضة أوس، وأبعد أصابعه المتشنجة عن ذراعه، وانصرف سريعاً من المكتب..
كز مهاب على أسنانه بضيق جلي، وتسائل قائلاً بغيظ:
-امتى هتغير طريقتك دي ؟
لوى أوس فمه مستهزأً، ورد عليه بتهكم صريح وهو يرمقه بنظرات غير مبالية:
-هه، دي نتيجة التربية الحميدة بتاعتكم !
نظر له مهاب شزراً، وقال بإمتعاض:
-بتتريق ؟!

دار أوس حول مكتبه، وجلس على مقعده، ثم مد يده نحو الصندوق الخشبي الصغير الموضوع على الجانب، وفتحه قليلاً وأخرج منه سيجارة كوبية، ثم أشعلها بقداحته، واستنشق دخانها، وزفره وهو يتسائل ببرود مستفز:
-مقولتليش جاي ليه ؟
بدى مهاب مختنقاً من تصرفات إبنه الوقحة، ولكنه إعتاد على هذا منه، فأخذ نفساً عميقاً، وزفره بتمهل وهو يجيبه بسؤال ماكر:
-عرفت اللي حصل لممدوح ؟
نفث أوس دخان سيجارته بتلذذ وهو ينظر لوالده بنظرات قاسية، وقال ساخراً:
-مات ؟

رد عليه الأخير بجدية وهو محدق به ب:
-لأ.. متهم في جريمة قتل !
قطب أوس جبينه في إستغراب، وهتف متعجباً
-نعم !
تابع والده حديثه بثقة وهو يجلس قبالته واضعاً ساقاً فوق الأخرى:
-الخبر على النت من إمبارح، ده أنا قولت هايكون عندك خلفية عنه !

لوى أوس فمه في إزدراء، ثم قال بنزق:
-والله أنا مش فاضي أتابع النت وغيره، وأنا عندي حاجات أهم بكتير من الهيافات دي
أمعن مهاب النظر في وجه إبنه، وأردف بصوت مندهش وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-يعني مش فارق معاك الخبر ؟ ده أنا قولت إنت هاتفرح أوي لما تعرف
رد عليه أوس ببرود وهو يعبث ببعض الملفات الموضوعة أمامه بإصبعيه:
-وأفرح ليه ؟ مايفرقش معايا !
هتف مهاب قائلاً بجموح:
-بس يهمني أنا إنك تعرف ده، خلصنا منه، قصدي معدتش هيوجع دماغنا بعمايله.

سلط أوس عينيه عليه، ورمقه بتلك النظرات القوية التي إخترقته وكأنها استشفت جريمته النكراء، فوالده هو الصديق المقرب لممدوح، وكلاهما يتشاركان في كل شيء حتى الزوجات.. وتشفي والده فيما حدث لممدوح يثير شكوكه حول كونه يقف وراء ما حدث بطريقة أو بأخرى.. أخذ نفساً عميقا، وزفره على عجالة، ثم أضاف بنبرة ذات مغزى وهو يطفيء ما تبقى من سيجارته المشتعلة:
-قصدك إنت خلصت منه، لأنه يخصك، مش مشكلتي !

إرتبك مهاب لوهلة من نظراته ابنه، وخشي أن يكون إفتضح أمره، فأوس ليس بالساذج الذي تنطلي عليه أي خدع.. فأشاح برأسه للجانب حتى يخفي توتره، وأنزل ساقه، وتنحنح بصوت خشن، ثم تسائل بهدوء حذر:
-أومال إنت مش ناوي ترجع القصر تاني ؟
رد عليه بصوت حاسم وهو محدق به بقساوة:
-لأ
نفخ مهاب من الضيق، وتابع قائلاً بصوت شبه متعصب:
-يا ريتك تفوق من اللي انت فيه، وترجع أوس بتاع زمان !

تقوس فم أوس للجانب وهو يجيبه بتهكم:
-هو أنا ضيعني غير إني أوس بتاع زمان !
ثم أخفض بصره ليتطالع ملفات عمله قائلاً ببرود قاسي:
-يالا يا دكتور مهاب، إرجع المستشفى بتاعتك، أو شوف وراك إيه، لأني مش فاضي، عندي شغل !
نهض والده عن مقعده وهو يرمقه بنظرات مستشاطة ووجهه محتقناً للغاية من اسلوبه الفظ، وكور قبضته في إنزعاج، وضرب على سطح المكتب بغيظ قائلاً بنبرة مغلولة:
-ماشي يا أوس، ماشي !
ثم أولاه ظهره وانصرف غاضباً من مكتبه..
في حين أرجع أوس ظهره للخلف، وصر على أسنانه بتشنج قائلاً:
-مش ناقصني غير الكلب ده عشان أتابعه !

على مدار الأيام التالية
استمرت التحقيقات مع ممدوح حول جريمة القتل الغامضة التي تمت في منزله..
وطلب حضور محامٍ خاص بتلك النوعية من القضايا ليتولى الدفاع عنه، ومعرفة ملابسات القضية من أجل رسم خطة الدفاع عنه...
كذلك أمرت النيابة بإستمرار حبسه على ذمة التحقيقات..

علم جميع قاطني الحارة الشعبية بمقتل رحمة ( موديل ) الكليبات الهابطة في منزل مشبوه، ووفاتها في وضعية مخلة.. فترحم البعض عليها، وزم عدد أكبر في سمعتها..
لم تطق حكمت البقاء في منزلها بعد الذي صار، فقد أصبحت سمعة ابنتها وصمة عار يعايرها الأطفال بها كلما راحت أو غدت، لذا قررت الإنتقال لمكان أخر لا يعرفها فيه أحد لتعيش ما تبقى من عمرها بعيدة عن المشاكل وخاصة أنها تحمل نفسها الذنب الأكبر في دفع إبنتها لطريق الرذيلة وإرتكاب الفواحش..

بحث عبد الحق عن غرفة صغيرة - ( بمنافعها ) كما يشاع - من أجل الإنتقال للعيش فيها مع زوجته بطة بعيداً عن والدته حتى يعوضها عن خسارتها لجنينها.. ويبدأ معها حياة مستقلة..
بينما تهللت أساريرها بعد تأكدها من صدق نواياه معها.. وشعرت بالراحة أخيراً بعد أن أوشكت على تحقيق رغبتها في الإنفصال عن تلك البغيضة التي أذاقتها المر منذ أيام زيجتها الأولى...

قرأت ناريمان ما حدث مع ممدوح من خلال مواقع الأخبار الإلكترونية.. وصدمت مما عرفته.. وأصبحت أكثر ذعراً وخائفة مما يمكن أن يفعله بها زوجها مهاب من أجل الإنتقام منها.. خاصة وأن الجريمة كانت شبه كاملة، لا يوجد بها ما يدين زوجها..

واصلت تهاني مسعاها يومياً في الذهاب إلى قصر عائلة الجندي من أجل رؤية ابنها، وظلت باقية على مقربة من البوابة الرئيسية، جالسة على الرصيف، تراقبها بكثب حتى تتمكن من التمتع بنظرة واحدة منه..
ورغم طرد الحراسة الأمنية لها إلا أنها كانت تواظب على المجيء حتى يئسوا منها، وتركوها تجلس بمفردها حتى تمل وترحل من تلقاء نفسها خائبة الرجاء، وفاقدة للأمل في رؤياه..

إصطحبت فردوس زوجها عوض الله إلى المشفى الحكومي القريب لتستأنف علاجه هناك بعد أن تدهورت صحته وعجزت عن الإستمرار في رعايته.. حيث أرهقها العناية به بمفردها مع بحثها عن سبل لتدبير أموال من أجل النفقات اليومية للمنزل وتحمل تكاليف العلاج...

رتب عدي الجولة السياحية والترفيهية للوفد الخارجي الخاص بالشركة الأجنبية التي سيتم التعاقد معها.. وأعد برنامج مميز لهم..
وبقي فقط الموافقة النهائية عليه من أوس حتى يرسله للجهة المنظمة للجولة لتشرع فيه فوراً..
كما كان يفكر في زوجته ليان كثيراً، وتمنى لو سُمح له بزيارتها في المشفى النفسي الذي تتلقى فيه العلاج.. ولكن التعليمات الطبية تلزمه بعدم زيارتها إلا بعد أن يأتي العلاج بثماره معها حتى لا تنتكس مجدداً، وتنهار بصورة أسوأ عن ذي قبل..

في مكتب المحامي أمجد سعفان
نهض سامي الجندي من مقعده مصعوقاً بعد أن أخبره محاميه أمجد بما حدث مع ممدوح، وهتف قائلاً بجموح:
-أكيد أوس الجندي ورا اللي جراله
رد عليه أمجد بهدوء نسبي ب:
-محدش عارف لسه مين عمل كده !
أشار بإصبعه وهو يضيف بتشنج بائن في جميع تعبيراته:
-مافيش غيره، هو الوحيد القادر على ده !
تنهد أمجد بإستسلام قائلاً:
-التحقيقات شغالة معاه
هز رأسه بعصبية وهو يصرخ بصوت مرتفع:
-لألألألأ.. مهما قولت، أنا متأكد من إحساسي !

ثم حدق بشراسة أمامه، وتابع قائلاً بصوت غليظ:
-أوس الجندي بينتقم من كل واحد بيجي جمبه، وبدأ بممدوح !
ابتلع ريقه بإرتباك شديد، وأدار رأسه في إتجاه أمجد، وأكمل قائلاً بتوتر:
-ومش بعيد يجي الدور عليا
مط أمجد فمه ورد عليه بنبرة دبلوماسية:
-معتقدش يا سامي بيه، لأن آآ...

قاطعه سامي بصوت محتد وقد اتسعت مقلتيه بشرر متطاير:
-انت مش عارفه زيي، أنا لازم أتغدى بيه قبل ما يتعشى بيا
ضيق أمجد عينيه، ونظر بحيرة له، ثم سأله بجدية ب:
-إنت ناوي على ايه ؟
تحولت حدقتي عين سامي إلى جمرتين من النيران وهو يصر على أسنانه قائلاً بتوعد شرس:
-أريح الناس منه، وللأبد...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة