قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي والخمسون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي والخمسون

في منزل أوس الجديد
أحضر الطبيب مختار ممرضة على قدر من الكفاءة - تدعى رقية – للعناية بتقى خلال الأيام الحالية بناءاً على تعليمات أوس الجندي بإبقائها قدر الإمكان في وضعية ساكنة حتى يتمكن من تدبير كافة الأمور العالقة حوله، وكذلك ضمان وجود المدبرة عفاف معها للإهتمام بتغذيتها ورعايتها بدنياً، وأيضاً معاونة ماريا لها...
كانت مهمة الخدم تنتهي مع عودته مساءاً للمنزل، حيث يعود الجميع لبيوتهم، ويظل هو بمفرده معها..
فالليل ملكٌ له وحده..

كان أوس يتمدد على الفراش إلى جوارها، ويحاوطها من ظهرها بذراعه، ويسند رأسها على صدره لتستمع إلى دقات قلبه الهادئة، ويشبك أصابع كفها الرقيق بأصابعه الغليظة، ويهمس لها بذكريات ماضيه، وأحلام طفولته المنتهكة..
كانت أسعد لحظاته حقاً هو التمتع بوجودها في أحضانه دون أي مقاومة منها، وإستسلامها للمساته الرقيقة عليها.. وتململها دون وعي في حضنه الدافيء..
شعور غريب إستلذ به، وامتعه كثيراً، وأراحه من الضغوط المحيطة به..

ومع هذا خشي من صحوتها، لأنها تعني إنتهاء هذا الحلم للأبد، والبدء في مشقة مواجهة حقيقة كونها معاً..
أغمض أوس عينيه، وإستنشق عبير شعرها، ثم تنهد بحرارة وهمس قائلاً:
-يا ريت الظروف كانت مختلفة يا تقى ! حاجات كتير كانت آآ..
توقف عن إتمام جملته، وإبتلع تلك الغصة المريرة في حلقه..
كذلك علقت عبرة في أهداب جفنه وهو يتابع بآسف:
-ورغم إن طلع دمنا واحد، بس.. بس أنا ماستهلكيش يا تقى، طلعت قاسي أوي معاكي، مرحمتكيش، ولا حسيت بيكي إلا متأخر !

تنهد بحرقة أشد وهو يكمل بصوت مختنق:
-آآآه لو كنت عرفت من بدري، كنت على الأقل راعيت صلة الدم اللي بينا !
ضمها بذراعه إليه أكثر، وقبل رأسها، وهمس لها بإستعطاف وهو يبكي:
-سامحيني يا تقى، سامحيني ! أنا عارف إنه مش سهل عليكي إنك تغفري اللي عملته فيكي، بس.. بس عندي أمل إنك تسامحي.. إنتي قلبك زيك أبيض !
ثم نظر إلى وجهها – ذي التعابير الجامدة – ومسح بشفتيه على جبينها، وهتف قائلاً بخفوت:
-هتسامحيني صح ؟
ترك أوس لعبراته الحرية في الإنهمار لتبلل وجهها مجدداً بدموع أسفه وندمه على ما إقترفه في حقها..

في أحد السجون العمومية
نهض مدير السجن من على مقعده، وإتجه نحو باب مكتب غرفته وهو يتابع بنبرة رسمية:
-أنا هامر على العنابر، وراجع تاني، خدوا راحتكم
ابتسم له المحامي نصيف إبتسامة صفراء وهو يجيبه بإمتنان:
-شكراً يا باشا !
تابعه ممدوح بنظراته الحادة إلى أن أغلق الباب، فصرخ قائلاً بعصبية:
-شوفلي حل يا مستر نصيف، أنا كده روحت في داهية، النيابة جددت حبسي، وهافضل في السجن ده على طول وأنا معملتش حاجة.

مط المحامي نصيف فمه للأمام، وأخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل وأجابه بهدوء حذر:
-مكدبش عليك يا دكتور ممدوح، موقفك في القضية دي صعب شوية
صرخ في وجهه بعصبية وهو يشير بيده:
-يعني إيه الكلام ده ؟
أردف المحامي نصيف قائلاً بجدية واضحة ب:
-يعني لازم حضرتك تفتكر كويس مين اللي ممكن يكون موجود في الشقة وعمل ده
-هاه
ثم تابع بإهتمام:
-البواب قال في أقواله إن باب الشقة كان مفتوح لما طلع، والمعاينة الجنائية قالت إن الباب تم فتحه بمفتاح الشقة، بس أنا شايف إنها نقطة ممكن نستغلها في صالح القضية !

حك ممدوح مقدمة رأسه، وسأله بحيرة:
-إزاي ؟
إنحنى للأمام قليلاً ليجيبه ب:
-يعني نثبت إن في حد تاني معاه مفتاح الشقة غيرك، واقتحمها من وراك، وكان مستخبي وعاوز يعتدي عليك، والضحية شافته فقتلها قبل ما تصوت ويكشف !
إتسعت عينيه في إنبهار هاتفاً ب:
-هه
إبتسم نصيف بثقة وهو يكمل ب:
-وده يخلينا نغير مسار القضية شوية، وندخل طرف جديد فيها، و ممكن يكون هو اللي ارتكب الجريمة، وخصوصاً إن إنت معندكش خصومات مع الضحية !

صمت ممدوح لعدة دقائق يفكر فيما قاله المحامي محاولاً إستنباط هوية القاتل بعد أن أضاء عقله بنقطات كانت غائبة عن ذهنه.. فهتف بصوت عالي وقد إتسعت مقلتيه:
- ناريمان كان معاها نسخة من مفتاح شقتي !
سأله نصيف بإهتمام ب:
-مين ناريمان دي ؟
أجابه بنبرة جادة وهو يهز رأسه نافياً:
-دي واحدة آآ.. لألألأ.. بس استحالة تعمل ده !

رد عليه نصيف بهدوء جاد وهو محدق به ب:
-طب ما جايز تكون هي اللي عملت ده !
قطب جبينه في عدم فهم متسائلاً ب:
-قصدك ايه؟
نظر له بثبات وهو يجيبه بنبرة متريثة:
-انها قتلت البت إياها
-هاه
ثم أضاف قائلاً بإقناع:
-يعني احتمال تكون شكت في وجود علاقة ليك معاها، فغارت منك، وحبيت تنتقم منك !

وكأن الشيطان قد لعب دوره في عقل ممدوح، فجعله يفكر في المسألة بصورة أخرى غير تلك التي رواها المحامي..
وحدث نفسه قائلاً بصدمة وهو جاحظ العينين:
-يبقى هي عملت كده هشان تدفن الماضي كله معايا، وتخلص مني، وتعيش هي مع بنتي، ولا كأن حاجة حصلت، ويبقى أنا خسرت كل حاجة !

ثم نهض عن مقعده فجأة، وصاح بصوت متذمر وغاضب:
-لأ مش أنا يا ناريمان، مش أنا !
إبتسم المحامي بإبتسامة مغترة وأرجع ظهره للخلف في شموخ بعد أن رأى أن خطته في الإيقاع بطرف جديد والزج بإسمه في القضية قد لاقى إستحسان موكله.. وربما تكون السبيل في خلاصه من حبل المشنقة..

في منزل أوس الجديد
أخذ أوس نفساً عميقاً، وزفره بتوتر وهو يفرك فروة رأسه متسائلاً بقلق:
-يعني مافيش خطر ؟
أجابه الطبيب مختار بهدوء:
-أنا موجود ولو في حاجة هاتصرف فوراً
تابع أوس حديثه بجدية وهو يشير بيده نحو باب الغرفة:
-عفاف موجودة معاها، هي بتثق فيها، يعني آآ..

قاطعه مختار بصوت هاديء قائلاً:
-اهدى يا باشا ! وجود عفاف هايطمنها أكيد، وأنا داخل جوا، وهامهدلها المسألة، ويجي دورك بعدها !
أومأ برأسه وهو يجيبه بإيجاز:
-تمام
وبالفعل تحرك الطبيب صوب الغرفة، وولج إلى الداخل، ووقف أوس في مكانه يراقب بتوتر جلي لحظة إفاقتها..

جلست المدبرة عفاف على طرف الفراش، وأمسكت بكف تقى بين راحتيها، ونظرت لها بحنو..
في حين حقنت الممرضة رقية ذراعها بإبرة طبية، ومسحت بالقطن مكانها.. ثم بادلت عفاف إبتسامة هادئة، وتراجعت للخلف..
إلتفتت عفاف برأسها للجانب، وتسائلت بتلهف:
-ها يا دكتور ؟ هاتفوق امتى ؟
رفع الطبيب ذراعه لينظر إلى ساعة يده، وأجابها بهدوء:
-في خلال دقيقة بالكتير.

تنهدت في إرتياح، وعاودت النظر ناحيتها، ومدت يدها لتمسح على وجنتها برفق وهي تضيف بصوت أمومي حاني:
-ربنا يكمل شفاها على خير
تململت تقى بهدوء، وأصدرت أنيناً خافتاً وهي تحاول فتح شفتيها.. فشهقت عفاف بفرحة وهي تقول:
-بتفوق يا دكتور، شايف
هز هو رأسه بخفة، وأجابها بثقة:
-أيوه..!

ثم نظر ناحية الممرضة رقية وسألها بجدية:
-جاهزة يا رقية لو حصل حاجة ؟
ابتسمت برقة وهي تجيبه بنبرتها الهادئة:
-ايوه يا دكتور، أنا مستعدة لأي طاريء
-تمام
حركت تقى رأسها للجانب، ومصمصت شفتيها وهي تهمس ب:
-آآآ.. آه.. آآ..

اقتربت منها عفاف، وإنحنت عليها بجسدها، ثم مسدت على رأسها بيدها، وهمست لها ب:
-تقى.. بنتي ! سمعاني ؟
جاهدت لتفتح جفنيها الثقيلين وهي تردف ب:
-آآه.. آآ.. أه
تابعت عفاف حديثها بصوت دافيء قائلة:
-أنا عفاف، اطمني، أنا جمبك يا بنتي
أكملت تقى بصوت ضعيف ومتقطع ب:
-ب.. بابا.. إنت.. أنا.. آآآ.. آه
هتف الطبيب مختار بصوت شبه مرتفع ب:
-مدام تقى ! هزي راسك لو إنتي سمعاني ؟

حركت تقى رأسها بخفة، ومالت للجانب، ولم تفتح عينيها بعد، وظلت صامتة، فصاحت عفاف بنبرة سعيدة:
-هزت رأسها يا دكتور
اقترب منها مختار، وأضاف قائلاً بصوت رخيم:
-ده مؤشر حيوي كويس !
ثم أشار بكف يده وهو يكمل بجدية:
-عن اذنك شوية، عاوز أفحصها
تنحنحت بخفوت، وهتفت قائلة بحماس وهي تفسح له المجال ومبتعدة عن الفراش:
-اها.. اتفضل يا دكتور !

أمسك الطبيب مختار برسغ تقى، وقاس معدل نبضاتها.. ثم حدثها بصوت هاديء ب:
-قوليلي يا مدام تقى، إيه أخر حاجة فكراها
مطت شفتيها، وردت عليه بصوت ثقيل:
-مم.. آآ.. أه.. أنا.. بابا، وماما، وناس م.. معرفهاش،هو.. آآ.. هو كان موجود
سألها بإهتمام وهو يعيد وضع ذراعها على الفراش:
-مين ده اللي كان موجود ؟

ردت عليه بصوت ضعيف ومبحوح وهي تحرك رأسها للجانبين:
-أنا بأكرهه.. بأكرهه.. دبحني جامد.. مش.. مش عاوزة أروح معاه، آآه
هز الطبيب مختار رأسه مواسياً إياها، وشرع في تغيير مجرى الحوار سائلاً إياها بجدية:
-طب تقدري تفتحي عينك ؟
أجابته هامسة وهي تضع ساعدها على جبينها ب:
-أه
ثم جاهدت لتفتح عينيها.. كانت الإضاءة قوية فأغلقت جفنيها على الفور، ثم بحذر وتمهل فتحتهما مجدداً، ورمشت لعدة مرات لتعتاد على قوة الإضاءة..
أخفضت عينيها قليلاً لتنظر إلى أوجه المحدقين بها..

فعرفت منهما وجه تلك السيدة الحنون، لكنها لم تتعرف إلى وجه الشابة التي ترتدي ملابساً بيضاء، ولا إلى وجه الرجل الوقور الذي يقف إلى جوارها..
تسائلت بخفوت ب:
-انتو.. انتو مين ؟
إبتسم لها مختار وهو يجيبها قائلاً:
-أنا الدكتور مختار المسئول عن حالتك
ثم أشار بكف يده نحو الممرضة، وتابع بنفس الهدوء ب:
-ودي الممرضة رقية، هي متولية الأدوية والعلاج بتاعك أثناء غيابي، وطبعاً دي الست عفاف، اكيد عرفاها !
أومأت برأسها إيماءة خفيفة ولم تعقب..

حاول الطبيب مختار أن يحافظ على ثبات نبرة صوته وهو يكمل ب:
-طبعا حضرتك مش عارفة إنتي متواجدة فين دلوقتي
عبس وجه تقى قليلاً وهي تصغي إلى ما يقول بإنتباه شديد.. بينما أضاف هو بهدوء حذر ب:
-احنا حالياً كلنا موجودين في بيت جوزك أوس باشا الجندي !
وكأن اسمه قد أطلق شرارة إنفجارها.. فإتسعت مقلتيها بذعر، وارتجفت شفتيها بشدة، واعتدلت في نومتها وهي تهتف مصدومة:
-لألألأ.. أنا جيت هنا إزاي ؟ أنا عاوزة امشي من هنا، رجعوني بيتي.

أشار لها مختار بيديه وهو يقول بجدية:
-اهدي يا مدام تقى، مافيش حد هايعملك حاجة، إنتي في آمان هنا
هزت راسها مذعورة، وصرخت فيه بخوف:
-لأ.. انتو مش عارفين حاجة
جلست عفاف على الفراش إلى جوارها، وأمسكت بكفيها، وضغطت عليهما وهتفت قائلة برقة:
-تقى يا بنتي، أنا موجودة معاكي، صدقيني الباشا مش هايقرب منك، مش إنتي واثقة فيا وآآآ..

سحبت يديها من راحتي عفاف، وصرخت فيها بإهتياج:
-لألأ.. سيبي ايدي، ابعدي عني، إنتي كدابة زيه
-كله يطلع برا، وسيبوني مع مراتي !
قالها أوس بصوت صادح وقوي وهو يدلف لداخل الغرفة..
إرتجف جسد تقى أكثر وهي ترى أنظاره العميقة مسلطة عليها، وتجسد أمامها ذكرياته العنيفة معها، فصرخت بإهتياج، وإنكمشت على نفسها
نظر له الطبيب مختار بقلق قائلاً بتوجس:
-أوس باشا ماينفعش اللي بتعمله ده، إنت كده بتبوظ اللي آآآ..

لم يحد أوس بنظراته القوية عن زوجته، وهدر مقاطعاً إياه بصرامة:
-برا، محدش يستنى هنا !
عرفت عفاف من نظراته تلك أنه لن يتراجع عن قراره، فأطرقت رأسها وهي تتنهد في حزن على تلك البائسة التي تلاقي الويلات معه، وإتجهت إلى الخارج
لحقت بها الممرضة رقية، بينما ظل الطبيب مختار في مكانه.. وهتف قائلاً بإصرار:
-أوس باشا، حضرتك بترجعنا لنقطة الصفر، مش هاقدر أحقق أي تقدم مع المدام وإنت مش مديني فرصة اكسب ثقتها !

إلتفت أوس برأسه نصف إلتفاتة، ورمقه بنظرات محذرة وهو يكز على أسنانه قائلاً بصوت قاتم:
-مراتي أنا هاتعامل معاها بنفسي !
ابتلع الطبيب ريقه وهو يقول بتوتر:
-يا باشا الموضوع نفسي مش آآ..
قاطعه أوس بصوت متصلب ب:
-شكراً يا دكتور، مع السلامة !

احتقن وجه الطبيب من الغيظ، ونظر إلى تقى بإشفاق، ثم إنصرف من الغرفة..
لاحقته تقى بعينيها المرتعدين، ووضعت يديها المكورتين على فمها لتكتم شهقاتها المذعورة..
وبهدوء مريب أغلق أوس الباب دون أن يبعد عينيه عن زوجته..

في إحدى عيادات أمراض الذكورة الشهيرة
طرق عدي بأطراف أصابعه على السطح الزجاجي لمكتب مدير العيادة، ونظر حوله بقلق وهو يحدث نفسه بإنزعاج:
-هو قدامه كتير ولا إيه، أوووف !
-سوري على التأخير يا فندم
قالها الطبيب بصوت هاديء وهو يرسم إبتسامة سخيفة على ثغره
-ولا يهمك
دار الطبيب حول مكتبه، ثم سحب مقعده للخلف، وجلس عليه وهو يتابع بجدية:
-خير يا فندم، حضرتك بتشتكي من ايه ؟

تنحنح عدي لأكثر من مرة وهو يحاول أن يجيبه بتردد ب:
-احم.. آآ.. بصراحة كده، أنا عندي مشكلة من زمان !
زم الطبيب فمه قائلاً بهدوء:
-احكي براحتك، كل اللي هاتقوله هنا في المكتب هايفضل أمر سري، وطبعاً زي ما حضرتك فاهم، أي مشكلة ليها علاج طالما تم تشخيصها صح
-أها.. اوكي.

سرد عدي بتفاصيل حرجة ما يخص مسألة عجزه الجنسي في علاقاته النسائية.. وما ترتب عليها من مشاكل زوجية سابقة أدت إلى إنفصاله، ثم إهماله للكشف عن أسباب تلك الحالة، وخنوعه لرغباته وشعوره بالنقص وتأثيره على مزاجه العام.. وتجديد شعوره بنقص رجولته مع زوجته الحالية، وخوفه الشديد من إفتضاح أمره أمامها، خاصة أنه لم يعاشرها إلى الآن..

أصغى الطبيب بإنتباه له، ولم يقاطعه، واكتقى بتدوين بعض الملحوظات في ورقة أمامه..
بدى صوت عدي مختنقاً وهو يكمل ب:
-أنا حاسس إني حياتي بتتخرب، ومش عاوز أفضل كده، نفسي أستقر، ويبقى عندي اسرة وأطفال، لكن ده مستحيل في حالتي !
رد عليه الطبيب بجدية وهو عاقد كفيه على سطح مكتبه:
-مافيش حاجة اسمها مستحيل
هز عدي رأسه معترضاً، وقال محتجاً:
-أنا عارف نفسي، مافيش علاج هايجيب نتيجة معايا.

أردف الطبيب قائلاً بثقة وهو يرمقه بنظراته الجادة:
-وأنا بأكد لحضرتك إن الطب اتقدم جداً في موضوع أمراض الذكورة، ومش إنت تقول إن كان العلاج ينفع ولا لأ، الكشوف والفحوصات الدقيقة، ومعاها العلاج الصح هيفرق كتير.. صحيح المسألة مش هتاخد يوم وليلة، بتستمر لأشهر، بس على الأقل في نتيجة في الأخر !
إلتوى ثغر عدي بإبتسامة متفائلة وهو يهتف بحماس:
-ده بجد يا دكتور ؟
اجابه الطبيب بثقة:
-طبعاً...!

في منزل أوس الجديد
أوصد أوس الباب بالمفتاح ليضمن عدم تدخل أي أحد في مصارحتهما التالية..
خفق قلب تقى بشدة، وإزدادت إرتجافتها، وصرخت بخوف:
-لألألأ.. !
أشار لها أوس بكفه، ونظر لها بحنو قائلاً بحذر:
-ششش.. اهدي أنا مش هأذيكي يا.. يا حبيبتي !

لم تنتبه تقى إلى كلمته الأخيرة لها، بل نهضت عن الفراش كالمصعوقة، وركضت مبتعدة في إتجاه الأريكة الوثيرة الموضوعة بزاوية الغرفة، وصرخت بإهتياج:
-حرام عليك، ابعد عني بقى، سيبني في حالي
حرك رأسه نافياً، وهتف بإصرار أعجب:
-لأ مش هابعد، ده من رابع المستحيلات يا تقى !
هدرت بها مهددة وهي تشير بإصبعها:
-هاموتك قبل ما تقرب مني تاني.

ثم بحثت بعينيها عن أي شيء يمكن أن تستخدمه في الذود عن نفسها أمامه، فوقعت عينيها على قطعة " أنتيكا " صغيرة، فأسرعت نحوها، وألتقطتها بيد مرتجفة، ثم ألقته في إتجاهه وهي تصرخ قائلة:
-هاموتك، هاموتك !
إنحنى أوس بمهارة ليتفادى تلك القذيفة الموجهة صوبه، وصر على أسنانه قائلاً بغيظ:
-اعملي اللي عاوزاه، بس هاتسمعيني للأخر !

جحظت بعينيها مذعورة حينما رأته يتجه نحوها، فقفزت من مكانها على الأريكة، ومن ثم نحو الشرفة، ولكنها تعثرت في السجادة، فأسرع أوس بإمساكها من قدميها، ولكنها ركلته بكل ما أوتيت من قوة أسفل بطنه، فتأوه من الآلم، وجثى على ركبته.. فإستغلت الفرصة، ونهضت عن الأرضية وركضت صوب الباب..
تحامل أوس على نفسه، ولحق بها بخطوات راكضة، وحاصرها عن الباب، ثم لف ذراعيه حولها، وحملها من خصرها، وسار بها في إتجاه الفراش..
ثم ألقاها عليه، وجثى فوقها، وثبت رسغيها على الجانبين، وصاح بصوت آجش:
-اسكتي، واسمعيني.

تلوت بجسدها محاولة إزاحة ذلك الجبل الذي يجثو على صدرها، ولكنها كانت مقيدة الحركة منه..
نظر لها أوس بشغف واضح في نظراته المتأملة لها.. فكم إشتاق لرؤيتها هكذا، تتحرك، تقاومه، ترفضه، تنبذه حتى.. فسكونها الطويل أضنى قلبه وأرهقه..
ورؤيتها تستعيد عافيتها جعل قلبه يرقص طرباً.. وروحه تنتعش من جديد..
لم تيأس تقى من المحاولة، وظلت تحرك جسدها أكثر وأكثر وهي تعض على شفتها السفلى..

أثارت تلك الحركة العفوية أوس بشدة، وأغرته لتقبيلها.. ولكنه عاهد نفسه ألا يرتكب أي حماقة معها رغماً عنها.. وزاد من ضغطه على رسغيها، ومن التحديق بها، والإستمتاع بكل إيماءة تصدر عنها..
أنهكت المقاومة جسدها، فإستسلمت لسيطرته عليها وهتفت بصوت مرتفع وهي تنظر مباشرة في عينيه بتحدٍ:
-انت.. انت عاوز ايه مني ؟
تأمل شفتيها بنظرات والهة، ورد عليه بهمس:
-عاوزك آآآ..

ثم توقف عن إتمام جملته ليستمتع برؤية إنعكاس صورته في عينيها الزرقاوتين..
غضبت تقى من صمته المفاجيء هذا، وأدركت أن نواياه الوضيعة معاها لاتزال موجودة، وخاصة أن نظراته كانت مسلطة عليها، ومحاصرة إياها.. فصرخت بمرارة لتذكره بجريمته قائلة:
-سكت ليه ؟ ايوه، عشان عاوز تدبحني تاني، مكفاكش اللي عملته فيا قبل كده، جاي تعيده تاني، وتضمن إنك قضيت عليا خالص، صح ؟ ده اللي عاوزه ؟
أجفل أوس عينيه عنها، وهمس قائلاً بندم:
-تقى.. أنا.. أنا أسف، كان غصب عني.

أغاظها رده عليها، وكأن ما فعله بها كان أمراً عادياً.. يسهل نسيانه، ولم يترك جرحاً غائراً في روحها، فقالت بإهتياج:
-غصب عنك ايه بالظبط ؟ إنك تهددني بحبس أمي أو اتجوزك، إنك تخطفني من المستشفى وتحبسني في بيتك، وتمنعني أشوف أي حد
إختنق صوتها أكثر وهي تضيف بحسرة:
-إنك تجبرني على علاقة معاك وتكتفني، وتموت فيا أغلى حاجة، وتدبحني، قولي غصب عنك ايه ؟
أرخى أوس قبضتيه عنها، وتراجع بظهره للخلف، وهمس بصوت آسف:
-مكونتش في وعيي، غصب عني ! كنت..آآ..

قاطعته صارخة بجنون وهي ترمقه بشراسة:
-إنت مش إنسان، انت حيوان، سامع حيوان، قتلتني وجاي تقولي ندمان بكل بساطة !
نهض أوس عنها، وأخذ نفساً عميقاً ليسيطر على إنفعالاته، ثم ابتلع غصة أشد مرارة في حلقه، وأولاها ظهره، وتابع قائلاً بنشيج:
-سامحيني يا تقى !

فركت تقى رسغيها، ونظرت له بنظرات ميتة وهي تصرخ فيه بتشنج:
-أسامحك ؟ بالبساطة دي ؟ طب قولي ازاي وانت دمرت كل حاجة في حياتي، أنا ماليش أي ذكريات معاك غير التعذيب، والتهديد، وال.. آآآ..
توقفت عن الحديث لشعورها بالإنكسار، فضمت قبضتيها إلى صدرها، وهتفت بصوت باكي:
-آآآه.. والدبح.. وجاي تقولي سامحيني ؟!

لم يجد أوس أي كلمات مناسبة ليجيب بها عليها، فهي لديها الحق في معاتبته بقساوة أشد من هذا، وتحميله الذنب كاملاً في كل شيء..
فهو الجاني في حقها.. وهو من هدر دمائها النقية في ثوب زفافها وليلة عرسها، وهو من دمر حلمها البسيط، وقضى على إنسانيتها..
أدمعت عينيه متأثرة بكلماتها المريرة، وأطرق رأسه في خزي..
تراجعت تقى في الفراش، وأضافت قائلة بصوت حزين وباكي:
-ضيعت فرحة أهلي بيا، وخلتني خاطية في نظر أمي، وكل الناس، هاتحس إزاي باللي أنا فيه، وإنت.. وإنت مجربتش في يوم تكون.. تكون مكسور، مذلول، مش قادر حتى تطلع اللي جواك وتقول آآآه..

إزداد نحيبها وهي تتابع ب:
-حتى دي حرمتني منها، مقدرتش أصرخ وأقول آآآه، أو ألاقي ايد تطبطب عليا، كل ده وعاوزني أسامحك ! طب ليه ؟ ها ليييه ؟ اوعى تقولي حب، لأن ده مش حب أبداُ، ده انتقام وتعذيب، وذل ومهانة، وإنت يا باشا عمرك ما حبيت حد إلا نفسك !
أغمضت تقى عينيها لتكمل بنشيج:
-كل يوم بأموت مليون مرة وأنا بأفتكر ذكرياتي معاك، ضيعت سنيني الحلوة قبل ما تبدأ، فعاوزني أعيش إزاي قولي ؟ رد عليا ؟ هاعيش إزاي طبيعية وأنا بأقرف من نفسي ؟ ومن كل حاجة حواليا.. !

إنسابت عبرات أوس الحارقة على وجنتيه بغزارة شديدة، فقد تملكه إحساس عجزه وقتما أغتصب بلا رحمة على يد ممدوح وهو طفل صغير لا حول له ولا قوة..
وأدرك شعور تقى تماماً، فهو لم يختلف عن منتهك برائته فيما فعل.. بل كان أسوأ منه بمراحل..
لم يطقْ البقاء في الغرفة أكثر من هذا وشعوره بالذنب يكاد يخنقه تماماً ويمنعه عن التنفس.. فإتجه صوب الباب، وحدق به مطرقاً رأسه في خزي، وتشدق قائلاً ب:
-احنا هنسافر مع بعض في شغل تبعي كام يوم، وأما هانرجع ه... آآ..
إختنق صوته وهو يتابع بحزن:
-هاطلقك يا تقى...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة